مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا مستقبل للصحراء إلا كجزء من السيادة المغربية
 تجربة العدالة والتنمية المغربي واعدة وملهمة وتستتحق أن تعمم في المنطقة العربية
نشر في التجديد يوم 26 - 07 - 2011

في هذا الحوار يعرض جمعة القماطي لتطورات الوضع في ليبيا، ويؤكد بأن المهمة الكبرى اليوم في ليبيا ليست هي إسقاط القذافي، فهذه المهمة في نظره ، ستتحقق في الأسابيع القليلة القادمة، وإنما المهمة الكبرى هو ترتيب الوضع الانتقالي وإعداد دستور لليبيا وبناء الدولة الديمقراطية، ويرى القماطي في هذا الحوار أنه لا مستقبل للصحراء المغربية إلا في ظل السيادة المغربية، وأن ليبيا بعد القذافي ستقيم علاقات جد إيجابية مع المغرب وتونس وموريطانيا، وأن النظام الجزائري إن لم يعد النظر في سياسته الداعمة لنظام القذافي، فإنه يختار بذلك إقامة علاقات ضعيفة مع ليبيا ما بعد القذافي. ويثمن القماطي في هذا الحوار الموقف المغربي ويدعو إلى أن يزيد إلى تعاطفه ودعمه للشعب الليبي خطوة إضافية وذلك بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي أون يبادر إلى رفع المعاناة عن الطلبة الليبيين وأبناء الجالية اليبية في المغرب وكذا المستثمرين المتضررين، ويعتبر في خاتمة حواره أن تجربة العدالة والتنمية واعدة وملهمة وتستحق أن تدرس وتستلهم في المنطقة العربية
● في نظركم ما الذي يؤخر سقوط طرابلس في يد الثوار مع أن نظام القذافي محاصر دوليا ومنهار سياسيا واقتصاديا، وأن الوضع الميداني منذ شهرين تقريبا أصبح لصالح الثوار؟
●● الوضع الميداني لم يصل إلى نقطة حصار مدينة طرابلس العاصمة بالكامل. ولكن عندما ننظر إلى الوضع الميداني منذ بداية ثورة 17 فبراير المباركة إلى الآن، نجد أن الثوار يقتربون بثبات وقوة من محاصرة طرابلس العاصمة، اليوم كل شرق وجنوب شرق ليبيا محرر، مدينة مصراتة اليوم محررة، الجبل الغربي، وهو منطقة شاسعة به سبعة أو ثمانية مدن أيضا محررة بالكامل، وقد سمعنا أخبارا عن وصول الثوار على مقربة من مدينة الزليطن وهي تبعد عن طرابلس بمسافة 170 كيلومتر شرق طرابلس، وهناك تقدم حثيث للثوار، والقذافي بقواته، لم يستطع إعادة السيطرة على أي مدينة أو منطقة منذ شهور، وحتى مدينة البريقة تكاد تكون محررة بعد أن يتمكن الثوار من إزالة كل الألغام التي زرعها نظام القذافي داخلها وحولها، وهي بالمناسبة، تفوق أربعين ألف لغم. عندما نقول بأن القذافي محاصر اقتصاديا بالكامل، لا بد أن نذكر أن الحصار الدولي ليس محكما تماما على نظام القذافي. للأسف، لا زالت هناك دول مجاورة لليبيا تسمح بوصول المرتزقة والوقود والعتاد والذخيرة. وللتحديد أكثر، فهي دول في جنوب ليبيا مثل تشاد تسمح بوصول المرتزقة من بعض الدول الإفريقية إلى ليبيا. للأسف النظام الحاكم، ولا أقول الشعب، في دولة عربية مجاورة مثل الجزائر، لا زالت تسمح بوصول السلاح والعتاد والمرتزقة من أراضيه إلى ليبيا لدعم القذافي، وبالتالي الحصار ليس محكما بالكامل، ولكن مع كل هذه الاعتبارات، نحن على ثقة كاملة بأن نصر الله سبحانه آت لا محالة وأن السؤال الجوهري اليوم ليس هو هل سيسقط نظام القذافي وينهار، ولكن السؤال هو متى سيسقط وهل سيكون ذلك خلال أسابيع أم شهور أم سيكون ذلك قبل نهاية فصل الصيف أم بعده. هذا ما ستنبئنا به الأيام والأسابيع القادمة إن شاء الله.
