(1) دون سابق موعد، وخارج السياق التحريري لموقع حزب العدالة والتنمية، خرج علينا أحد المدثرين تحت لحاف الرخاء الحزبي بعدما لفظته السفينة الحكومية حيث اكتشفت فجأة أنه عديم الكفاءة وقد قضى دهرا قابعا في مقر القبة المشرفة، كبرلماني يترحّل من إقليم الى أخر دون أن يُعطي حصيلته للساكنة ولا إلى المُناضلين الذين ناضلوا لتفوز لائحته دون مقابل … خرج هذا القيادي / الصنم ليدبج مقال غير موقع " وهذا من الجُبن الفكري والسياسي " واستغلال مقيت لمؤسسة اعلامية هي ملك جميع المناضلين لتصريف موقف شخصي. الافتتاحية بعنوان " موسم الهجرة من حزب العدالة والتنمية " وقد سال مداده تحقيرا لمن اعتبرهم أفراد لا قيمة لهم يريدون الخروج من الحزب كما لو ان الخروج من الحزب جريمة نكراء لا تُغتفر. دافعا الكرة كالعادة الى الامام، خالقا عداوات وهمية جديدة يخاطبه من خلاها كائنا هُلاميا يتهمه بالتأمر على المشروع الاصلاحي والديموقراطي لحزب العدالة والتنمية وعلى رهانات تخليق الحياة السياسية. عدو افتراضي وصفه بأنه قليل الحيلة مع منافس عز هزمه في الواقع، فلا ضير إن تحققت هزيمته في ميدان الأماني والأحلام، ففي ذلك بعض العزاء ولو إلى حين. ففي الوقت الذي كان يحارب طواحين الهواء مع عدو افتراضي فقد كان حري به أن يفكر بجدية ومسؤولية في الأزمة الحقيقة السياسية والفكرية والتنظيمية التي يعيشها الحزب مند سنوات حتى جعلت المناضلين الذي قضوا زهرة شبابهم وهم ينافحون عن توهجه ويبنون صرحه في وقت الشدة والبناء المؤلم، عندما كان مجرد الانتماء للحزب في حد ذاته ابتلاء وتهمة و ليس في زمن مناضلي اللائحة الوطنية والدواوين الوزارية. ففي الوقت الذي كان هو وأمثاله يقبعون في مقرات القيادة كان أمثال هؤلاء الذين وصفتهم بالنكيرات يملؤون الساحات ويحشدون الشباب ويجوبون الأزقة والأحياء في الحملات الإنتخابية ليقنعوا الناس بمرشح نكرة فرضته عليهم القيادة المركزية، فقط لأنه من المبشرين بجنة النجاح الإنتخابي التي تحققه علامة انتخابية اسمها حزب العدالة والتنمية. سيدي القيادي المؤبد … صاحب الامتياز الحصري في القيادة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها … كان من باب النزاهة النضالية أن تعرف لأمثال هؤلاء النكرات أنهم كانوا في مواجهة ضغط الناس والشارع وهم يدافعون عن فضائحكم وأنتم في المواقع الحكومية، وأن يبرروا فشلكم وانعدام كفأتكم في حل مشاكل المغرب والمغاربة. وضلوا أسرى لحالة التبرير حتى أدخلتموهم الى أزمة سياسية وتنظيمية الكل واعي بها ولا أحد يجرأ على قولها، خوفا على مكاسب تُفقد ومصالح تُحد، فقط تُناقش سرا في سراديب المقرات وفي الغرف المقفلة لمجلس النواب. لكن هيهات أن يرى ذلك وهو يعيش حالة مرضية تُسمى في علم النفس حالة مركزية الذات Ego centrism والتي تعني في حقل الدراسات النفسية الحالة التي يكون فيها الفرد مُستغرقًا في عالمه الداخلي الخاص، مُنشغلًا بذاته، مبالغًا في تقدير أهميتها للدرجة التي يتصور فيها- واهماً- أنه مركز العالم المحيط به، وأن كل مَن حوله من بشر قد وجدوا من أجل خدمته وتلبية رغباته، وأن آراءه