وصف رؤساء سابقون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ونقباء، ما جاء في المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020، بأنه “فضيحة سياسية وقانونية ومسطرية، وضربة قاضية ضد سيادة واستقلالية القضاء. وحصن مشروع قانون المالية لسنة 2020 الدولة في المادة 9 من أن يطالها الحجز القضائي على أموالها وممتلكاتها بالقول "غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية". وفي هذا الإطار وجه الرؤساء السابقون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقباء: عبد الرحمان بنعمرو، وعبد الرحيم الجامعي، ومحمد مصطفى الريسوني، وادريس شاطر، وامبارك الطيب الساسي، وادريس أبو الفضل، وحسن وهبي، (وجهوا) رسالة إلى المحاميين والرأي العام تحت عنوان “نرفض التلاعب بإحكام القضاء ضد الدولة بمشروع قانون المالية الجديد”. ومما جاء في الرسالة التي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منها، “اليوم على المحاميات وعلى المحامين وعلى هيئاتهم القيام بواجبهم والوقوف من أجل الدفاع عن القرارات والأحكام القضائية الصادرة بالأساس ضد الدولة والدود عن مصداقيتها وعن قيمتها وفرض تنفيذها ومنع التلاعب بها أو التحايل على تنفيذها ضدا على الوقار والاحترام الواجب لها وضدا على القيمة الدستورية للأحكام النهائية الواجبة التنفيذ”. وشدد الموقعون على الرسالة على “الانتباه والحذر وإعلان رفضنا الاستسلام لما ورد بمشروع قانون المالية لسنة 2020 الذي صادقت عليه وأحالته الحكومة المغربية على مجلس النواب، حيث جاءت المادة التسعة (9) منه بأخطر المقتضيات التي ستغتصب مصداقية القضاء ومصداقية أحكامه ضد الدولة وستقوض أحد المقومات الأساسية لدولة القانون”. واعتبر هؤلاء أن مقتضيات هذه المادة “في النهاية ستقتل ما بقي من ثقة للمواطنين وللمتقاضين وللمحامين في القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء من مختلف درجاته، حيث منحت المادة أعلاه للدولة و للإدارة المحكوم عليها وللمحاسبين التابعين لها سلطة فوق سلطة القضاء، وقوة فوق قوة قراراته، وأعطت الإدارة حق التصرف في تنفيذ الأحكام حسب نزواتها وميولاتها وصلاحياتها التحكمية سواء لتنفيذ الحكم أو تأجيل التنفيذ لسنوات دون تحديد ولا آجال”. بل منعت المادة أعلاه، تضيف الرسالة “صراحة وقطعا الحجز عن أموال الإدارة وميزتها على بقية المتقاضين، وبذلك تكون المادة التاسعة وتكون الحكومة معها قد أبانت عن موقفها التحكمي في النهاية ضد المرفق القضائي أولا وقررت فتح النار ضد قرارات المحاكم الإدارية الشجاعة التي أطلقت اجتهاداتها بجرأة قضائية مثالية، وأصبحت تصدر أحكامًا بالحجز على أموال الإدارة بين يدي المحاسبين ولتقول للإدارة ولأعوانها أنتم والمتقاضين سواء أمام القانون، وأن القضاء الإداري يمنع التعامل بالتمييز مع أطراف الدعوى، فضلا إن القضاء الإداري لم يوجد أصلا كما تعلم الدولة والحكومة، سوى للتصدي للقرارات الجائرة و للشطط وللتعسف الإداري”. وأعلن المحامون المذكورون رفضهم للمادة التاسعة مطالبين من هيئات المحامين “عدم السكوت أمامها لأن تنفيذ الأحكام ضد الدولة ليس منحة