تناقلت بعض وسائل الإعلام الوطنية خبر تعديل قانون مهنة المحاماة رقم : 08-28 الصادر بتاريخ 20أكتوبر 2008 . متطرقة إلى بعض الجوانب المهمة التي سيشملها هدا التعديل خاصة تلك المتعلقة بشروط الولوج إليها كالشهادة الجامعية مثلا. هدا الخبر هو في حكم المؤكد .تأكيده يأتي من خلال المسودة القانونية المنشورة على الإنترنيت .فضلا عن لقاءات حصلت بين وزير العدل و رئيس جمعية هيئات المحامين . الذي يثير الإنتباه هنا ،هو وقت تعديل هدا القانون ، الذي جاء متزامنا مع العطلة القضائية ، التي يكون فيها جل المحامون في عطلة شبه رسمية. وعلى الرغم من أن الجمعية لها دور تمثيلي ،لكن الأمر يهمهم بشكل خاص . هدا طبعا أمر غير طبيعي و يبعث على الريبة و الشك .فكان من الواجب قبل المصادقة على هدا القانون،وإخراجه إلى حيز التنفيذ،أن تتم تنظيم ندوات دراسية ، يتم من خلالها أخد آراء واقتراحات جميع المحامين. بعدها، تقوم الجمعية بنقلها إلى الوزارة من أجل التعديل و الإضافة. فالجمعية ليست سوى ناطقة رسمية باسمهم . و هدا الأمر الغير طبيعي، قد يترتب عليه أثارا سلبية ،من شأنها أن تنتج قانون معوق ،لا يلبي حاجيات و متطلبات المحامي .تداركها لا يكون إلا بتعديل جديد بعد تدمر و سخط و تعثر كما هي العادة دائما . و هو الآمر الذي حدث للقانون الحالي الذي لا يتعدى عمره سبع سنوات فقط .ليبقى الأمر شبيه بداك الذي يدور في صدفة مفرغة . إن ما يجب علينا أن نفهمه و نعيه جيدا ،أن تعديل القوانين ليس أمرا سهلا أو هو مجرد نزوة أو لهو يتم بجرة قلم .كلا . إن دلك لمن الأمور التي تتقرر بواسطتها مصائر الأمم.وبها تعز أو تدل . فدلك يتطلب دراسة طويلة . و أخد آراء جميع المعنيين المشتغلين وسط دلك المجال الذي ينظمه دلك القانون المراد تعديله .إد أنهم الوحيدين الدين يعرفون المشاكل التي تعرقل عملهم. لكن لدينا في المغرب، الأمر مختلف تماما .فالمسودات تدون في مكاتب مكيفة ،في تغييب تام للمعنيين بالأمر .ثم تنقل مباشرة إلى البرلمان الذي يصوت عليها من دون أدنى تمحيص أو تدقيق. و هدا ما يجعل القوانين تصدر مخالفة تماما لما هو موجود على أرض الواقع .عكس تطلعات المعنيين بها .مما يجعل البلد لا تتزحزح قيد أنملة و يدور في حلقة مفرغة بين التعديلات الكثيرة الغير مجدية .و الذي يدفع الثمن غاليا المواطن أولا و أخيرا. فبالإضافة إلى النقطة المثارة سابقا و المتعلقة بالشهادة الجامعية ،هناك العديد من النقط المهمة في هدا القانون، التي يجب الإشارة إليها و تعديلها هي الأخرى .لكن حسب ما يبدو من خلال المسودة، ليس هناك أي شيء يذكر من هدا. و من هده النقط نجد دسترة المهنة كما هو موجود في دولة تونس ،و الدسترة تعني الحماية التامة للمحامي .و حينما نتكلم عن حماية المحامي فإننا نتلكم عن حماية المتقاضي بصفة خاصة و المواطن بصفة عامة .و هدا نابع من الدور الهام الذي يقوم به المحامي في الدفاع عن الحقوق و المصالح .فما الفرق بين القضاء و الدفاع ؟ تسهيل عمل المحامي لدى المؤسسات العمومية بمناسبة عمله. من خلال أخد المعلومة التي يصعب في الوقت الراهن أخدها .