● التحليلات التي ترصد وتتابع تطورات الوضع الميداني والسياسي في ليبيا تذهب إلى أن العامل الخارجي يعتبر محددا حاكما وحاسما في المسالة الليبية، بل إن بعض المراقبين والمحللين يذهبون إلى درجة التقليل من دور الحركة المسلحة التي يقودها الثوار. إلى أي حد توافقون مثل هذه التحليلات خاصة وأن الثوار لم يحصل لهم تقدم إلا بعد التدخل الدولي السياسي والعسكري؟
●● نحن نعتقد أن هذا التحليل لا يعكس بدقة الواقع الليبي. أولا، لا بد أن نتذكر طبيعة التدخل الخارجي، فكما يعلم الجميع، فهو تدخل من خلال القصف الجوي فقط. وقرار مجلس الأمن رقم 1973، ينص على عملية جوية لحماية المدنيين في ليبيا، وينص بوضوح على عدم دخول القوات الدولية إلى ليبيا أو احتلال قوات أجنبية إلى ليبيا. نحن كثوار وكمجلس وطني انتقالي يقود هذه الثورة متمسكون تماما بهذا المبدأ الرئيسي والجوهري، وهو ألا تدخل أي قوات أجنبية إلى التراب الليبي، وإذا ما اضطررنا إلى الاستعانة بقوات أجنبية للدخول إلى التراب الليبي، فلن نقبل إلا بقوات عربية أو إسلامية، قد تكون قوات من مصر أو المغرب أو تركيا أو بنغلاديش أو ماليزيا، ولكننا لا نقبل بأن تكون قوات غير عربية أو غير إسلامية.. ونحن على ثقة أننا لن نحتاج أصلا إلى أي قوات أجنبية لكي تدخل التراب الليبي لتفك هذا الصراع وتنهيه. إذن طبيعة التدخل الأجنبي هو تدخل عسكري جوي فقط، والجميع يدرك أن هذا التدخل الجوي لن يحسم المعركة في ليبيا، وأن الذي سيحسم المعركة هو تقدم الثوار على الأرض. في الشهرين الماضيين، ازدادت جاهزية الثوار في ليبيا كثيرا، وازدادت تدريبهم، وتحصلوا تقريبا على كل السلاح والذخيرة التي يحتاجونها في معركتهم لإسقاط نظام القذافي، إما من قوات القذافي التي عادة ما كانت تفر وتترك سلاحها غنيمة للثوار، وإما من بعض الدول العربية، وإما من فرنسا التي صرحت رسميا أنها أنزلت بعض الأسلحة على التراب الليبي من الجو. ولذلك، فالثوار اليوم في موقف قوي وجاهزية عالية، والآن يوجد عشرات الآلاف من الشباب من الثوار مجهزون ومدربون بأسلحة وجاهزية عالية جدا، والأهم من ذلك أنهم يتمتعون بروح معنوية عالية جدا من الجهاد والقتال والاستشهاد في سبيل قيم الوطن، وهؤلاء يستلهمون تاريخ شيخ المجاهدين في ليبيا عمر المختار رحمه الله، فهؤلاء هم أحفاده، وكما تصدى عمر المختار للطغاة من الفاشستيين الإيطاليين، يتصدى اليوم أحفاده للطاغية القذافي الذي لم يترك سلاحا أو وسيلة إجرامية إلا واستعملها ضد الشعب الليبي.
● بتحليل طبيعة الثورات في كل من مصر وتونس ومقارنته مع الثورة الليبية، نجد أن الحراك الليبي استدرج إلى العمل المسلح مبكرا، ولم يستطع أن يحافظ على الثورة الشعبية المدنية، كيف تفسرون ذلك؟ ولماذا لم تستمر الثورة الليبية ثورة مدنية مثلها في ذلك مثل الثورة في مصر وتونس؟
●● خيار العنف والمقاومة المسلحة فرض على الشعب الليبي فرضا من نظام القذافي، وأذكرك أنه عندما انطلقت المظاهرات في مدينة بنغازي في مساء يوم 15 فبراير انطلقت سلمية، والمتظاهرون خرجوا بالآلاف في وسط المدينة غير متسلحين إلا بحناجرهم وهتافات مطالبة بالحرية والكرامة وتغيير النظام، لكن مباشرة بعد انطلاق المظاهرات، جاءت الأوامر من القذافي إلى قواته بأن تطلق النار على المتظاهرين على الرؤوس والصدور وقتل أكبر عدد من المتظاهرين، فاستمر هذا الأمر لأيام عديدة، وتحمل الشعب الليبي ودفع المئات والآلاف من الشهداء، ولم نجد بعد ذلك خيارا سوى السلاح والمقاومة، وإلا فإن القذافي كان سيبيد نصف المتظاهرين ولا يبالي. أذكرك أيضا بأننا حين نقارن ثورة ليبيا بالثورات الأخرى نجد أن الشعب الليبي يبلغ ستة مليون، والشعب التونسي اثنا عشر مليون، أي ضعف الشعب الليبي، ومع ذلك فلم يسقط في تونس سوى 300 شهيد، أما الشعب المصري يبلغ أكثر من ثمانين مليون، أي ما يعادل 13 ضعفا من الشعب الليبي، ومع ذلك فلم يسقط في مصر الثورة سوى 400 شهيد، أما سوريا فيبلغ شعبها 23 مليون سوري، وبلغ عدد شهداء الثورة إلى الآن 1400 شهيد، أما الشعب الليبي، فمع أنه لا يتجاوز ستة ملايين، فقد سقط منه إلى اليوم أزيد من خمسة عشر ألف شهيد، وأكثر من خمسين ألف جريح ناهيك عن الاغتصاب الجماعي للنساء، وهناك توثيق لمئات وآلاف النساء اللواتي اغتصبن من قبل نظام القذافي. هذا هو طبيعة العنف الشرس الإجرامي الذي استخدمه نظام القذافي ضد شعبه والذي يختلف كل الاختلاف عن الأساليب التي اعتمدتها الأنظمة في كل من مصر وتونس ضد شعوبها.
● إذا شئنا أن نحلل طبيعة الموقف الدولي من التطورات التي تجري في ليبيا، كيف تفسرون التمايز في التعاطي الدولي مع الوضع في ليبيا، وكيف تفسرون محدودية تدخل لموقف الأمريكي بالمقارنة مع بعض المواقف الأوربية النشطة؟
●● أولا، الموقف الفرنسي الذي كان متسارعا ومفاجئا يمكن تفسيره بالاستحقاقات الداخلية التي ستعيشها فرنسا، لأن الموقف الفرنسي من الثورة التونسية كان مترددا جدا، وتعرض لانتقادات وإدانة من قبل العديد من الأطراف. ربما تعلمت فرنسا الدرس من سوء تقديرها للموقف في تونس، وأرادت ألا تكون متأخرة بالنسبة إلى موقفها من الثورة الليبية. بالنسبة إلى الموقف الأمريكي، يلاحظ أن الإدارة الأمريكية تتصرف بدافع من الحساسية الشديدة التي يوسم به تدخلها في المنطقة العربية والإسلامية، وقد عانت كثيرا من تدخلها الظالم في العراق وأفغانستان، واليوم تعي أمريكا أن تدخلها في المنطقة سيزيد من تشويه صورتها، ولذلك أعتقد أن الأمريكيين اختاروا أن يكون لهم دور أقل حتى لا يستفزوا الشعب الليبي، ولكن مع ذلك كان الموقف الأمريكي مبدئيا فيما يخص المطالبة بتطبيق قرار مجلس الأمن.
