المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية بين وعد الله ووعود البشر ؟


(1)
عندما أرى أطفال غزة يموتون بسبب نقص الطاقة لتشغيل مستشفيات القطاع، وعندما أرى الضفة الغربية المحتلة تموت بشكل بطيء بفعل الاحتلال الإسرائيلي وعجز سلطة أوسلو، وعندما أرى القدس تُهَوَّد أمام سمع وبصر العالم عربا وعجما، وحينما أتابع الاحداث التي تتسارع بشكل مذهل على الساحة الفلسطينية والشرق أوسطية والدولية في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بكل ملفاتها وفي قلبها القدس والاقصى (صفقة القرن كنموذج)، أزداد قناعة بأن مستقبل هذه المنطقة من العالم لن تقرره أمريكا ولا إسرائيل ولا روسيا ولا الصين، كما لن يقرره النظام العربي والإسلامي الرسمي، وأكاد أقول لن تقرره الشعوب العربية والإسلامية.. الذي سيقرر مصير المنطقة وفي قلبها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك هو الله.. الله وحده، وهو وحده الذي سيهيئ الأسباب المادية والبشرية لتحقيق مشيئته في هذا الشأن، مصداقا لقوله تعالى:
( إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ..
الظلم الذي يقع على الفلسطينيين بسبب الاحتلال الإسرائيلي والتآمر الأمريكي والسكوت الأوروبي والتخاذل العربي – الإسلامي، دفع بالملايين من احرار العالم الى التحرك ورفع الصوت عاليا والمطالبة بوقف النزيف الفلسطيني المستمر منذ نحو مائة عام، بما في ذلك قطاعات واسعة من اليهود المتدينين داخل إسرائيل وخارجها المعادين للصهيونية وغير المعترفين صراحة بشرعية وجودها لأسبابهم الدينية المحضة، إضافة إلى عدد لا يستهان به من المفكرين والمؤرخين الإسرائيليين من العلمانيين (طبقة المؤرخين الجدد خصوصا كبيني موريس و ايلان بابي و افي شلايم و توم سيغف وغيرهم كثير كنموذج) الذين باتوا يشككون بشكل صريح وجريء بالرواية الإسرائيلية وذلك بعد دراسة معمقة للواقع الإسرائيلي بعد مرور عقود من الزمن على قيام إسرائيل، واخذوا ينحازون بشكل أقوى للرواية الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية وما يغذيها من مدارس فكرية وايدولوجية متطرفة وعنصرية مسمومة.
في كتابه "المناهضة اليهودية للصهيونية"، يشير الكاتب بروفسور يعقوف رافكن إلى "أن مؤرخي الصهيونية يؤكدون على أنهم لم يأتوا من وسط ديني تقليدي، بل إنهم نتاج الثقافة الأوروبية، وهم يبحثون عن تقرير مصيرهم وهويتهم وحريتهم في نطاق مفاهيم الثقافة الأوروبية التي نشأت بعد سنة 1789 وكذلك عن ضميرهم القومي."..
وأشار أيضا إلى "أن الصهيونية إنما جاءت مستجيبة للتحديات الليبرالية والقومية أكثر مما هي ردة فعل على معاداة السامية المحيطة، بدليل أنها لم تتمكن من الظهور قبل الثورة الفرنسية رغم الاضطهاد الشديد والمتواصل على مدى القرون السابقة، فهي الانقطاع الأكثر جذرية في تاريخ اليهود".
في مقابل ذلك يشير الكاتب إلى "إن مناهضي الصهيونية يحتقرون مفاهيم اليهودية القومية، ومن أهم خصوم هذه الفكرة الحاخام إسرائيل دومب الذي فقد عددا من أفراد من عائلته في المحرقة، وقد هاجر إلى إسرائيل عام 1950، وهو يؤكد أن اليهود ليسوا جماعة عرقية، وأن ما يربطهم هو العهد المقدس وليس العوامل السياسية أو العسكرية، فليس هناك أمة يهودية، ويجب على اليهود المساهمة في تطور الإنسانية والاندماج في الأمم التي هم من مواطنيها، وعليهم أن يوجهوا نضالهم من أجل خير الجميع".
نظرية (رافكين) في كتابه تتخلص في دعوته شعوب العالم الى التمييز بين دولة إسرائيل التي لا تمثل في رأيه قيم اليهودية بحال من الأحوال، بل يعتبرها (الحالة المضادة / الأنتي تيزا) لليهودية كما يفهما، وبين اليهود، ويذهب في ذلك إلى حد اعتبار إسرائيل تهديدا وجوديا لليهود واليهودية. لذلك يقر (رافكين) بان هنالك قناع راسخة في أوساط الكثير من اليهود ان الصهيونية في جوهرها عنصرية قبل عقود من اعتراف الأمم المتحدة بذلك في العام 1975.
(2)
نفخ هذا الحراك على الساحة اليهودية داخل إسرائيل وخارجها روحا جديدة خرجت من عباءتها حركات في أمريكا ( جي ستريت / J Street) وفي أوروبا (جي كول / JCall) وغيرها، بدأت تتحدى بشكل غير مسبوق سياسات الحكومات الإسرائيلية من جهة، وسياسات المنظمات اليهودية (اللوبيات الصهيونية كمنظمة ايباك الامريكية) المنحازة لإسرائيل بشكل اعمى من جهة أخرى.
غايتي من هذا المدخل بين يدي مقالي هذا هي الإشارة إلى أننا لسنا وحيدين في هذا العالم الذين نتحدث عن عنصرية إسرائيل على المستويين الفكري والايديولوجي والعملي، والتي لا يمكن إلا ان تدفع بإسرائيل يوما إلى مواجهة مصيرها إذا لم تغير توجهاتها جذريا تجاه الحق الفلسطيني والعربي، وإنما يشاركنا في ذلك الملايين ربما من احرار العالم ممن يرون في إسرائيل دولة مارقة آن الأوان للجمها ووقفها عند حدها حماية للإنسان من حيث هو إنسان، وحماية للأمن والاستقرار الدوليين اللذين هما صمام الأمان لسعادة الانسان وأمنه..
اطلعت مؤخرا على مقالة أشبه بتحقيق صحفي نشرته جريدة (معاريف) الإسرائيلية بتاريخ 26.1.2017 للكاتب الصحفي (أودي سيجل)، يعزز التوجه الذي ذكرته آنفا. جاء هذا المقال بعد أيام من خطاب نائب الرئيس الأمريكي (مايك بينس) امام الكنيست والذي أدى إلى حالة من (السكر والهيام) في أوساط اليمين الإسرائيلي وحكومة نتنياهو. جاء هذا المقال ليشكل صدمة لهؤلاء الحالمين بأن الواقع بعيد عن الصورة التي يتخيلون، وان الطريق الذي اختاروه إنما هو نفق مظلم ينتهي بمنحدر سحيق لا امل لمن يقع فيه بالحياة!
الغريب أن احدا لم يشرح لعموم اليهود في إسرائيل وهم يشعرون بالنشوة من خطاب (بينس) الطبيعة الحقيقية لعقيدته الإنجيلية والتي تقول بأن على جميع اليهود أن يتجمعوا في "أرض إسرائيل!!" من اجل ان يعود يسوع المخلص الذي سيفرض عليهم المسيحية. تقول عقيدة (بينس) الانجيلية أن اليهود الذين سيرفضون اعتناق المسيحية سيتم ذبحهم وإبادتهم. هذه هي البشرى التي يزفها الى الشعب اليهودي في عكر داره. هذه هي الحقيقة التي يصر نتنياهو وحلفاؤه من اليمين على ألا تراها الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين، وهذا محزن جدا!
المقال يحاول ان يثبت بالأدلة والبراهين ان على المجتمع الغربي عموما وعلى أمريكا وإسرائيل خصوصا ان يعترفوا بأن الإسلام قادم (الإمبراطورية الإسلامية)، وانه لا خيار امام العالم الغربي إلا ان يُسَلِّمَ بهذه الحتمية وان يعد العدة للتعامل والتعاون مع الإسلام القادم خدمة للإنسانية، وأن أي خيار آخر لن يؤدي إلى اختفاء الإسلام الذي سيفرض نفسه رضي الغرب أم أبى، وإنما سيؤدي إلى نتائج وخيمة لا يمكن إصلاحها سيكون الغرب اولى ضحاياها.
يشير الكاتب إلى ان اليمين واليسار الإسرائيليين يعيشان حالة من (حلم اليقظة) وذلك من خلال قناعتهما بان العلمانيين العرب الذي يحكمون العامل العربي والإسلامي اليوم سيكونون عنوان المرحلة القادمة، وان إسرائيل ستصل مع هؤلاء الى حلول تؤسس لتحالف إسرائيلي – عربي – إسلامي (على مستوى الأنظمة طبعا)، يؤسس لشراكة مثمرة تخدم المصالح الإسرائيلية وتتعامل معها بإيجابية، وتخدم الاستقرار والامن في المنطقة والعالم واللذين سيفتحان الباب واسعا امام إسرائيل عضوا طبيعيا في خريطة المنطقة، وتقف بقوة في وجه (الظلاميين الإسلاميين)!