خاصة إدا أخدنا بعين الإعتبار، المقتضى القانوني الذي يلزمه بعدم إفشاء السر المهني . تمكينه من سلطة تكون موازية لتلك التي تمتلكها النيابة العامة .فهده تدافع عن الدولة و هو يدافع عن الفرد. و الفرد جزء من المجتمع .فعدم حضور المحامي مثلا ،بجانب موكله في جميع أطوار القضية من يوم اعتقاله إلى يوم تقديمه أمام المحكمة يعتبر تقزيم لدوره . و يعرض حرية الفرد للخطر . و نتائج هدا المقتضى نلمسها على أرض الواقع من خلال الشطط الذي يتعرض له المواطن في كل مرة و حين . إلغاء جميع المقتضيات القانونية التي تقيد من حريته أثناء مرافعته .فكثيرا ما نراه يتعرض لمضايقات و في البعض الأحيان إلى تهديدات بواسطة تقارير تتحول إلى تهم خطيرة . قد تؤدي به في نهاية الامر إلى الإعتقال . ثم النقطة المهمة أو التي ثم اعتبارها مهمة و المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة التي تقول : أن يكون "المترشح" حاصلا على شهادة الإجازة في العلوم القانونية من إحدى كليات الحقوق المغربية أو شهادة من كلية للحقوق معترف بمعادلتها لها . و ما يوجد في مسودة القانون التي تنتظر الموافقة عليها،يتطلب في المترشح أن يكون حاصلا على شهادة الماستر على الأقل من إحدى كليات الحقوق ،و أن لا يتجاوز سنه خمسة و أربعين سنة . فالتغيير الذي سيأتي به التعديل حسب ما يظهر،أن شهادة الإجازة ستستبدل بشهادة الماستر . هدا التعديل في هده النقطة بالذات وراءه دوافع وأسباب كثيرة . فحسب إحصائيات لوزارة العدل المغربية لسنة 2014 المنشورة في موقعها الرسمي على الأنترنيت،عدد المحامين بالمغرب هو 11303 محامي .عدد كبير طبعا و في تزايد مستمر. الدولة واعية أن مهنة المحاماة حرة و مستقلة على الأقل ماديا عن خزينة الدولة . وهدا ما يجعلها في كل سنة تقريبا تعلن عن مباراة لاجتياز مهنة المحاماة .و السبب في دلك لا يحتاج إلى الكثير من التفكير .فبكل بساطة هدا الإجراء تبغي به ،تخفيف الضغط الكبير الممارس عليها من قبل المطالبين بالحق في الشغل و ما أكثرهم. لكن مع مرور الوقت سيصبح الرقم فلكيا . و سيصبح المحامي أنداك في حالة عطالة . جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، التي تعتبر لسان كل محامو المغرب . تعي جيدا الخطر القادم . و اقتراح شهادة الماستر أو الموافقة عليه كشرط الولوج الى المهنة،غالب الظن هو آلة لإطفاء الحريق الذي قد يشتعل يوما ما . ربما هدا الشرط قد يكون في غير صالح أبناء الشعب الدين لم تسعفهم الظروف لمواصلة دراستهم .فهم بين نارين .نار المنظومة التعليمية المعقدة ،و نار صعوبة الولوج إلى سوق العمل . لكن الدولة باعتبارها المكلفة بضمان الشغل لكل المغاربة ،عليها -و المسؤولية تبقى على عاقتها -، أن تجد الحل لهاته المعضلة .و الحلول من طبيعة متعددة و كثيرة . العديد من القضايا إلزامية المحامي فيها غير ضروري. بما فيها المؤسسات العمومية و الشبه عمومية.مما يجعل مجالات اشتغال المحامي ضيقة إلى أقصى حد.