يوم الأحد 6 أبريل 2014 توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتخاذ اجراءات ردا على خطوات اتخذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جانب واحد باتجاه الحصول على وضع دولة. ولم يحدد نتنياهو على الفور التحرك الذي سيقدم عليه وقال إن إسرائيل ما زالت مستعدة للمضي قدما في محادثات السلام التي تجرى بوساطة الولايات المتحدة ولكن "ليس بأي ثمن". وذكر نتنياهو أثناء الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية "لن يحقق الفلسطينيون دولة إلا عبر المفاوضات المباشرة وليس من خلال الإعلانات الجوفاء أو الخطوات من جانب واحد التي ستطيح باتفاق السلام بعيدا". وتابع: "كنا على استعداد لاتخاذ خطوات ليست بسيطة في الأشهر الأخيرة من أجل خلق إطار لإنهاء الصراع.. وفي لحظة الحسم، أسرع أبو مازن إلى الإدلاء بتصريحات بأنه غير مستعد حتى أن يناقش الاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي. وقام أبو مازن بذلك على الرغم من أنه يعلم علم اليقين أنه لن يكون هناك أي اتفاق من دون الاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي وهذا ما قد أكد عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما وزعماء دوليون آخرون. ولأسفي الشديد، فيما بعد، عندما اقتربنا من التوصل إلى اتفاق حول مواصلة المحادثات، أسرعت القيادة الفلسطينية إلى التوجه بشكل أحادي الجانب لتنضم إلى 14 معاهدة دولية وبذلك خرقوا بشكل جوهري التفاهمات التي جرى التوصل إليها". يشار إلى أن نتنياهو كان قد صرح لوزراء حزبه "ليكود" قبل اجتماع الحكومة إن الاتصالات مع الفلسطينيين بلغت "أزمة كبيرة وجدية وخطيرة"، وأن إسرائيل لن تعود إليها قبل أن يسحب الفلسطينيون طلبهم الموجه إلى المؤسسات الأممية. المغالطات والاكاذيب هناك مغالطة واضحة تكشف سياسة الكذب الممارسة من طرف تل أبيب وواشنطن، فحسب الاتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في يوليو 2013، فان على الجانب الفلسطيني الامتناع عن التوجه إلى الأمم المتحدة خلال تسعة أشهر وهو ما فعلوه، مقابل أن تفرج إسرائيل عن 104 معتقلين فلسطينيين منذ ما قبل العام 1993 وهو ما لم تف به. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد وقع يوم الثلاثاء الثاني من شهر أبريل على طلبات للانضمام إلى 15 اتفاقية دولية منها اتفاقيات جنيف بشأن الحرب والاحتلال في خطوة تتسم بالتحدي لتأكيد وضع الدولة. وأغضبت هذه الخطوة واشنطن التي كانت تحث الجانبين على مواصلة المفاوضات إلى ما بعد مهلة تنتهي في 29 ابريل، والتي كانت قد حاولت منع السلطة الفلسطينية من الحصول على مزيد من الاعتراف الدولي. وقال الفلسطينيون إن عباس اتخذ الخطوة ردا على عدم التزام إسرائيل بتعهدها بوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي وبإطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين. إسرائيل من جانبها ذكرت إنها تريد أولا التزاما فلسطينيا باستمرار المفاوضات إلى ما بعد نهاية الشهر الجاري ووقف كل تحركات للحصول على مزيد من الاعتراف على الصعيد الدولي. ودعا بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى فرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية برئاسة عباس وهو ما أثار غضب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات. وتساءل عريقات في مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي عن السبب الذي يدفع الإسرائيليين إلى تهديد الفلسطينيين وكأنهم يرسلون الانتحاريين إلى تل أبيب. ولم توضح مصادر مقربة من نتنياهو طبيعة الإجراءات العقابية التي قد تتخذها إسرائيل، لكن وسائل الإعلام ذكرت أنها قد تشمل حرمان السلطة الفلسطينية من حصتها من مداخيل الضرائب والجمارك التي تحصل عليها تل أبيب، ووقف مشاريع بناء فلسطينية في أجزاء من الضفة الغربية، وتجميد 19 خطة هيكلية فلسطينية للبناء في منطقة "سي"، والحد من لقاءات دبلوماسية على مستوى الوزراء وأقل منهم، تعقد روتينيا لحل مشكلات إدارية. وكتب المحلل الاستراتيجي في صحيفة يديعوت أحرونوت أليكس فيشمان يقول: "الرسالة الهامة التي ينوي الجانب الإسرائيلي تمريرها، من خلال العقوبات المقترحة في هذه المرحلة، هي أن الفلسطينيين متعلقون بإسرائيل على نحو كبير". أما الخطوة الأكثر إثارة فينوي اتخاذها رئيس حزب البيت اليهودي ووزير الاقتصاد نفتالي بينت، الذي أكد، أنه يعد دعوى ضد رئيس السلطة الفلسطينية في محكمة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب، مرتكزا على بندين: "أولا نقل الأموال من السلطة إلى حماس التي تطلق الصواريخ على إسرائيل، وثانيا تمويل من سماهم القتلة الفلسطينيين". ويدفع وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتز بقوة بمقترح حجب أموال الضرائب. ودعا الوزير المقرب من نتنياهو إلى وقف تحويل الأموال، قائلا: "فرضنا هذا العقاب في السابق، وخلال شهرين من الزمن أعلنت السلطة توقفها عن اللجوء إلى خطوات أحادية الجانب. أعتقد أنه حان الوقت لرد أقسى من قبل". وأَضاف شتاينتز: "أبو مازن بصق في وجوهنا وعليه أن يدفع ثمنا كبيرا". وتابع: "السلطة الفلسطينية قائمة بفضلنا، لولا الأمن والأموال التي نوفرها لهم، لسقط أبو مازن وسيطرت حماس والجهاد على رام الله". وفي مرات سابقة وضع وقف تحويل أموال الضرائب، التي تجنيها إسرائيل من المعابر الحدودية وتتقاسمها مع الجانب الفلسطيني، السلطة في مأزق مالي كبير لم تستطع معه دفع رواتب مستخدميها. وفي أول دلالة محتملة على الإجراءات الإسرائيلية قالت صفاء ناصر الدين وزيرة الاتصالات الفلسطينية إن إسرائيل أبلغت شركة الوطنية "موبايل" للاتصالات بأنه لن يسمح لها بعد الآن بإدخال معدات إلى قطاع غزة الذي تخطط لتشغيل الجيل الجديد من شبكة للهواتف المحمولة فيه. وكانت إسرائيل التي تفرض قيودا صارمة على مرور الناس والبضائع عبر حدود غزة قد سمحت للشركة بإدخال أجهزة إلى القطاع الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد استئناف محادثات التسوية مع عباس في يوليو 2013. والوطنية "موبايل" ملك لصندوق الاستثمار الفلسطيني والشركة الوطنية للاتصالات المتنقلة في الكويت. وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم عباس "إسرائيل هي من تقوم بخطوات أحادية من خلال مواصلة عمليات الاستيطان وعدم الالتزام بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى. وأضاف "نحن ملتزمون بأسس عملية السلام". ويجري الوسيط الأمريكي مارتن انديك المزيد من اللقاءات مع مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين منذ أن باءت أحدث مهام الوزير كيري بالفشل. وواجهت المحادثات صعوبات منذ استئنافها وتعثرت بسبب رفض الفلسطينيين طلب إسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية وبسبب قضية الإستيطان، وكذلك رفض تل أبيب قيام دولة فلسطينية داخل حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي افيجدور ليبرمان وهو شريك كبير في ائتلاف نتنياهو الحاكم إنه يفضل أن تجري إسرائيل انتخابات مبكرة عن أن تلبي مطالب عباس. ومن المقرر إجراء الانتخابات في نوفمبر 2017 بعد أربعة أعوام على الانتخابات السابقة لكن كثيرا ما تسببت مشاحنات داخل الحكومة في اجراء انتخابات مبكرة في السابق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو يستطيع الفوز مجددا لكن عضوي الحكومة من اليمين المتطرف ليبرمان ونفتالي بينيت وزير الاقتصاد سيتنافسان مع كل من وزير المالية يائير لابيد من تيار الوسط وكبيرة المفاوضين تسيبي ليفني على مراكز أفضل كشريكين في الائتلاف. الكونغرس الأمريكي يهدد تهديدات حكومة الكيان الصهيوني بفرض عقوبات على الفلسطينيين جاءت بعد أيام تهديد عدد من المشرعين الأمريكيين يوم الأربعاء 3 أبريل، بفرض الحجر على المساعدات المالية السنوية للسلطة الفلسطينية "في حال مضى الرئيس الفلسطيني بتنفيذ ما أعلنه عن الانضمام لوكالات الأمم المتحدة المختلفة"، بحسب مكتب رئيسة لجنة الإعتمادات في الكونغرس النائبة كاي غرينغر الجمهورية من ولاية تكساس. وقالت غرينغر: "المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية منذ تسعينات القرن الماضي كانت تهدف لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وان مساعي الفلسطينيين في الأمم المتحدة تتناقض مع ذلك" فيما قالت النائبة الديمقراطية من ولاية نيويورك، نيتا لاوي العضو أيضا في لجنة الاعتمادات: "لقد خيب عباس أملنا بتوقيعه على طلبات الانضمام لمعاهدات دولية، حيث اتخذ قرار في الكونغرس عام 2013 أن الاستثمار في السلطة الفلسطينية وتقوية اقتصادها هو أفضل خطوة قد نتخذها من أجل تشجيع السلام". يشار إلى أن الكونغرس الأمريكي عمل تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي "إيباك" لربط المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية لعام 2014 التي تضاهي 500 دولار سنويا "بالإبقاء على الأوضاع الراهنة بشأن عدم تقدم السلطة الفلسطينية بنشاطات على مستوى الأمم المتحدة" وهو ما ينسجم مع طلب الحكومة الإسرائيلية لمنع الفلسطينيين من القيام بمساع على الصعيد الدولي لوقف الاستيطان أو الحصول على المزيد من الشرعية الدولية. يشار إلى أن الكونغرس يحتفظ بالقرار النهائي بالنسبة لمنح الدعم للفلسطينيين وفق قانون الدعم للسلطة الفلسطينية رقم "إف.واي 14 -FY 14" والذي يفرض قيودا مشددة على الفلسطينيين منها "محاربة التحريض ضد إسرائيل، ووقف المساعي التي من شأنها أن تعطيهم موقع دولة عضو في الأمم المتحدة أو وكالاتها الأساسية". ومن الجدير بالذكر أن النائبة الجمهورية عن ولاية فلوريدا، إليانا روس ليتنان، وهي من أشد مناصري اليمين الإسرائيلي ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، كانت قد قادت حملة لقطع كافة المساعدات عن الفلسطينيين بعد الاعتراف بهم كدولة غير عضو في نوفمبر 2012، ولكن الرئيس باراك أوباما استخدم صلاحياته التنفيذية آنذاك لتوفير الدعم للسلطة الفلسطينية بناء على "اعتمادات سابقة". يشار إلى أن إدارة الرئيس أوباما طلبت من الكونغرس الموافقة على تقديم 440 مليون دولار للسلطة الفلسطينية إلا أن الكونغرس في "FY14" لا يحدد رقما لحجم المساعدات التي ستقدم للسلطة الفلسطينية. مكاسب للفلسطينيين وخسائر لإسرائيل لماذا تخشى تل أبيب وواشنطن التحرك الفلسطيني ؟. سؤال يطرحه الكثيرون. استاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق بجامعة الخليل معتز قفيشة، صرح "أن الفلسطينيين سوف يصبحون منضمين ل 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، وذلك بمجرد توقيعها من قبل الرئيس عباس وتسليمها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وفق الاجراءات والبرتوكولات المعمول بها في كل اتفاقية". وبحسب قفيشة، الذي عمل سابقا مسئولا في مكتب هيئة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في كل من بيروتورام الله وجنيف، فان هذه الاتفاقيات "تضع الفلسطينيين أمام التزامات وحقوق وواجبات، يتوجب احترامها والإيفاء بها، مثل تغيير قوانين متعلقة بحقوق المرأة والعمال وحقوق الإنسان". وأضاف قفيشة أن من أهم الاتفاقيات الموقعة، اتفاقيات جنيف الأربع، خاصة اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بالأسرى "أي اعتبار المحتجزين الفلسطينيين أسرى حرب"، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بالمدنيين، التي تعني إمكانية أن يحاسب الفلسطينيون إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الأسرى، وكذلك بناء المستوطنات، وقصف المدن الفلسطينية، وجرائم القتل، من خلال مقاضاة دولة الاحتلال على ذلك في محكمة الجنايات الدولية. وحتى يصبح هذا نافذا، يجب الانضمام إلى "ميثاق روما الخاص بمحكمة الجنايات الدولية" الذي لم تطلب فلسطين الانضمام إليه بعد، ولكن يمكن أن يقوم الفلسطينيون بتوثيق هذه الانتهاكات ورفعها إلى المحكمة مستقبلا، بحسب قفيشة. وتضم الاتفاقيات التي وقعها الرئيس عباس اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963، واللتين تعنيان توفير الحماية والحصانة للدبلوماسيين الفلسطينيين، ومنع تفتيشهم على الحدود، وإمكانية محاسبة المنتهكين للاتفاقية من خلال محكمة العدل الدولية. وبانضمام فلسطين دولة غير عضو إلى اتفاقيات حقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، يتوجب على إسرائيل الالتزام بها واحترامها، لكن هذا يلزم الفلسطينيين أيضا بتغيير سلسلة من القوانين التي لا تتماشى مع هذه الاتفاقيات، من بينها قوانين متعلقة بالزواج والطلاق وتعدد الزواجات، وقوانين القتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" وقوانين العمل. وبمجرد تسليم طلبات الانضمام للجهات المختصة تصبح فلسطين عضوا بها رسميا، ما يمكن الفلسطينيين الاستفادة منها من عدة جوانب أولها القضائي المتمثل بمحكمة الجنايات الدولية، والثاني محكمة العدل الدولية، أما الجانب الثالث فمن خلال الدول الأطراف بكل اتفاقية حيث يصبح واجبا عليها إلزام الدولة المتعدية بوقف التعديات. وأضاف أن هناك جانبا رابعا هو اللجان الأممية الموقعة على كل اتفاقية، حيث تطالب هذه اللجان الدول المتعدية بوقف انتهاكاتها. كما انه بالانضمام لهذه الاتفاقيات، أصبح بإمكان الأفراد تقديم شكاوى لدى اللجان الخاصة بحقوق الطفل والمرأة في الأمم المتحدة لإدانة إسرائيل والضغط عليها، بالإضافة إلى إمكانية تقديم الأفراد شكاوى ضد جهات ومسئولين عن ارتكاب جرائم وملاحقتهم في أي محكمة تابعة للدول الأعضاء في حال الانضمام الى ميثاق روما. لكن قفيشة أوضح أن الدول لا تلتزم بذلك وهذا ما يضعف هذا الخيار القانوني لمطاردة المسئولين الإسرائيليين عن جرائمهم. وفي المقابل، بين قفيشة انه ايضا اصبح بإمكان إسرائيل و"افرادها" ملاحقة الفلسطينيين دوليا بعد انضمامهم لهذه الاتفاقيات الدولية في حال ارتكبت انتهاكات وفق القانون الدولي. وبدون التوجه إلى ميثاق روما، أوضح قفيشة انه "لا قيمة فعلية لهذه الاتفاقيات". موازين قوى متغيرة إذا كانت تصور واشنطن وتل أبيب أنهما يملكان دائما اليد العليا في التعامل مع القضية الفلسطينية فإنهما يرتكبان خطأ كبيرا، ولعلهما شرعا في إدراك ذلك وهو ما يفسر جزئيا درجة الإحتقان لديهما من التحركات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية. كما إن موازين القوى الدولية التي يعاد وضع أسس جديدة لها، وتعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد ومن ضمن فصوله إيجاد وطن بديل للفلسطينيين بعد تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة، قلص من فرص إسرائيل تنفيذ مشاريعها التوسعية والهيمنة على جزء واسع من المنطقة ضمن مخطط أمريكي لتقاسم النفوذ مع قوى إقليمية في مقدمتها إيران وتركيا. وزيادة على ذلك فإن النمو الديموغرافي للفلسطينيين سواء داخل حدود الكيان الصهيوني لسنة 1948 أو ما بعد حرب 1967 يهدد بتحويل الكيان الصهيوني خلال زمن ليس ببعيد إلى صورة مشابهة إلى جنوب أفريقيا قبل إنهيار نظام الفصل العنصري. يوم الجمعة 4 أبريل 2014 نظم "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" وهو احد أهم مراكز الأبحاث المقربة من إسرائيل، ندوة خصصت لبحث تداعيات انهيار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وذلك بمشاركة المبعوث الأمريكي السابق لعملية السلام دينيس روس، ومدير المعهد روب ساتلوف، ورئيس قسم الأبحاث في المعهد ديفيد بولاك. روس قال في إطار رده على سؤال لصحيفة القدس التي تصدر في الضفة، في ضوء ما قاله المحاضر الثالث ديفيد بولاك عن أن 25 في المئة فقط من الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين وعما إذا كان الوقت قد حان لحل السلطة الفلسطينية: "إن التعايش غير ممكن في إطار الدولة الواحدة لان الأمر في نهاية المطاف يعني سيطرة طرف على طرف، إن الفلسطينيين باقون والإسرائيليين باقون والحل الوحيد هو حل الدولتين"، مؤكدا إن المقارنة بين اعتراف مصر أو الأردن بإسرائيل واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل هي مقارنة خاطئة ذلك لان "الفلسطينيين هم الوحيدون" الذين يستطيعون إعطاء إسرائيل الشرعية النهائية. ذات الفكرة كررها روبرت ساتلوف في نهاية الندوة ردا على مداخلة، حيث قال أنه "في الوقت الذي يغيب فيه التوازن من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية فإن الوحيدين الذين يستطيعون منح إسرائيل الشرعية التي تريدها هم الفلسطينيين وهذا هو مصدر قوتهم "يقصد الفلسطينيين". وحول الاعتراف بيهودية إسرائيل، قال روس "نحن هنا نتحدث عن أرض يتم التنافس عليها بحدة بين حركتين قوميتين متناحرتين ولذلك لا بد من إقرار كل طرف بالطرف الآخر". ونفى روس أن يكون اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية من شأنه إلغاء القضية الفلسطينية. وقال "إن ذلك يعني فقط الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على جزء من أرض فلسطين التاريخية تماما مثل حق الفلسطينيين في إقامة دولة قومية فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية". دينيس روس ذكر في معرض شرح قراءته الشخصية "للدوافع وراء مقامرة وزير الخارجية جون كيري: "منذ الأشهر الأولى التي أعقبت اتفاق أوسلووالفلسطينيون يعتبرون قضية الإفراج عن السجناء الموجودين في السجون الإسرائيلية منذ ما قبل الاتفاق قضية بالغة الأهمية، أولا بالنسبة للزعيم ياسر عرفات ومن ثم لأبو مازن الذي كان يقول لي إننا نحن من أرسلنا هؤلاء الرجال بالأساس وأعطيناهم الأوامر للقيام بما قاموا به من عمليات، وهو ما قادهم إلى السجن والآن نحن تخلينا عن نهج المقاومة وبالتالي لابد من إخراجهم، واذا كنتم جاهزون للحديث معنا فيجب أن تكونوا مستعدين للإفراج عنهم، ولكن كل رؤساء وزراء إسرائيل رفضوا ذلك لان هؤلاء هم الذي شنوا الهجمات على إسرائيل، حيث بقيت هذه القضية مثار خلاف إلى حين اتفق الطرفان تحت رعاية كيري صيف سنة 2013 على ان تقوم إسرائيل باطلاق سراح 104 سجناء على أربعة دفعات مقابل عدم اتخاذ الفلسطينيين أية خطوات في الأمم المتحدة". وأقر روس بأن "الرئيس محمود عباس وقع تحت ضغوط مكثفة من قبل القيادات السياسية الفلسطينية المختلفة لفعل شيء ما لإقناع شعبه بأنه يقوم باستخدام الخيارات المتاحة أمامه للرد على الإسرائيليين". وحول طبيعة التوصيات التي يقترحها على وزير الخارجية جون كيري للخروج من هذا المأزق، قال روس "توصياتي هي أولاً التريث وفحص ما إذا كان هنا مجال لإعادة الحياة للمفاوضات، الثانية هي اقتباس مما فعلناه عام 1991 وتتمثل في إرسال رسالة للطرفين مفادها بأن هذا ما يمكن لنا فعله وخلق أجواء تعاون بين الطرفين بطريقة ما". وقال روس في اطار استعراضه لتوصيته الثالثة: "كيري يقول لقد أمضيت 9 أشهر وهذا ما اعتقد أنه الحل الأمثل للتعامل مع قضايا الحل النهائي، وإنه بإمكاننا اتخاذ خطوات انفرادية متواضعة من قبل الطرفين مثل وقف التحريض الفلسطيني وبلورة أجندة مكونة من خطوات عملية مثل تجميد الاستيطان إلا في المناطق المأسرلة "مستوطنات تعتبرها إسرائيل لها". وأشار روس إلى ان الوزير كيري نجح في بحث القضايا الأساسية "قضايا الحل النهائي" لأول مرة منذ عام 2000 مع العلم أنه مقتنع بصعوبة المواقف وتمترس كلا الطرفين وراء مواقفهما بعناد. صفقة الجاسوس بولارد روبرت ساتلوف، مدير "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" الذي أسسته منظمة "إيباك" عام 1985، قال ان "كيري ذهب لنتنياهو وسأله ماذا تحتاج وأجابه نتنياهو بأنني أحتاج إلى وجود طويل الأمد في منطقة الأغوار والحدود مع الأردن وأريد اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، ولم يسمع من نتنياهو أنه يريد 10 في المئة من الضفة الغربية". واضاف ساتلوف أنه "ما زال ممكنا الموافقة على ما أسميه "حل 431"، أي إطلاق الدفعة الأخيرة من السجناء الفلسطينيين قبل 1993 زائد 400 سجين آخرين على ان يتم مقابل ذلك الإفراج عن جوناثان بولارد الجاسوس الإسرائيلي المعتقل لدى الولايات المتحدة". واعتبر ساتلوف أن المفاوضات لم تمت بعد وأن "محمود عباس في قلبه لا يريد الذهاب إلى الأمم المتحدة ولكنه يعاني من ضغوط، إلى جانب أن تحدي أمريكا في المرحلة الحالية يرفع من مستوى شعبيته لدى الفلسطينيين". واوضح ساتلوف "إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقع مجموعة من المعاهدات التي نشجعها مثل محاربة الفساد، غير إن بعض المعاهدات التي وقعها مثل معاهدة محاربة الإبادة الجماعية والأعمال الوحشية هي الأداة التي سيتخذها الفلسطينيون كوسيلة لملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية، كما صرح بذلك صائب عريقات عندما هدد تسيبي ليفني بملاحقة الإسرائيليين كمجرمي حرب". واشار ساتلوف إلى إن إسرائيل ستنجو من مضايقات الأمم المتحدة "ولكن كيف لإسرائيل في حربها الدبلوماسية القائمة مع الفلسطينيين الحفاظ على الأمن الذي توفره السلطة الفلسطينية". المحاضر الثالث ديفيد بولاك استعرض في مداخلته نتائج احدث استطلاعات الرأي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، متهما الفلسطينيين "بالتحريض ضد اليهود وتسميتهم بالقرود وغير ذلك من خلال وعبر الإعلام الرسمي للسلطة الفلسطينية". "الدولة الفلسطينية ليست خيارا" تبجح حكومة تل أبيب بأنها تسعى لتسوية تمنح للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم التاريخية، ليس سوى مغالطة. ففي المؤتمر السنوي الثالث الذي نظمته صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية في مدينة نيويوركالأمريكية، صرح وزير السياحة الاسرائيلي عوزي لانداو يوم الأحد 6 أبريل، بأن الدولة الفلسطينية ليست خيارا، "إنها ستخلق مشكلة اسوأ، مما ستحل .. لا يمكن أن نقبل بوجود فلسطين". واضاف "الغرض من المفاوضات مع الفلسطينيين لا يجب أن يكون السلام الآن. هذا ليس حقيقيا. الأمر الحقيقي هو التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة طويلة الأمد تؤدي في نهاية المطاف إلى السلام". وإدعى لانداو أمام الحضور بأن معظم الإسرائيليين يريدون السلام ولكنهم لا يعتقدون أن هذا سيتحقق. وقال "يتعين على المرء ان يصيغ سياساته على أساس الواقع وليس الأحلام". وأضاف: "في إسرائيل الجميع يريدون السلام، اليسار واليمين على حد سواء، ندرك أن تحقيق السلام يتطلب التوصل إلى حل وسط. خضنا حروبا، اولادنا في الجيش الآن. النقاش الدائر في إسرائيل يتعلق بالطريق إلى السلام.. هذا هو النقاش الوحيد الذي نشارك فيه". فشل الإدارة الأمريكية في فرض إرادتها على السلطة الفلسطينية للوصول إلى تسوية يستطيع الرئيس الأمريكي أوباما التفاخر بها لتغطية تعثره في ساحات أخرى بالمنطقة العربية، يدفع جزء من طاقم البيت الأبيض إلى البحث عن مخرج يمكن أن يعتبر حافظا لماء الوجه. صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ذكرت أن مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس تتزعم الاتجاه الذي يدعو إلى تغيير الإستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بالعملية السلمية، حيث تعتقد أن "على الإدارة أن تدرس تقليص التدخل الأمريكي في الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي". ووفقا للصحيفة فإن رايس تؤمن أن "على إدارتها اتخاذ خطوة إلى الوراء، حيث أن تصرفات الأطراف في الأشهر الأخيرة لم تواز الجهود التي بذلتها الإدارة في الأشهر الثمانية الأخيرة". وفي السياق ذاته، صرح الوزير كيري أثناء زيارته للمغرب "أن على الولايات المتحدة أن تدرس مجددا كل ما يتعلق بالعملية السلمية والمساهمة الأمريكية فيها، توجد العديد من القضايا العالمية المطروحة على الطاولة، وان هناك حدودا للجهد وللوقت الذي يجب استثماره، طالما أن الأطراف ليست على استعداد لاتخاذ خطوات ايجابية تمكننا من السير قدما بالعملية". وكانت تقارير صادرة عن مقربين من كيري قد ذكرت أنه "آن الأوان لقول كفى بعد أن استثمر كيري جهودا مضاعفة في الشرق الأوسط على حساب العديد من القضايا المشتعلة في عدة أنحاء من العالم، وان عليه أن يخفف من الموجة لنرى كيف ستسير الأمور". أوهام إسرائيلية في نطاق الأوهام الإسرائيلية بإمكانية عكس التطورات المعززة للموقف الفلسطيني، كتب رون بن يشاي المحرر السياسي والعسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" على موقعها الالكتروني مقالا استعرض فيه ثلاثة أسباب يرى فيها انه تقف وراء إتخاذ الفلسطينيين المواقف التي وصفها ب "المتطرفة" في أعقاب الأزمة التي نشبت في المفاوضات. ويرى بن يشاي ان اول هذه الاسباب يعود لغضبب الفلسطينيين المبرر من خرق إسرائيل لتعهداتها بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، بالإضافة إلى إعلان إسرائيل في ذات الوقت عن تجديد عطاءات سابقة لبناء أكثر من 700 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جبل أبو غنيم في القدس. ويشير الكاتب الإسرئيلي إلى انه على الرغم من عدم تعهد إسرائيل العلني بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من داخل الخط الأخضر يحملون الهوية الإسرائيلية، إلا أنها تعهدت فعلا بالإفراج عن قدامي الأسرى من الفلسطينيين على 4 دفعات. وحسب يشاي فإن السبب الثاني ل "التطرف" الفلسطيني هو الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي. أما السبب الثالث الذي يراه بين يشاي ل "تطرف" مواقف الفلسطينيين الأخيرة فهو الشعور المبالغ فيه بالقوة من قبل الجانب الفلسطينيين، او بالأحرى "القوة الكاذبة" حسبما وصفها الكاتب، حيث رأت السلطة الفلسطينية الضربة التي وقعت على رأس نتنياهو والأمريكيين نتيجة الإعلان عن قرار أبو مازن بالانضمام إلى 15 من المعاهدات والقوانين الدولية، فاستخلص الفلسطينيون العبرة من ذلك "وتقدموا بعد مرور اقل من 24 ساعة على الأزمة بمطالب أكثر تطرفا". واضاف بن يشاي ان ما اسماه "القوة الكاذبة" لدى الفلسطينيين نبعت من المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من توجه الفلسطينيين للمنظمات الدولية، والتي من شأنها ان تؤدي لإعتراف احادي الجانب بفلسطين دولة على حدود العام 67، حيث اقنع الفلسطينيون انفسهم انهم بذلك وجدوا الرافعة التي ستجبر اسرائيل وتقنع المجتمع الدولي للخضوع، مثلما حدث مع سلطة البيض في جنوب افريقيا. وكتب بن يشاي في ختام مقاله "طالما لم توضح الولايات المتحدة وإسرائيل للفلسطينيين أن القوة الكاذبة التي أظهروها وهمية، ولا تستند إلى أي أساس حقيقي، فإنه من غير الممكن الحديث عن تجديد المفاوضات بين الطرفين. وحتى وان حدث ذلك فإنه لن يؤدي إلى أي نتيجة". تغير شروط المفاوضات في رد على المناورات الصهيوأمريكية، أعلن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه لوكالة الصحافة الفرنسية، يوم الخميس 3 أبريل، ان الغاء إسرائيل الإفراج عن آخر دفعة من الأسرى الفلسطينيين يظهر أن "شروط أي مفاوضات مقبلة معها يجب أن تتغير جذريا". حيث أن "إسرائيل اعتادت على التنصل من الاتفاقات والتفاهمات الموقعة معها، لهذا السبب فان شروط أي مفاوضات مقبلة إن حصلت يجب أن تتغير جذريا" منددا ب"سياسة الابتزاز والضغوط المستمرة" من جانب اسرائيل. واضاف ان "اسرائيل تريد كسب الوقت بمفاوضات غير مجدية وبدون أسس من أجل استخدامها لمزيد من التوسع الاستيطاني لكن هذه السياسة لن تجدي نفعا معنا من الآن فصاعدا، ولن تجدي نفعا مع العالم الذي كشف حقيقة المواقف الإسرائيلية الرافضة للسلام". سياسة تقوم على المصالح السياسة الأمريكية الدولية تقوم على مصالح أهمها تعزيز مكانتها العالمية بما يحفظ لها الريادة في قيادة العالم، بحيث تحافظ على بقاء أمريكا القطب الواحد مهيمنا على السياسة والاقتصاد العالمي، والإبقاء على حالة التفوق العسكري بتطوير أنظمة دفاعية وعسكرية تضمن لها السيطرة وتعمل على تحييد القدرات العسكرية للدول الكبرى الأخرى في العالم. أن حقيقة الأمر هي أن الاستراتيجيات العليا للدول لا تتغير بتغير الإدارات المنتخبة، وإنما تحكمها المصالح الاستراتيجية العليا والدور العالمي. فأوباما الرئيس شأنه شأن شاغلي البيت الأبيض من قبله، مختلفون في طباعهم وأساليبهم في إدارة الأمور والأزمات والاهتمامات، إلا أن المصالح العليا مستقرة ومحددة إلى حد كبير وفي مقدمتها المحافظة على أمن الكيان الصهيوني ووجوده وتفوقه في مختلف المجالات، باعتباره القاعدة الغربية المتقدمة في الشرق الأوسط. مصالح الولايات المتحدة محددة بغض النظر عمن يشغل المقعد الكبير. والأمر هذا يسري أيضا على بقية دول العالم الأخرى التي تتعامل معها واشنطن. يقول صاحب نظرية "رييل بوليتيك" السياسة الواقعية هنري كيسنغر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الذي يعتبره المحافظون في واشنطن أحد عباقرة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة وفي العالم: "في الأزمات الفاصلة يكون الأكثر جرأة هو الأكثر أمانا في أغلب الأحيان، والدبلوماسية هي فن تقييد القوة". عمر نجيب [email protected]