بل هو واجب مفروض عليها وعلى كل محكوم عليه على السواء كما حددته قواعد المسطرة المدنية وكما فرضته المادة 126 من دستور المغرب”. وجاء في رسالتهم، “إننا كمحامين نطلب من البرلمانيات ومن البرلمانيين رفض المقتضى الذي جاء به مشروع قانون المالية الجديد بالمادة التاسعة كما رفضوا المصادقة على المادة الثامنة في مشروع السنة الماضية، ونطالب من الحكومة سحب المادة القاتلة أعلاه، ونطالب من وزارة العدل الدفاع عن الأحكام وعن تنفيذها دون عرقلة من الدولة ولا ومن غيرها”. وطالبوا “السلطة القضائية أن تدافع عن أحكامها لأنها هي المسؤولة عن تنفيذها وعن فرض احترام القرارات النهائية، فكل محاولة لمسخ قيمة الأحكام هو خروج عن المشروعية ومبعث للقلق والغضب والفوضى التشريعية والخضوع للوبيات المقاومة التي تصر على معارضتها لسيادة الأحكام ومصداقية القضاء وانتهاك حقوق المتقاضين”. كما طالبوا “من هيئات المحامين ومن جمعية هيئاتهم إعلان موقف صارم ضد المشروع والوقوف بكل جدية وحزم من اجل إسقاط المادة التاسعة من مشروع قانون المالية الذي يناقش أمام الغرفة الأولي”. وعبروا عن أسفهم أن “تكون أول هدية تأتي بها الحكومة الجديدة هي مقتضيات تزيد من احتقار القرارات الصادرة باسم الملك ضد الدولة ، عوضا أن تعلن في أول ميزانية لها أنها ستضرب بقوة على من يتلاعب بتنفيذ الأحكام وأنها ستكون مستقبلا السباقة إلى التنفيذ بمجرد النطق بالحكم، ولكن عليها الإعلان كذلك عن قرار شجاع وتاريخي وهو فتح باب المجانية الحقيقية للتقاضي وإلغاء الرسوم القضائية في المادة المدنية والجنائية لتسهيل الولوج الحقيقي للعدالة والوصول دون معاناة للقضاء”. وأبرزت رسالة المحاميين المذكورين، أن “على المسؤولين اليوم ألا يزيدوا ويضاعفوا من إرهاق المتقاضين بتعقيدات المساطر أو بانتهاكها، وألا يفرغوا جيوبهم المواطن بضرائب ومصاريف قضائية، وعَلى الدولة ألا يقاوم بوسائل تعسفية تنفيذ ما يحصل عليه المواطنون من أحكام بعد مشاق وبعد سنوات من التقاضي، فلن يكون للدولة ربح فيما اختارته من إجراءات اليوم بمشروع قانون المالية سوى خلق أزمة جديدة تضاف لازمة الفساد والرشوة واستغلال النفوذ”. وتساءلت “كيف تقبل الحكومة محاسبة الأفراد والخواص عند رفض التنفيذ ومحاولة التملص منه، وأن تضع هي لنفسها مقابل ذلك مساطر وقوانين تعسفية فاسدة ومتناقضة مع الدستور وأحكامه تحميها وتحمي إدارتها ومسؤوليها من المساءلة “وتعطي الفرصة للدولة وللمحاسبين بالوزارات سلطة فوق سلطة القضاة ” للإفلات من التنفيذ ولتحدي هبة القضاء واحتقار قراراته، فما هكذا يعامل المواطن المقاضي ويعامل القضاء وأحكامه”. وخلص الموقعون على الرسالة إلى أن “مشروع المادة التاسعة الجديد هو بكل الأسف وجه من الاستبداد الحكومي، والمحامون يرفضون الاستبداد لأنهم عاشوا وسيموتون من أجل سيادة القانون ومن أجل استقلال القضاء وفرض احترام قراراته، فمن المفروض إن ذمة الدولة مليئة لكن عندما تعجز الدولة عن أداء ديونها الداخلية فإنها تصاب بالإفلاس، وإن هي امتنعت عن الأداء فإنها تتسبب عن قصد في إفلاس التاجر والمقاولة والمستثمر وتدعو المستثمر الأجنبي للرحيل دون رجعة”.