احتلت مسألة السياسة والدين العلاقة بينهما موضع الصدارة في الكتابات السياسية المعاصرة، مما جعلنا نسمع في العقود الأخيرة بالإسلام السياسي، أي أن استخدام الدين في السياسة من طرف جل الأطراف الرسمية في الوطن العربي. حتى باتت القوى السياسية الإسلامية على مختلف توجهاتها يسلط عليها اتهام شديد اللهجة في خطاباته من طرف القوى السياسية الليبرالية واليسارية. لقد اتجهت بعض الأحزاب السياسية الإسلامية إلى توظيف الدين كحل لهذا التزاحم الانتخابي على صناديق الاقتراع من أجل السيطرة على الساحة السياسية، فهل يمكن أن نقول على أن من رجال الدين الذين يمارسون السياسة يتطاولون على مجال بعيد كل البعد عن مجال تخصصهم؟ أم أنهم يستغلون الجانب الديني للترويج عن مخططاتهم وتحقيق مآربهم في إطار ما هو سياسي؟ أم أن الإسلام هو الأساس الثابت الذي لا يتزعزع والمصدر الأول للمعرفة السياسية؟ إن تحديد طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة من أشد الإشكالات العصية في الفكر السياسي، بل يمكن الجزم بأن تحديد الموقف من العلاقة كان الأساس في تصنيف عدد من التيارات الفكرية كل بحسب توجهه وميوله وكاتب هذه السطور ليس من أهل الاختصاص في الفكر السياسي، ولكن بحكم تقاطعات عديدة جعلني أفكر في نوع هذه العلاقة من خلال بعض السلوكات التي راجت مؤخرا كان أبطالها رجال دين وسياسة اختلفت مآربهم لكن الهدف واحد. إن المواطن العربي بصفة عامة والمغربي بصفة خاصة أصبح يتخبط بين عدة مفاهيم تجعله مشتت الذهن غير مبال بمصير أمة يكون فيها الرهان الأول والأخير عليه كمواطن للتصويت على من يختاره ليمثله أحسن تمثيل، يضمن حقوقه ويسهر على توفير الأمن والأمان والعيش الكريم، فعملية التطاحن السياسي هي ما جعلت المواطن هو الضحية لا يعرف أي توجه يختار. فعملية تخدير المواطن بالمفاهيم التي لا يستوعبها غالبا ما تكون هي الورقة الرابحة في أيدي الأحزاب السياسية كيفما كانت توجهاتهم، المهم هو كسب صوت يعلى من شأن الحزب في الصدارة، لهذا نجد كل حزب من الأحزاب المغربية يريد أن يشوه سمعة الحزب الأخر، فعندما يريد رجل سياسة مثلا أن يخاطب بمرجعية دينية ذات ثوابت أصيلة نقول إنه يتاجر بالدين ويخاطب العقول الفارغة لكي يكسب تعاطفها. في حين أن الشارع المغربي لا يتقبل أن يقع رجل دين في الخطأ والمعصية، على أن نسكت ونغض الطرف عنها عندما يرتكبها شخص من العامة رغم أن القاسم المشترك بين هذا وذاك صفة البشر أي أنه إنسان وليس بملاك أو نبي أو رسول ليعصم من الخطأ مع العلم أن من الرسل والأنبياء كادوا أن يقعوا في المعصية لولا ستر الله واصطفائهم لهم (نبي الله يوسف مع زوجة العزيز ملك مصر مثلا)، فنجد الإعلام بعض الأحيان يوجه أيادي الاتهامات حتى وإن لم تكن هناك أدلة للإثبات مما يجله يتحين الفرصة لسقوط أي رجل دين في المعصية حتى يسيل المداد على آلاف الصفحات الإعلامية، لكن عندما تخص رجل مسئول فهي حرية وإرادة شخصية لا دخل لأي أحد فيها، أو إباحة بعضهم للزواج العرفي بصيغة زواج النكاح لكونها تدافع عن قضية معينة في جوهرها العام. لقد اختلفت التوجهات إذن وهذا أمر طبيعي لكن الغير الطبيعي أن نحاول المتاجرة بالدين للدفاع عن قضية ما هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن نحاول تشويه صورة الإسلام عبر من يدافع عنه بمرجعية اسلامية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال المحاسبة والضرب بيد من حديد جوهرها القانون والمساطر المنظمة للمعاقبة على كل رجل سياسة كيفما كان توجهه أراد أن يسرق ثروات البلاد التي لطالما نهبها الكثير والكثير، لكن أرض المغرب معطاء بفضل الله تعالى وتنتظر من يخدمها بتفاني ويضحي بالغالي والنفيس من أجل حماية هذا الوطن من مجموعة من الأشخاص الذين أنهكوا البلاد وأغرقوها في متاهات الديون والتبعية. وهذا ما يجعلنا نطرح تساؤلات عديدة في زمن التقدم والحداثة إلى متى سوف نبقى نعيش هذا المسلسل التمثيلي المزيف في ضل الاستبداد وسياسة التفرد بالحكم والإقصاء وتحجيم صوت علماء الدين؟