تقديم؛ كشفت وزارة التعليم عن استمارة طلب الاستفادة من التعليم الحضوري بالمؤسساتالعمومية والخصوصية، وبدأ النقاش حولها والخلفيات المتحكمة فيها. وهو ما نقلالالتزام على عاتقنا من أجل الخوض في طبيعتها وقيمتها القانونية، ونفس القيمةلتوقيع آباء وأولياء التلاميذ لهذه الاستمارة كايجاب بطلب الرغبة في الاستفادة منالتعليم الحضوري والالتزام باحترام البروتوكول الصحي، والتنظيم التربوي والتدريسيالمحدد من طرف المؤسسة التعليمية.؟ أولاً: تفكيك مضمون الاستمارة من الناحية القانونية والملاحظات: تتضن الاستمارة الموجهة الى آباء وأولياء التلاميذ تصرفين قانونيين؛ الأول: وهو التعبير عن إرادة الرغبة للاستفادة من حق التعليم الحضوري، فبدون هذاالطلب، فالجزاء المقرر هو عدم الاستفادة. وقد حولت هذه الاستمارة الأصل في التعليمالحضوري الى استثناء. وجعلت من الاستثناء أصلا، في طل الظروف الاستثنائية المقررةبفعل الطوارئ الصحية. فآباء وأولياء التلاميذ، وبعد مرور أجل التعبير عن الطلب لن يقبل منه الاحتجاجبالحرمان من التعليم الحضوري لأبنائهم، مالم يتم فتح فرصة جديدة. لأن للتعبير أثارفي جهة المؤسسات التعليمية أجل الاستعداد لاستقبال عدد التلاميذ المعبر أولياؤهم عنهذا الاختيار، بطلب الاستفادة من التعليم الحضوري لأبنائهم. ثانيا: التصرف الثاني القانوني الذي تتضمنه الاستمارة، هو الالتزام باحترامالبروتوكول الصحي والتقيد بالتنظيم التربوي والتدريسي المتخذ من طرف مؤسساتالتدريسية العمومية والخصوصية. فالالتزام المرتبط بالبروتوكول الصحي لايثيراشكالية مادام محدد سلفا في اطار المراسيم المنظمة للطوارئ الصحية والبلاغات الواردةعن السلطات المختصة نتيجة لذلك؛ من نظافة وتباعد جسدي وارتداء الكمامات، وفي حالةالاصابة أخذ العلاج بالعزل المنزلي. أما الشطر الثاني من الالتزام الخاص باحترام التنظيم التربوي والتدريسي يثير منذالبداية اشكالا حقيقيا، فهذا الالتزام يعطي حرية مطلقة في التنظيم لمدراء المدارسالعمومي والخصوصي سواء في شكل التعليم الحضوري، فقد يتدخلون بحرية فيتحديد ساعاته؟ وفي مضمونه باختيار مواد التدريس خارج نطاق القانون؟ وقد يمتد الىاحتمال تغيير المدرسة لنمط التدريس من خضوري الى عن بعد، دون أن يتمكن الآباء منحق الاحتجاج تبعا لطبيعة الالتزام الموقع من طرفهم. أما الملاحظة الثالثة، فهي المتعلقة بعدم توقيع المؤسسات التعليمية على نفس الالتزامباحترام البروتوكول الصحي مع آلاء وأولياء التلاميذ في نفس الوقت الذي تعرضالوزارة على آباء وأولياء التلاميذ القيام بذلك. وهو ما يجرنا للحديث عن آثار عقدالاستمارة والالتزام وخلفياته؛ في محاولات قطاع التعليم دفع المسؤولية عنه في جهةالآباء. ثالثا: عقد الاستمارة والالتزام ؛ عقد اذعان بشروط أكثر خطورة واجحافا. يتضمن عقد الاستمارة ايجابا وقبولا في نفس الوقت. من خلال التعبير عن ارادة الرغبةفي التعليم الحضوري للأبناء، وذلك في جزء الاستمارة الأول المتعلق بتقديم الطلبللاستفادة منه ، لأن من لم يعبر عن هذه الرغبة يعتبر في حكم الذي يتخلى عنه مرحليا. وبالنسبة لمن اختار التعليم الحضوري، فان العقد الذي انضم اليه هو عقد اذعان، لأنه لميفاوض في شروطه، ولم يتم احترام ارادته إلا في جزء اختياره التعليم الحضوري، معالتزامه المسبق بالخضوع لشروط القطاع الحكومي في احترام البروتوكول الصحي، ولاضير في ذلك لأن ذلك محدد قانونا. غير أن الاذعان الأخطر يتجلى في اجبار وزارة التعليم الآباء وأولياء التلاميذ للتنظيمالتربوي والتدريسي المحدد من قبل المؤسسة العمومية والخصرصية، والأدهى ترك ذلكالتنظيم عاما وفضفاضا ومبهما، ودون تحديده. وهو بذلك عقد أكثر ظلما من ظلم من عقد الاذعان. لأن الأخير شروطه ولو هي مجحفةوغير متفاوض بشأنها، فان بنوده وشروطه محددة سلفا ومعروفة من ذي قبل، وقبلتوقيع الخاصع له، والقبول به. فوزارة التعليم حريصة أشد الحرص على اخضاع آباء وأولياء التلاميذ لشروطالمؤسسات الخصوصية خاصة في شكل التنظيم التربوي والتدريسي المحدد من قبل هذهالمؤسسات. فهي تحركت باسم هذه المؤسسات وبالنيابة عنها، ولصالحها. وفي هذاالصدد أتساءل لماذا لا تفاوض الوزارة بالنيابة عن الآباء بخصوص أثمنة التدريسوتخفيضها لمن اختار التعليم عن بعد؟. رابعاً: الالتزام يمنح الحرية للمؤسسات التعليمية بالتخلي عن التعليم الحضوري في أيلحظة؛ يتجلى العيب الآخر والخطورة الأخرى في العقد في احتمال وامكانية عدول وتخليالمدرسة عمومية او خصوصية لنظامها التدريسي في نمطه الحضوري، والانتقال تحتأي ظرف كان، أو بدونه الى التعليم عن بعد؟. وهو ما يجعل هذا العقد بمثابة منيستحضر هذا الاحتمال ويتكن به، ومع ذلك يحازف خطرا بصحة وحياة التلاميذ. فعقد الاستمارة يضمن مخرجا آمنا للمؤسسة، لأنه يلزم الآن باحترام هذا التنظيم، ولوتغير، لأنها تركته بدون تحديد، ومنحت للمدارس حرية هذا التغيير، دون اطار للآباءيلزمها بعدم إجراء هذا التغيير. خامساً: عقد الاستمارة والالتزام لا يعفي من المسؤولية عن اضرار اصابة التلاميذبكورونا. لم يتحدث عقد الاستمارة عن المسؤولية مباشرة، ولا عن الاعفاء عنها، ولا التخفيف منهاولا اسقاطها ولا احلال الآباء محل الوزارة والمؤسسات التعليمية.فالمسؤولية مرتبطة دائمابحصول وقيام الخطأ وحدوث الضرر وتبوث العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. ولايمكن تبعا لذلك الحديث عن المسؤولية إلا بعد حدوث الضرر. حيث ينطلق البحث عنالمتسبب له خطأ كان أو جريمة أو شبه جريمة. فعقد الاستمارة، والالتزام باختيار التعليم الحضوري من طرف آباء وأولياء التلاميذ ليسمسقطا لمسؤولية الأطراف المتدخلة. من جهة لأن العلم باحتمال الخطر متوفر لدىالجميع؛ الدولة والوزارة والمؤسسات التعليمية عمومية وخاصة، والأولياء والآباءوالتلاميذ، ورغم ذلك تم تنظيم هذه الامكانية واللجوء اليها، وسمح بها القطاع الوزاريالمشرف على التعليم، ورحبت المؤسسات بها واتخذت تنظيما من أجل ذلك. سادساً: اللجوء الى التعليم الحضوري رغم العلم بقيام الخطر يعوص مسؤولية الوزارة؛ ولأن هذا الاختيار المقرون بالخطر يمكن منعه من طرف المشرف والمؤسسة من أساسه. وهوالاختيار الصواب لو أخذت به الوزارة، عوضا عن دفع الآباء الى مخاطرة ومجازفة بصحةوحياة فلذات أكبادهم. بل ان مسؤوليتها يثبتها هذا الالتزام أكثر من نفيها. فهي المسؤولةعن صحة وحياة التلاميذ تحت أي ظرف كان ومهما كان. خاتمة: قد تكون الوزارة تسرعت كثيرا في استئناف الموسم الدراسي، وقد تكون في مرتبةمن يرتكب جريمة في حق التلاميذ بلجوئها الى التعليم الحضوري. فالوباء مازالمستفحلا، والأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، وآثار الموجة الكبيرة لا يمكن وقفها بعدم توفراللقاح، واحتمال العودة الى العزل الصحي العام وارد في أي لحظة. فهل اتخذت هذهالخطوة من أجل العودة الى التعليم عن بعد تحايلا عن طلبات الآباء بالتدخل لتنظيمالعلاقة بينهم وبين المؤسسات التعليمية الخصوصية!. *محامي بمكناس. خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.