واهتماماته هي الأكثر صدقًا وأهمية من آراء واهتمامات الآخرين. رُبما لا يدري القيادي / الصنم أن الحزب صار مثل الرجل المريض شبيه بحالة الامبراطورية العثمانية نهاية القرن التاسع عشر.. بجسم ضخم مُتَرهل وفعالية سياسية ضعيفة ورأس مثقل بالتقليد العلائقي والمصالح التنظيمية والتي تشكل البِنية التحتية للبيروقراطية الحزبية التي لا تريد مُراوحة مكانها وتعمل على إستغلال التعاطف الأفيوني (مخدر سياسي) للمناضلين عبر صناعة عدو وإخصار الوجود السياسي للحزب في محاربته… عدو وهمي كل همّه تقويض المسار الديموقراطي بالمغرب وصد حالة الكدح الإصلاحي والكسب النضالي وباقي المصطلحات الرنانة الخالية من أي معنى سياسي أو معرفي أو عملي … إن حالة التنظيم السائل جعل قيادة الحزب والطبقة المنتفعة معها تُدخل الحزب الى حالة "أزمة إدراك الأزمة" وعقم في إنتاج المعنى السياسي في القرارات التدبيرية في زمن يتسيد فيه الحزب المشهد السياسي مُند عشر سنوات بأغلبية برلمانية غير مسبوقة ورئاسة الحكومة لولايتين وترأس أغلب المدن المهمة في المغرب. وضعية إنتخابية منحها الشعب المغربي للحزب لا يقابلها أثر على البناء الديموقراطي ولا على التنمية وتحسين شروط عيش الشعب المغربي. فهل هناك نجاح انتخابي أكثر من هذا ليقع التطابق الموعود بين الخطاب والواقع.. كان حريًا بالقيادي / الصنم أن يكون صادقا مع موقع التميز الأخلاقي الذي يدعيه وهو يمتح من مرجعية أخلاقية تقوم على فكرة " لا نولي هذا الأمر من طلبه " ويناقش بكل النزاهة الفكرية المُفترضة حالة التصّلُب التمَوقعُي التي يعيشها الحزب في غياب تام لأليات الاستحقاق لفائدة أليات بيروقراطية وخطاب لاهوتي يستغل المقدس الديني المُشترك ليضمن مواقع لقيادة لا تتغير .. سواء محليا أو وطنيا، مند ثلاثين سنة حتى تحول معها مشروع البناء الديموقراطي الى مشروع بناء المجد الشخصي عبر تأبيد الحفاظ على المواقع والامتيازات المادية والمعنوية المصاحبة لها . ربُما لا يدري القيادي / الصنم أن التنظيمات شأنها شأن الكائنات الحيّة، تمرض ثم تموت.. تموت عندما يستعصي العلاج أو يكون التشخيص يسبح في دروب الضلال. ولا شك أن القيادة الحالية بعيدة عن التشخيص الصحيح بسنوات ضوئية . الحالة المرضية هاته نتيجة لأزمة التمركز حول الذات أدخلتها في متاهة خُرافة الشخصية والتي تعني في علم النفس اعتقاد الشخص أن أسلوب تفكيره مميز جدا وأنه الوحيد القادر على التفكير بهذا الأسلوب.. شخصية سياسية مرضية تبحت عن جمهور تَخيُّلي فيظن الحزب معه أنه دائما محط تأمر الجميع … كم كان الفيلسوف الألماني هيجل بليغا عندما قال في كتابه المدخل إلى علم الجمال: – في أوساط المتدّينين يسعى الإنسان إلى إعلاء قيمته بالثقافة الروحية .. وذلك لأن تغيرات الشكل والسلوك، وسائر المظاهر الخارجية، لا تكون من نتاج الثقافة الروحية إلاّ لدى المتدينين وحدهم… سيدي القيادي / الصنم.. لست مؤهلا بأن اثير انتباهكم الى أنكم في أزمة فأنا وأمثالي مجرد نكرات.. وحدها الأيام كفيلة بذلك … * عضو سابق بالمكتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية ومستشار جماعي