في محنة الرئاسة مازال الرئيس التونسي قيس سعيّد يتعرض لانتقادات حادة من بعض نواب الشعب وبعض الأحزاب المناوئة له وأتباعهم على الملأ ودون مواربة ولا احتراما لهيبة الرئيس رمز الجمهورية التونسية، فالدولة التي منحت للشعب الحرية في قول ما يشاء، ربما استغلها البعض للانتقاص من الأشخاص والتجريح والتشنيع بهم وسبّهم وحتى لعنهم أحيانا، هذه الجرأة غير المناسبة تنبئ عن شخصية مضطربة ومريضة تحتاج إلى علاج نفسي عاجل، وإلا فكيف برجل مثقف مثل راشد الخياري يمثل الشعب في مجلس النواب يتلفّظ بألفاظ نابية في حق رئيس الجمهورية ويصفه ب" الأبله" وهو وصف لا يليق من نائب له وزنه في البرلمان التونسي، وآخر يصفه ب" الأحمق" وكثير هذه الصفات تصدر إما من حزب ائتلاف الكرامة الذي انتخب الرئيس قيس سعيد واستغله في فترة الانتخابات ليكسب مزيدا من أصوات الشعب التونسي وإما من حزب حركة النهضة لأن الرئيس لا يستجيب لإملاءات الحركة ويتصرف وفق ما تريده مؤسسة الرئاسة ويعتبرون تصرفاته مريبة ومشكوك فيها وليست ديمقراطية ولا دستورية، وينصّب أتباعها أنفسهم أوصياء على الرئيس فينعتونه بأشدّ أنواع النعوت القبيحة ولا يبالون بذلك، ولم يكفّوا ألسنتهم حتى في الشهر المبارك عن هذه الاستفزازات البالية ويحفظوا ألسنتهم بل أطلقوها شرقا وغربا للسبّ والشتم والاستهزاء والسّخرية وكلها أعمال منهيٌّ عنها في شهر رمضان. فالنائب راشد الخياري ورئيس حزبه سيف الدين مخلوف نسيا ما فعلاه في مطار تونسقرطاج وعلى المباشر من صياح وصراخ وتعطيل لأهم شريان حيويّ في البلاد، واعتبرا ذلك حقّا من حقوقهما كنائبين للبرلمان وغيرها من الأفعال داخل مجلس النواب التي تصورهم وكأنهم أطفال يتشاجرون ويتخاصمون ويرمون بعضهم بعضا بكلمات يندى لها الجبين ويتصرفون تصرفات الصبيان، فهؤلاء مَن يحاكمهم، ومَن يلومهم ومن يقف في وجوههم، وهذه حركة النهضة من قادةٍ وأتباعٍ جنّدوا أقلامهم من أجل النيل من هيبة الدولة عبر انتقاد عمل الرئيس في كل يوم، ويترصّدون كل كلمة وكل حركة للاستهزاء به وتشويه سُمعته أمام الشعب التونسي، فكل هذه الأعمال لا تليق بمن وَصفوا أنفسهم مثقفين وانبرت أقلامهم كل يوم تُعلمنا الديمقراطية كيف تكون، هل يُفصّلون هذه الديمقراطية على مقاسهم؟ أم يعتبرون أنفسهم ملائكة لا يخطؤون؟ كفاكم أيها الفئة واخشوا ربكم في شهر رمضان وغيره من الشهور، إذا أردتم النقد فليكن بنّاء دون استفزاز ودون نيل من الأشخاص خاصة شخصية رئيس الجمهورية التي تعتبر شخصية الدولة وهيبتها في الداخل والخارج. هناك أزمة ثقة بين بعض الأحزاب ومن شايعهم وبعض الأفراد وبين مؤسسة الرئاسة التي تعاني حسبما يبدو من عدم التواصل وعدم التجانس مع بعض من يسمون أنفسهم أحزابا ومثقفين، همهم التشهير بالناس على صفحات التواصل الاجتماعي، والإيقاع بهيبة الدولة في الحضيض لتكون مثار نقاش في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية يطلع عليها القاصي والداني، في الوقت الذي ينبغي على جميع الأحزاب أن تضع يدها في يد بعض لتنهض بتونس الجريحة، تونس التي تتنفس بصعوبة، وبدأت تحتضر أمام أعيننا ونحن نتخاصم على تركتها، بل نراها تموت ببطء ونحن من حولها لا نبالي، مازالوا يرسمون في أذهانهم شكل الدولة الذي يريدون، فالرئيس عندما تحدث عن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمنية محق في ذلك، فمن يكون إن لم يكن هو، فهو القائد الأعلى في حالتي السلم والحرب وهو ما كفله له الدستور، ولكن الآخرين كانوا في كلمته تلك التي قالها في احتفال عيد القوى الأمنية بالبلاد التونسية يتوجسون خيفة ويعتبرونها نوعا من التهديد أو نوعا من القفز على الدستور والتحول إلى الديكتاتورية من جديد، فانهالوا عليه بالتجريحات والانتقادت المفزعة والمخجلة في الوقت نفسه. فهو قالها بعفوية تامة وحسن نية وأوّلها الآخرون بخبث ودهاء وحوّلوها إلى مادة دسمة تلوكها ألسنتهم بغير ما أنزل الله به من سلطان. كما تعرض لانتقادات شديدة من الحزبين نفسيهما وأتباعهما وبدرجات متفاوتة عندما زار جمهورية مصر والتقى رئيسها عبد الفتاح السيسي واعتبروا ذلك خيانة للثورة التونسية التي تنبذ الديكتاتورية المصرية ويعتبرون زيارته ليست في محلها ولا ينبغي لرئيس تونس أن يقيم علاقات مع دولة لا يرغبون في أن تكون لهم معها علاقات ونسي الجميع ما حدث في الماضي من تقلبات رؤساء الأحزاب فيما بينهم، ومن المفاجئ أن يبث خبر في اليوم نفسه عن تحسين العلاقات التركية المصرية وأن هناك زيارة مرتقبة للوفد التركي لمصر لتحسين العلاقات بين البلدين وقد جاء هذا الكلام على لسان وزير الخارجية التركي مولود أوغلو، ولا نستبعد زيارة لأردوغان لمصر، أو زيارة للسيسي لاسطنبول في القريب العاجل فماذا سيقول حينئذ هؤلاء؟ لا شك أنهم سيقولون إنها السياسة، بل إنها المناورة والمراوغة والابتذال السياسي. فتونس اليوم تحتاج إلى جميع أبنائها بتفاوت قدراتهم، ولن تُبنى على الخلافات العميقة والصراعات الحزبية والايديولوجية فتلك طريقة تقليدية كلاسيكية لا معنى لها في عالم اليوم، وإنما تُبنى على التفاهم والتناغم والانسجام في الأساس، لتقوم وتنهض من جديد، وإلا فإن البلاد على حافة الإفلاس السياسي والاجتماعي وعندئذ لا ينفع اللوم الشديد.