شهدت أروقة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي دينامية خاصة في إعداد مشاريع إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، تهم أساسا إقرار نظام أساسي خاص بهيئة الأساتذة الباحثين،وهيكلة منظومة التعليم العالي ومكوناتها،ومبادئ الحكامة الجامعية وقواعدها وأجهزتها و مبادئ التنظيم البيداغوجي علاوة عن أصناف الأساتذة الباحثين ومهامهم. وقبل الحديث عن سمات مشروع إصلاح منظومة التعليم العالي – صيغة 5 أبريل – بين الحكامة والتحكم، من حيث هيكلتها الجديدة ومكوناتها ، لابد من التأكيد مرة أخرى أن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين قد أخذ نصيبا وافرا من النقاش بين الوزارة الوصية والأجهزة النقابية من خلال اللجان الموضوعاتية المشتركة، انتهى بالاتفاق على مشروع نظام أساسي جديد، عنوانه البارز الوضعية الاستثنائية مقابل الموافقة على مشروع النظام الأساسي الجديد. وهذا ما دفع بالأساتذة الباحثين إلى رفض المشروع بصيغته الحالية، لأنه منحاز و غير متوازن ولا يأخذ الوضعية المادية والمعنوية لجميع فئات الأساتذة الباحثين بعين الاعتبار، علاوة على ذلك، فهو لا يتلاءم والمهام الجديدة الموكولة لهم في مشروع إصلاح منظومة التعليم العالي. ورغم الرفض الواسع للمشروع في صيغته الحالية في مختلف الجموع العامة المحلية والجهوية والبيانات النقابية، فإن النقابة الوطنية، على الأقل، وافقت على مسودة المشروع غير مكترثة بمواقف القواعد النقابية ومطالبهم العادلة والمشروعة، معللة قرارها بالزيادة المهمة في أجور السيدات والسادة الأساتذة الباحثين وإضافة درجة "د" والوضعية الاستثنائية. وإذا كانت طبيعة الحوار والتفاوض تقتضي حصول كل طرف على ضمانات ملموسة كفيلة بتحصين موقفه وموقعه التفاوضي، فإن الأجهزة النقابية، وتحديدا النقابة الوطنية، قد وافقت على مشروع النظام الأساسي بعد إخلاص النية فقط أي من دون ضمانات واضحة و دعم القواعد النقابية لمواقفها الأحادية الجانب. وهنا نتساءل، مع عموم السيدات والسادة الأساتذة الباحثين، ماذا سيكون موقف النقابة الوطنية في حال رفض السلطات الحكومية، وتحديدا وزارتي المالية والوظيفة العمومية، للمقترح، والمرور إلى السرعة القصوى في تنزيل القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؟ ألا يشكل ذلك ضربة موجعة لما تبقى من مصداقية النقابة الوطنية، قد تعجل بإصدار شهادة وفاتها أو على الأقل بانفراط عقدها؟ثم ألم يان للنقابتين الوطنية والمغربية تجاوز خلافاتهما والعمل سويا في جسم نقابي واحد بما يخدم المصلحة العليا للجامعة والجامعيين، والتخلي عن الشعارات المصكوكة والمسبوكة، كالمنظمة العنيدة عفوا العتيدة، والممثل الشرعي و الوحيد والأوحد، وغيرها من الشعارات التي لم تعد تجدي نفعا مع الجيل الجديد من الأساتذة الباحثين ومع التطورات المتسارعة لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؟ وفي المقابل هل تجازف الوزارة الوصية بالأمر وتتراجع عن وعودها وتفتح باب العمل النقابي على المجهول. ألا يتطلب تنزيل مشروع إصلاح التعليم العالي و تفعيل سياسة اللامركزية واللاتمركز والجهوية الموسعة في تدبير منظومة التعليم العالي قدرا من الإجماع والتوافق بين جميع مكونات الخريطة الجامعية؟ هذه أسئلة، وغيرها كثير، الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عنها. وإذا كان النقاش محتدما حول مشروع النظام الأساسي بين أوساط السيدات والسادة الأساتذة الباحثين، فإن مشروع هيكلة منظومة التعليم العالي لم يحظ بنقاش واسع، رغم أهميته البالغة في تحديد معالم مستقبل الجامعة المغربية ودورها في التنمية الشاملة للبلاد. ونظرا لتعدد أبواب وفصول ومواد المشروع المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فإننا سنقتصر، في الوقت الراهن، على تقديم قراءة في الفصل الثاني من المشروع المتعلق بحكامة المنظومة وآليات التنسيق بين مكوناتها ، وذلك لعدة اعتبارات منها: – أولا: إن الفصل الثاني من المشروع يقدم تصورا جديدا للجامعة المغربية، ينبني على الشراكة الحقيقية و المباشرة بين الدولة والجامعة، من خلال حضور وزارة مصغرة داخل الجامعة باسم المجلس الإداري الذي سيسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على صعيد الجامعة، وممارسة جميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الجامعة، وبصفة إجمالية إن المجلس الإداري (الوزارة المصغرة) يتداول في جميع القضايا المتعلقة بمهام الجامعة وحسن سيرها في أفق التدبير الأمثل للموارد البشرية والمالية. ثانيا : تسيير الجامعة، باعتبارها مرفقا عموميا، تسييرا مشتركا بين السلطة المحلية (المجلس الإداري، الوزارة المصغرة) التي يرأسها رئيس يتم تعيينه بظهير شريف باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد (من دون حصر مدة التجديد) والهيئة المنتخبة بصلاحيات مشروطة ( رئيس الجامعة) وفق المسطرة المعهودة في اختيار رئيس الجامعة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد أيضا (من دون حصر مدة التجديد ). ثالثا: يشكل المجلس الإداري (السلطة الحكومية) أعلى سلطة في التنظيم الهيكلي للجامعة، ويتشكل من شخصيات غير جامعية بحكم القانون أو بالتعيين، ويحضرها رئيس الجامعة باعتباره عضوا استشاريا أي من دون صوت تقريري. رابعا: تقليص صلاحيات رئيس الجامعة وتحديد اختصاصاته بكل دقة، وذلك بربط ممارسة صلاحياته المختلفة بعرضها على المجلس الإداري للمصادقة قبل الشروع في تنفيذها في أفق التدبير الأمثل للموارد المالية والبشرية. خامسا: يترتب عن وجود المجلس الإداري كسلطة حكومية بصلاحيات واسعة موازة مع الهيئة المنتخبة (رئاسة الجامعة) تكريس لمبدأي المستخدم (المادة 17 من القانون 01.00 ) والتعاقد المنصوص عليه في مشروع النظام الأساسي بصيغة ذكية، من خلال التنصيص على تبعية الأساتذة الباحثين للجامعة. حيث تنص المادة 39 من المشروع في هذا السياق على ممارسة رئيس الجامعة لمجموعة من الصلاحيات والاختصاصات ومنها على الخصوص تعيين الأساتذة الباحثين والموظفين الإداريين والتقنيين والمتعاقدين بالجامعة. سادسا: تقليص تمثيلية الأساتذة الباحثين داخل مجلس الجامعة حاليا، أو مجلس الشؤون الأكاديمية للجامعة في المشروع، وذلك بالاقتصار على ممثلين (بالتثنية أو الجمع) من فئة أساتذة التعليم العالي من حقول معرفية مختلفة يتم تحديده بنص تنظيمي، دون غيرهم من الفئات الأخرى ، مما يمنح أغلبية مطلقة للأعضاء المعينين بحكم القانون. …يتبع د. محمد القاسمي جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس.