تُعد علاقة السياسة بالرياضة من الإشكاليات المركزية المطروحة على حقل علم السياسة في المغرب؛ كتخصص معرفي يدرس النظام السياسي والظواهر السياسية، من زاوية الوقائع والأحداث الاجتماعية، وهذا ما يجعل علم السياسة ينسج علاقات مع العديد من التخصصات المعرفية بما فيها علم الاجتماع. وفي هذا السياق، برزت بشكل جلي في السنوات الأخيرة وخاصة في مجال كرة القدم، ظاهرة هيمنة " رجال السياسة" على إدارة وتدبير الأجهزة المسيرة للفرق الرياضية، حيث يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى بعض النماذج: فريق الوداد البيضاوي، فريق شباب المحمدية، فريق سريع وادي زم، فريق اتحاد طنجة، فريقَا المغرب التطواني والرجاء البيضاوي (سابقا)، بالإضافة إلى فريق الاتحاد الزموري للخميسات. ومن هذا المنطلق، يطرح التساؤل حول الأسباب الباطنة والمعلنة لتنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، فهل يعد هذا السلوك عاديا ومتداولا حتى في الأنظمة الديمقراطية بما فيها بعض الدول الأوروبية وبعض دول أمريكا اللاتينية؟ أم أن هذه الظاهرة مقتصرة على الأنظمة السياسية التي تعرف عزوفا عن المشاركة السياسية؟ وهل علاقة السياسة بالرياضة تدخل ضمن وظائف الفاعل السياسي المطالب بضرورة الانفتاح على كل أطياف المجتمع؟ وما هي الأسباب التي تدعو إلى فصل الرياضة عن السياسة مادامت هذه الأخيرة تهدف إلى تطوير قطاع الرياضة؟ ومن المستفيد من الآخر؟ وهل الرياضة تتغدى من السياسة أم أن السياسة تشكل عبئا على الرياضة؟ إن علاقةَ السياسة بالرياضة تفرض على الباحث الاستعانة بالعديد من المناهج والمقاربات، وكذا الاعتماد على بعض التقنيات سواء المتعلقة بالمقابلات أو الاستمارات أو الملاحظة بالمعايشة، لذلك سأقتصر على بعض الأفكار النظرية المبنية في جوهرها على فرضيات نسبية يمكن استثمارها والإجابة عنها من داخل تخصص علم السياسة أو علم الاجتماع السياسي. أولا: في فرضية البحث عن أسواق منتعشة ظلت إشكالية علاقة السياسة بالرياضة ملتبسة، حيث يسود انطباع سيئ لدى العديد من الفئات المجتمعية من أن الفاعل السياسي يسعى إلى البحث عن "شرعيات جديدة" في ظل تآكل الشرعيات التقليدية، عبر بوابة تدبير الأجهزة المسيرة للفرق الرياضية لكرة القدم، ذلك أن هذه المحطة تسمح للفاعليين السياسيين باقتحام أسواق منتجة للحقل الحزبي. تداعيات انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي وسيادة نظام عالمي جديد تهيمن عليه الولاياتالمتحدة الأميركية، وانعكاسات ذلك على الوضع المغربي من خلال انخراط المعارضة فيما يعرف بحكومة التناوب بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي (1998-2002)، حيث عُقدت آمالٌ كبيرة على هذه التجربة الحكومية، غير أن حصيلتها اتسمت بنوع من " التواضع" على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. كما أنعشت تجربة حكومة عبد الإله بنكيران (2012-2016)، آمال جيل الربيع العربي الذي دافع عن شعار محاربة الفساد والكرامة، ليفاجأَ هذا الجيل بحصيلة حكومية موسومة بتطبيع غير معلن مع حراس الفساد. لا شك أن مخلفات التدبير السياسي للحكومات المغربية المتعاقبة، أدت إلى ظهور ثقافة شعبية معادية للفعل الحزبي الذي أضحى عاجزا عن إنتاج خطاب حزبي مغرٍ ومقنع ومقبول، لذلك حاولت بعض الأحزاب الانخراط أو اختراقبعض المكاتب المسيرة للفرق الرياضية واستمالة الجماهير المشجعة لها، ومن ثمة تركيز الجهود على الفئات المشجعة والتواصل معها وتعبئتها ولو بشكل غير مباشر. تنبني هذه الفرضية على استراتيجية تفعيل زعماء الجماهير في المدرجات عبر منحهم امتيازات "خاصة" تتعلق بتأمين مصاريف التنقل والمبيت لمرافقة الفريق في جميع المباريات، وتغطية مصاريف "الشعارات التيفوات"، بالإضافة إلى منحهم عدداغير قليل من تذاكر الدخول إلى المباريات، وهذا ما يعني أن علاقة الفاعل الحزبي تبدأ من خلال قدرته على استيعاب القيادات الجماهيرية البارزة في المدرجات، باعتبارها منتجة للخطاب التواصلي وتتوفر على مشروعية صياغة الشعارات "الخطابية". ثانيا: في فرضية حاجة الرياضة إلى السياسة وهكذا، يتعين التعامل مع الرياضة، كموضوع للسياسات العمومية والبرامج المبنية على قاعدة المساءلة وعلى أساس التنافسية السياسية الانتخابية. ومجالٍللتقاطب والتمايز الحزبي، وهو ما يلغي الحدود بين الحقل السياسي والمجال الرياضي ويفتح آفاقا واضحة لتطوير المجال الرياضي بشكل عام. دستوريا تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية، ذلك أن رئاسة الفاعلين السياسيين لمكاتب كرة القدم أو غيرها يمكن أن تساهم في تعزيز علاقة السياسي بالمجتمع، وتصحح الثقافة السلبية المرسومة على السياسة باعتبارها رمزا للانتهازية ومجالا لقضاء المصالح الخاصة على حساب الوعود الكاذبة. لا يمكن للأحزاب السياسية أن تؤطر المجتمع وفئات الشباب دون اقتحام الفضاء الرياضي بما فيه أندية كرة القدم وباقي التخصصات الرياضية، كما أن التحولات التي عرفتها الرياضة تجعل المؤسسة الحزبية منخرطة في قلب تجاذباتها، خاصة وأن الشعارات التي ترفع داخل المدرجات؛ هي في جوهرها مطالب ذات بعد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي (نموذج أغنية فبلادي ظلموني على سبيل المثال) وتعبر عن انشغالات الشباب وتحتاج لتدخل الفاعل السياسي قصد التجاوب معها أو معرفتها وتحديد موقف سياسي منها. النقاش حول علاقة الرياضة بالسياسة في المغرب، قفز عن طبيعة الرياضة كقطاع أساسي ضمن خطاطة السياسات العمومية والقطاعية والمحلية، ذلك أن مجال الرياضة ينبغي أن يتم ربطه بالتدبير السياسي القائم على المساءلة والتقييم، حيث أن دستور 2011 حاول أن يؤسس للحكومة السياسية المنتخبة المنبثقة عن صناديق الاقتراع وفق تعاقد سياسي يربط رئاسة الحكومة بالحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها (الفصل 47 من دستور 2011)، وهو ما يعني بشكل عام، أن إدارة قطاع الشبيبة والرياضة من قبل فاعل سياسي مسؤول (أمام الملك والبرلمان دستوريا وأمام المواطنين سياسيا) عن تفعيل البرنامج الحكومي في الشق المتعلق بالرياضة. وفي هذا الإطار، ينبغي التذكير بالمنظومة القانونية ذات الصلة بالتدبير المحلي، حيث يندرج قطاع الرياضة ضمن الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة (المادة 87 من القانون التنظيمي للجماعات)، كما أن تطوير الرياضة والنهوض بها يمكن أن يشكل أحد المحاور المهيكلة لبرنامج عمل الجماعة، باعتبار هذا الأخير يتضمن الأعمال التنموية المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة خلال مدة ست سنوات. (المادة 78 من القانون التنظيمي للجماعات). ثالثا: في مفارقة الربط الميكانيكي بين الرياضة والسياسة قراءة بعض مواقع التواصل الاجتماعي وما تنتجه بعض الأدبيات الصحفية حول استغلال المتحزبينلرئاسة أندية فرق كرة القدم من أجل أغراض سياسية وتحويل الجماهير المشجعة للفريق إلى خزان انتخابي وقاعدة سياسية يمكن استثمارها في المحطات الانتخابية. هذه القراءة المختزلة للاستثمار الآلي للجماهير من قبل رئاسة الفريق المنتمية حزبيا، تواجه بعض الصعوبات والإكراهات التي تحد من فاعليتها، لعل أهمها طبيعة المجتمع المغربي المطبوع بغلو ثقافة اللاتسيس، كانعكاس لما يمكن تسميته بندرة السياسة في المجتمع، كما أن جزء كبيرا من الجماهير المشجعة غير مسجلة في اللوائح الانتخابية العامة، لذلك لا يمكن الحديث عن تأمين مضمون يربط بشكل آلي تبعية الجماهير للحزب المسير لمكتب الفريق. تأثير السياسة على خيارات الجماهير يمكن أن يتعرض لنظرية الآثار غير المرغوب فيها، حيث بالرغم من التدبير الجيد لإدارة الفريق طوال الموسم الرياضي، يمكن أن تطرأ بعض التغيرات المفاجئة السريعة في نتائج المباريات الأخيرة، وتنعكس بشكل سلبي على صورة الحزب المسير للفريق، خاصة أن الجماهير الشعبية تتحكم في تصوراتها ردود فعل سريعة متأثرة بالانفعالات والعواطف والمشاعر التي تثيرها نتائج المباريات. عموما، يصعب ضبط توجهات الجماهير في ظل سياق نفسي عاطفي مضطربٍ يتعرض لتقلبات سريعة تفوق حسابات الفاعل الحزبي، غير أنه في بعض الحالات قد يتصادف التفوق الرياضي لبعض الفرق الرياضية مع سنة انتخابية، مما يفتح مساحات استثمار هذا الإنجاز سياسيا من قبل الفاعل الحزبي الذي يتولى إدارة مكتب الفريق، كما قد تتعرض بعض فرق كرة القدم لهزات أو انتكاسات مع لحظة التحضير الانتخابي فتؤثر بشكل سلبي على مسار الحزب وعلاقته بالمواطن. رابعا: في تراجع أو عدم إقبال الأحزاب الوطنية عن اقتحام الفرق الرياضية تقليديا صنف "موريس دوفرجيه" الأحزاب السياسية في كاتبه المعنون بالأحزاب السياسية (1951) إلى أحزاب الأطر وأحزاب الجماهير، وبالموازاة مع ذلك برز التصنيف الإيديولوجي المبني على معادلة اليمين واليسار في السنوات الأولى للثورة الفرنسية. مغربيا، ولئن كانت الصحافة ماتزال سجينة التمايز الحزبي المبني على أحزاب الحركة الوطنية في مواجهة ما يسمى إعلاميا بأحزاب الإدارة، فإن التحولات التي طرأت على النمط الحزبي المغربي ألغت التصنيف الصحفي وأفرزت تعددية حزبية متقاربة ومتشابهة ومنخرطة فيما يمكن تسميته بشبه الإجماع السياسي على كل القضايا والملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولها قاموس سياسي شبه متطابق، حيث إن أغلب الأحزاب السياسية تريد بلورة الخطب الملكية وتسعى إلى تفعيل الدستور وإنجاح ورش الجهوية ومواكبة مخرجات تقرير النموذج التنموي في أفق محاربة الفساد؟ وهكذا، وبالاعتماد على الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب حسب الانتخابات التشريعية لسنة 2016، هناك عشرة أحزاب سياسية، وهي كالتالي: (العدالة والتنمية، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الاتحاد الدستوري، التقدم والاشتراكية، الحركة الديمقراطية الاجتماعية، تحالف فيديرالية اليسار الديمقراطي، الوحدة والديمقراطية، اليسار الأخضر). وبناء على ما تقدم، يمكن الاستنجاد بالتصنيف الصحفي التاريخي القائم على أحزاب الكتلة في مواجهة أحزاب الإدارة، حيث يتضح بشكل جلي وخاصة في السنوات الأخيرة هيمنة أحزاب الأصالة والمعاصرة (الوداد البيضاوي) والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري (شباب المحمدية اتحاد طنجة، فريق الرجاء البيضاوي)، والعدالة والتنمية (سريع وادي زم) على المكاتب المسيرة لكرة القدم بالنسبة للفرق المشار إليها، وفي مقابل ذلك، يلاحظ عدم قدرة أحزاب؛ الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، الحركة الديمقراطية الاجتماعية، تحالف فيديرالية اليسار الديمقراطي، الوحدة والديمقراطية، اليسار الأخضر على اقتحام رئاسة أندية كرة القدم المنتمية للدوري الاحترافي. وفي هذا المنحى، يمكن الإشارة إلى حالة استثنائية داخل أحزاب الكتلة، وتتعلق بتدبير حزب الاستقلال سابقا للمكتب المسير لفريق المغرب التطواني خلال الفترة المتراوحة بين 2005 و 2018. خامسا: في إشكالية ازدواجية إصباغ التكنوقراطيين باللون الحزبي لقد اهتمت العديد من الأبحاث في علم السياسة بدراسة النخب المغربية، حيث ركزت جلها على فئة الوزراء وذلك من خلال الإجابة عن مسار وقنطرة الاستوزار ومنافذه، مع الوقوف على قضية التكنوقراط وتحويلهم إلى متحزبين في المناصب الحكومية، غير أن الدراسات في حقلي علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي في المغرب أغفلت تحليل إشكالية إصباغ رؤساء الفرق بالانتماءات الحزبية، وهي إشكالية تحتاج إلى دراسة معمقة في ظل السهولة والاختزال الإعلامي الذي يحكم نمط تصور بعض التحليلات لعلاقة الأحزاب السياسية بالفرق الرياضية لكرة القدم في المغرب. وفي هذا المنحى، يتضح أن جميع رؤساء المكاتب المسيرة للفرق الرياضية لكرة القدم (موضوع التحليل)، ولئن تم تصنيفهم بكونهم منتمين حزبيا، فإنهم لا يعتبرون قيادات أو مؤسسيين للأحزاب التي ينتمون إليها، كما لم يسبق لأحدهم أن عين أو انتخب عضوا في المكتب السياسي أو اللجنة التنفيذية أو الأمانة العامة للحزب الذي ينتمي إليه. هذه الملاحظة، تنزع عن موضوع علاقة السياسة بالرياضة في الشق المتعلق بأندية كرة القدم طابع اليقين الجاهز، وهو ما يعني عدم قدرة الفاعل السياسي بأن يتسلل لهذا الفضاء الذي في جوهره يظل في حاجة إلى التسيس من بوابة الفهم والتأطير والمواكبة والتكوين والدعم. ومن ثمة، تظل مسألة علاقة الأحزاب السياسية بالمكاتب المسيرة لكرة القدم نسبية ومؤقتة وعابرة وغير مُمأسسة، وتجعل أحيانا الخطاب الصحفي أو حتى بعض الأصوات المنددة بهذا الزواج غير المكتمل بين الرياضة والسياسة مجرد خطاب لمحاصرة الخصوم، والحال أنه حتى الفاعل الحزبي نفسه مجرد تكنوقراطي غريب عن الحزب وليس له دور في تسيس فئة الجماهير الرياضية. وهكذا يتعين فتح المجال للفاعل الاقتصادي من أجل تطوير تنافسية الفرق الرياضية لكرة القدم ونقلها من حالة الفرق الهاوية إلى حالة الشركات الاقتصادية، ونفس المقتضى ينطبق على الفاعل الحزبي الذي ينبغي أن يدخل هذا المجال من أجل تعزيز حكامته وجودته، وأن انخراط الفاعل الحزبي في هذا المجال، سيجعل الرياضة في قلب التدبير العمومي ومن أوليات الشأن العام. * أمين السعيد: أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله