في الغالب كلما طال المقام بالكثير من السياسيين في كرسي السلطة تراجعت شعبيتهم. ما حدث مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هو العكس تماما. على بعد أقل من تسعة أشهر على نهاية ولايتها الثالثة كمستشارة الذي قضت فيه 15 سنة، وصلت شعبيتها إلى أرقام قياسية وصنفتها الكثير من المجلات المتخصصة كأقوى امرأة في العالم. ميركل ليست قوية فقطت لأنها حكمت لفترة طويلة لكن لأنها جعلت ألمانيا تتبوأ صدارة الاقتصاد الأوربي وقادت سفينة ألمانيا إلى بر الأمان بنجاح خلال فترات الأزمات كالأزمة المالية، ودافعت بقوة عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين. لهذا السبب عبر الكثير من الألمان عن أملهم في أن تترشح ميركل لولاية رابعة. غير أن ماما ميركل الحاملة للدكتوراه في الفزياء رفضت التراجع عن قرارها مبررة ذلك بالرغبة في ترك المجال للآخرين. خلال فترة ولايتها كمستشارة لم تغير ميركل مقر إقامتها الذي ليس سوى شقة في أحد أحياء برلين. لم تشيد قصرا ولم تبن فندقا ولم تؤسس مشروعا خاصا يدر عليها الملايين. لما أقول هذا الكلام أتذكر سياسيين محليين في قرى فقيرة من المغرب العميق، كانوا موظفين بسطاء في أسفل سلالم الوظيفة أو يمارسون مهنا عادية فتسلقوا بقدرة قادر المراتب الاجتماعية حتى دخلوا نادي الأغنياء ماديا (الفقراء أخلاقيا). وبعد قضاء أكثر مما قضته ميركل في منصبها ترى لعابهم تسيل للانتخابات القادمة "لتحصين مكتسباتهم" ومواصلة "المبادرات الشخصية للتنمية العائلة". نزلوا فجأة من أبراجهم العاجية وتركوا سياراتهم الفارهة جانبا. عادوا لصلوات الفجر في المسجد وصلوات الجنازة وحضور كل مناسبة لاستدراك غياب السنين الأربع الماضية في كرسي السلطة المريح، عادوا لتوزيع الوعود الكاذبة على الفلاحين والأرامل وشباب القرى اليائسين. طبعا أن يترشح المرء أكثر من مرة ويبقى في منصبه في حال فاز هذا حقه. لكن الشرط الأخلاقي أن تكون خدمة الصالح العام لديه هي الهدف الأسمى. ألا تحوم حوله شبهات بسبب استغلال منصبه للحصول على امتيازات. الشرط الأخلاقي الثاني ألا يقمع ويُشيطن كل منافس له خصوصا من الشباب. لأن الأمر في النهاية لا يتعلق بتسيير أمور ضيعته أو بيته بل بالشأن العام. في إحدى بلديات ولاية بافاريا جنوبألمانيا انتخب السكان طالبا يبلغ من العمر 19 سنة في منصب العمدة. وفي قرية "فينيسيو" الفرنسية اختار السكان العام الماضي شابا يبلغ من العمر 18 سنة أصغر رئيسا للبلدية. بلديات أوروبية أخرى ولت الشباب أمور تسيير شؤونهم السياسية. الكبار عندهم يتركون المكان للشباب لأنهم المستقبل. لكن شباب قرانا مقصيون من "شيوخ" ألفوا الكراسي وما تأتي به من امتيازات ولا يهمهم سوى كبرياؤهم. مؤلم جدا أن ترى شبابا أكفاء وقاصرين أبرياء يمتطون قوارب الموت صوب أوروبا هاربين من قرى الهامش التي طالها التهميش. تهميش السبب الأول فيه ساسة أنانيون وجشعون. عبد الرحمان عمار. برلين