مددت يدي الى قلمي حتى أبدا بكتابة هذه الكلمات، إلا أن صور التعزيزات الإسرائيلية المتحفزة لهدم قرية (الخان الأحمر) الفلسطينية شرقي القدس تنفيذا لقرار محكمة العدل (الظلم) العليا الإسرائيلية، استوقفتني لأتابع التفاصيل.. مداهمة عسكرية احتلالية ليلية لمنطقة (الوادي الأحمر) المحاذية للخان الأحمر، دمر خلالها الاحتلال الإسرائيلي البغيض والغاشم الأبنية المتحركة الخفيفة (كرافانات) التي جهزها نشطاء فلسطينيون وأجانب لوضعها تحت تصرف أهالي الخان إذا ما نفذت إسرائيل قرارها بهدم القرية وطرد سكانها والدفع بهم رجالا ونساء واطفالا نحو المجهول! الاحتلال يعلن منطقة الخان الأحمر منطقة عسكرية مغلقة تمهيدا لتنفيذ ما تَعَوَّدَ عليه منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 وحتى الآن.. لا جديد تحت الشمس.. إسرائيل ماضية في تنفيذ سياساتها التوسعية تمهيدا لإقامة إسرائيل الكبرى والتي مهدت لها حكومة نتنياهو وائتلافه بسن قانون القومية بتاريخ 19.7.2018، والذي ينص صراحة على حق اليهود الحصري في فلسطين التاريخية (ارض إسرائيل!!) من البحر الى النهر، وعلى حقهم وحدهم في تقرير مصيرهم ضمن حدود دولتهم على هذه الأرض (الموعودة!!!)، شاطبا حق الشعب الفلسطيني في وطنه وعليه، وضاربا بعرض الحائط كل المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة، ومستخفا إلى أبعد الحدود بحقوق ومشاعر واحاسيس أمة الميار ونصف المليار حول العالم، ومستهترا على حد الاحتقار للمجتمع الدولي ودعوته لتحقيق (السلام العادل!!) في الشرق الأوسط على قاعدة الأرض مقابل السلام! عُلُوٌّ وغطرسة وصلف وعنجهية غير مسبوقة تجاوز بها نتنياهو كل الخطوط الحمراء باعتراف كل الخبراء والمحللين السياسيين الدوليين، التقت مع قمة الغباء والتهور السياسي والاستراتيجي الأمريكي الذي يجسده الرئيس ترامب، والذي تجاوز هو أيضا كل الخطوط الحمراء التي رسمها الرؤساء الامريكيون منذ جورج واشنطن وحتى باراك أوباما، فانحاز بشكل محير وغير مفهوم للصهيونية العالمية ولحكومة نتنياهو، حتى باتا المهدد الأكبر للسلام والأمن الدوليين! إسرائيل وامريكا منسجمتان مع نفسيهما، تسيران بخطى ثابتة وراسخة نحو تحقيق اهدافهما في شطب الرقم الفلسطيني من على أجندة المجتمع الدولي واهتماماته، وإخماد أنفاس ما تبقى من الكرامة العربية والإسلامية المتمثلة في الحراك الثوري الإسلامي – الوطني الرافض للاستبداد العربي من جهة، وللهيمنة الصهيو – أمريكية من الجهة الأخرى، تنفيذا لما خطط له كبار شياطين السياسية الدولية، وإن بالتدريج المتسارع بشكل غير مسبوق، مستغلين حالة الانهيار العربي والإسلامي غير المسبوقة أيضا، والتي هيأت الفرصة السانحة لنتنياهو ان يختزل المسافات ليصل إلى تحقيق حلم الآباء الصهاينة، فيدخل التاريخ على اعتباره (المؤسس الثاني) لإسرائيل بعد بن غوريون (المؤسس الأول).. اما العرب والمسلمون (إلا ما ندر) فيعيشون انحطاطا وترديا وتشظيا ما مروا بمثله عبر تاريخهم الطويل.. صورة غريبة وعجيبة يصعب تفسيرها، وكأني بها مقدمة لتغييرات كونية قد تقع في كل لحظة بعد أن وصلت الأوضاع إلى حافة جرف سحيق، لا