فالدولة حينما تكون طرفا في الدعوى ، تستعيض عنه بما يسمى بالمفوض القضائي للملكة . الذي يعتبر حضوره أمام المحاكم مجرد زينة لا أقل و لا أكثر . دلك أنه يفتقر لأبسط أبجديات التقاضي و يخلط بين الأمور في مدكراته التي يدلي بها أمام القضاء. و إدا ما غيرت الدولة من منهجيتها هده ،و جعلت إلزامية المحامي في جميع القضايا ، فمن المؤكد سيتسع مجال اشتغال المحامي . آنذاك حتى لو ارتفع العدد،فإنه لا يشكل أدنى خطر على مهنة المحاماة . والتضييق من مجال اشتغال المحامي انتقل من الرسمية إلى غير الرسمية . ففي الوقت الحالي تكاثر العديد من الدخلاء على عمل مهنة المحاماة .الدين يدعون معرفتهم للعمل القانوني،على الرغم من أنهم بعيدون كل البعد عن إلمامهم بمهنة الترافع و الدفاع . يفتحون مكاتب . يعلقون عليها لوحات مدبجة بعبارات غليظة رنانة .تغري المتقاضي . الذي يتفاجأ من بعد ما تضيع حقوقه . أنه كان ضحية غبن و سذاجة .ليجد نفسه مضطرا للجوء إلى محامي الدي يجد نفسه هو الآخر ،أمام قضية أضحت صعبة على المعالجة.بعدما طالتها الأيادي الغير المتخصصة . فرغم وجود بعض الفصول القانونية التي تجرم مثل هاته الأعمال ،إلا أن هناك تساهل كبير ،إضافة إلى ضعف الدولة في توجيه المتقاضين ، و السماح و لو عن غير قصد باستفحال مثل هاته الظواهر التي تعرقل عمل المحاكم بالدرجة الأولى و تقلص من مجالات اشتغال المحامي. في القانون الحالي -و هده النقطة قد شغلت الرأي العام و لمس مساوئها- يسمح أن يلج إلى مهنة المحاماة -التي تتطلب جهدا بدنيا و فكريا-، أشخاص بلغوا من العمر عتيا ،و هدا أمر غير مقبول و يتنافى و المنطق سليم . أشخاص بلغوا سن التقاعد أي عمرهم ناهز السبعة عقود إلا قليلا . مادا يمكن أن تنتظر منهم، أن يعطوا لمهنة تتطلب الكثير الكثير من الحزم و القوة الجسدية و الفكرية .؟ ثم إن مهنة المحاماة تعتبر من بين المهن المعقدة . فهمها وضبطها يتطلب ممارسة طويلة واحتكاك مستمر و مواكبة دائمة . مهنة تعتمد في كل حركاتها و سكناتها ،على قوانين غير مكتوبة أو ما يسمى لدى أصحاب البذلة السوداء ذات ربطة العنق البيضاء ،بالأعراف و التقاليد . و هده الأخيرة لا يمكن أن تضبط إلا إن نقشت في صميم الأعماق بمداد طري غير متكلس . فالسماح للموظفين سواء أكانوا قضاة أو رجال تعليم أو …بالولوج إلى مهنة المحاماة دون تحديد سن قانوني معين ، و من دون حتى إلزامهم بفترة التمرين ،هو أمر ليس في مصلحة مهنة المحاماة و لا في مصلحة المتقاضين. وما نراه اليوم من تجاوزات شتى ، يقوم بها هؤلاء ،هو دليل على عدم فعالية هدا المقتضى القانوني .. صحيح أنه يقال عنها و بحق أنها مهنة الملوك . الحرية و الإستقلالية لا يقدران بثمن .لكن هدا الوصف يتطلب توافر شروط خاصة و قوانين تكون في مستوى هده التطلعات. و توفير هده الشروط و معرفتها أولا ،لا يتم إلا بتضافر الجهود و إفساح المجال أمام جميع المعيين من أجل إبداء آراهم و مقترحاتهم .و اخدها بعين الإعتبار . فتوفير هامش كبير للعمل و التخلص مما قد يعيقه ، هو ما يمكن أن يضمن الحرية والإستقلالية في العمل و الرقي . وعدا دلك فهدا الوصف لا ينطبق عليها تماما . *محام بهيئة القنيطرة