يُسَفِّهُ (سيجال) هذا التوجه اليميني من خلال ما ينقله عن البروفيسور الإسرائيلي تسفي سيفر (צבי סבר) استاذ الدراسات الأفريقية في جامعة انديانا بوليس الأمريكية، من هذا الوهم الذي يعيشه اليمين واليسار الإسرائيلي قد ولى ولن يعود، وانه أصبح جزءا من التاريخ، وعليه فلا بد من الاعتراف بالحقيقة والبحث عن العنوان الحقيقي الذي بيده تغيير الواقع وتحديد بوصلة المستقبل. هذه العنوان حسب (سيفر) هم الإسلاميون وبالذات حماس.
يذكر (سيجل) أن بروفسور (سيفر) تحدث قبل 24 عاما حول رؤيته للحل في الشرق والاوسط اعتُبِرَتْ في حينه غريبة ومريبة، لكنها اليوم تعتبر من النبوءات التي تحققت بالكامل ضد كل التوقعات. يقول: بعد مقتل يتسحاق رابين مباشرة قال بروفسور (سفير) ذلك لشمعون بيرس وكتب عن ذلك مرة أخرى في العام 2007 وفي العام 2011 . قال في حينه ان على إسرائيل ان تستعد لقيام امبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط، وأن "على إسرائيل ان تبدأ بالمفاوضات مع الإسلاميين لضمان الحصول على حكم ذاتي يهودي – إسرائيلي داخل حدود الدولة الإسلامية الجديدة".
"هذا يعني ان تبدا إسرائيل بمفاوضات الاستسلام (وليس السلام) فورا"، يقول (سيفر) ل (سيجال) .. سيجال يبدو مصدوما، الا أن (سيفر) يقول له مبتسما: " انا أرى في ذلك واقعية امام قوة وواقع جديد لا يمكن تغييرهما) .. سيفر اكد لسيجال أنه يتحدث في هذا الموضوع منذ سنوات، ويحاول ان يجري نقاشا موضوعيا حول نظريته، وسيستمر في محاولاته.
يعرض (سيجال) في مقاله لفصول كثيرة من نظرية بروفسور (سيفر) يبدأها بمراحل تشكيل الإمبراطورية الإسلامية والتي تبدأ بكيانات إسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية، تتوحد لتبدأ بالتدريج عملية إزالة الحدود التي رسمتها سايكس – بيكو تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية والواحدة والموحدة..
أما أمريكا فيتوقع (سيفر) أنها ستضطر أمام الواقع الجديد الذي ستفقد السيطرة عليه إلى إعادة النظر في سياساتها القديمة القائمة على السيطرة والتحكم وتوجيه دول العالم حسب بوصلتها ومصالحها، حيث ستضطر إلى الانسحاب من الساحة الدولية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، والانكفاء على نفسها والعمل على خلق علاقات حسن جوار مع الإمبراطورية الإسلامية الناشئة.
لإسرائيل (حسب سيجال) أيضا في نظرية (سيفر) مكان، إذ يؤكد على أنه لن يكون للإسرائيليين أي تأثير ذي بال على مجريات الأمور عموما وعلى الحدث الأكثر أهمية في القرن ال – 21 خصوصا، يعني إقامة الدولة الإسلامية، الا انه ينصح إسرائيل بأن تعيد النظر في سياساتها بناء على التطورات الحتمية المستقبلية والتي من الضروري ان يجد الإسرائيليون لهم مكانا في إطارها ولو اضطروا لدفع ثمن غال في سبيل ذلك.
يعتقد (سيفر) أنه ووفقا لما أسماها (نظرية التحام الأجزاء المبعثرة) ستقوم دولة إسلامية عالمية. قائلا:" نصحت المسؤولين الإسرائيليين سابقًا، وها أنا أعود لنصيحتهم قبل أن يغلق شُباك الفرص".
يخلص (سيجال) إلى أن نتيجة مفادها أن كل ما توقعه (سيفر) قد وقع فعلا، وان ما نراه اليوم من تطورات متسارعة لا بد ان تُوَلِّدَ واقعا جديدا سيكون للإسلام والإسلاميين الدور شبه المنفرد في تشكيل صورته النهائية.
(3)
قد يرى البعض فيما قاله بروفسور (سيفر) خيالا او مؤامرة هدفها حشد المجتمع الدولي لتشديد حربه على الإسلام وحملة مشروعه الإصلاحي تحت شعار (محاربة الإرهاب) المضلل من خلال الترويج لخطر إسلامي قادم رغم ان هذا الخطر ليس اكثر من وِهْمٍ عشش في عقول الحاقدين على الإسلام منذ انطلاقة قطاره وحتى الان، الا ان متابعة الكم الهائل من التحليلات التي تأتي من العدد الكبير من المفكرين والمؤرخين من كل الجنسيات والخلفيات والعرقيات حول هذا الموضوع يكاد يجزم ان المنطقة تسير بشكل متسارع نحو هذه الحتمية التي لن تقف في وجهها أية قوة مهما بلغت في سطوتها أو قدرتها، لأنها جزء من سيرورة (تراكم كَمِّي) وصيرورة (تحول نوعي) تاريخيتين ترتكزان في منظورنا إلى فعل رباني هو جزء من منظومة سنن الله في الكون تدافعا وصراعا، وترتكزان في المنظور العلماني المجرد إلى قراءة تاريخية – اجتماعية – نفسية جيوسياسية تشير كلها إلى القدرة الكامنة في العالم العربي – الإسلامي الى استعادة موضعة نفسه على الخريطة العالمية كما نجح في ذلك على مدار اكثر من 1400 عاما حقق خلالها اعظم الإنجازات على المستويات السياسية والحضارية والمدنية.
الغرب يعرف هذه الحقيقة جيدا، إلا انه ضل الطريق الى التعامل معها كحتمية تفرض عليه التعامل معها باحترام على اعتبارها في النهاية حلقة من حلقات التنافس المشروع بين شعوب العالم وحضاراته لخدمة الإنسانية على قاعدة (التعاون والتعارف رغم التنوع والاختلاف) التي نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ..
فبدل أن يعترف الغرب بحق امتنا العربية والإسلامية في شق طريقها بحرية تامة أسوة بكل شعوب الأرض، والمساهمة في بناء المجتمع الإنساني كما فعلت في الماضي، سعى الغرب جاهدا لعرقلة هذا الحق وزرع الألغام والافخاخ والكمائن في طريقه بهدف تأجيل ميلاده الحتمي، فدفع الغرب وعالمنا العربي والإسلامي بسبب هذه السياسة الكيدية الغربية أبهظ الاثمان من الدماء والاشلاء والالام والمعاناة على مدى عقود من الزمن، وما يزال..
(4)
تعتبر فلسطين الساحة الرئيسية لهذا الصراع قديما (الحروب الصليبية)، وحديثا (الصراع العربي – الإسرائيلي)، والذي كان الإفراز المباشر لمنهجية الغرب في التعامل مع الشرق العربي والإسلامي، حيث جاءت "وثيقة كامبل بنرمان" (1907) والتي سنخصص لها مقالا خاصا في المستقبل، لتجسد خلاصة التفكير والتخطيط الغربي في حربه الضروس ضد وحدة العالم العربي والإسلامي وقدرته على الوقوف قويا كممثلٍّ لمصالحه العليا، وكحامٍ لأمنه القومي، وكمدافعٍ قويٍّ عن مصالحه الدينية والقومية والوطنية.
حتى يأتي وعد الله الذي لن يتخلف، يبقى السؤال: ما هو المطلوب من الفلسطينيين قيادة وشعبا تجاه قضيتهم في ظل هذه الظروف غير المسبوق في رداءتها وسلبيتها؟ اعتقد أن فريضة الوقت تقتضي: أولا، إنجاز الوحدة الوطنية، حيث ان التفريط فيها او تأجيلها بعد مشوار الالام الذي مرت فيه جهود المصالحة على مدار السنوات الماضية، نعتبره تفريطا خطيرا في واحد من الثوابت الفلسطينية الراسخة، لن يغفره التاريخ ولا الشعب الفلسطيني. ثانيا، الرفع الفوري للحصار الذي تفرضه السلطة الفلسطينية ومصر على قطاع غزة منذ اكثر من 10 سنوات، تمهيدا لرفع الحصار الإسرائيلي عنه. ثالثا، الدعوة الفورية لانعقاد المجلس التشريعي الفلسطيني الذي عطله أبو مازن منذ سنوات طويلة، ليأخذ دوره في تعزيز الوحدة الوطنية والتعبير عن الإرادة الشعبية في مواجهة الكنيست والكونغرس. رابعا، الشروع الفوري في بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج على أسس جديدة تتجاوز المحاصصة والمناكفة والاحتكار، وتفعيلها بما يخدم القضية الوطنية بعيدا عن الفصائلية والحزبية الضيقة. وخامسا، العمل الفوري على صياغة رؤية وطنية شاملة، يُشتق منها برنامج عمل يجمع الشعب الفلسطيني تحت مظلته ويوجه بوصلة النضال في الاتجاه الصحيح.
الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.