أما الموقف الإيطالي، فقد كان مترددا جدا في البداية، واستمرت الحكومة الإيطالية أسابيع لا تتدخل، ثم انقلبت في الأخير بالكامل على نظام القذافي، وتفسير ذلك أن منطق إيطاليا كان منطلقا اقتصاديا انتهازيا براغماتيا لأنها شعرت أن القذافي قد انهار وأن لديها مصالح اقتصادية كبيرة في ليبيا وأنها إن لم تتدخل إلى جانب الشعب الليبي فإنها ستخسر، ولهذا غيرت موقفها من نظام القذافي. وهكذا يمكن أن نأخذ كل موقف دولي على حدة ونجد له مبرراته، لكن المؤكد الآن، أن العديد من الدول مثل تركيا نفذ صبرها من إقناع القذافي بالسماح للشعب الليبي باختيار قيادة سياسية بشكل حر وديمقراطي، وارتأت أن تنحاز إلى الشعب الليبي. روسيا غيرت من موقفها والصين أيضا، وبعض الدول الإفريقية اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي. فلم يبق للقذافي اليوم حلفاء يمكن أن يعتمد عليهم إلا بعض الديكتاتوريات الإفريقية التي عاشت دائما من جيب القذافي ومن أمواله، وللأسف هناك نظام عسكري شمولي موجود في دولة عربية مجاورة هي الجزائر. هؤلاء هم الحلفاء القليلون الذين بقوا يناصرون نظام القذافي، أما بقية العالم فقد نفضوا يدهم من القذافي، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن القذافي انتهى، وأن عليه أن يرحل في أسرع وقت.
● إذا كنتم تقولون بأن الموقف الدولي اقتنع بضرورة رحيل القذافي، فلماذا لا يتحرك الآن لمحاصرة الجيوب التي يتنفس منها القذافي، أقصد الدول التي تمد له بأسباب البقاء مثل الجزائر وتشاد والديكتاتوريات الإفريقية التي تساعده بالمرتزقة على حسب قولكم؟ هل نفهم بأن الموقف الدولي لا يزال مترددا من الحسم مع نظام القذافي؟ أم هناك محاولة لترتيب سيناريو ما بعد القذافي؟
●● أنا لا أرى أن الموقف الدولي متررد، ولا أرى أنه يريد أن يهييء شروط ترتيب سيناريو بديل. أنا أعتقد أن دول مثل فرنسا وأمريكا وقطر تحدثوا كثيرا مع الحكومة الجزائرية ومع النظام السياسي في الجزائر وحذروه من مغبة مساعدة القذافي ولكن الدبلوماسية الجزائرية للأسف لم تفهم الرسالة، واختارت بدلا عن ذلك الرهان الخاسر، وإذا ما استمر النظام الجزائري في هذا الرهان، فيسقط القذافي حتما وسينعكس موقف النظام الجزائري سلبا على العلاقات الليبية الجزائرية، مع التأكيد على أن العلاقة الأخوية بين الشعبين الليبي والجزائري ستبقى دائما وإلى الأبد علاقات أخوية وقوية جدا. أما العلاقات السياسية بين الأنظمة والحكومات، فستكون في المستقبل ضعيفة، وشخصيا أثق أن ليبيا ما بعد القذافي ستكون لها علاقات قوية ووثيقة مع الجارة تونس ومع الشقيقة المغرب التي نحيي كثيرا موقفها المتعاطف مع الشعب الليبي، موقف المغرب قيادة وحكومة وشعبا، وستكون علاقاتنا قوية مع موريطانيا، ولكن للأسف الحكومة الجزائرية اختارت بمواقفها الداعمة للقذافي، أن تكون العلاقات المستقبلية ضعيفة، ما لم تتدارك الموقف وتنحاز إلى الشعب الليبي. فأنا أعتقد أن الحكومة الجزائرية تعرضت لضغوطات دولية ولا زالت تتعرض لها من أجل أن ترفع دعمها لنظام القذافي، لكنها لا زالت متعنتة ولا تقرأ التطورات التي تجري على الأرض.