يمكن إلا ان تُوَلِّدَ احداثا جساما تغير مجرى التاريخ في اتجاهٍ أكثر عدالة وإنصافا للمظلومين بعد ان امتلأت الأرض ظلما وجورا شارك في صناعته العرب والعجم على حد سواء.. التغيير حتمي رغم كل شيء.. ثقتي بقرب هذا التغيير ليس نابعا من رصدي لتغيرات عربية – إسلامية – دولية تبشر بهذا التغيير المأمول، لكنه ينبع أولا من ثقتي بوعد الله الذي لن يتخلف مهما طال الزمن او قصر، والذي سيهيئ لهذا التغيير جيلا ينجح في حمل رايته والمضي بها حتى تحقق غاياتها وتبلغ أهدافها كاملة، مصداقا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وقوله سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).. يطمئن القلب إلى هذا الخطاب الرباني والذي وإن جاء لجيل هو خير مَنْ خلق الله سبحانه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جيل الصحابة، فهو عامٌّ في مدلوله بحيث يشمل كل جيل يمكن ان يقع فيما وقع فيه جيل الصحابة المعنيين في هذه الآية من التردد المؤقت والطارئ في الاستجابة لنداء الواجب مهما كان نوعه، والذي سرعان ما انقشع غباره عن معدن الصحابة الكرام الذين نهضوا مستجيبين لدعوة رسول الله الاكرم في منازلة الروم في (تبوك).. التقاعس عن أداء الواجب والنهوض لحمل أعباء الكفاح في مواجهة مخاطر الداخل والخارج يستجلب (العذاب الأليم) وهو العقاب الذي لا ينحصر في العقاب الأخروي بل يتعداه إلى العذاب الدنيوي الذي يأخذ أشكالا من أشدها على النفس الأبية أن يسلط الله على الأمة من يذل كبرياءها، ويهين كرامتها، ويستبيح مقدساتها، ويحتل أرضها، ويصادر وعيها وإرادتها، ويستولي على مقدراتها، ويمسخ أخلاقها، فلا يظل منها إلا رسوم باهتة لا اعتبار لها في موازين السياسة او الحضارة! واقع الامة اليوم – مع بداية سنة هجرية جديدة – تجسيد لهذا العقاب الذي توعد الله به كل المتقاعسين عن القيام بواجب الدفاع عن حياض الامة وحماية مصالحها، وحراسة الدين وسياسة الدنيا به.. هذا التقاعس الذي يعتبر السمة البارزة للنظام الحاكم لامتنا العربية والإسلامية – الا من رحم الله وقليل ما هم – هو في حقيقته أكثر كلفة من القيام بأعباء العزة والاباء والشموخ والكبرياء.. ما يدفعه النظام العربي والإسلامي المتخاذل على مذبح الذل من الخسارة المادية والبشرية ناهيك عن الخسارة الأخلاقية والمعنوية، هي أضعاف تكلفة الكرامة لو قدموا لها الفداء. ما يُطمئنني ويجب ان يُطَمئن كلَّ مؤمن ومسلم على وجه الأرض، هو ان الله سبحانه كما توعد المخالفين والمتقاعسين بالعذاب، وقد فعل، فإنه توعدهم بما هو أشنع.. توعدهم ب – (الاستبدال) “ويستبدل قوما غيركم”، يعرفون حق الله وحق أمتهم فيؤدونه، مقبلين غير مدبرين، على الوجه الذي يعيد للامة عزتها وكرامتها وهيبتها، ويعيد لها مكانها ومكانتها التي ضيعها المتقاعسون.. تبلغ الإهانة الربانية لهؤلاء ذروتها حينما يقرعهم بقوله “ولا تضروه شيئا”، والذي يعني ببساطة أن الله لا يقيم لهم بسبب تخاذلهم وزنا، ولا يحسب لهم حسابا، وهم في النهاية ليسوا أكثر من هباء لا يقدمون ولا يؤخرون في قدر الله شيئا.. إن واجب حمل راية الحق والدفاع عن حياضه شرف إلهي يتقدم اليه من يحرص على عز الدنيا والآخرة، ولا يزيد ذلك في قدر الله شيئا.. اما المتقاعسون فهم يتنازلون طواعية راضين غير مكرهين، عن هذا الشرف متوهمين انهم بجريمتهم هذه يمكن ان يغيروا قدر الله الازلي في ان الله ناصرٌ دينه وامته بقدرته وبإرادته التي ستختار الطريق ليتحقق وعدُه… (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)… كلمات فيها من التأنيب المبطن والظاهر ما فيها، وجهها الله سبحانه للصحابة الكرام، ذلك الجيل الفريد الذي لن تجود الدنيا بمثله الى يوم القيامة، مذكرا إياهم إن القاعدة الثابت التي لا تتغير ولن تتغير هي ان الله هو الناصر، وان الشرف كل الشرف في ان يلتحقوا بموكب المنتصرين فيفوزون بخيري الدنيا والآخرة، فإن هم لم يفعلوا تكفل الله بنصر دينه كما نصر عبده الرسول محمدا صلى الله عيله وسلم وهو ثاني اثنين إذ هما في الغار، وقد وقفت قريش بقضها وقضيضها أمام فتحة الغار تريد قتله وانهاء دعوته… لم يكن حينها معه احد من البشر.. أغلقت الدنيا أبوابها في وجهه، حتى الصحابة سبقوه الى المدينة في هجرتهم الميمونة بناء على الخطة الموضوعة، ليواجه وحده مع صاحبه ابي بكر الصديق – رضي الله عنه – قدره، فتجلت عندها قدره الله، وظهرت الحقيقة التي لا مراء فيها.. الدين منتصر، وسيهيئ الله لذلك الأسباب وإن تخلى عنه الناس جميعا.. مضى عام ودخل عام.. مَرَّ عام هجري، ودخل عام جديد.. وهكذا مر ألف وأربعمائة واربعون عاما على الهجرية النبوية الشريفة، وألف وأربعمائة وثلاثة وخمسون عاما على البعثة الشريفة.. قرون طويلة مرت فيها الامة الإسلامية، كانت فيها لحظات انتصار كثيرة، كما كانت فيها لحظات انكسار ليست بالقليلة.. كان لكل حالة من تلك الحالات أسبابها.. يمر عام ويأتي عام جديد دون ان تُلقي له امتنا بالا.. الأمسُ في حياتها كالذي قبله، واليوم هو كأمْسِها أو أسوأ منه وأشنع.. حتى الغد لا يُخَطَّطُ ليكون مختلفا عما سبقه رغم ما يختنق به واقعهم من رياح سموم لا تدع لهم فرصة للتنفس حتى أصبح صدرها ضيقا حرجا (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).. العالم كله – بعكس امة الإسلام – اخذ بما حض عليه الإسلام وحَرَّضَ عليه من ضرورة النظر في تقلبات الزمان وأحواله، والاعتبار من صروفه وشؤونه، وضرورة الاجتهاد في سبر أغواره والغوص في اعماقه رغبة ورهبة واستعدادا لما يمكن ان يفاجئ به! بل اخذ اسلامنا بشدة على أولئك الغافلين الذين يعيشون على هامش الاحداث تصنع لهم حاضرهم ومستقبلهم دون ان تكون لهم إرادة في توجيه واقعهم حفظا لكرامتهم وصونا لشرفهم ودفاعا عن اوطانهم ومقدراتهم، فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)… الى اين تقودنا الخطى؟! عام مضى بما فيه من آلام واوجاع واحزان! عام جديد بدأ وشعوبنا العربية والإسلامية تعيش أسوا الظروف والأوضاع، وتواجه أعتى التحديات، وتتعرض لحروب إبادة بأيدي زعمائها ومن حالفهم من طغاة الأرض ودول الاستكبار العالمي.. حروب إبادة لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، تصب ألوان العذاب على رؤوس الرجال والنساء والأطفال صَبَا، في المدن والقرى والمخيمات والكهوف، في