تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    اتحاد دول الساحل يتهم الجزائر ب"العدوان والترويج للإرهاب" ويستدعي سفراءه للتشاور (وثيقة)    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    عبد الإله صابر: إقصاء الوداد سقوط لمنظومة كاملة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    إنريكي: حكيمي لاعب متعدد الأدوار    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    مدريد تحتضن حوار الإعلاميين المغاربة والإسبان من أجل مستقبل مشترك    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرميد يكتب .. فصل المقال فيما بين الإسلام والشرعة الدولية لحقوق الإنسان من اتصال مقال رأي
نشر في العمق المغربي يوم 05 - 01 - 2020

إن مقاربة حقوق الإنسان في الإسلام في علاقتها بالشرعية الدولية لا تتأتى إلا باستحضار الاعتبارين التاليين:
– أولا: أن النبي (ص) لما كان في عمر العشرين حضر اتفاقا بين قبائل عربية على (أن لا يظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته)، وقال عن هذا الحلف الذي سمي حلف الفضول لاحقا لما أصبح نبيا: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت».
وهذا يعني أن الأحلاف والمواثيق والاتفاقيات التي تنصر المظلوم وتضمن الحقوق مطلوبة في دين الإسلام بغض النظر عن أطرافها وسياقاتها وظروف إبرامها.
– ثانيا: إن النبي (ص) ولما كان بصدد كتابة المعاهدة التاريخية بينه وبين قريش بمناسبة صلح الحديبية أملى على كاتبها علي بن أبي طالب (بسم الله الرحمان الرحيم) فواجهه ممثل قريش بأنه لا يدري ما الرحمان، وطلب منه أن يكتب (باسمك اللهم) فقبل رسول الله، ثم أن النبي (ص) املى على علي (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله)، فقال سهيل بن عمرو ممثل قريش : (لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك)، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليا بمحو عبارة رسول الله لكن عليا رفض ذلك، فطلب من رسول الله أن يدله في المكتوب على عبارة رسول الله فمحاها بنفسه.
وهو ما يعني أن المعجم الديني إذا كان سمة يتميز بها الخطاب الإسلامي بما يتطلبه ذلك من استشهادات نصية قرآنية وسنية، فإنه لما يتعلق الأمر بالاتفاقات مع غير المسلمين، فلا شيء يدعو الى اعتماد المسلمات الإسلامية من عقائد ومصطلحات شرعية قد تؤدي الى مصادرة مسلمات الآخر، بل المطلوب هو اعتماد المصطلحات المتعددة، الحاوية للمعاني المختلفة، الحافظة للخصوصيات المتعددة، وإلا وجب اعتماد المصطلح المشترك المحايد الذي لا يتنافى مع عقائد الآخرين.
– ثالثا: إن استحضار الاعتبارين المذكورين يجعلنا في حل من الاعتراضات التي تحاول رفض الشرعية الدولية، إما بسبب السياق الغربي الداعي الى وضعها، أو بسبب غياب المسلمين عن بعض مكوناتها، أو بسبب كونها وضعية لا دينية، أو بسبب عدم استيعابها لكافة المعاني الإسلامية او اعتمادها على عبارات وصياغات غير معتادة في الخطاب الإسلامي، غير أن ذلك لا يعني أبدا القبول الكلي والتسليم التام بكل ما ينضوي تحت مسمى حقوق الإنسان حتى ولو صادم قطعيات الدين أحكاما أو مقاصد، بل إنه لابد لمصالحة النصوص الإسلامية مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان أن تكون نصوصها متوافقة أو على الأقل غير متضاربة ولا متناقضة.
وهكذا فإن المعتمد في هذا السياق هو مقارنة النص بالنص، والحكم بالحكم، والمعنى بالمعنى، دون اعتبار للمبنى، أو لأي اعتبار غير نصي يمكن أن يشوش على الالتقائية والتوافقية التي يمكن أن تحصل باعتبار التوافق الممكن بين النص الصحيح والعقل الصريح على حد تعبير بن تيمية او على حد تعبير بن رشد في عنوان كتابه (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).
وهنا نذكر أن أساس الحقوق في الشرعية الدولية ومحورها هو الكرامة.
وهكذا ورد في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عبارة: (لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم).
كما ورد في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبارة: (إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم)، ونفس العبارة تكررت في ديباجة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية منع التمييز ضد المرأة واتفاقية منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وحينما نسائل النصوص الشرعية الإسلامية الأساسية في الموضوع، تطالعنا المكانة الرفيعة التي تحتلها الكرامة التي أوجبها الله للإنسان، في مثل قوله تعالى : ” ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، وحيث يبدو جليا أن القرآن الكريم أكد على التكريم الإلاهي للإنسان باعتباره انسانا بغض النظر عن أي اعتبار آخر سواء كان دينيا أو أصلا أو لونا أو نوعا أوغيره… وهو ما يطلق عليه الكرامة المتأصلة في الإنسان، وإن جاءت آية أخرى تؤصل التكريم المكتسب في قول الله تعالى : ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وهو تكريم من مستوى آخر يعزز التكريم المتأصل في كل إنسان، يتأسس على الأخلاق والأفعال والممارسات.
ومن عجائب ما ينتهي إليه الباحث في مستوى الالتقائية بين بعض الصياغات في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والآيات القرآنية أنك تجد الله تعالى قد جعل من التكريم للإنسان مؤسسا على قدراته العلمية الموهوبة له عند الخلق، وهو ما يعني أن أساس التكريم هو العلم الذي فضل الله به الإنسان على كافة مخلوقاته بمن فيهم الملائكة في قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (29) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (30) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (31) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(32)﴾ سورة البقرة.
أما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فنجد أن الديباجة تنص على أن: (الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها).
وهذا ما يعني أن المنظومتين الإسلامية والدولية تتفقان على أن مناط تقدم حقوق الإنسان وضمانها وتوطيدها إنما يرتكز على العلم والتعليم.
*** ***
ولا يقف هذا التلاقي والتقاطع عند هذه الحدود إنما ينصرف إلى المبادئ المركزية التي انبنت عليها كلا المنظومتين وهي هنا: الحرية والعدالة والمساواة.
1. الحرية:
لقد تضمنت المادة الأولى من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان كون جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق.
وهو تعبير يكاد يطابق القول المشهور المنسوب لعمر بن الخطاب الخليفة الثاني بعد الرسول صلى الله عليه وسلم والذي خاطب فيه عامل مصر بقوله: ﴿متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟﴾.
وتشمل الحرية أول ما تشمل حرية التفكير والضمير والدين، فضلا عن حرية الرأي والتعبير، ولا يخفى في هذا الصدد أن هذه الحريات مضمونة من حيث المبدأ في الشريعة الإسلامية لقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [ البقرة: 255] وقوله أيضا ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ، فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف-29]
وإذا كان المبدأ هو أن لا إكراه في الدين، فمن باب أولى لا ينبغي أن يكون هناك إكراه فيما عداه مما تعلق بالتفكير والرأي والتعبير، غير أن مستوى نضج المجتمعات، وشروطها الثقافية يفرض قيودا على المبادئ، ويجعلها تخضع لإكراهات الواقع الاجتماعي وهو ما جعل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان يعي أن مقابل المبادئ السامية هناك الواقع المعقد للدول والشعوب، لذلك نص في المادة 29 منه على إمكان إخضاع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته للقيود التي يقررها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.
وهكذا، فإن كانت الحرية في كل الشرائع هي الأصل فإنها ليست مطلقة وترد عليها القيود الواجبة والضرورية التي تستلزمها مقومات أي مجتمع ديمقراطي بناء على إكراهات النظام العام الذي يضيق ويتسع حسب ما يعده الناس في حضارة معينة مصلحة عامة أو قواعد لها الأولوية المطلقة واجبة الاحترام، وهو ما يعتبر في الشريعة الإسلامية حقا لله تعالى.
بل إن الحق في الحرية يؤول الى واجب كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمرا ن-104]
2. العدل:
تعتبر قيمة العدل من القيم الرئيسية التي تأسس عليها الميثاق العالمي فهي قرين للحرية، وفرع عن مبدأ الكرامة، لذلك ورد في الديباجة ان (الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم) ولذلك تأسست على هذه القيمة أحكام متعددة تعتبر رجع الصدى لهذا الركن الركين داخل المنظومة القيمية الدولية، ومن ذلك كل ما تعلق في الحق في الحياة والسلامة الشخصية ومنع الاسترقاق والتعذيب، والحق في الانصاف أمام المحاكم والمعاملة الحسنة في كافة أطوار المساءلة القانونية، فضلا عما يتصل بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية كحق العمل والأجر الملائم والعيش الكريم والصحة وغيرها.
وفي مقابل ذلك يلاحظ أن قيمة العدل تتصدر القيم التي يدعو اليها الإسلام، حيث أن العدل من أسماء الله الحسنى، فكان أن جعله فريضة واجبة في قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ (النساء:57)، ولأنها قيمة مطلقة فإن احترامها يستلزم تجاوز الذات وعدم اعتبار العلاقات حتى ولو تعلق الأمر بأقرب الأقربين ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ (النساء-134) لذلك ينبغي استحضار أهمية العدل في كافة الشؤون وفي تنظيم كافة الأحوال. إن الله تعالى جعله أساس الرسالات والديانات لقوله تعالى: ﴿لقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد -24).
وإذا استحضرنا أن القسط هو العدل وأنه مناف للظلم، فإن العدل يتجاوز حدود ما تقضي به المحاكم وما تقرره الإدارات ليشمل كافة مناحي الحياة فيما يتصل بالعلاقات الإنسانية، لذلك جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا).
