تصريحاتي حول الجزائر لم تكن تدخلا في خيارات الاخوة الجزائريين وأراهن على العلاقات الثنائية... لم أتجاوز صلاحياتي القانونية.. وكل تحركاتي تمت بالتنسيق مع رئيس الحكومة... لا نريد استقرار المقابر.. نريد استقرارا ضمن مجتمع حيوي ومناخ من الجدل والحوار.. والتجاذبات حالة صحية... كل الذين تحدثنا إليهم في القصر الرئاسي، أكدوا أن الوضع داخل هذا العالم الذي جعل منه الرئيس المخلوع، عالما سريا، قد تغيّر رأسا على عقب.. فقصر قرطاج بات مفتوحا للجميع، يأوي إليه الأطفال والشيوخ والتلاميذ، والنساء والرجال، بلزوم ما يلزم من الاجراءات الأمنية، بكثير من الانفتاح وحسن القبول... ترى الوجوه هناك ضاحكة، مستبشرة، غاب عنها ذلك التجهم الذي كان يرابطها طيلة أكثر من عشرين عاما، ويكفي أن تتلقى إشارة أولى للدخول إلى القصر الرئاسي، حتى تجد نفسك في قاعة بانتظار رئيس الجمهورية.. استقبلنا السيد الرئيس بتواضعه المعتاد، فلا شيء تغير بالنسبة للسيد المنصف المرزوقي.. نفس البسمة ونفس النظرة الثاقبة.. وبذات الأريحية التي عرف بها.. حيانا بحرارة، ولم يطلب أسئلة مسبقا.. كما لم يطلب اطلاعه على محاور المقابلة الصحفية، مباشرة دخلنا صلب الموضوع.. سألناه عن الاعلام، والتجاذبات السياسية، وعن صلاحياته التي يعتقد البعض أنه تجاوزها وقفز عليها، وعن مضمون الهدنة التي اقترحها، وعن مواقفه المثيرة للجدل بخصوص الجزائر، وعن العلاقات مع ليبيا، وقرار عدم تسليم البغدادي المحمودي، كما سألناه عن فكرة الاندماج المغاربي التي طرحها في ليبيا، وينوي تحريكها في زيارته المرتقبة إلى كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا.. طرحنا عليه العلاقات التونسية الفرنسية على مشرحة التساؤل النقدي، وحاورناه حول التحالفات الدبلوماسية التونسية المحتملة في المستقبل، وسألناه عن الموقف التونسي من الملف السوري، وعن العلاقة مع قطر، ومستقبل العلاقات مع إيران والمنطقة الآسيوية.. لم يتردد رئيس الجمهورية في الإجابة عن جميع التساؤلات، بحيث تطرقنا معه إلى دعوته لجلب المخلوع وعائلته لمحاكمتهم في تونس، وعن أسلوب ممارسته للحكم، حتى عندما قلنا له أنك بهذا الأسلوب قد تكون "خدشت" كاريزما الرئاسة، لم يغضب، وأجاب بكيفية مثيرة ولافتة.. ظل السيد المرزوقي، ذاك الرجل الذي يقول عن نفسه: "أنا ابن الشعب"، لذلك تراه يحن إلى الأكلات الشعبية التونسية، فلم تغيّره أبهة القصر الرئاسي.. يفيق الرئيس في السابعة صباحا.. يتولى القيام بحصة رياضية ثم يتجه نحو مكتبه المتواضع الذي تراكمت عليه الملفات.. ويكاد الرجل لا يخرج من اجتماع منذ الثامنة صباحا حتى يدخل في اجتماع آخر، أو يتجه لزيارة، حتى منتصف الليل... قال لنا بالحرف الواحد: " نشعر أن الوقت لم يعد يسعفنا، فالتركة ثقيلة، والملفات ضخمة، والوقت قصير..." لم يفارق الرجل المطالعة، وجدت بالقرب من مكتبه كتابا باللغة الفرنسية حمل عنوان "مجتمع المتساوين" (La société des egaux)، قال إنه يسترق الوقت بين اجتماع وآخر، لكي "يلتهم" بعض الصفحات، فالمطالعة جزء من الحياة اليومية لساكن قصر قرطاج... وصف "بالمثقف" و"المناضل"، وهذا ما تلمسه فيه وأنت تجلس إليه، فلا تملك إلا أن تحترمه، حتى وإن اختلفت معه في بعض المقاربات أو المواقف.. لا يولي أهمية لما يسميه "الكاريزما المصطنعة"، لأنه يعتبر الكاريزما أخلاقا وقناعات ومواقف، وما دون ذلك فهو عجرفة ووضاعة وأبهة فارغة.. في الطريق إلى مكتب السيد الرئيس، وجدنا صحفية من جريدة الصباح" التركية كانت في حوار معه، خرجت تلك "الصباح"، ودخلت "الصباح" التونسية.. فكان هذا الحوار الذي خص به أول صحيفة يومية في تونس منذ وصوله إلى سدّة قرطاج.. *سيدي الرئيس، لنبدأ بتصريحاتكم الأخيرة بخصوص الشأن الجزائري التي أثارت الكثير من الانتقادات السياسية والاعلامية في الجزائر.. ألا تعتقدون أن مثل هذه التصريحات، قد تؤثر على فكرتكم التوحيدية، وتمس من العلاقات بين تونسوالجزائر؟ -لا أعتقد ذلك اطلاقا.. ما أردت قوله، هو أننا تاريخيا جربنا ما يؤدي إليه عدم الاعتراف بنتائج الصندوق الانتخابي من مشاكل.. أنا لا أريد أن أحكم على اخوتنا الجزائريين، هم أدرى بمشاكلهم وبطريقة حلها، لكن مستقبلا أقول لا بد من القبول بما يفرزه صندوق الاقتراع، وسنرى ما سيفعله الاسلاميون، هل سيمارسون الديمقراطية الحقة؟ وهل سيقبلون بالتداول الانتخابي؟ شخصيا هذا ما أتمناه.. إذن، فتصريحاتي كانت في هذا السقف بالذات، ولم تكن تدخلا في خيارات الجزائريين أو في طريقة حكمهم.. *خلال زيارتكم إلى ليبيا، سيدي الرئيس، تحدثتم عن الشراكة الحقيقية مع هذا البلد الشقيق، واعتبرتم البوابة الليبية مهمة بالنسبة لتونس، والعكس بالعكس.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن التعويل على ليبيا التي لم تستقر أوضاعها بعد؟.. ألا تفكرون في بدائل أخرى؟ -بالنسبة إلي، أهم البدائل لليبيا، هي الجزائر لأن لدينا مصالح مشتركة، واقتصادنا يمكن أن يتوحد مع نظيره الجزائري.. وشخصيا أعطي أهمية كبرى لعلاقاتنا بالإخوة الجزائريين، وسأذهب إلى الجزائر لأقول لهم أننا بحاجة إلى بعضنا البعض، وبطبيعة الحال، فإن أمن حدودنا، وتطور الوضع هناك، مرتبط بالجزائر، وبالتالي، فإنني أضع العلاقات التونسيةالجزائرية على قدم المساواة مع ما ينبغي أن تكون عليه علاقاتنا بليبيا، أو حتى بالمغرب، التي تربطنا معه علاقات استراتيجية، ونفس الشيء لا بد أن ينسحب على اخوتنا في موريتانيا.. بالنسبة لي، كل هذا الفضاء المغاربي، هو فضاء موحد، ويجب أن نسعى بكل قوانا إلى فتحه على "الحريات الخمس".. لكن دعني أضيف هنا، أننا نراهن ونحرص على استقرار الأوضاع في ليبيا الشقيقة، ليس لأن مصلحتنا تقتضي ذلك، وإنما لمصلحة اخوتنا الليبيين بالأساس.. *أشرتم في ليبيا إلى أن تونس لن تسلم البغدادي المحمودي، إلا بضمانات لمحاكمة عادلة له في ليبيا.. إلى أي مدى يمكن أن تتمسكوا بهذا الموقف، إزاء ضغوط فرنسية محتملة، على اعتبار أن البغدادي يملك معلومات دقيقة حول بعض الملفات التي تخص العلاقة بين القذافي والرئيس الفرنسي، ساركوزي، خصوصا في موضوع الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي التي يتردد أن القذافي موّلها؟ -لا علم لي بأي ضغوط فرنسية.. شخصيا لم تمارس عليّ أي ضغوط، ولا أعتقد أنه ستمارس عليّ ضغوط من أي كان، وهذا ما أنفيه تماما.. *البعض استغرب موقفكم من تسليم البغدادي.. إذ كيف لرجل حقوقي مثلكم سيدي الرئيس، أن يرفض تسليم شخص كان من أعمدة النظام الديكتاتوري الليبي المورط في القتل والاجرام والفساد؟ -أنا قلت للإخوة الليبيين في لقاء ببنغازي، وبشكل واضح، أنني عشت وفيّا لمبادئي، ولن أتنكر اليوم لهذه المبادئ والقناعات، وبالتالي قلت لهم أننا لن نسلم البغدادي المحمودي، طالما ليس هناك استقرار في ليبيا، وليس ثمة مؤسسات أو عدالة حقيقية مستقلة، صحيح أن هذا يأخذ بعض الوقت، لكننا سننتظر حتى استيفاء جميع الشروط الممكنة لتسليم الرجل.. ولا بد أن أنوّه هنا بموقف المستشار مصطفى عبد الجليل الذي كان جدّ متفهما لهذا الموقف، وقال بعبارة صريحة، نحن الذين سنبادر بالمطالبة بالبغدادي المحمودي عندما تتوفر هذه الشروط.. وبالتالي، فتونس لن تسلم البغدادي، إلا عندما نتأكد بأن الرجل ليس مهددا بالإعدام أو التعذيب أو غير ذلك، وهذا لا يدخل تحت شرف مناضل في حقوق الانسان، وإنما شرفنا نحن كتونسيين. أما كيف نسلم البغدادي، فأنا أذكّر هنا بالعبارة القانونية، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والادانة ليست من مشمولاتي، بل هي من مسؤولية الليبيين، وبالنسبة لي عندما تتوفر شروط المحاكمة العادلة، لن نتردد في تسليمه، وفقا للقوانين الدولية، لأننا عندئذ سنكون أمام مفارقة غريبة: إذ كيف نطالب بتسليم بن علي، ونرفض تسليم البغدادي؟ فهذا شيء غير مقبول.. فالمعادلة واضحة، لا سبيل لتسليم المحمودي الآن، طالما لم تتوفر كل الشروط.. لكن إذا ما توفر كل ذلك، وإذا طالبت حكومة ديمقراطية منتخبة، فمن حقهم تسلمه للتحقيق معه في جرائم هو متهم بها.. *طرحتم فكرة الاندماج المغاربي خلال زيارتكم الأخيرة على ليبيا، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات، حول توقيت هذه الدعوة، وحول مضمونها.. إلى أي مدى يمكن أن تكون لهذه الدعوة قابلية للتحقيق في ضوء التطورات المسجلة في المنطقة؟ -النظامان الديكتاتوريان في تونس وليبيا، جعلا من المستحيل التقارب، لأن كل ديكتاتورية تعتبر البلد مزرعة والشعب مجرد قطيع، وتريد التحكم المطلق في كل شيء.. الآن، وبفضل الله، صار لدينا نظام ديمقراطي في تونس، وأعتقد أن لبنات النظام الديمقراطي في ليبيا برغم حالة اللااستقرار التي أتمنى أن تكون قصيرة جدا بصدد التشكل والنمو، نحن بأمس الحاجة إلى ليبيا، وليبيا تحتاج بدورها إلى تونس، فالظروف متوفرة حاليا، لكي يقع التكامل... *لكن التجارب الوحدوية، سيدي الرئيس لم تكن ناجحة سابقا..؟ -من قال لك أنني أتحدث عن المنظومة الوحدوية القديمة، التي كانت مبنية على الأهواء وعلى محاولة تجاوز الصعوبات الموضوعية، وعلى ما يمكن أن نسميه "حلما سحريا" غير قابل للتحقيق، ونعني هنا مفهوم الوحدة الاندماجية الذي عرفناه في ستينات القرن المنقضي... لا... ما طرحته هو ما أسميه بتفعيل الحريات الخمس، يعني حرية التنقل بين البلدين (ثم بين كامل بلدان المنطقة لاحقا)، بوثيقة بطاقة التعريف، وحرية الاستقرار وحرية العمل وحرية التملك، وأضفت إليها حرية خامسة، هي حرية الانتخابات البلدية، فالليبي المستقر في تونس مثلا مند خمس سنوات، لماذا لا يشارك في انتخابات بلدية؟ هذه الحريات الخمس، ضرورية جدا في اعتقادي، لمغالبة الأزمة الاقتصادية الخانقة، لأن أي شعب من الشعوب المغاربية، غير قادر على حل مشاكله في إطار حدوده.. نحن نرى اليوم في أوروبا التي تفرق بينها لغات وأديان وغيرها كيف استطاعوا أن يفتحوا فضاءهم فيما بينهم، فلماذا لا نفعل نحن ذلك اليوم؟ ! لذلك أستغرب دهشة البعض من أمر يفرض نفسه.. *معنى ذلك أنكم ستحملون هذا "المشروع" إلى كل من المغرب والجزائر وموريتانيا؟ -بالتأكيد، عند زيارتي إلى المغرب والجزائر وإلى نواكشوط، سأطرح هذه الفكرة، فقد آن الأوان لتفعيل المغرب العربي، واعتقادي أنه لو فتحنا هذا الفضاء المغاربي للحريات الخمس التي أشرت إليها، ستكون لدينا ديناميكية اقتصادية، وهذا من مصلحة بلداننا وشعوبنا.. الآن كل الأنظمة السياسية، أصبحت تفهم أنها إذا لم تنتبه إلى مطالب ومصالح شعوبها، فإنها ستواجه صعوبات كبرى، وأنا لدي أمل كبير، بأنه بعد هذه الثورات المباركة، تغيرت الكثير من العقليات، وأننا سنذهب سريعا باتجاه الفضاء المغاربي، مع حفاظ كل دولة على خصوصيتها واستقلالها وسيادة قرارها.. تصوري لا علاقة له بالوحدة الاندماجية العربية القديمة، التي كان يحلم بها القوميون، وإنما بالنموذج الأوروبي في الوحدة، الذي سميته في كتاباتي القديمة، وفي تصوراتي، ب"اتحاد الشعوب الحرة المستقلة"، ومعنى ذلك أن يحافظ كل بلد على خصوصياته وسيادته واستقلالية قراره، داخل فضاء وحدوي يستفيد منه الجميع، ونحن سائرون في هذا الاتجاه، طال الزمان أو قصر، قد أكون أستبق الأحداث، لكن هذه معطيات الواقع الراهن ومقتضيات المستقبل.. أنا عندما ناديت بالعصيان المدني في العام 2006، اعتبر الكثيرون ذلك، سابقا لأوانه، لكن الأحداث كانت وقتئذ، حبلى بهذا الطرح، وأعتقد أن الأحداث اليوم حبلى بأسباب تشكيل "اتحاد الشعوب الحرة المستقلة". *كيف تقيمون زيارة وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبي، خصوصا بعد أن صرّح بأن باريس ستحرص على علاقات ندية مستقبلا مع تونس؟ -هذا تطور كبير وإيجابي في الموقف الفرنسي، ونحن نحييه.. ولا شك أننا حرصنا منذ مدة على أن تكون علاقاتنا ندية مع باريس، وأعتقد أن الثورة المباركة هي التي فرضت هذا.. فتونس الآن في موقع قوة من الناحية السياسية، حتى وإن كنا ضعفاء اقتصاديا.. لدينا شرعية الثورة والصورة الايجابية التي باتت لدينا في نظر العالم، ما يجعل عديد الأطراف مستعدة للتعامل معنا بندية، وهذا ما طالبنا به طوال عقود.. وهو ما نحصده اليوم بفضل الثورة.. *الملاحظ الآن في علاقتكم بفرنسا، أن موقفكم بتأرجح بين العلاقة بالفرنكوفونية، والتبرؤ منها...؟ -(مقاطعا...)، أنا متهم بأنني عدو لفرنسا، والبعض صرّح بذلك، والآن أتهم بالعكس.. أنا مواطن تونسي، إخلاصي وولائي لوطني تونس، ومصلحة تونس تقتضي علاقة طيبة بفرنسا والغرب، لا أنكرها، لكن ذلك في إطار من الندية.. في إطار من الكرامة الوطنية التي أتمسك بها، وفي إطار تمسك تونس بأسرها بهويتها العربية الإسلامية، فليس هناك تناقض أو التباس في الأمر.. أنا قبل كل شيء، في خدمة هذه البلاد، ولن أستعدي عليها أي طرف، ولا أريد أن تخضع لأي طرف أيضا.. *بعض المراقبين، يتوقعون أن تسعوا إلى إعادة النظر في التحالفات التونسية مع الخارج.. في أي وجهة ستذهبون بهذه التحالفات في المستقبل؟ -بطبيعة التاريخ والجغرافيا، ليس لتونس خيارات، سوى أن تنمي علاقاتها بدول الشمال (أوروبا)، نظرا لكونها الشريك الاقتصادي الأول للبلاد، ومن الحماقة التفريط في هذه العلاقة.. لكن من الحماقة أيضا أن نربط أنفسنا بطرف واحد... كانت دائما علاقاتنا عمودية بباقي الدول، فيما علاقاتنا الأفقية غائبة تماما، ومن مصلحة تونس، أنها بقدر ما تنمي علاقاتها بالشريك الغربي، بقدر ما هي مطالبة بتنمية علاقاتها أفقيا مع إخوانها في المغرب العربي.. ونحن مدعوون اليوم كذلك إلى فتح اقتصادنا على الفضاء الإفريقي الذي هو واعد من الناحية الاقتصادية... ليس هذا فحسب، بل إن تونس مطالبة بتحقيق اختراق في علاقاتها بآسيا، وهنا أسوق لك سبقا صحفيا، وهو أنني كلفت الأستاذ نور الدين حشاد، الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، وسيذهب في زيارة إلى اليابان والصين وأستراليا، لاستكشاف المجالات التي يمكن أن نفتحها لبلادنا، فتونس موجودة في تقاطع فضاءات متعددة، وعلينا أن ننمي هذه الفضاءات في نفس الوقت وبنفس الأّهمية.. *ما يعرف بالبلدان الإسلامية أو النمور الآسيوية، أليست حريّة بالاختراق التونسي؟ -بالطبع، والسيد نور الدين حشاد سيذهب في ذات السياق إلى أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، ونحن بدأنا بالبحث عن نقط الارتكاز، ومستقبل بلادنا، مرتبط بمدى نجاحها في نسج علاقات وتنميتها بكيفية متوازية، حتى لا تبقى حبيسة أي طرف... *في هذا السياق، يطرح الموضوع الإيراني الذي يعتبره البعض "عقدة" في العلاقات مع تونس التي مرت من المرحلة الثورية إلى القطيعة ثم تلك العلاقات الحذرة التي بناها المخلوع.. كيف ترون العلاقات مع طهران في المستقبل؟ -إيران بلد مسلم، نريد التعامل معه هذا أمر لا جدال فيه.. صحيح أننا لا نحبّذ الخيارات النووية العسكرية، لكننا نعتبر أن من حق أي شعب أن تكون له القدرة على امتلاك الطاقة النووية، لكن مرة أخرى، نحن ضد عسكرة الذرة، ونتمنى لهذه المنطقة أن تعرف شيئا فشيئا، طريقها للاستقرار، ونخشى في ذات الوقت من حصول أي حرب، يمكن أن تكون مدمّرة على المنطقة.. أنا أعتقد أن ثمّة ثوابت منطقية تجمع بين أهمية أن تكون لدينا علاقات طيبة مع كل الشعوب، وخاصة الشعوب الإسلامية، وفي نفس الوقت الحذر من الانخراط في أجندات أو معارك تتجاوزنا.. *لا بد من حوار بين جميع الأطراف لوضع أسس سياسة إعلامية جديدة.. لأن الاعلام حاليا لا يرضي أحدا إلى الآن لم تتخذ تونس موقفا واضحا من المجلس الوطني السوري المعارض، وكنتم سيدي الرئيس حضرتم جانبا من اشغاله التي التأمت بتونس مؤخرا، إلى أين يتجه الموقف التونسي تحديدا؟ -صحيح أنني حضرت اجتماع المجلس الوطني السوري، لكن ما لا يعرفه كثيرون، أنني استقبلت بعد ذلك (الجمعة الماضي)، وفدا من "التنسيقية السورية" يقوده أخوان عزيزان هما، هيثم مناع وعبد العزيز الخيّر، وقلت لوفد التنسيقية ما كنت صرحت به لأعضاء المجلس، وهو أننا نريد أن ندعم الشعب السوري، وأن هذه الثورة يجب أن تنتصر، ولكي تحقق هذا النصر، لا بد من قيادة سياسية موحدة، تتفق على الأبجديات، وأكدنا للجانبين، أننا ضد التدخل الأجنبي، لأن ذلك لن يؤدي على تقسيم سوريا فقط، إنما ستكون محصلته، فرقعة كل منطقة الشرق الأوسط. ونحن في الحقيقة نأسف لكون الثورة السورية، تطيّفت وتسلحت وتشرذمت، وبالتالي نحن ندعو اخوتنا السوريين إلى أن تعود الثورة إلى مكا كان يجب أن تكون عليه: سلمية، موحدة، لا طائفية.. هذا الموقف عبرت عنه لإخوتنا في المجلس والتنسيقية، وعرضت عليهم استعداد تونس لاستضافة مؤتمر تكون مهمته، التوحيد بين الطرفين، علما أننا في تونس، نساند الشعب السوري، ولن ندخل في الخلافات السياسية بين أطراف المعارضة.. *تردد خلال الأيام الأخيرة، إمكانية أن يعتمد السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من تونس مقرا دائما له، ما رأيكم في هذا الموضوع؟ -لا علم لي بهذا الموضوع، ولم أتصل باي طلب في هذا الاطار.. *وإذا ما طرح عليكم؟ -سنناقشه، وسنبحث مصلحة تونس ومصلحة الإخوة الفلسطينيين.. *هناك بعض المخاوف عبّر عنها سياسيون وبعض مكوّنات المجتمع المدني، حول العلاقة مع قطر، والبعض يتحدث عن إمكانية تدخل الدوحة في الشأن التونسي.. كيف تنظرون إلى هذا الملف؟ وما هي مقاربتكم للعلاقة مع قطر؟ -إخوتنا القطريون ساعدونا في أصعب الظروف، خصوصا ملف اللاجئين الليبيين الذين قدموا إلى تونس أثناء الثورة الليبية وبعدها، اخوتنا في قطر فتحوا بلادهم لآلاف التونسيين الذين يعملون هناك مند سنوات عديدة، ونحن مدينون لقناة الجزيرة التي فتحت أبوابها للمضطهدين من التونسيين مثلي، وهم الآن يعبرون عن استعدادهم لمساعدتنا للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، فكيف والحال هذه نرفض التعاون معهم.. وهذا كله يتم في إطار سيادة الدولة التونسية، واستقلالية القرار الوطني، ولا يمكن لأحد أن يخشى على استقلالية قرارنا، ولا أظن أن اخوتي في حركة النهضة، ولا أنا شخصيا، مستعدون للتفريط في استقلالية قرارنا الوطني، فهذه علاقات أخوية ندية تحفظ استقلالنا وكرامتنا، ولكنها تفتح باب التعاون مع أشقاء لا يريدون لنا إلا الخير.. *عرفتم خلال حملتكم الانتخابية بالدعوة إلى ضرورة جلب المخلوع وزوجته وأصهاره والفارين، لمحاكمتهم أمام القضاء التونسي، هل مازلتم الآن، وأنتم على رأس الدولة على هذا الموقف؟ وهل تنوون تفعيل علاقاتكم كرئيس للجمهورية لتحقيق هذا المطلب الشعبي؟ -في الحقيقة هناك توجهان لا يجب أن يتعارضا: التوجه الأول هو رغبتنا في ربط علاقات أخوية مع جميع البلدان، لأن مصلحة تونس تقتضي أن تكون لنا علاقات بكل البلدان، وهذا قانون السياسة، ولكن في نفس الوقت، نحن نعتبر أن من حق الشعب التونسي أن يسترجع هذا الرجل لمحاكمته محاكمة عادلة، وبالتالي أنا مازلت مصرا على ضرورة الفصل بين القضيتين، أي بين تعميق علاقاتنا بجميع الشعوب، بما في ذلك إخوتنا السعوديين، ومن حقنا استرجاع الرئيس المخلوع... نحن نحترم حق السعوديين في أن يستضيفوا من يرغبون، لكن من حقنا أن نقول لهم بأن هذا الرجل كان عدوّا للشعب التونسي، وسرق أمواله بكيفية غير مقبولة، وتعدّى على الإسلام والمسلمين، وبالتالي فضيافته قابلة للمراجعة، ونحن نتمنى أن تراجع السعودية موقفها.. وشخصيا مازلت مصرّا على استمرار هذا الطلب.. *هل هناك محاولة لتفعيل هذا الموقف عبر علاقاتكم العربية والدولية؟ -نعم هذا ما نعمل عليه الآن، عبر وساطات متعدّدة لإقناع إخوتنا السعوديين بتسليم هذا الرجل إلى تونس.. *لنأت الآن إلى بعض الانتقادات الموجهة إليكم من قبل بعض الفاعلين السياسيين، حيث يرون أن تحركاتكم الأخيرة وتصريحاتكم ومبادراتكم، تجاوزت إطار الصلاحيات المخوّلة لكم بموجب القانون المنظم للسلط العمومية، ما تسبب في تداخل الصلاحيات مع رئيس الحكومة.. كيف تفسرون ذلك؟ -حسب القانون المنظم للسلطات، أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، والسياسة الخارجية يحددها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ثم لدي صلاحيات العفو، وغيرها، لكن في اعتقادي، أهم الصلاحيات المتوفرة لي هي ما يمكن أن نسميها، «الصلاحيات المعنوية»، وهذه لا يمكن أن توضع في نص.. *ماهي هذه الصلاحيات المعنوية؟ -بالنسبة إلي رئاسة الجمهورية، مكان يجب أن يفتح لجميع التونسيين، ويجب تغيير الصورة النمطية التي كانت تربط بين الرئيس والشعب.. ومن هذا المنظور، فإنني إلى حد الآن، لم أتجاوز أي من الصلاحيات في تحركاتي، سواء عندما زرت الجيش في منطقة «شوشة» بمدنين، حيث يقوم جيشنا بعمل جبّار من الناحية الإنسانية، وهذا يدخل في صلاحياتي.. أما بخصوص تحركاتي الخارجية، فهي تدخل كذلك فيما هو مخوّل لي من صلاحيات، وقد تمّت بوفاق واتفاق مع صديقي رئيس الحكومة، وأنا أعتبر أن دوري كرئيس للجمهورية، هو بالأساس جعل القصر الرئاسي فضاء يلتقي فيه التونسيون والأحزاب السياسية، ونستمع فيه لجميع الأطراف التي تريد أن تعبّر عن مشاغلها.. والمهم بالنسبة لي هو أن أقوم بدوري خلال هذه السنة، حتى تمر هذه المرحلة الانتقالية بأقصى قدر ممكن من السلامة والفعالية بالنسبة للدولة.. *سيدي الرئيس، طالبتم في وقت سابق بهدنة، لكن الكثيرين رفضوا هذه الفكرة على أساس أن مضمونها ظل غامضا.. هل هي هدنة اجتماعية أم سياسية، ماذا تقصدون بهذه الهدنة تحديدا؟ -سياسيا، لا وجود لخلاف، كل الأطراف تناقش وتجادل، وتبدي رأيها بصرف النظر عن حدّة هذا الرأي، لكن الاعتصامات والاحتجاجات العشوائية، بصدد تحزيب الاقتصاد التونسي، والجميع -في اعتقادي- شاعرون بذلك، ولذلك توجهت – وما زلت أتوجه - للجميع بأن يتركوا الحكومة تعمل، فتواصل الاحتجاجات، ومنطق «توا»، عملية انتحارية للاقتصاد التونسي، ونحن بحاجة إلى فترة استقرار حتى يعود الاستثمار، لأنه لا يوجد استثمار في ظل هكذا أوضاع، وبالتالي فالهدنة تخص هذه الاعتصامات والاحتجاجات، التي أعترف شخصيا بشرعيتها لأن أغلب الناس نفذ صبرهم، وهناك مآس حقيقية أتعاطف معها، لكن في نفس الوقت يجب أن نفهم جميعا، أن «كون فيكون» ليست من اختصاص البشر، وبالتالي فهي هدنة في هذه الاحتجاجات والاعتصامات العشوائية، علما أن بإمكان الناس أن تحتج، لكن من دون أن تغلق الطرقات أو منافذ العمل، لأن في ذلك انتحار للجميع.. والشيء الثابت أن الحكومة ستضطر إلى اتخاذ إجراءات لفرض القانون على كل الأطراف.. صحيح أننا لا نريد أن نصل إلى هذا، سيما وقد قمنا بثورة من أجل الفقراء والمعطلين عن العمل والمهمشين، ونريد أن نبرأ جميعا من المواجهات ومن العنف، أن نقبل بالعنف، وعلى كل الأطراف التحلي بالمسؤولية، وهذا هو مفهوم الهدنة.. *هناك تخوّفات من مسار الوضع في تونس، في ضوء التجاذبات الموجودة بين الأقلية والأغلبية، وهو ما أثّر سلبيا على المجتمع وولّد حالة احتقان واضحة.. بصفتكم رئيسا للجمهورية، الذي يفترض أن يكون وفاقيا.. كيف ستتصرفون لإزالة هذا الاحتقان؟ -ما يحدث في تونس أمر طبيعي، ونحن نعيش الشيء الطبيعي في الديمقراطية.. في الديمقراطية يعترض الناس بصورة سليمة، وما أراه حاليا في المشهد السياسي، هو أن جميع الأطراف تتناقش وتتجادل وتختلف، وهذا ليس أمرا سلبيا، عندما تنتقل هذه المناكفات إلى ممارسة العنف، عندئذ تصبح سلبية وخطيرة.. نحن مازلنا حاليا تحت سقف الجدل، ويجب أن نظل تحت هذا السقف، وسأسعى بكل الوسائل المتاحة لي، إلى البقاء تحت هذا الخط الأحمر، حتى تبقى المشاحنات لفظية، والخصومات في مستوى الأفكار والمقاربات، وصندوق الاقتراع هو الحكم.. هذه هي الديمقراطية.. عندما تقارن بين الاستقرار المزيّف للديكتاتوريات، وهو استقرار المستنقعات أو المقابر، وبين العواصف واحتدام الجدل في المجتمعات الديمقراطية، ندرك أن حيوية المجتمع هي في هذا الجدل والنقاش، لذلك ما تسميه تجاذبات، أنا أعتبرها ظواهر طبيعية، بل صحية، إلى حد الآن، ما نزال تحت سقف الخط الأحمر، ولا خوف من أن يحتدّ النقاش، فتلك طبيعة الديمقراطية.. *موضوع الإعلام، يثير الكثير من الجدل سيدي الرئيس، وهناك تجاذب بين الصحفيين والأحزاب والمنظمات، من جهة، والحكومة من جهة ثانية، وقسم واسع من الشعب التونسي. كيف ترون هذا الملف الحساس؟ -الديكتاتورية في بلادنا، خربت النظام الاقتصادي والصحي والأمني، وكذلك الإعلام.. وهو الآن بصدد التشكل من جديد.. ووضعه لا يرضي أحدا.. لا الصحفيين ولا السياسيين ولا المواطنين.. فهو وضع مشحون بكل الأزمات.. وأعتقد أنه بنفس الكيفية التي سنعيد بها بناء النظام الأمني أو القضائي، يجب أن نعيد بناء النظام الإعلامي، وإعادة البناء هذه تتطلب من كل الأطراف التحاور من أجل وضع أسس جديدة للعلاقات: العلاقة بالشرف المهني، المهنية، علاقة الدولة بالإعلام، الجيادية، وسنتوصل بعد ذلك إلى تشخيص كل أمراض الإعلام ووضعها على الطاولة، ثم تجلس كل الأطراف لنعيد بناء سياسة إعلامية، تكون في خدمة تونس وفي خدمة الوطن، وأعتقد أن هذا ممكن ويجب أن نسعى إليه في أقرب الأوقات.. *يتابع الرأي العام في تونس والخارج، طريقتكم في ممارسة الحكم، والجميع لاحظوا أنكم كسرتم تلك النمطية التي عرف بها الرئيس المخلوع، لكن العديد من الملاحظين يأخذون عليكم أنكم «خدشتم» الكاريزما المتعارف عليها لرئيس الجمهورية، ما رأيكم؟ -هل الكاريزما أن تعيش متعاليا ومتكبرا وبنوع من العجرفة في علاقاتك بشعبك؟ نحن الآن في دولة ديمقراطية، وفي ظل شعب يرنو الى علاقة جديدة بالرئيس وبمختلف المؤسسات، وأنا أعتبر نفسي ابن الشعب، وفي هذا المكان بالذات أنا ممثل للشعب، ولا أريد أن يكون ثمة أي تباعد مصطنع بيني وبين الشعب التونسي.. الهيبة هي هيبة المواقف والأخلاق والأفكار.. الأناقة هي أناقة اللغة والأسلوب.. يجب أن يتعوّد التونسيون على نمط جديد، لأن كل شيء في البلاد سيتغير.. هذا القصر كان مغلقا أمام الشعب، وأنا فتحته للجميع.. منذ حين (مساء السبت)، كان بيننا أطفال حضروا موكب تسلم أوراق اعتماد بعض السفراء، ودخلوا الى مكتبي والتقطوا الصور التي رغبوا فيها، وكل يوم أحد القصر مفتوح للتلاميذ، ويوم 20 مارس سيفتح لزيارة الشعب التونسي.. هذا القصر كان رمزا للفساد والبذخ، الآن نحن نسعى لتضييق الميزانية المخصصة لرئاسة الجمهورية.. *البعض انتقد طريقة تفويتكم في القصور الرئاسية... -هذه انتقادات غريبة جدا.. لأن هذه القصور ليس لها أي طابع أثري، وهي أموال بكميات وافرة مجمدة تحت تصرف شخص، وكان بوسعي الابقاء عليها، والتنقل بينها للاستجمام والراحة، لكنني قلت أنها أملاك الدولة وليست ملكا شخصيا، واعتبرت أن رئاسة الجمهورية ليست بحاجة الى هذه القصور.. ورئيس الدولة ليس بحاجة الى أن تكون له أربعة قصور، ولذلك أرجعتها الى وزير أملاك الدولة، وقلت له هل من الممكن بيعها والاستفادة من عائداتها المالية للبحث عن فرص عمل للتونسيين أو غير ذلك.. واعتبر أن ذلك موقف طبيعي من ابن شعب يريد للموارد القليلة المتوفرة في بلادنا، أن تذهب حيث يجب أن تذهب.. تحدثني عن الكاريزما! هل بن علي كانت له كاريزما؟ إذا كانت تلك الكاريزما المفتعلة هي ما يريده البعض، فأنا لا أريدها ولا أرتضيها، والشعب التونسي مدرك جيدا لأهمية هذا التحول في ممارسات رئيس الجمهورية، وسيتعاطف مع هذا الأسلوب الجديد، وشخصيا أفرّق بين التواضع والوضاعة.. وعلى أية حال، فهذا طبعي، وسأمارس هذه الرسالة التي أنيطت بي، وفق مفاهيمي وأخلاقي وقناعاتي، والتونسيون سيحكمون بشكل جيد عن ذلك.. *ألا يمثل هذا مشكلا بالنسبة لرئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي، حيث سيكونان مطالبين باتباع نفس الخطوات؟ -أعتقد أنه العكس تماما، فصديقي حمادي الجبالي، رئيس الحكومة، رجل متواضع وليست له عقدة الأبهة، كذلك صديقي مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، يعيش في بيته، ويتنقل ببساطة.. الرئاسات الثلاث على نفس الموجة في تقديري، وستقفون على ذلك بأنفسكم.. *ثمة تساؤلات ونوع من الاستغراب من لباسكم للبرنس.. ما هي دلالات ذلك بالنسبة اليكم؟ ولماذا تتمسكون بهذا الرداء حيثما تنقلتم؟ -البرنس الذي ترونه، موجود لديّ منذ عشر سنوات، وكنت أرتديه باستمرار، لكن الناس لا يعرفون ذلك... *حتى في فرنسا كنتم ترتدونه؟ -في باريس كان الشيء الوحيد الذي ينقصني هو البرنس.. لكنني معروف من قبل الأصدقاء بارتدائه دائما.. وهو برنس من وبر الجمل من مدينة دوز.. والحقيقة أنا أستغرب من استغراب البعض أن يرتدي تونسي برنسا، فما العيب في ذلك؟.. لا أريد أن يشك أحد في تمسكي بهويتي، والبرنس يرمز الى أصولي الثقافية والاجتماعية، ولكنني رجل لا يمكن لأحد أن يزايد عليّ في الحداثة.. *سيدي الرئيس، التونسيون يتساءلون بنوع من الخوف عن مستقبل الوضع في بلادهم.. كيف ترون الأمور من منظوركم؟ -ينبغي على التونسيين أن ينظروا الى ما تحقق، حتى يدركوا جسامة ما قاموا به.. فقد اسقطنا أفظع ديكتاتورية في العالم.. تجاوزنا مرحلة انتقالية في أحسن الظروف.. اكتشفنا أنفسنا، واكتشفَنا العالم.. بنينا صورة جيدة لنا في الخارج، وهو ما لا يعرفه التونسيون... نظمنا انتخابات في ظروف عادية، ولم يحصل ارتداد حول نتائج الانتخابات، اذن نحن قطعنا شوطا هائلا على الصعيد السياسي، لكننا ندخل الآن مرحلة العواصف على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لكنني أقول، إن شعبنا الذي حقق هذه المعجزة، قادر على أن يحقق بقية المعجزات، فالشجرة لا ينبغي أن تحجب عنا الغابة.. الغابة هو أن 90% من التونسيين يشتغلون، 90% من المؤسسات تعمل، 90% من الجامعات تنشط، و10% التي تحتل الصحافة هي الشجرة التي لا يجب أن تخفي الغابة.. غالبية التونسيين يعملون، وهم متمسكون بهدوئهم ووطنيتهم، نحن نتجه نحو مرحلة انتقالية صعبة، لكن لدينا كل حظوظ النجاح.. فالعالم بأسره مستعد لمساعدتنا، وهو أمر مهم.. ثم هذه أول مرة في تاريخ البلاد، لدينا حكومة ليس فيها فساد أو مفسدين، جميع مكوناتها تمشي على الجمر، ولكنها تشتغل وتريد تقديم الاضافة لبلادها وشعبها، لدينا طبقة سياسية مسؤولة، فكل عوامل النجاح متوفرة، ولدي ثقة تامة في أننا سنعبر هذه السنة الصعبة، وأننا سنرسي في 2013 و2014 أسس الدولة الديمقراطية، ونحن لا نعمل للسنة القادمة بقدر ما نؤسس للأجيال المقبلة.. سنكتب دستورا، وسنقوم بإصلاحات هيكلية، وسننظم الجهاز الأمني والقضائي، وهذه مرحلة تاريخية هامة سنبني من خلالها للمستقبل.. لأجيالنا القادمة..