في عز الحراك الشعبي ذات عشرين فبراير، و نحن نستعد لاستقبال مرحلة جديدة من مغرب تمنيناه ديمقراطيا حداثيا ليبراليا متفتحا، يسود فيه العدل و المساواة و الكرامة، كنا على الأقل نعلم ان المشهد السياسي سيفرز لنا، احزابا تحمل خطابا “معارضا” هي التي من الممكن ان تحمل المشعل، و تضع يدها على الحكومة و تقتسم الحكم مع “الجهات إياها”، و بعد الظغط الشعبي و التعديل الدستوري الذي جلب لنا إسلاميون من نوع أخر، إسلاميون ” لايت”، بلحى قصيرة، و خطاب يحمل نكهة الديمقراطية، و هذا ما جعل طبقة كبيرة من الشعب المغربي تبني أملها على وصول الحزب المعارض الأول اي العدالة و التنمية الى الحكومة . رغم ان معظم القوى الحية التي شاركت في تجربة الربيع العربي بحلتها المغربية، اي حركة “20 فبراير” ، كان حدسهم يقول ان شيئا غير ما يطمحون له يطبخ في البيت الداخلي للمتحكمين في المشهد، و البعض الاخر كان يرى ان مجرد وصول “البيجيدي” الى الحصول على اغلبية منحته اياها “الإرادة الشعبية” هو أمر يجعل من المغرب بلدا مستفيدا من “الربيع العربي”، و هذا ما أثبت الأيام صدقه في السنتين الاولتين فقط لكن بعد ذلك، انهارت كل التصورات التي لحقت خطاب 9 مارس التاريخي، و حلم دستور ديمقراطي يأخذ المغرب معه الى مصاف الدول التي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي . ومع كل هذه التصوارات التي منها القابلة و الرافضة، فإن الجميع كان يعلم ان حزب العدالة و التنمية هو الحزب الذي سيتصدر المشهد، و فعلا هذا ما كان، ففي انتخابات نونبر 2011 حاز البيجيدي على المصدر الاول في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، و هو ما لم يخيب ظن احد، فالكل تقريبا كان يعرف النتيجة حتى قبل إعلان تاريخ الانتخابات . وفي سنة 2016 أيضا، و بوجود بنكيران على رأس الحزب الحاكم و العماري على رأس الحزب المعارض الاول، فقد كان المشهد من الوضوح بمكان، فالكل كان يعلم ان حرب “النفس الأول و الأخير” كانت بين حزبي العدالة و التنمية و الأصالة و المعاصرة، و انه في حالة لم يعد البيجيدي الى الحكومة فائزا فإن البام هو من سيعوضه، و هذا ما كان في الأخير، حيث تصدر البيجيدي في استحققات السابع من أكتوبر بأكثر من 120 مقعد، و جاء حزب “العماري” ثانيا باكثر من مئة مقعد، وهذا امر ان دل على شيء بعيدا عن الاتهامات و التصريحات المضادة، فإنما يدل على ان المنطق على الاقل كان لا زال متحكما في المشهد الانتخابي . أما اليوم و مع كل هذه المتغريات السياسية، و الاحتجاجات الاجتماعية، و الشد و الجدب الذي عرفته الساحة السياسية، و مع تقزم أحزاب و تضخم أخرى، و انقسام الحزب الأول الى تيار “استوزار” و تيار “ممانعة” فإلى أين تتجه انتخابات 2021 ؟ المشهد السياسي اليوم، و حسب رأيي هو الأخطر و الأسوء على الاطلاق منذ الاستقلال، ففي عز الأزمات، دائما ما كان المشهد يسمح بوجود البديل، أما اليوم و بعد ان أعطى هامش الحرية المقدم للأحزاب في سنة 2011 شيئا غير ما كان البعض يريده، فإن هذا الهامش تم تقزيمه داخل النسق، و بقي اكثر اتساعا من خارجه بفعل الظغوط الداخلية و الخارجية لا غير، و هذا ما يجعل الأمور اكثر صعوبة في الاستحققات التشريعية القادمة، التي الى حدود الساعة لم يرسل الوضع السياسي القائم اي اشارة لنا على ما قد يقع بها، فالعدالة و التنمية الحزب “الاقوى” ها هو قد تحول بنفسه الى حزب منبوذ هجره حتى ابناءه، و الأصالة و المعاصرة الذي كان يشكل بديلا ايديولوجيا و سياسيا قويا في الانتخابات الاخيرة بفعل فاعل، ها هو قد عاد لحجمه الطبيعي بعد ان استنفد ما كان مقدما له من امتيازات، اما حزب الاستقلال فنتائج فالانتخابات الاخيرة دليل واضح على الوضع الكارثي الذي يعيشه الحزب الذي تنهج قيادته سياسة الصمت منذ مدة، و حزب الأحرار فاعتقد انه من الغباء ان يراهن عليه احد في تصدر الانتخابات القادمة مع تداعيات حركة المقاطعة التي استهدفت زعيمه بشكل مباشر . كل ما يحدث اليوم في المغرب من احتقان اجتماعي و محاولات الهجرة المخيفة و السخط الشعبي العارم الذي طال الجميع يجعلنا امام وضع غامض، لا يخدم المغرب ولا المغاربة في شيء، بل فقط يزيد الطين بلة، و يساهم في توسيع هوة المجهول التي بدأنا نستشعرها مؤخرا بقوة، و السياسة التي هي الحل الاول و الاخير لهذا الوضع، ها هي غائبة و دورها هجين، فمن يكشف لنا الطريق كي نعرف أين نحن و إلى أين نتجه قبل ان نصطدم بالحائط ؟