3. المساواة
تعتبر المساواة أحد الركائز الأساسية التي اعتمدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد نصت الديباجة على الحقوق المتساوية الثابتة لأعضاء الأسرة البشرية، كما أن المادة الأولى أكدت على أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وهو ما أكدته المادة الثانية في منع التمييز لأي سبب كان ودون أي تفرقة بين الرجال والنساء، وهو ما أكده القرآن الكريم والسيرة النبوية في مثل قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (الحجرات- 13). وقد تأكد ذلك في العديد من النصوص لعل أهمها ما كان في خطبة الوداع من تكريس لمبدأ المساواة (يا أيها الناس ألا إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا أسود على أبيض، كلكم لآدم آدم من تراب).
وإذا كان الناس متساوين في القيمة الإنسانية فإنهم يتفاضلون حسب عملهم وما كسبت أيديهم لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ (الأنعام- 133)، وقوله تعالى ({فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (8) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (9) ﴾ (الزلزلة)
*** ***
وإذا كان هذا التوافق القيمي الأساسي بين الإسلام والشرعية الدولية لحقوق الإنسان الذي تحتضنه قيمة الكرامة المعتبرة في كليهما أساسا لباقي النصوص المعتمدة في كليهما، فان ذلك لا يعني توافقا تاما في التفاصيل، بل إن هناك اختلافات في التفاصيل بين المنظومتين، إلا أنها تبقى محدودة تتطلب التدقيق والتحفظ.
وهكذا على سبيل المثال فمن بين 30 مادة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هناك مادة واحدة نعتبرها منافية لصريح القرآن الكريم وهي المادة 16 التي تنص على أن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزويج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب النوع أو الدين… ووجه التحفظ هنا هو نفي قيد الدين في الزواج في حين أن الله تعالى يقول في محكم التنزيل : ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(219) ﴾(سورة البقرة )
ولتأكيد عالمية حقوق الإنسان وقدرتها على استيعاب قيم كافة الأديان ومعطيات كافة الحضارات، فقد نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة في 1969 على التحفظات، حيث أن من حق أي دولة لدى توقيع معاهدة ما أو التصديق عليها أوقبولها أو الانضمام اليها أن تبدي تحفظا إلا إذا:
(أ)حظرت المعاهدة هذا التحفظ؛ أو
(ب) نصت المعاهدة على أنه لا يجوز أن توضع إلا تحفظات محددة ليس من بينها التحفظ المعني؛ أو
(ج) أن يكون التحفظ، في غير الحالات التي تنص عليها الفقرتان الفرعيتان (أ) و(ب)، منافيا لموضوع المعاهدة وغرضها.
وهو ما يؤهل الدول الإسلامية وغيرها من الدول إبداء التحفظات اللازمة، غير أن هذه التحفظات ينبغي أن تكون ذات أساس ومبررة بشكل دقيق حتى لا يتم بدعوى التحفظ إفراغ المواثيق الدولية من مضامينها وتجريدها من جوهرها.
وفي نفس الآن ينبغي على الدول الإسلامية ألا تغيب بمرجعيتها الإسلامية عن إعداد الوثائق الاتفاقية لتتأهل الاتفاقيات لاستيعاب المقتضيات الإسلامية دون حاجة الى التحفظ وهو ما وقع بالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل خاصة في المادة 20 التي نصت صراحة على أنه (يمكن أن تشمل هذه الرعاية (الرعاية البديلة) في جملة أمور، الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال…) ويعتبر هذا النص الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 20 نونبر 1989 منعطفا مهما في استيعاب كافة الثقافات وتبويئها مكانة لائقة في النص الاتفاقي، يؤهله ان يكون أكثر عالمية من جهة، ويجعله الزاميته أكتر دقة ووضوحا.
وأخيرا، فإن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تعتبر منتوجا بشريا نبيلا ورائعا على العموم، إنه الحكمة بوجه من الوجوه، التي إن وجدها المؤمن فهو أحق الناس بها، غير أن موازين القوى العالمية تبقى محددا أساسيا في تكييف المواقف منها، وبالتالي فإن تطبيقها وتتبع ذلك، والالتزام بها يخضع لمكاييل مختلفة تلعب فيها السياسة والقوة والمال وغيرها أدوارا حاسمة.
وهكذا لاحظنا كيف أصبحت هذه العوامل حاضرة بشكل ملحوظ في تقييم الدول بعضها البعض، وتؤدي الى تهميش الاعتبارات الحقوقية لفائدة الاعتبارات السياسية، ومثاله ما يتم خلال مناقشة تقارير الدول في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو ما يلاحظ أيضا على بعض قرارات مجلس الأمن التي تغلب عليها الاعتبارات السياسية لولا صلاحيات الجمعية العمومية التي يمكن أن ترد الأمور الى نصابها أحيانا كما وقع أخيرا في موضوع قرار الولايات المتحدة الامريكية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
إن أهمية الموضوع بالغة، وسواحله متباعدة، وأعماقه بعيدة، وحسبي أني ساهمت حسبما أتاح لي الوقت بهذا المقال الذي أرجو أن يكون ذا فائدة في موضوعه.
والله ولي التوفيق
جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.