● لنتحدث عن الوضع الانتقالي، الدول التي عاشت الثورة، وبشكل خاص تونس ومصر لا يزال يكتنف مستقبلها كثير من الغموض، فتونس لم تحسم بعد حتى في نقطة المجلس التأسيسي، والوضع بها جد صعب، ومصر تكاد تعيش نفس الحالة إلى درجة عودة التظاهرات من جديد للمطالبة بتنفيذ مشروع الثورة وتطلعاتها، بالنسبة إليكم أنتم واعون بمترتبات هذا الوضع، ما هو الجواب الذي أعددتم للوضع الانتقالي والإشكالات المفترضة التي يمكن أن تعطل أو تجهض أو على الأقل تبطئ تطلعات الثورة الليبية في إقامة دولة ديمقراطية؟
●● بداية هناك نقطة مبدئية وهي أن التحول الديمقراطي في مجتمعات ودول عانت من الاستبداد عقودا بل قرونا، لن يكون تحولا سريعا وسهلا ولن يكون في شهور أو سنوات قليلة، بل إنه يحتاج إلى عملية تراكمية وطويلة المدى، وأنها لا بد أن تبنى على بناء مؤسسي حقيقي وعلى تحول في الثقافة السياسية والثقافة الديمقراطية التي سنحتاجها في دعم هذا التحول الديمقراطي.
أما على المدى القصير والمتوسط، فنحن واعون تمام الوعي بما يجري في تونس ومصر، وواعون بكل التحديات التي يمكن أن تواجهنا، ونحن نحرص على أن بمجرد سقوط نظام القذافي ستكون هناك مرحلة انتقالية يقودها مجلس وطني انتقالي يدير عملية سريعة في حوار وطني معمق وانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستور دائم للبلاد وتكون هناك عملية مصالحة وطنية ويكون هناك استيعاب لكل الشخصيات والكوادر والعناصر القيادية ورجال الدولة من الجيش والشرطة ومن الشخصيات الأمنية ومن شخصيات الدولة التي لم تتلطخ يدها بالدماء ولم تتورط في نهب المال العام ونتمنى أن تمر هذه المرحلة الانتقالية بأمان وحماسة حتى نصل إلى دستور وطني ديمقراطي حقيقي يجسد ويعكس كل الآراء وآمال وتطلعات الشعب الليبي، ويضع هذا الدستور معالم النظام السياسي الجديد ويقودنا إلى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وبرلمانية ورئاسية، يصل إلى بنا شكل النظام السياسي في ليبيا.
أنا أقدر أن هذا التحول سيكون صعبا، وسيكون هناك مخاض صعب، لكن سينتج عنه ميلاد عملية البناء الديمقراطي في ليبيا، لكننا متشوقون إلى خوضها آخذين بعين الاعتبار كل السلبيات والتحديات التي واجهتها التجارب التي أمامنا، وآخذين في الاعتبار أيضا أن المهمة كبيرة، وربما إسقاط النظام هي المهمة الأسهل وأن بناء بديل دستوري ديمقراطي تبقى المهمة الأصعب. لكن، في رأيي، إن أهم شيء بعد سقوط نظام القذافي، هو أن يتم تعبئة كل المواطنين للمساهمة في صنع مستقبل بلدهم.
● أنتم تعملون أن صناعة مستقبل ليبيا وترتيب سيناريو ما بعد القذافي ليس فقط شأنا داخليا، فهناك المتدخل الدولي الذي من مصلحته أن تترتب الأوضاع على نسق يخدم مصالحه. إلى أي حد يمكن أن يقبل الفاعل الدولي بتصوركم كمجلس وطني انتقالي لإدارة المرحلة الانتقالية لفي ليبيا؟ وكيف تتصورون تدافع الإدارة الوطنية والدولية في تدبير المرحلة الانتقالية؟
●● أنا لا أتبنى نظرية المؤامرة التي تقول بأن الغرب هو ضد التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، أنا عشت في الغرب منذ أكثر من ثلاثة عقود، الغرب ليس شيئا واحدا، وأنا أعتقد أن الغرب حينما يجد أن هناك تحولا حقيقيا منبعثا من الشعب سيرحب به لأنه يدعم الاستقرار ويقيم علاقات سليمة مع العالم العربي. الغرب اليوم يحتاج إلى عالم عربي مستقر وديمقراطي، وقد تعرض في العشر سنوات أخيرة إلى انتقادات شديدة جدا بسبب مساندته للدكتاتوريات بخلفية دعم مصالحه.
