لعل المتتبع للشأن الحزبي بالمغرب قد أدرك أن عملية تقييم عمل الأحزاب السياسية، تطفو إلى سطح النقاش العمومي خصوصاً على المواقع الإجتماعية مع كل أزمة يواجهها المجتمع المغربي، وكأني بالمغاربة لا يستحضرون وجود الأحزاب السياسية إلاّ عندما يتحسسون خطراً خارجياً أو مباغثاً.والأمر لا يستقيم بتاتاً وأهمية هذه الأحزاب كأليات ضرورية لممارسة الديمقراطية وتكريسها، وكذلك الأدوار المنوطة بها لتأطير المواطنين وتكوينهم ثم تمثيلهم في مختلف المؤسسات المنتخبة، وهذا يقابله بطبيعة الحال الدعم الذي تحصل عليه من المال العام . في نفس السياق تعالت أصوات عديدة تتساءل عن غياب الفاعلين الحزبيين والأحزاب السياسية عن معركة مواجهة وباء كورنا المستجد، وإعتبرها البعض كنوع من الدعابة أنها الأفضل من طبقت تعاليم وزارة الصحة بخصوص الحجر الصحي كناية عن غيابها وشح مبادراتها...ودعى اخرون إلى إنخراطها في عملية التوعية نظراً لامتلاكها هيئات موازية كالشبيبة وغيرها ستمكنها من التواصل مع المواطنين والمساهمة في الحملة الوطنية للتوعية بخطورة فيروس كوفيد 19. صحيح أننا لا يمكننا الجزم بتقاعس الأحزاب السياسية عن المساهمة في المجهود الوطني لمواجهة الوباء، لعل الإنخراط المبدئي لأحزاب الأغلبية على مستوى الحكومة وكذلك المبادرات التي دشنتها بعض أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى مساهمة المجالس الجماعية في عمليات التعقيم والدعم المباشر للأسر المعوزة كفيل بأن ننظر إلى الكأس في جزئه المملوء وليس الفارغ. لكن ما يجب الإشارة إليه أن الأحزاب السياسية كآليات لممارسة الديمقراطية وتدبير الشأن العام والمحلي يجب عليها أن ترقى إلى مستوى المؤسسات ذات التقاليد الراسخة، وتمتلك نظرة بعيدة المدى في تدخلاتها ومبادراتها الإستباقية وليس ردود فعل عشوائية وغير واعية ناجمة عن مبادرات فوقية ...فالأحزاب وجب عليها أن تكون سباقة إلى الإقتراح وتوفير البدائل بالإعتماد طبعاً على كفاءتها وطاقاتها الشابة التي يجب استثمارها في حل الأزمات التي يعاني منها الوطن بعيداً عن التنافس على الحقائب الوزارية ووكلاء اللائحة الوطنية .... من هذا المنطلق نجد أن الأحزاب السياسة وفي كل أزمة يتعرض لها المغرب تتلقى إنتقاذات لاذعة ليس بسبب حضورها ولكن بسبب طريقة تعاطيها مع هذه الأزمات، فتبدو عاجزة عن تدبيرها لأنها تفتقر إلى ثقافة تدبير الأزمة، فتصبح هي الأخرى في موقع المتفرج الذي تند عنه ردود أفعال تفتقر إلى المصداقية والدقة . وينضاف إلى ذلك صعوبة تواصل هذه الأحزاب مع المنخرطين لأنها تخلت عن دورها في تأطيرهم وتكوينهم وصار وجودها منسابتياً يرتبط بالمحطات الإنتخابية . بيد أن المسؤولية مشتركة بين الجميع ،صحيح أن الأحزاب تراجعت عن أدوارها في التأطير والتكوين وبناءالمواطن الواعي بهمومه وهموم الوطن،المشارك في تدبير الشأن المحلي .....لكن ذلك يعزى إلى مناخ الصراع الذي ضحى بأليات ممارسة الديمقراطية وتكريسها في سبيل ضرب أشخاص أو من أجل الحفاظ على ديمومة المؤسسة الفاعلة ،وبالتالي تم حرق المؤسسات الوسيطة وإفراغ محتواها وتسفيه مبادراتها وشيطنتها عبر خلق نسخ مشوهة لأحزاب إعتمدت على وسائل مشبوهة لفرض وجودها في الساحة وتخلت عن الدور الحقيقي للحزب لصالح الظهور المنسباتي... وهكذا فأية محاكمة اليوم للاحزاب السياسية ومحاولة تقييم عملها في إطار المجهود الوطني لمواجهة الوباء يستدعي منا تقييم أنفسنا ومبادئنا وموقفنا من هذه الأحزاب، فلا يعقل أن نطلب ود الكراب في الصيف وقد رفضنا مصافحته في الشتاء. وعموماً تبقى مثل هذه الأزمات والأوبئة بمثابة هزة للضمير الجماعي، تجعل من العقلاء قادريين على تَبَيُّن الأعطاب بهدف بلورة سياسات عمومية حقيقية كفيلة بإصلاح ما يمكن إصلاحه.