بداية لابد من الاشارة إلى ثلاث توضيحات أساسية بخصوص هذه المحاولة: أولا: المقال يتبنى الحياد بعيدا عن مختلف الالوان السياسية والقبلية والاثنية ويصبو للموضوعية النسبية. ثانيا: المقال لا يدعي الرؤية الكاملة للمشروع وهو نتاج لما هو متاح من معلومات. ثالثا: المقال وجهة نظر خاصة لباحث ومتتبع ترمي إلى بلورة تصور واضح تجاه مشروع السد يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ. تقديم: لا يختلف اثنان حول محورية الموارد المائية في الفعل التنموي خاصة بالمناطق القاحلة كتافيلالت منحة زيز وغريس، تافيلالت أم الواحات تعيش اليوم نقاشا ساخنا حول مشروع بناء سد تاديغوست على وادي غريس والذي تمت برمجته سنة 2022. بحقينة تقارب 70مليون م3 (أقل 3مرات من سد الحسن الداخل) السد كان مبرمجا ضمن المخطط الوطني للماء وقد عرفت الدراسات الجيوتقنية المرتبطة به عدة توقفات وكذا موضع السد كان محورا لعدة مراجعات، سخونة النقاش تنبع من تداعيات المشروع "السد" على سافلة الحوض (تبسيطا من تلوين إلى الرملية) وخوفا من تكرار تجربة سد الحسن الداخل، فضلا عن تزامن البرمجة والنقاش مع توالي مواسم جافة أثقلت كاهل فلاحي تافيلالت وبالتالي هناك دواعي موضوعية لخلق نقاش صحي وبناء رأي عام رصين بعيد عن التجاذبات المصلحية الضيقة. سأحاول تقسيم هذا المقال الى ثلاث محاور أساسية: إيجابيات وسلبيات السد: معطيات ميدانية مرتبطة بمشروع السد بدائل وآفاق للتفكير 1 – إيجابيات و سلبات السد: تنطوي المدخلات التقنية العصرية على العديد من الجوانب الايجابية والسلبية، ويزداد ثقل الجوانب السلبية إذا استحضرنا المجال المستهدف والحالة هنا المجال الواحي الهش. فمن التأثيرات الايجابية المنتظرة نذكر: – حماية العديد من المناطق من خطر الفيضانات وذلك بالتحكم في امتطاحات العالية (ما بين 5-11 امتطاح في السنة). -خلق قطاع سقوي سيفضي الى توسيع المساحة المسقية وتنويع المنتوجات وفتح مسارات تنموية جديدة خاصة تلك المرتبطة بالاستثمار في الاراضي السلالية في الحوضين العلوي والاوسط. – توفير عدد من مناصب الشغل المباشرة والغير مباشرة وامتصاص جزء من عاطلي المنطقة. – بنية تحتية مهمة سترافق السد من طرق وقناطر ستساهم لا محالة في فك العزلة عن بعض المناطق وتسهيل الولوج نحو عدد من الوجهات السياحية المحلية. – تعزيز الأمن المائي لحوض غريس بالرفع من حجم المياه المعبئة والموارد المتاحة، مع التأسيس لحكامة مائية تقوم على تدبير النذرة قبل الوفرة. – تقوية وعصرنة التجهيز الهيدروفلاحي لحوضي غريس الاوسط والسفلي. -الرفع من امكانيات توفير المياه الصالحة للشرب لعدد من المراكز كلميمة تنجداد وضواحيهما. -تمكين تافيلالت من طلقات متعددة تغطي فترات إنباتيه متباينة في إطار تكاملي بين سدي الحسن الداخل و تاديغوست و قد تظهر أهمية هذه النقطة في المواسم الجافة. فيي المقابل من التداعيات السلبية للسد يمكن الاشارة إلى: – تقليص عدد و حجم الامتطاحات التي تستفيد منها السافلة و بالتالي حرمان احزمة واحية طويلة من مياه الفيض (فزنا، الجرف،حنابو،السيفة،اولادسعيدان،تينغراس…إلى مقطع الصفى) وما سيفضي ذلك إلى تدهور للمنظومة الواحية و عمادها النخيل. – الحد من تغذية الفرشة الرباعية السطحية وتحت السطحية – اقبار مشاريع تحويل مياه الفيض من غريس نحو زيز سواء المنجزة لحميدة وسد مولاي ابراهيم او التي في طور الانجاز التحويل من مقطع الصفى إلى بحيرة سريج بمرزوكة. – تسريع وتيرة تدهور التنوع البيولوجي على مستوى سرير الوادي. – الاسهام في تدهور الغطاء النباتي وبالتالي تنشيط الدينامية الريحية. – الحد من تغذية سهل تافيلالت بالطمي (الرجيع) وبالتالي تدهور القدرة البيولوجية لتربة السهل على المدى البعيد. 2- معطيات ميدانية مرتبطة بمشروع السد: – من التخوفات المشروعة لفلاحي السافلة تأثير السد على صبيب الخطارات و إن كان واقع الحال و جل الدراسات الهيدروجيولوجية تؤكد ارتباط خطارات فزنا لعشورية و الجرف و لبوية و لكراير و حنابو و السيفة بمجاري و شعاب الضفة اليمنى لوادي غريس خاصة اودية البطحاء و حنيش و دويسة تبعا للميل الجيولوجي( من فزنا الى السيفة ميل خفيف من الشرق إلى الغرب ) والانحدار الطبوغرافي و الذي عموما يتجه من الغرب نحو الشرق، و كذا بتهاطلات جبال اوكنات و مرتفعات اخيت ، فكم من سنة يسجل غريس امتطاحات ضعيفة و قليلة و لا يتأثر صبييب جريات الخطارات ، و كم من موسم يعرف غريس امتطاحات قوية و في المقابل يتراجع صبيب الخطارات . – من التساؤلات المطروحة و بشدة الحد من الاستفادة من حامولات غريس ، فجل المتتبعين يعلمون مدى التوحل الذي أصاب معظم السدود التحويلية ، فعلى اعتبار ان مجموع القدرة التحويلية للحواجز و السدود تقارب بحوض غريس السفلي 63م3/ث( من سد الكفيفات إلى سد محارزة) ، فإمتطاح بحجم 32 م م3 بحوض غريس السفلي لمدة 48 ساعة ، لا تستفيد تافيلالت منه إلا بنسب محدودة تقارب 10.8 م م3 أي ما يمثل 33.7% من حجم الامتطاح – لم يتم احتساب حجم المياه المتسربة نحو الفرشاة الباطنية- بينما تضيع كميات هامة تمر نحو عالية وادي الداورة بالتراب الجزائري . وهنا مربط الفرس وهنا فرص التنمية الضائعة. – من التخوفات أيضا التي يربطها السكان بالسد، التحكم في حامولات العالية (مقطع اسول -املاكو-تاديغوست) وهنا يمكن توضيح النقاط الاتية: تقدر التساقطات السنوية بالحوض ككل 105ملم/ السنة يستحوذ الحوض الفرعي مروتشة على 42% في حين الحوض الفرعي تاديغوست يهيمن على 27% والحوض الترابطي تاديغوست-مروتشة-لحميدة 22% في حين السافلة مقطع لحميدة إلى المعيدر يسيطر على قرابة 8%. أما على مستوى كمية مياه الامتطاحات فتصل سنويا إلى 150مليون م3 تتوزع على الشكل التالي: مقطع مروتشة 43% ثم مقطع تاديغوست .34% و المقطع الترابطي 18% ثم مقطع لحميدة المعيدر 5% من هنا يتضح جليا أن قوة غريس المائية تكمن بالدرجة الأولى في الروافد اليمنى على مستوى الحوض الأوسط ( تودغى، فركلة،اكروز،توروك…). 3 – بدائل وآفاق للتفكير: يمتد الشريط الواحي على ضفاف غريس وروافده بشكل مسترسل على طول 180 كلم وبكثافة متباينة هذا الشريط يكتسي أهمية بيئية واجتماعية وتراثية كبرى ناهيك عن أهميته الاقتصادية وبالتالي حمايته تبقى أولوية تماشيا مع التزامات المغرب الدولية بخصوص حماية الواحات والتأقلم مع التغيرات المناخية. من الخطوات والبدائل التي يمكن اقتراحها: – العمل على خلق نقاش عمومي بحوض غريس ككل بخصوص هذا المشروع المهيكل، مع إشراك الجميع لملامسة وجهات النظر المتعددة. مدخل هذا النقاش مدخله الأساسي هو سياسة تواصلية فعالة يجب أن تتبناها الوزارة الوصية. – التأسيس لفعل مدني عميق و مستقل يحتضن الجميع يدافع ويرافع عن رؤية الأغلبية. – تعميق التفكير في مسألة إقامة سدود تلية صغيرة عوض سد تخزيني كبير، خاصة وأن شاهد "سد الحسن الداخل" خير دليل بالنظر لعجز السد عن تحقيق العديد من الأهداف المسطرة له. من قبيل توسيع المساحة المزروعة بتافيلالت زيز وتنويع المنتوجات الزراعية والتقليص من ملوحة المياه الجوفية. – تسليط الضوء بشكل علمي (الجدوى والمردودية) على إمكانية إقامة سد تخزيني متوسط بمنطقة اقانغريس بمنطقة تافراوت جماعة سيدي علي حيث يجري الوادي في منخفض صحراوي يمكن ان تشغله بحيرة السد كما يخترق الوادي تكوينات جبلية تعود للقاعدة القديمة مشكلا خوانق على طول 5 كلم هاته الخوانق يمكنها ان تشكل جدران طبيعية للسد. – لو كانت إقامة السد (تاديغوست) قدرا مقدورا فلابد من تسليط الضوء على تهيئة العالية بالشكل الذي يحول دون توحل السد وتقليص عمره الافتراضي (سد الحسن الداخل 180سنة) . – من الممكنات أيضا الترافع وبقوة حول فرض خريطة سقوية تضمن الحقوق المائية للسافلة وتراعي الأعراف التاريخية في هذا الباب. – إعادة النظر في الخريطة السقوية المرتبطة بزيز (خاصة سدود البروج والغرفية) من شأنه تخفيف التوتر، وخلق الظروف المثلى لتنزيل مشروع ضخم كمشروع سد تاديغوست. – التفكير في إعداد هيدروفلاحي عصري يمكن من الاستغلال الأمثل لمياه وطلقات السد، مع البحث عن طرق فعالة مثلا (أنابيب) لتجنب استغلال مجرى الوادي كقناة رئيسية لتصريف مياه السد وضمان الحد من التبخر وربح الوقت وتقليص كميات المياه (الضائعة) وإن كان لكل طريقة نقاط قوة ونقاط ضعف. – القطع مع ازدواجية تدبير المياه حيث العودة إلى الأعراف في حالة مياه الفيض وتنزيل التدبير العصري والقانوني في حالة مياه السد. اليوم بات من الضروري توحيد طريقة التدبير لتفادي النزاعات وتحقيق مستوى مقبول من العدالة المائية، – التفكير في خلق نظام مائي تكاملي بين سدود ( قدوسة و الحسن الداخل و تاديغوست) عبر آليات تغطية الخصاص و تصريف الفائض. على سبيل الختم: ليس من الضروري التموقع على طرفي ثنائية القبول أو الرفض تفاديا للمواقف المتسرعة والانفعالية خاصة مع غياب المعطيات الكاملة للدراسات التقنية و دراسات الجدوى المنجزة حول السد و عليه ، فأي رفض يفضل أن يرفق بالبدائل التقنية كالسدود التلية الصغيرة و المقترحات العملية ( انشاء فيدرالية مستعملي مياه السقي بغريس ، التفاوض بشأن الخريطة السقوية ). كما أن قبول المشروع لزاما يجب ان يرفق بشروط على رأسها إقرار الحقوق المائية للسافلة بشكل دقيق وواضح منصوص عليه في وثائق تدبير السد، وبعقد موثق يلزم كل الأطراف، فضلا عن إحداث إعداد هيدروفلاحي (سواقي، أنظمة تحويل) مدروس يؤمن استفادة كل الأراضي الزراعية بعيدا عن قبضة البورجوازية الزراعية. علاوة على ضمان تنزيل الإجراءات المواكبة للسد وفق رؤية تنموية مندمجة وواقعية للحوض ككل. * ذ. اكريمي عبد الكريم. باحث جغرافي – ارفود-