الأرض وفي البحر وفي الجو.. يقف الشعب الفلسطيني أمام منعطف هو الأخطر في تاريخه لا بسبب الاحتلال الإسرائيلي فقط، ولكن أيضا بسبب فشل قيادته في تحقيق الحد الأدنى من آماله الوطنية وأهدافه الدينية والقومية.. الرئيس الفلسطيني ما زال مصرا – رغم ما يبديه من تجهم في وجه التحالف الصهيو – امريكي – على المضي في إفشال مشروع الوحدة الوطنية بما يحاول إملاءه من شروط تعجيزية لا تخدم الا الاحتلال الإسرائيلي.. اعترف هنا انني اشعر أحيانا بانفعال عميق وانا أقف أمام بعض مواقفه الشجاعة كرفضه اللقاء بالمندوبين الأمريكيين منذ الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها اليها، ورفضه التعاون مع إسرائيل في الكثير من الملفات، والتزامه بالثوابت الفلسطينية غير القابلة للمساومة بما في ذلك حق عودة اللاجئين والقدس والاستقلال الناجز، والانسحاب الإسرائيلي الكامل لحدود العام 1967 وغيرها من الملفات.. كما أشعر بالانبهار أحيانا وانا أقف أمام شجاعته في الاعتراف بواقع السلطة الفلسطينية من حيث: أولا، اعترافه بأن السلطة الفلسطينية في الواقع بلا سلطات حقيقة. ثانيا، إقراره بانه لا يستطيع التحرك وهو رئيس دولة فلسطين المعترف بها دوليا داخل الوطن الفلسطيني الا بإذن من الاحتلال الإسرائيلي. ثالثا، اعترافه أن السلطة الفلسطينية في الحقيقة تعيش تحت حذاء (بسطار حسب لغته الدارجة) الاحتلال.. رابعا، إقراره أن (اتفاق أوسلو) بدل ان يؤدي الى قيام دولة فلسطين كاملة السيادة خلال خمس سنوات كما نص الاتفاق، فانه كرس الاحتلال، وشكل غطاء لأوسع عمليات الاستيطان في فلسطين منذ الاحتلال في العام 1967، بشكل لم يبق أملا في قيام دولة فلسطينية مترابطة عضويا وقابلة للحياة.. إلا ان إعجابي وانبهاري هذا ينقلب غضبا حينما ألحظ أن الرئيس محمود عباس فقد القدرة على التمييز بين العدو والصديق، وبين من معه ومع فلسطين ومن عليه وعليها، خصوصا من مكونات شعبه وتنظيماته الرئيسية.. يعرف السيد أبو مازن أكثر من غيره أن سياسة نتنياهو تجاه فلسطين والفلسطينيين بما في ذلك القدس والاقصى المبارك بالطبع، تعتمد على عناصر أساسية: الأول، العمل مع كل القوى المحلية والإقليمية والدولية على بقاء الشرخ قائما بين جناحي الوطن: قطاع غزة والضفة الغربية. رغم ان الحديث في هذا الموضوع قديم، الا انه أصبح أكثر رسوخا في الفترة الأخيرة في ظل ما تتناقله وسائل الاعلام والدوائر السياسية من تفاصيل حول ما يسمى بصفقة القرن، والتي تستهدف النيل من القضية الفلسطينية وتفريغها من مضامينها الوطنية وتصفيتها لمصلحة حلول بعيدا عن فلسطين الوطن والهوية. الثاني، الحرص على بقاء السلطة الفلسطينية كوكيل للاحتلال الإسرائيلي لا أكثر. حتى تحقق إسرائيل هذا الهدف نراها تسعى دائما وبشكل منهجي لمحاصرة السلطة الفلسطينية وتقليم سلطاتها ونزع اختصاصاتها الوطنية الكبرى الا ما كان له علاقة بتقديم الخدمات البلدية التي كان يقدمها الاحتلال الإسرائيلي قبل اتفاق أوسلو. السلطة الفلسطينية بعد نحو 25 عاما من توقيع اتفاق أوسلو، أصبحت والعدم سواء في ظل تغول الاحتلال في مصادرته للوطن واستيلاءه على المقدسات وتوسيعه للمستوطنات وإمعانه في التمسك باللاءات الشهيرة التي بدأ الحديث عنها بشكل غير مسبوق: لا للانسحاب لحدود الرابع من حزيران، لا للانسحاب من منطقة غور الأردن، لا للتخلي عن أي شبر من القدس الكبرى الموحدة (عاصمة إسرائيل الأبدية!!)، لا لعودة اللاجئين، لا لأي نوع من السيادة الفلسطينية الوطنية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وأخيرا لا لإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، وهو الموضوع الذي اتخذ بصدده مركز حرب الليكود قرارا ملزما في دورة انعقاده الأخيرة، بدعم وتوجيه كاملين من نتنياهو وقادة حزب الليكود، والذي يُعتبر بكل المعايير نسفا كاملا لأسس عملية السلام كما يفهمها الفلسطينيون ودول العالم، وتقويضا لكل الجهود المبذولة دوليا للوصول بمنطقة الشرق الأوسط إلى شاطئ الأمان، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بغير حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني – العربي على أساس الشرعية الدولية. الثالث، حرص إسرائيل الدائم على ان يظل احتلالها لفلسطين الأقل تكلفة على الاطلاق، بالرغم من انه الأكثر وحشية وقسوة، بل هو الاحتلال المباشر الوحيد الباقي في العالم في القرن الواحد والعشرين. تسعى إسرائيل وحكوماتها وخصوصا الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو من خلال هذه الرؤية الى صيانة احتلالها وتطويره وتعميقه من غير ان يكلفها كثيرا، على ان يظل الحمل الأكبر على كاهل السلطة الفلسطينية التي باتت جسدا بلا روح بفعل السياسة الإسرائيلية، والتي يسعى الاحتلال الإسرائيلي على صيانتها أيضا بقدر ما تخدم مصالحه لحين لفظها تماما والقائها جثة هامدة حينما يحين الوقت المناسب. رابعا، ليس هنالك كالاحتلال الإسرائيلي البغيض في قدرته على اللعب على عنصر الزمن واستثماره بالكامل لتحقيق أهدافه وإن تدريجيا، مستغلا حالة الانحطاط العربي والتواطؤ الدولي كغطاء لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وفرض واقع جديد على الأرض يكرس هيمنته الكاملة على فلسطين ويُحْكِمُ قبضته عليها، وذلك تحت غطاء كثيف من ضباب عملية سلمية بات من الواضح انها ليست أكثر من كِذْبَةٍ كبرى وعملية خداع عظمى لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا. لماذا أذا؟!!! لماذا أذا يصر أبو مازن على توجيه سهامه الى شركاء الوطن وعلى رأسهم حماس؟ لماذا يصر على حصاره لقطاع غزة تحت ذرائع واهية؟ لماذا يصر على إفشال جهود الفصائل الفلسطينية لوضع الاتفاقات الموقعة لتحقيق الوحدة الفلسطينية، موضع التنفيذ؟ لماذا لم ينجح أبو مازن حتى الان بالفصل الواضح بين الخلاف الحزبي والتنظيمي وبين الخلاف الوطني الضار؟ متى يستفيق أبو مازن ليعرف أنه لم يبق له الا الله ثم شعبه الفلسطيني بكل فصائله، وانه لا خيار له إذا أراد ان يلقى الله بريئ الذمة من الاعتراف بفشل أوسلو، والعودة إلى حضن الشعب والوطن كقاعدة قوية لمواجهة الاحتلال في اطار برنامج وطني شامل يعيد الامل للشعب وأحرار الامة بأن المعركة لم تنته بعد، وأنه لا هزيمة فيها أبدا! * الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني