إذا أراد القارئ أن يعرض شيئاً عن العبادات أو المعاملات في الإسلام فسيجد ضالته في عدد لا حصر له من كتب المتقدمين والمتأخرين. إلا أنه لو أراد أن يعرف شيئاً عن العلاقات الدولية الخارجية في الإسلام لما وجد ذلك إلا بعد جهد جهيد في قواعد متناثرة وأحكام متفرقة. هذا الكتاب حاول جمع ما تناثر وما تفرق، حيث يعالج الجزء الأول منه القانون الدولي الإسلامي وقت السلم في حين يعالج الجزء الثاني منه القانون الدولي الإسلامي وقت الحرب. ولكي تكون الدراسة قريبة إلى أفهام المعاصرين فقد اعتمد منهجاً معيناً وهو بحث المسألة المراد عرضها في القانون الدولي الوضعي قبل الدخول في تفاصيل الفقه الإسلامي لكي يفهم المراد من المصطلحات الشرعية وتقريبها إلى مرادفاتها في لغة القانون الوضعي. فضلاً عن ذلك فإن هناك مسائل ومواضيع في القانون الدولي الوضعي لم يبحثها فقهاؤها من قبل لعدم وجودها على الواقع في ذلك الوقت، ففي هذه الحالة استعرض الموضوع في القانون الوضعي ثم حاول إبراز حكم الشريعة الإسلامية على هذه الوقائع بناء على الأسس والقواعد العامة للشريعة الإسلامية التي تجعلها صالحة لإبداء حكمها في أي واقعة إلى قيام الساعة. العلاقات الدولية في الإسلام هي العلاقات والصلات الخارجية التي تقيمها الدولةالإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد لتحقيق أهداف معينة وفقا للشريعةالإسلامية .وقد كان الاسلام سباقا في تأسيس قواعد القانون الدولي. وكتاب السير للإمام الشيباني- الملقب عند الغرب ب" غروسيوس المسلمين" أول كتاب عالج أحكام الجهاد والحرب وما يتبع ذلك، وقد شرح الإمام السرخسي ذاك الكتاب وعلل فيه لنصوص السير مبيناً بعض الأحكام والأدلة، مفرعاً عليه بعض المسائل الفقهية في أمور الجهاد والحرب. هذا وأن صاحب السير الكبير الإمام محمد الشيباني هو ابن الحسن الذي كان من مواليد قرية حرستا من أعمال دمشق وقد قدم العراق فولد له محمد بواسط سنة (132ه) ونشأ بالكوفة ثم سكن بغداد في كنف العباسيين وطلب العلم في صباه فروى الحديث وأخذ عن الإمام الأعظم (أبو حنيفة) طريقة أهل العراق ولم يجالسه كثيراً لأن الإمام أبو حنيفة توفي والشيخ محمد حدثاً، فأتم الطريقة على أبي يوسف، وكان فيه عقل وفطنة فنبغ نبوغاً عظيماً، وصار هو المرجع لأهل الرأي في حياة أبي يوسف. وقد تولى الإمام محمد القضاء زمن الخليفة، توفي سنة 189ه بعد أن ترك تراثاً عظيماً. فقد واجه الإسلام منذ نشأته أوضاعا سياسية وأحوالا اقتصادية بالغة التعقيد، ونجحفي أن يتعامل معها بأسلوب متميز يختلف عن أساليب الدول السابقة؛ فعقد المعاهدات،واستقبل المستأمنين، وأعان الضعفاء، وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل،وفاوض وأقام العلاقات الخارجية.. كل ذلك بتصور إسلامي مستمد من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم. وحري بالمسلمين في كل عصر وزمان أن يلتزموا تلك الفاعلية المنتجة المنضبطة بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم. منهجية دراسة العلاقات الدولية في الاسلام تستمد من المصدرين الأساسين لأسلام (القرآن والسنة) وهي التي تشكل إطاراً مرجعياً ومعيراً عاماً من المفترض أن تستند إلية النظريات والرؤى التي تتبناها الدول الاسلامية في علاقاتها الدولية. وممارسات الدولة الأسلامية في مجال العلاقات الخارجية-كما مجال الشئون الداخلية-هي عبارة عن اختيارات للسلطات المسئولة, وهي محدودة من حيث الزمان والمكان والواقع , وهذة الممارسات يمكن الحكم على مشروعيتها بمعرفة مدى التزامها بالدستور الاسلامي الذي يحيط بها في كل مرحلة من مراحلها. لذلك تتفق نظرة فقهاء النظام السياسي على أن من أهم الوظائف التي تقوم بها الدولة الاسلامية :الدعوة ألى الاسلام ونشر تعاليمة بين البشر,فالدولة الاسلامية بطبيعتها دولة عالمية التوجة تسمو على الاقليمية والعنصرية القائمة على قومية معينة . *مبادى العلاقات الدولية في الاسلام: 1-العدالة: وهي العدالة أعطاء كل ذي حق حقة دوم تأثر بمشاعر الحب لصديق أو الكراهية لعدو, وتقضي العدالة في مجال العلاقات الدولية أن تبنى كافة العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على اساس:العدالة لكافة الأطراف،وعدم الجوار على طرف فيها من جراء هذا الاتفاق أو تلك المعاهدة . فالعدل يعد السمة الأبرز التي تنص عليها نصوص القرآان والسنة. قال تعالى ("ولايجر منكم شنئان قومٍٍ على أل تعدلو واعدلوا هو أقرب للتقوى"). 2-المساواة:تتيح المساواة فرصة متساوية للحصول على الحقوق الأساسية لانسان والتمتع بها في ضوء مقاصد الشريعة فإذا توافرت الفرص المتساوية أمام يكون التفاوت بينهم بعد ذلك راجعا إلى مايبذلونة من جهد وعمل، وإلى مايحققونة من انتاجية متميزة ،والى مايملكونة من قدرات على التحصيل العلمي والتقدم الحضاري وان الاكرم هو الاتقى الذي يعمل صالحا ولايفسد في الارض. فالاسلام يحث اتباعه على البر والاحسان وبذل المعروف في العلاقات الانسانية لجميع البشرىالامن حارب الله ورسولة وتربص بالمسلمين الدوائر من (الحربين)، أما من عداهم –حتى من غير االمسلمين-فالدين لايمانع من برهم والاحسان اليهم ماداموا (مسالمين) موادعين ، كأهل الذمة واهل الصلح ونحوهم قال تعالى "ولاتجدلوا أهل الكتب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم". 3-الحرية:ينبع مبدا الحرية من قيمة المساواة بين البشر التي قررها الاسلام فانتمأؤهم إلى أصل واحد يقتضي العدل وعدم الاكراه . وفي ضوء المضمون الاسلامي للحرية: أ- الإقرار بسياسية الأبواب المفتوحة في محيط العلاقات الدولية،ورفض سياسية العزلة والانغلاق الا لضرورة (الضرورة تقدر بقدرها) ذلك لان سياسة الباب المفتوح هي التي تتيح فرصا متساوية وعلاقات متكافئة للافراد والجماعات والشعوب لكي تمارس حرية التنقل والاقامة ،والدخول،والخروج،والعمل والتملك،....الخ) اما سياسة العزلة والانغلاق فانها تتضمن بالضرورة قيودا على ممارسة مثل هذة الحريات الى حد الحرمان منها في بعض الحالات. ب- بطلان الأوضاع التي تنشأ نتيجة للقسر والاكراة حتى لو تكرست اتفاقيات أو معهادات أو بحكم الأمر الواقع فهذة كلها تتنافى مع قيمة الحرية ولابد للسياسة الاسلامية الدولية أن تعمل لتصحيح الاوضاع بما يتفق مع هذة القيمة. 4 -الوفاء بالعهود والمواثيق:حتى لاتضل قيم العدالة والمساواة والحرية مجرد امنيات من الضروري ترجمتها الى ممارسات فعلية على ارض الواقع وكثيرا مماتقضي المعاملات فيما بين الافراد وبين الدول والهيئات والمنظمات ان توضع هذة القم في صورة عقود أو عهود او مواثيق تميلها اعتبارات عملية ونفسية واخلاقية متعددة ومتغيرة حسب ظروف الزمان والمكان. لقد رفع الاسلام من شأن (العهد)الى مستوى عال من الالزامية وبالفاظ مؤكدة وقد كان لقاعدة (حرمة المعاهدات والزاميتها في السلم والحرب) اثرها البالغ في علاقات المسلمين مع غيرهم منذ زمن الدولة الاسلامية في عهد الرسول صلى الله علية وسلم لى يومنا هذا . قال تعالى"وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولاً" . 5-مراعاة المصلحة العامة للدولة الاسلامية :جاء الامر في القران الكريم بالتعاون المبني على فضائل الاخلاق الهادف الى تحقيق الخير الانساني العام والقرب من الله تعالى كما جاء فية ايضا النهي عن التعاون المؤدي الى انتهاك تلك الفضائل ، الهادف الى الاعتداء أو إلحاق الأذى بالاخرين". ومن اهم الأمور التي نص العلماء على ضرورة التقيظ لها في امور العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية في حالتي الحرب والسلم:(مراعاة موازين القوى) فان كان المسلمون يعانون من ضعف في قدراتهم العسكرية فعليهم أن لايشتبكوا في حرب مع من هو اقوى منهم واكثر تفوقا بحيث يغلب على الظن ان يلحق الهزيمة بالمسلمين. القسم الأول:العلاقات الدولية في الاسلام وقت السلم: ان تاسيس علاقات المسلمين بغيرهم على الدعوة من شانة ان يوسع نطاق السلم وان يعزز بالتالي الحاجة الى الادوات السليمة في التعاملات الخارجية للدولة الاسلامية ومرد ذلك الى ان الوفاء بمقتضى الالتزام القائم في حق الدولة الاسلامية بنقل مضمون الدعوة الى غير المسلمين في جميع انحاء المعمورة وتبصيرهم باحكامها في غير ماضغط أو إكراه ، مشروعية المعاهدات:قال تعالى"وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم". مدة المعاهدة"للعلماء في مدة المعاهدة ثلاثة اقوال". الاول "راي الامام الشافعي وهو ان المدة بين المسلمين والكفار على ترك القتال يجب أن لاتتجاوز عشر سنوات قابلة للتجديد اقتداء بصلح الحديبية. الثاني"رأي الحنيفة والمالكية والحنابلة وهو جواز ان تكون مدة المعاهدة لمدة طويلة مادامت الحاجة قائمة لها ولكن لابد ان تكون محددة معلومة كي لايكون ذلك ذريعة لتعطيل الجهاد في سبيل الله. الثالث"رأي شيخ الاسلام وتلميذة ابن القيم وغيرهما انه يجوزأن تكون المدة غير محددة واستدل لذلك بمصالحة رسول الله لاهل خيبر . فوائد المعاهدات"يستفيد المسلمون من اجراء المعاهدات مع الكفار في ترك القتال. *اهم أدوات العلاقات الدولية في الاسلام وقت السلم: 1-تبادل الرسل والسفارات كأداة في العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية. 2-التبادل التجاري والاقتصادي. 3-التفاوض. 4-التعاهد. القسم الثاني:العلاقات الدولية في الإسلام في حالة الحرب: الحرب مظهر من اهم المظاهر القوة وقد جاءت مشروعية الجهاد في الاسلام لحماية المصالح الدينية والدنيوية للمسلمين وعلى اعتبار انه وسيلة تحمى به الحقوق والمصالح لا لكونه غاية في حد ذاته قال تعالى "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لاتعلمون". *القواعد المنظمة لسير القتال وقت الحرب في الإسلام: 1-رد العدوان والدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والوطن . 2-تأديب ناكثي العهد من المعاهدين أو الفئة الباغية على المسلمين. 3-تامين حرية الاعتقاد للمسلمين ورد من يفتنونهم عن دين الإسلام. 4-إغاثة المظلومين من المسلمين أينما كانوا. 5-حماية الدعوة. وتزخر كتب الفقة الإسلامي بجملة من الأحكام المتعلقة بالجهاد والحرب ومن اهم الاحكام المتعلقة بالموضوع العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية: 1-الاصل في الجهاد في الاسلام انه فرض كفاية متى ماقام به البعض سقط عن البقية. 2-يجب في الجهاد اخذ الاذن من ولي امر المسلمين الا في حالة ان يفاجئ العدو البلد الذي يقيم به المسلم . 3-يجب استئذان الوالدين في الجهاد 4-يخير امير الجيش الكفار غير المعاهدين بين ثلاثة امور:الدخول في الاسلام اودفع جزية مع بقائهم على دينهم او القتال 5-يحرم التمثيل بجثث قتلى العدو فحالة الحرب في الاسلام لاتبرر الخروج على قواعد العدل والانصاف كما لايجوز قطع الاشجار ولاكبار السن والنساء والاطفال 6-حسن المعاملة الاسرى واطعامهم وكسوتهم وعدم اكراهم على الاسلام وتحريم تعذيبهم فالعدالة هي الميزان الذي يحدد به الإسلام العلاقات بين الناس في السلم والحرب، ففي السلم يكون حُسن الجوار قائما على العدالة وكل العلاقات الدولية والإنسانية في الإسلام يحكمها ميزان العدل، وإذا استعرت نيران الحرب يكون العدل. العنوان: العلاقات الدولية في الإسلام الناشر دار الفكر البرامكة دمشق- سورياwww.fikr.com الطبعة الطبعة الأولى 2009 تأليف: محمد بوبوش القياس: 24*17 سم الصفحات: 272 الوزن: 400 غ السنة ورقم الطبعة: 2009 /1 السعر: 8.00$/ 75 درهما تجليد: عادي ISBN : 978-9933-10-110-7 الموضوع الفقه الإسلامي وأصوله