تاريخيا، ارتبط ظهور النقابات في شكلها الحديث في أوروبا في ثمانينيات القرن التاسع عشر ، نتيجة للثورة الصناعية وما رافقها من مظاهر استغلال للعمال، إضافة الى التغيرات الديموغرافية والسياسية. لكن العامل الأيديولوجي يظل أحد العوامل ، ربما الأكثر مساهمة في تطور الحركة النقابية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، والذي تجلى في تطور العقليات وخاصة في إنشاء ونشر التيارات والأفكار التي تولي مكانة خاصة للعامل مثل الاشتراكية أو الفوضوية. وتعد أعمال اميل زولا وفيكتور هيجو وغيرهم شاهدا على تلك التطورات وادانة للظروف المعيشية المروعة للعمال ، وتؤرخ لتنامي الوعي العام بقضيتهم. وقد أعطى فكر كارل ماركس (1818-1883) وفريدريك إنجلز (1820-1895) نفسا قويا للحركة النقابية من خلال مفاهيم محورية من بينها مفهوم “الصراع الطبقي” وما يستتبعه من ضرورة النضال من أجل حقوق “البروليتاريا” مما سهم في خلق وعي عمالي قادر على مجابهة اختلالات النظام الرأسمالي الجشع. كما شكل “جمع ما هو مبعثر ” هدفا للحركة النقابية ، من خلال تكوين قاعدة مشتركة للعمال ، أيا كان أصلهم أو قناعتهم الدينية أو الفلسفية أو السياسية. بل ان الحركة النقابية كانت لها مساهمة كبيرة في تفعيل مبادئ الثورة الفرنسية من خلال اقرار قانون الفصل بين الدين والدولة سنة 1905 الذي وضع حدا لديكتاتورية وجشع رجال الدين. وبفضل نضالاتها، تمكنت الحركة النقابية من تحقيق مكاسب تاريخية، أحيانا ذات طابع اجتماعي-اقتصادي كتحديد ساعات العمل والعطل المدفوعة الاجر واحيانا ذات صبغة سياسية كالحق في التصويت سواء للرجال او النساء بل وحتى ثقافية كالزامية التعليم. بالمغرب، شكل تأسيس الإتحاد العام للنقابات الكونفدرالية بالمغرب بتاريخ 05 مارس 1944 بداية مغربة العمل النقابي في ظلّ الاحتلال الفرنسي، من خلال انتخاب مجموعة من المغاربة في مراكز قيادية داخل هذه النقابة. لكن التطور المهم في تاريخ الحركة النقابية بالمغرب سيكون بتاريخ 20 مارس 1955: تاريخ تأسيس الإتحاد المغربي للشغل، الذي يعتبر أول مركزية نقابية مغربية. ورغم توالي انشاء النقابات، إلا ان وجود قاسم المشترك متمثل في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال ساهم بشكل كبير في انسجام وقوة العمل النقابي، حيث ظلت المسائل الدينية والقومية عاجزة عن ولوج الفضاء النقابي رغم بعض المحاولات لخلق نقابات على أساس ديني او عنصري. فالإتحاد الوطني للشغل بالمغرب الذي أسسه الخطيب على أساس ديني كما يتجلى في شعاره، ظل على الهامش منذ تأسيسه سنة 1973 إلى حدود سنة 1996، تاريخ التحاق إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح بحزب عبد الكريم الخطيب. فيما بعد، تحولت هذه النقابة الى احد التنظيمات الموازية لحزب البيجدي الى جانب الحركة. وبدلا من التصدي لكل الإجراءات التي اتخذتها حكومة بنكيران للإجهاز على حقوق الطبقة العاملة من خلال جميع المخططات التي استهدفت الحق في التقاعد، والحق في الاضراب وضرب القدرة الشرائية وتفويت الخدمات الاجتماعية للخواص وتقليص النفقات الاجتماعية مقابل تخفيض الضرائب على الأغنياء وتكريس ريع الوزراء والبرلمانيين.. بدل من ذلك، استضاف الذراع النقابي للبجدي مؤخرا رئيس الحكومة السابق الحاصل على معاش سمين مؤدى من أموال الضرائب لم يدفع مقابله سنتيما واحدا، لينجز مهمة خطيرة متمثلة في توظيف المشاعر الدينية لتنويم العمال امام ضياع حقوقهم وتجييشهم اتجاه المواطنين والمواطنات المطالبين بالحريات واتجاه أعضاء لجنة النموذج التنموي متهما إياهم بالتشكيك في الدين! واذا كانت هذه الحادثة وغيرها كثير، تظهر توظيف التنظيم النقابي لخدمة اجندات التنظيم السياسي على حساب حقوق العمال، فان الأخطر هو زرع التفرقة والتمييز على أساس الدين بهدف اغتيال العمل النقابي، وكذا توظيف الدين في العمل السياسي والنقابي وما ينتجه من انزلاقات تكفيرية تمس باستقرار الوطن من أجل أصوات انتخابية. هذا الامر يدفعنا الى مطالبة السلطات العمومية بتجريم خطابات الحقد والكراهية و تكفير المخالفين ، وتجريم جميع أشكال العنصرية والتمييز على أساس الدين او المذهب، وكذا الحظر الفعلي لكل صور توظيف الدين في الفضاء النقابي والسياسي لضمان شروط المنافسة الشريفة فيهما وسد الطريق أمام تجار الدين. غير ذلك يبقى المسلسل الديموقراطي مشلولا.