لقد كثر اللغط والمحاولات لنفي إلصاق أفعال وممارسات الحركات الإسلامية بالإسلام الصحيح بالتيارات الاسلامية المختلفة شيعية كانت أم سنية. وذهب كثير من المحللين والمهتمين بالشأن الاسلامي إلى التنكر والاستهجان والتبرء من الأفعال الوحشية التي تقوم بها التيارات الإسلامية التي تقاتل الأنظمة القائمة فيما أطلق عليه العالم الاسلامي. ومن هذه التيارات "داعش" و"النصرة" و"الشباب" و"الطالبان" و"جبهة مورو" و"القاعدة" و"الحوثيين" و"حماس"و"بوكو حرام" وكل تيار حمل السلاح ويدعي شرعية القتال تحت غطاء الاسلام وكل تيار اسلامي أخر ينتهج أسلوب المسالمة للمطالبة بتحكيم الشريعة حسب فهم قادتها. أود في هذه العجالة التذكير بأن المحللين للمبادئ والعقائد الدينية لهذه الجماعات المسلحة وحتى غير المسلحة واعتبارها خارجة عن الاسلام وأن ممارساتها وفهمها للإسلام برهان على جهلها بالإسلام الصحيح ما هو إلا رأي غير صائب. وأذكر بأن الذين ينتقدون "داعش" والمجموعات "الاسلامية" المسلحة ويركزون على الجانب الديني يخطئون في فهم ديناميكيات الظواهر السياسية، ولقد بيت ذلك في دراسة بعنوان:'الحركات الإسلامية في منظور نظرية ابن خلدون للعصبية'*. قد برهنت في تلك الدراسة بأن الحركات الإسلامية كيفما كانت نحلتها ما هي إلا عصبيات بالمعنى الخلدوني هدفها الاول والأخير هو التربع على مقاليد الحكم والاستيلاء على السلطة نتيجة قوة التلاحم والتآلف والإجماع بين أعضاءها بفضل التربية المشتركة والقيم الموحدة والأهداف الموعودة. والعصبية في هذا المضمار من منطلق تفسير ابن خلدون، ما هي إلا اللحمة والايدولوجيا التي تجمع بين أعضاء حزب سياسي في المفهوم الحديث للسياسة، وأذكر بأن قضية النسب في العصبية، في الأمور السياسية، أمر وهمي عند ابن خلدون، فلا بد من إدراك هذا المعنى ولا يتسرع المنتقد إلى اعتبار العصبية في مفهومها الضيق الملتصق بالدم وشعور الانتماء إلى سلالة ونسب معين. فداعش ومثيلاتها من الحركات الإسلامية هي مجموعات سياسية التحم أعضائها تحت راية المصالح المشتركة والقيادة الطموحة لزحزحة الأنظمة القائمة والقضاء عليها وحلول مقامها للتمتع بنعم الحكم والسيطرة على مقاليد السلطة والانفراد بالأوامر والنواهي والسيطرة على الثروات. كيفية الوصول إلى السلطة وطلبها من قبل هذه المجموعات تخضع للديناميكيات السياسية والاقتصادية السائدة في محيطها وفي داخل المجتمع الذي تنبثق منه. "دولة الخلافة الاسلامية" أو "الدولة الإسلامية" كمسمى جديد في التاريخ هدفه الأساسي هو استثمار واستغلال ارهاصات ما سمي بالصحوة ألإسلامية وإضافة شحنة وجرعة لتبرير شرعية مقاصدها في اللباس الديني الذي تبرر به كل أفعالها، أولا تعتبر نفسها خلافة لنبي الإسلام؟ إن هذه الدولة التي ليست في الحقيقة دولة،قد خرجت المجموعة البشرية التي كونتها من صلب المجموعات والعصبيات والتيارات السائدة في الشرق الأوسط والتي تمولها أطراف داخلية وخارجية، كل حسب أهدافه ومصالحه وحساباته السياسية والاقتصادية بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الدينية (الكل يؤدي نفس الطقوس الدينية ويرتل نفس الكتاب) فكانت المجموعة التي خرجت منها "داعش" القوة القاهرة للتيارات ولقوى أخرى،فاستولت على ما استطاعت الاستيلاء عليه بقوة السلاح وفرضت قوتها وإرادتها على المغلوبين على أمرهم، وستسمر في السعي إلى التوسع والقتال كما تقتضيه الظروف السياسية السائدة في العالم ومصالح القوى والعصبيات(التيارات،التنظيمات) المنافسة لها والمناورات والآليات السياسية التي تحرك العالم وخصوصا الدول الكبرى ونفوذها في المنطقة التي خططت لدورها. أليس جليا للجميع أن الإسلام في زخم الأحداث وجلل الخطب من القتل والدمار والتشويه والتمثيل بالجثث والاغتصاب والسبي والتفنن في بتر الاعضاء إربا إربا والتجمهر في الساحات والمساجد لمشاهدة أبشع أنواع التعذيب والهمجية والوحشية كلها ليست من الإسلام في شئء؟ بل إنها ليست في الإنسانية بمعناها البشري في شئء؟ المجتمعات البشرية على سطح هذا الكوكب الصغير تستنكر هذه الأفعال الهمجية حتى تلك التي لا تومن منها بأي دين. أيمثل البغدادي الإسلام؟ أيمثله ايمن الظواهري وابن قتادة والقرضاوي والزرقاوي والريسوني وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والسيد قطب، والمودودي وشلتوت،والخميني والسيستاني والفزازي ومطيع والنهاري والزمزمي والغرياني وابن حنبل والغزالي والأزهر وكل من كتب عن أي ظاهرة أو فكرة إسلامية… أو أي واحد أو أي واحدة من بني البشر؟ إنه من الصعوبة بمكان سرد كل اسماء المتفيقهين وجهابذة الدين والكتبة التي يدعي أصحابها مرجعية اسلامية وركائز الشريعة ويكن لهم العامة كل تقديس إلى درجة العصمة في بعض الأحيان. كما لا يمكن حصر جميع المقالات والكتب والدراسات والأبحاث التي نشرت عن الإسلام في كل أنحاء العالم بلغات مختلفة ومنذ ظهور الدعوة المحمدية والتبشير بالإسلام. ولا بد من استحضار القرآن الذي يحتوي على 114 سورة و6236 آية وما يناهز 77900 كلمة وإن اختلف في العددين الأخيرين. الاسلام عالم فسيح لا حدود له ولا يمكن لأي بشر وفرد ومجموعة احتكاره فهو قضية أمة ، إنه الدين عند الله كما ورد في النصوص منذ بدأ الخلق وجميع المتدينين يدركون هذا ويؤمنون به، وتفوق عليهم المسلمون باتباع الرسول محمد ابن عبد الله العربي القريشي الذي أنزل عليه القرآن كبلاغ ووحي للتذكير وتلاوة آيات الله والدعوة إلى سبيله فقط. سأكتفي ببعض الآيات لتنبيه العاقلين والعاقلات إلى أن الوحي في الحقيقة هو وحي واحد والرسالة واحدة منذ القدم حسب ما هو مسطر في الكتب السماوية والنصوص المقدسة وما هو راسخ في عقول المتدينين وهو بدون أدنى شك إيمان عميق عند كل المسلمين الذين يومنون بالله وليس عند داعش ولا عند الاخوان ولا عند الوهابيين ولا عند الأحمديين ولا عند القرآنيين ولا عند الصوفيين ولا عند أي حركة دينية، شيعية كانت أم سنية،ولا عند من يتخذ الدين تجارة قصد كسب المتبعين والمساعدين على تحقيق أهداف سياسية محسوبة: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿21﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿22﴾الغاشية. قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (آل عمران 84.) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿النحل: 64﴾ الدين عند جميع المسلمين دين سلام، لا اختلاف بينهم في هذا، لكن السياسة وتولي زمام الامور وتدبير الشأن العام والأمر والنهي والسيطرة على الخيرات والثروات وحيازتها كلها أمور تخضع لقوانين سياسية وحسابات منهجية تلجأ فيها المجموعات الطموحة(العصبيات) إلى قوة السلاح لمحاربة النظام القائم والدولة الحاكمة، هذا في الحالة التي لم يرسخ في مجتمعاتها نظام ديمقراطي متمدن يتم فيه تداول السلطة بين الفاعلين السياسيين بطرق سلمية وقانونية. فالدولة الإسلامية (داعش) التي لا وجود لها عبارة عن أفراد وأعضاء من طينة واحدة التحموا واجتمعوا على أفكار رؤسائهم الذين يأخذون أوامرهم وتمويلهم ممن سخروهم لمآربهم ومصالحهم واستفادوا وأفادوا وخرجوا على الأنظمة القائمة في كل من العراق والشام، كما خطط ورسم من قبل حكام العالم. وكلا الدولتين قد انهكتها الصراعات وظلم الحكام واستبداد النخب وسيطرتها على ما يبقى من النهب لثروات البلدين وستقوم داعش بالدور المرسوم لها سياسيا إلى أجل مسمى قذ تقود إلى تقسيم البلدين إلى ملوك الطوائف ودويلات لأن مقتضيات العصبية وديناميكيتها ستحتم تقسيم داعش إلى "داع" و"داش" أما أن تبقى تسمية "الدولة الإسلامية" فهذا من ام المستحيلات من عدة أوجه: أولها لا يوجد في التاريخ الإسلامي ما يثبت استعمال هذه التسمية ولا حتى تسمية "الخلافة الإسلامية". كان النبي يعتبر نفسه' رسول الله' ويخاطب زعماء وملوك عصره ب: ‘محمد بن عبد الله ورسوله' أو ‘محمد رسول الله'. خلفه بعد وفاته أبو بكر الذي اتخذ لقب ‘خليفة رسول الله' واتخذ عمر بن الخطاب لقب ‘أمير المومنين ‘ وتبعه عثمان وعلي و لم تسمى فترة حكم هؤلاء الخلفاء المعروفين ب'الراشدين(أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) ب'الدولة ألإسلامية'، بل أصبحت تعرف بإمارة المومنين ويخاطب الحاكم ويخاطب ب'أمير المومنين' حتى عندما أصبح الحكم في يد بني أمية الذين حولوا خلافة رسول الله إلى خلافة وراثية بعد ما كانت شبه شورى وبعد أن تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن إمارة المومنين لمعاوية بن عفان الأموي حاكم الشام تحت ظروف ما تزال تحتاج إلى دراسات علمية للكشف عن ملابسات تلك الظروف وحيثياتها. لما استقر الحكم لبني أمية تكونت دولتهم وعرفت في التاريخ بالدولة الأموية وليس بالدولة الإسلامية ومع اتساع رقعتها والغزوات التي قامت بها في الشرق والغرب فإن دوافعها كانت سياسية واقتصادية في المقام الأول هذا كله أمام اعتراف شرائح كبيرة في المجتمعات بعدم شرعية بني أمية في تولي إمارة المومنين كما يشهد بذلك عدد الثورات أثناء فترة حكمهم أدت في النهاية إلى قيام الخلافة العباسية وليس الخلافة الإسلامية. انتقل لقب أمير المومنين إلى أبي العباس السفاح وإلى عقبه حتى نهاية الدولة العباسية واستيلاء الموالي على مقاليد الحكم وتكونت الممالك والسلطنات وشاعت المنافسة وانقسمت الخلافة التي لم يبق لها إلا التسمية حتى دفنها الاتراك الذين حكموا كثيرا من البلدان باسمها لفترة طويلة، بالرغم من استثناء شمال افريقيا التي تطورت فيها الخلافة عبر تاريخ دولها المتعاقبة ولم يفشى في التاريخ تسميتها بالدول الإسلامية كانت كلها تحمل اسم مؤسسيها أو اسم القبيلة أو البلد فمرت القاب حكام المغرب من أمير المسلمين تكريما ليوسف بن تاشفين إلى الخليفة أمير المومنين عبد المومن الموحدي واستقرت إمارة المومنين حاليا في المملكة المغربية دون سواها من البلدان والدول وأن كان الأحمديون يتخذون اللقب لزعماء طائفتهم. يلاحظ أن الصراعات على الخلافة شملت جميع الشعوب الإسلامية وقد بدأت مباشرة بعد وفاة النبي واستمرت طوال التاريخ الإسلامي الذي تجسده الدعوة المحمدية على أن هذه الصراعات وإن تلونت بالدين لتبرير شرعية وأحقية تولي السلطة الدينية، فإن قوة العصبية وقوة السلاح هي التي تحسم دائما الإشكالية ويتول الأمر من تغلب على المنافسين ليس بالخطابات الدينية، بل بالمناورات السياسية وطلب الفرص والتربص لها والانقضاض على الحكم متى وجد إلى ذلك سبيلا وبكل الوسائل. الحسابات السياسية في الداخل وفي المحيط الذي تدار فيه الصراعات على السلطة وميزان القوى في العالم هي التي تحدد العصبية والقوة التي تستولي على الحكم وتفرض إرادتها وتصورها لما هو الإسلام. الدين الإسلامي، كدين سلام هو ما تحدده قيادة العصبية بعد الاستيلاء على الحكم بكل الطرق البعيدة كل البعد عن الخطاب الإسلامي الذي يحرم الاقتتال بين الطوائف الإسلامية الذي لا يخلو فيه عصر من الفتن والإ قتتال على السلطة بالرغم من أن الجميع يكبر ويصلي ويتلو القرآن، هذا يدل على أن الدين في واد والسياسة هي سيدة الموقف وتوظف الأخيرة الدين لبلوغ الهدف المنشود للتربع على مقاليد الحكم والسيادة الدينية والسياسية وتكوين دولة لها مكانتها من بين دول العام باعتراف سياسي من قبل بعضها على الأقل فإن كانت مثل داعش التي لا تعترف بها أي دولة فإن عصبيتها مثلها مثل عصبية قطاع الطرق يحاربها النظام القائم أيضا بكل الوسائل المتاحة لديه وبمساعدة القوى التي يستطيع تجنيدها للقضاء على العصبية والعصبيات الثائرة أو تذعن لأمر الواقع الذي تفرضه القوى المؤثرة التي تحرك خيوط اللعبة السياسية للحفاظ على مصالحها وكسب المزيد من الامتيازات السياسية والاقتصادية. داعش ليست دولة، فكيف لها أن تكون دولة اسلامية؟ وأين مكان وتأثير المتغيرات السياسية على أرض الواقع؟ أليست كل البلدان الإسلامية ‘دول إسلامية'؟ المملكة المغربية دولة اسلامية والجمهورية الجزائرية دولة إسلامية وجمهورية باكستان ودولة قطر والمملكة العربية السعودية وغيرها. ألا يتضح أن اطلاق تسمية ‘الدولة الإسلامية' و'الخلافة الإسلامية' على ‘داعش' ضرب من العبث والحلم في اليقظة لان مقومات الدولة غير موجودة ولا هي واضحة الحدود ولم تعترف بها ولو دولة واحدة من بين الدول كدولة ناهيك عن إسلامها؟ وما المقصود من التسمية إلا قطع الطريق على المنافسين من العصبيات الأخرى لكن لو استطاعت مجموعة أخرى التغلب عليها أو التغلب على أي نظام أخر في المنطقة فستنتزع التسمية وتسمي ما تشاء وتتخذ من الألقاب ما يطيب لزعمائها ومن يمنعهم؟ فقد سبق السيف الدين. يلاحظ في هذا السياق أن تسمية ‘الدولة الإسلامية' قد يكون ورائها نوع من الخبث وإثارة شعور العداء والنفور من كل ما هو مسلم أو إسلام لدى الرأي العام العالمي الذي يقوم زعمائه بتكوين ائتلاف من الدول الإسلامية الحقيقية وغير الإسلامية لمحاربة داعش التي ساندوها أول مرة لكنها خرجت بما ليس مسموحا به ووصلت إلى النقطة الحمراء التي لا يجب تجاوزها فتضاف إلى سياسة الحرب على الإرهاب الذي ولدت في صلبه أما وجودها كدولة فلا معنى له إللهم ما كان من ارتباط صور كل الأعمال الهمجية والوحشية التي تصدر منها في مخيلة كل من يسمع بالدولة الإسلامية وبالإسلام، والضرر الذي يخلفه الاسم على المسلمين قد يؤثر سلبا على علاقة المسلمين مع غيرهم من الشعوب الأخرى وعلى مصالحهم، بل على السلم العالمي وتتحقق بذلك نبوة مؤلف صراع الحضارات. الدولة الإسلامية التي لا وجود لها لا يشكل الأفراد والجماعات التي بايعت البغدادي إلا مرتزقة مسخرين لتحقيق أهداف مرسومة في نطاق لعبة الأمم التي تتصارع وتتنافس على خيرات منطقة الشرق الاوسط التي ساد فيها الاستبداد واحتكار السلطة السياسية والدينية من قبل نخبة حددت لها الأدوار بدقة من قبل العصبيات النافذة في العالم المتمثلة في ألدول المتقدمة والرأسمالية العالمية. وإذا كانت داعش تجند يمينا وشمالا غربا وشرقا، فإن الذين يلبون ندائها يلتحقون كأفراد لا عصبية لهم ولا جذور تاريخية بمنطقة الأحداث البعض منهم مقتنع والبعض الآخر يعتبر الجهاد مصدر رزق أعلى من ممارسة أي مهنة في بلده ناهيك عن الشعور بالقوة والسلاح في اليد وحرية التدمير والقتل وإشباع الشهوات بدون محاسب لأن الجهاد يبرره كفر الأخر حتى وإن كان مسلما: داعش والنصرة يقتتلان الحكومة العراقية مسلمة وكذلك جيش بشار وحزب الله والجمهورية الإرانية والأكراد والأتراك وحزب الإصلاح وأنصار الله الخ….. على ضوء ما تقدم فإنه لم يعد هناك شك من أن الدولة الإسلامية ككيان سياسي وديني لا وجود لها على أرص الواقع ولا تشكل التسمية إلا حلما قديما يرجى من ورائه تعزيز مطالبة البغدادي وجماعته بنصيب من كعكة ثروة المنطقة التي ولدت فيها وتسعى إلى إثبات وجودها بالتفاني في خدمة مصالح الذين قاموا بإنشائها ومباركة خطواتها وأعمالها. أتشكل تهديدا للدولة المغربية وإمارة المومنين؟ لا يمكن أبدا أن يشكل ما لم يكن، خطرا على ما هو كائن على الرغم من التحاق بعض المغاربة بمخيمات التدريب والقتال في صفوف داعش وظاهرة تجنيد المغاربة وتطوعهم للجهاد وكمرتزقة ليست جديدة على البعض كل حسب ظروفه المادية ومعتقداته. تطوع البعض منهم في الحروب الصليبية، والأندلس، تطوعوا في الحربين العالميتين وفي الهند الصينية وأفغانستان و….أتشكل عودتهم إلى أرض الوطن خطرا على الدولة وعلى إمارة المومنين؟ لا وألف لا، لأن أي عمل سياسي يستهدف الاستيلاء على الحكم يستوجب القدرة عليه وقوة العصبية التي تستطيع قهر العصبيات الأخرى والتغلب عليها، والعصبية المقصودة ليست التعصب بل قوة التلاحم وروح الفريق واليد الواحدة والشعور بالإنتماء القوي للمجموعة التي تطالب بالحكم وتستخدم الدين كذريعة للحصول على الشرعية. فأين عصبية الدواعش المغاربة من بقية المغاربة؟ ثم من يعتقد أن المغاربة سينزعون عنهم بيعة أمير المومنين لمبايعة الخليفة المزعوم في الرقة؟ التاريخ يشهد باستقلالية المغاربة وعبقريتهم الدينية حتى في تلك الفترة التي تسبب فيها هارون الرشيد من اغتيال ادريس الأول منافسه في الخلافة والإمامة والشرعية. إضافة إلى هذا فإن النظام العالمي ولعبة الأمم والمصالح الحيوية لدولة المغرب الإسلامية ونفوذها لا تقيم وزنا لبعض من انغروا بهواجس الإديولوجات الشرقية وكم هو عددهم أصلا حتى يؤثر وزنهم على ملاين المغاربة الذين سئموا خطابات الإسلاماويين التي لا تسمن ولا تغني من جوع أمام عظمة الدولة المغربية بمؤسساتها وأجهزتها وتاريخها الحافل بالقضاء على القلاقل التي تهدد مصالحها والسلم الاجتماع والوقوف أمام الغزات مرات ومرات وما زالت في الحرب مع تجار الدين والتكفيريين كما تقتضيه مصلحة السواد الأعظم من مواطنيها وتحتمه المسؤولية الدينية والقيم الإنسانية وروح استقلال المغاربة بأمورهم وعدم الخضوع لغيرهم. بعبوع داعش مثل بعبوع القاعدة وبوكو حرام وغيرها وقد ماتت الدولة الإسلامية قبل ولادتها وبقيت الدول الإسلامية الحقيقية المعترف بها دوليا ككيانات سياسية يتميز فيها المغرب باستمرار ملوكه في اتخاذ لقب "أمير المومنين" دون منازع حتى البغدادي تحاشى المنافسة ففضل الخلافة على الإمارة لأن الخلافة فد ماتت ومن المستحيلات إحياء من هو ميت ولايستغرب أحد إذا نادى المهوسون بالدين إلى الجهاد من أجل استرجاع الخلافة الاموية في الأندلس. لا حدود للخيال والإصرار على تحقيق ما ليس ممكنا يعتبر ضربا من العبث وقد عبرت عنه تسمية الدولة الإسلامية التي لا وجود لها. الدكتور عبد الغاني بوشوار-باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير