لقد تحمل جزء من اليسار المغربي تسيير الشأن المحلي على صعيد المجالس المنتخبة، منذ المصادقة على الميثاق الجماعي لسنة 1976 وساهم في لعب دور المعارضة البرلمانية منذ 1977، ورغم كل المحاولات التزويرية والحملات القمعية والزجرية التي قام به المخزن للتضييق على اليسار ومحاصرته للحيلولة دون لعب دوره في تأطير الجماهير الشعبية ومراقبة أموال الشعب، والدفاع عن الطبقات المسحوقة والمقهورة والعمل على تحسين الخدمات الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع، استطاع اليسار وعلى رأسه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من الوصول إلى تسيير الشأن العام الوطني وقيادة حكومة الانتقال الديمقراطي، هذا المبتغى حددت خطوطه العريضة إستراتيجية النضال الديمقراطي، في المؤتمر الاسثتنائي للحزب سنة 1975 هذه المشاركة إلى جانب المخزن لتسيير الجماعات المنتخبة ، قد عجلت بإضعاف المخزن وزعزعت بنيانه وكشفت حقيقته، على الأقل فهم طريقة اشتغاله وكيف يوظف أموال الشعب باسم الدولة لاختراقه للبنيات الاجتماعية وحشد المريدين، عن طريق السخرة والزبونية والمحسوبية والتملق والانتهازية وكل الطرق الغير الشرعية لتوسيع دائرة المستفيدين من اقتصاد الريع الغير خاضع للمراقبة والمحاسبة، والتي تعطي الامتياز الاقتصادي وتكرس اللاتكافئ وعدم المساواة، والتي بدورها توسع الهوة الاجتماعية و ترفع من درجة البيروقراطية السياسية، لقد عمل الاتحاد الاشتراكي كقوة يسارية على تأسيس مجموعة من الجمعيات والتنظيمات الموازية وهيكلة القطاعات وبالأخص النسائية والشبابية، للانغراس في صلب المجتمع وتأطير المواطن ومواكبته اليومية لتحقيق التقدم والازدهار للبلد بصفة عامة، وكان الهدف دائما الوصول إلى تسيير الشأن العام الوطني، انطلاقا من الأغلبية التي سيحققها في ضوء انتخابات نزيهة، وهو ما لم يتحقق لمجموعة من الاعتبارات، أهمها سيطرة المخزن على البوادي التي كانت تشكل أكثر من الثلثين، ضمن الخريطة الانتخابية، ثم التزوير الذي طال مسلسل العمليات الانتخابية، وهو ما دفع الحزب إلى طرح فكرة التغيير الفوقي والتوافق مع المؤسسة الملكية لتسيير شؤون الدولة المغربية، ونقل الصراع مع المخزن إلى بؤرة ضيقة في محيط السلطة المركزية، وهو ما يعني بداية القضاء النهائي على المخزن، أو على الأقل تحجيم دوره وتقليم أظافره، هذه اللغة اقتنع و تنبأ بها قادة الحزب عندما تحدثوا في مجموعة من التصريحات عن موت المخزن خصوصا مع حكومة التناوب التوافقي،أي أن الاتحاد الاشتراكي كقاطرة لليسار المغربي قدم للمغرب رجال ونساء الدولة ، وليس رجال ونساء المخزن، وما نعت بعض القيادات اليسارية بالممخزنة فيه الكثير من التغليط والتضليل والمكر والتنافس الغير الشريف داخل حزب دافع على الديمقراطية وقدم التضحيات في سبيل تكريسها كوسيلة وكغاية، ولا غرابة أن زعماء الحزب والمؤسسين، كانت تربطهم ومازلت علاقة طيبة مع ملك البلاد، وإذا كانت بعض الحساسيات والتنظيمات اليسارية تتبنى أفكارا مختلفة ومغايرة ومتناقضة أحيانا مع مواقف الحزب، أو حتى جذرية أو متطرفة، فإنها عبرت في وقتها عن دهاء المخزن الذي استطاع وعمل على خلق القطيعة أو التشويش على العلاقة التي تربط اليسار في شخص الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع المؤسسة الملكية. فهل فعلا أن المخزن مات أم لازال يقاوم التغيير مختفي في جيوب الموتى؟ وهل تم فعلا فك الارتباط بين المؤسسة الملكية والمخزن، وأن أي تعديل دستوري أو دستور بديل هو بداية القضاء النهائي على المخزن؟ يتبع