الأمر الثاني الذي أريد التأكيد عليه، هو أن ليبيا دولة متوسطية، والشعب الليبي يعتز بهويته وثقافته الإسلامية، وقد عاش على مدى آلاف السنين وتفاعل مع الضفة الشمالية في الضفة المتوسطية الشمالية، وإذا زرت السواحل الليبية ستجد آلاف الآثار الدالة على هذه العلاقات الرومانية والإغريقية والفنيقية، بل إن تفاعلنا مع دول أوربا حاصل منذ عشرات العقود.
طبعا لا يصل ذلك إلى مستوى تفاعل المغرب الذي راكم تجربة كبيرة في هذا المجال، لكن نحن نتطلع إلى بناء علاقات طبيعية ليست جديدة ولا شاذة، علاقات مبنية على التبادل المتفهم وعلى التوازن والاحترام وعلى المصالح المتبادلة.
نحن لدينا نفط وغاز نريد أن نبيعه للعالم، وبالتالي سنبيعه إلى أوربا التي تحتاج إلى النفط والغاز، ولكننا لن نبيعه بأسعار تفضيلية، ولن نبيعه لشركات دون شركات، سنبيعه بشفافية، وسيكون ذلك خاضعا لسوق العالمية، أيضا علاقات السياسية تكون متوازنة وستكون لدنيا أولوياتنا. أولويتنا الأولى هو بناء المغرب الكبير.
نحن نريد أن ندعم مغرب كبير حقيقي وقوي غير قائم على تبادل مصالح نخبة سياسية حاكمة، وإنما على تبادل المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة. نحن نتطلع لبناء مغرب كبير قوي ومتماسك وله ثقل قوي في المنطقة ويحل المشاكل التي لا تزال تشكل عقبة في وجه قيامه وانطلاقه.
ونحن نعتقد أن أهم هذه المشاكل هو وضع الصحراء، وأنا أرى أنه لا مستقبل للصحراء المغربية إلا كجزء من دولة المغرب وتحت سيادته. والدائرة الثانية هي الدائرة العربية، فنحن نريد من ليبيا أن تعود للحضن العربي والأمة العربية وأن تعلب دورا محوريا فيه، ثم البعد الإسلامي، ثم البعد مع دول بحر الأبيض المتوسط وهكذا. وأنا على ثقة أن الليبيين وقيادات الشعب الشعب الليبي التي سيختارها ويفرزها ستكون قادرة على بلورة سياسة خارجية متوازنة تخدم مصلحة الشعب الليبي أولا وتحترم مصالح الآخرين.
● إلى أي حد يمكن أن يتم اللعب بورقة القاعدة وورقة السلفيين في ليبيا من أجل تبرير التدخل الدولي في ترتيب الوضع في لبيا منا بعد القذافي؟
●● لقد حاول القذافي أن يلعب بورقة القاعدة منذ الأيام الأولى، وهناك أوصات كثيرة، وللأسف حتى من الإعلاميين العرب، تردد مقولة القذافي من كون شرق ليبيا مليء بالقاعدة، ونحن قلنا إن هذا غير موجود وغير صحيح، وجاء الصحفيون والدبلوماسيون الغرب إلى شرق ليبيا واكتشفوا بأنفسهم أنه لا يوجد خطر يسمى بخطر القاعدة وصرح رئيس الأركان الأمريكي أنه لا وجود للقاعدة في ليبيا. والجماعة المقاتلة الليبية لم تنضم أبدا إلى تنظيم القاعدة في المغرب العربي، وهذه الجماعة منذ أن وجذت في التسعينيات لم تنخرط في اي عملية قتل للمدنيين ولم تمارس أي عنف مبرر بما يعرف دوليا بالإرهاب.
ما يميز الشعب الليبي، وربما يشترك في ذلك مع الشعب المغربي، هو أن الشعب الليبي عميق الانتماء لهويته الإسلامية، وعميق التدين، وفي نفس الوقت هو وسطي يحب الوسطية والاعتدال في كل شيء وينبذ التطرف والغلو، وبالتالي فهو لا يمكن أن يقبل أي نوع من أنواع الغلو والتطرف والعنف. وجد في الشعب الليبي عشرات الآلاف من اليهود، ولكنهم هاجروا إلى فلسطين المحتلة، وإذا أراد بعضهم الرجوع إلى ليبيا بعد سقوط القذافي بشرط أن يتركوا الأراضي والمزارع التي انتزعوها من الفلسطينيين، فلا أرى مانعا من عودتهم إلى بلادهم.
● كيف تقيمون الموقف المغربي من التطورات في ليبيا ومن المجلس الانتقالي؟
●● أولا لأن المغرب لا تشترك في حدود مع ليبيا، فنحن لم نكن نتوقع أو ننتظر منها موقفا جذريا أو قويا أو واضحا مثلا في فتح الحدود في وجه الليبيين كما تفعل الجارة الشقيقة تونس، أو في السماح دخول المساعدات، لكن مع ذلك، فقد لمسنا على مدى الأشهر الخمسة الأخيرة أن هناك تعاطفا كبيرا مع معاناة الشعب الليبي، وجدنا هذا التعاطف وهذه المساندة المعنوية والحسية من كل الجهات المغربية قيادة وحكومة وشعبا، لكننا ننتظر خطوة أكبر وذلك بالاعتراف بالمجلس الانتقالي الوطني، والتدخل لرفع المعاناة عن الطلبة الليبيين الذين يعانون معاناة شديدة في المغرب بسبب توقف صرف منحهم بسبب الأوضاع الحالية، كما نتوقع منه أن يتقدم ببعض الخطوات من أجل رفع المعاناة عن أبناء الجالية الليليبة وعن المستثمرين الليبيين الذين تأثرت كثيرا بسبب الأوضاع في ليبيا. وأعتقد أن حكمة القيادة المغربية، التبصر الذي تتميز به الحكومة المغربية، مع التعاطف الشعبي المنقطع النظير الذي لمسناه من الشعب المغربي سيدفع في اتجاه هذه الخطوة خاصة وأنه لم يعد يفصلنا عن سقوط نظام القذافي إلا أيام معدودة.
● من خلال زيارتكم لفعاليات الدورة السابعة لملتقى شبيبة العدالة والتنمية وتفاعلكم مع هذا الحزب كيف تقيمون أداء العدالة والتنمية؟
●● لا بد أن نؤكد بأن تجربة العدالة والتنمية تجربة رائدة وواعدة في المنطقة العربية، وأتوقع أن تكون نموذجا ملهما في المنطقة. وذلك لأنها تتعامل مع السياسة برؤية واقعية تقدر ما يجب فعله في المرحلة، وتبني الفعل السياسي على التراكم وتبعد العموميات الشعارات العقائدية من الفعل السياسي. وما يميز هذه التجربة أنها تفهم واقعها بشكل جيد، وتتفاعل معه وتؤثر فيه، وأتوقع أن يكون لها مستقبل المساهمة في صناعة المستقل السياسي للمغرب في ظل القيادة الحكيمة للملك محمد السادس. وشخصيا، أعتقد أننا في العالم العربي محتاجون إلى قراءة هذه التجربة ورصد مسارها والاستفادة منها، وسيكون الواقع السياسي الليبي بعد سقوط القذافي مدعوا إلى التفاعل مع هذه التجربة واستلهام بعض نقاط قوتها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.