وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" بالناظور    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    أخنوش يمثل جلالة الملك في جنازة البابا فرانسوا    دول الساحل تعلن دعمها الكامل للمغرب وتثمن مبادرة "الرباط – الأطلسي" الاستراتيجية    مجلس جهة طنجة يشارك في المعرض الدولي للفلاحة لتسليط الضوء على تحديات الماء والتنمية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    جريمة قتل جديدة في ابن أحمد    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    وليد الركراكي: نهجنا التواصل وعرض مشاريعنا على اللاعبين مزدوجي الجنسية... نحترم قراراتهم    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محامون أجانب يرافعون في محاكم المغرب
تتزايد أعدادهم مع تزايد عدد مكاتب الاستشارة القانونية
نشر في المساء يوم 25 - 05 - 2012

في منتصف شهر نونبر من العام الماضي، وقفت محامية مغربية مقيمة في تونس في قاعة الدائرة الجنحية للمحكمة الابتدائية
في تونس العاصمة مدافعة عن مشجعين وداديين، تم اعتقالهم في مطار قرطاج مباشرة بعد انتهاء مباراة لكرة القدم جمعت «الترجي» ب«الوداد». كانت المحامية المغربية، المنتمية إلى هيئة المحامين في تونس، تحاول تبرئة الشبان التسعة الواقفين وراء القضبان، بعد أن انتدبتها سفارة المغرب في هذا البلد للقيام بهذه المهمة واستطاعت، رغم خطورة الموقف، انتزاع سراح لهؤلاء الشبان وإنهاء «إجازتهم» في أحد سجون الضاحية الجنوبية للعاصمة.
المحامية المغربية تدعى خديجة بولعراس، متزوجة من مواطن تونسي وتعمل، منذ سنوات، ضمن سلك المحاماة في العاصمة التونسية، على غرار كثير من المحامين الأجانب الذين يترافعون يوميا أمام القضاء التونسي، بعد أن سافرت «كسرة الخبز» إلى خارج الحدود.. وفي المغرب، يقوم مئات المحامين الأجانب بنفس المهمة، منذ أن أصبح من الصعب على المرء الدفاع بنفسه عن حقوقه.
الروبورطاج التالي يكشف جزءا من مهنة الدفاع عن الغير، في بلد الغير ويرصد ظروف اشتغال المحامي الأجنبي ومرافعاته المعارة أو الدائمة.
أجانب يفتحون مكاتب ثانوية في المغرب
في حي درب عمر في الدار البيضاء ووسط زحمة وصخب الباعة المستقرين والمتجولين، اختار محامٍ فرنسي الجنسية فتح مكتب في أكبر الشرايين التجارية في المغرب، في إطار تقريب المحاماة من المتقاضين، خاصة أن الرجل يختص في المنازعات ذات الطابع التجاري، لكنِْ حين تصعد درج المكتب، يصادفك محامون ومساعدون مغاربة، وحين تسأل عن المحامي، تكتشف أن دوره يقتصر على جلب زبناء فرنسيين أو مغاربة، بينما المرافعة مغربية طبعا، بعد أن يرسم لها خطة الطريق ويُعبّد المسالك القانونية القادرة على الوصول إلى العدالة. ولأن المغرب مرتبط تاريخيا باتفاقية قضائية مع فرنسا، فإن الفرنسيين يُشكّلون أغلبية المحامين الأجانب في محاكم المملكة، إذ يعتبر المحامي الفرنسي جون بول راسون مرجعية حقيقية في منظومة الدفاع، ليس فقط من خلال مذكراته، بل بمؤلفاته التي أصبحت مرجعا للمحامين، وما زال كثير من الذين اشتغلوا مع الرجل يذكرون مجهوداته الرامية إلى تنوير القضاء أكثر من الدفاع عن زبون مُفترَض.
كي يفتح محامٍ أجنبي مكتبا ثانويا في المغرب، عليه أولا أن يستند إلى اتفاقية تعاون قضائي بين المغرب وبلده ولا يمكنه فتح أكثرَ من مكتب داخل بلد واحد، فحسب المادة ال25 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، فإنه «لا يجوز أن يكون للمحامي أو للمحامين المتشاركين إلا مكتب واحد»، وهو شرط يرى كثير من المحامين عدم جدواه بالنسبة إلى المغاربة والأجانب على حد سواء، إذ يتساءلون عن المانع في فتح أكثرَ من مكتب في المغرب.
الحماية جسر لأول «اقتحام» أجنبي
في عهد الحماية، نسج المستعمر الفرنسي العديد من التشريعات الرامية إلى تقوية نفوذه في المغرب وتمكين الفرنسيين من كل الضمانات الضرورية كي يتعزز الحضور الاستعماري في هذا البلد، مقابل التضييق على حريات المغاربة، خاصة الحق في الدفاع. وحسب دراسة للمحامي جهاد أكرم، فإن ظهير 12 غشت 1913، المتعلق بالتنظيم القضائي، والذي لامس مهنة المحاماة، قد اشترط في المحامي أن يكون فرنسيا أو أجنبيا وأن يتوفر على شهادة فرنسية للإجازة في الحقوق وأن يكون النقيب من جنسية فرنسية. وتحدث إميل لارشي، في كتابه «المدونات المغربية»، عن هذا القانون واعتبره مولودا «مُعاقاً»، لافتقاره إلى شرط مبدأ الاستقلالية.
وقد «انتفض» المحامون المغاربة ضد قوانين على مقاس المستعمر، وسُجِّلت أولى الاحتجاجات في تاريخ المحاماة استياء من قوانين اعتُبرت بمثابة استعمار «قانوني»، ولم يتمَّ التصدي لهذه التشريعات إلا مع بزوغ فجر الاستقلال، حيث توسعت دائرة المحامين المغاربة، وإن كانوا قد شربوا القوانين من ثدي القوانين الفرنسية.
العولمة تخترق عالم المحاماة
بعد إقبال المستثمرين على المغرب وظهور مقاولات أجنبية، ازداد نشاط المحامين الأجانب المقيمين في المغرب أو الذين يرافعون باستمرار أمام المحاكم المغربية. وتملك سفارات الدول المرتبطة مع المغرب بمعاهدات عناوينَ محامين اعتادوا الدفاع عن مصالح المستثمرين الأجانب، لأن العدالة هي عامل جلب للاستثمار والمستثمرين، وأغلب المقاولات الأجنبية التي اختارت الاستقرار في المغرب تُشغّل ضمن طاقمها مستشارين قانونيين، أغلبهم محامون أجانب فضّلوا مرافقة موكليهم، ومنهم من يفتحون مكتبا ثانويا في المغرب يتحول، مع مرور الأيام، إلى مكتب رئيسي. وحسب جهاد، فإن «هؤلاء المحامين الأجانب الوافدين على الوسط المهني المغربي تواجههم نفس المعوقات والمشاكل التي تعترض طريق المغاربة الذين يرغبون في نقل نشاطهم إلى الخارج، فهم أيضا لم يألفوا التعامل مع النظام القانوني المغربي ولا يتقنون اللغة العربية، وهي اللغة الرسمية أمام القضاء المغربي، ولا يمكنهم بالتالي الاستقلال في الممارسة عن المهنيين المغاربة».
ويرى كثير من المفكرين أن نقطة الضعف في المقاولة الأجنبية المستقرة في المغرب يتجلى في خضوعها لضوابط وشروط المقاولات المغربية، فيما ينفي كثيرون هذا المعطى ويعتبرونه نقطة قوة للمستثمر، خاصة أن الكثير من الدول تحاول تمتيع المستثمر الأجنبي بامتيازات لتشجيع الاستثمار ودعم الاقتصاد. ومن هذا المنطلق، نلاحظ أن أغلب الشركات متععدة الجنسيات تُفضّل الاعتماد في تدبيبر منازعاتها على مكاتب استشارة قانونية بدل التعامل مع محامين مغاربة، مما يؤثر سلبا على القطاع. ويرى المحامي المغربي عبد اللطيف عجابة أن مكاتب المستشارين القانونيين ومكاتب المنازعات القانونية قد استقطبت العديد من المحامين الأجانب وأن الضرورة تقتضي ضبط انتشارها والتقيد بشروط ولوج المهنة.
الاتفاقيات القضائية تلغي شرط الجنسية
رغم أن المشرع المغربي اعتبر الجنسية المغربية شرطا لممارسة المهنة، فإنه بمقتضى المادة ال5 من القانون المنظم لمهنة المحاماة تعد الجنسية المغربية أحد الشروط الواجب توفرها في المرشح لمزاولة هذه المهنة، ولكنه أقر استثناء لهذا الشرط بموجب المادتين ال5 وال18 من القانون المذكور، عندما أباحت المادة الأولى الترشيح لمزاولة المهنة ل«رعايا الدول التي أبرمت مع المغرب اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى، ثم عندما قررت المادة الثانية، في فقرتها الرابعة، إعفاء قدماء المحامين الذين سبق تقييدهم مدة 5 سنوات، على الأقل، بدون انقطاع في جدول هيئة أو عدة هيآت للمحامين في إحدى الدول التي أبرمت مع المغرب اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى».
ويرتبط المغرب بالعديد من الاتفاقيات القضائية التي تبيح لمحامين أجانبَ حق الترافع أمام محاكم المملكة، ومن أقدم الاتفاقيات تلك المبرمة مع فرنسا سنة 1957، والتي خضعت لتعديل طفيف سنة 1965 عقب صدور قانون توحيد المحاكم. وألحق بهذا التعديل بروتوكول خاص بالمهن القانونية والقضائية، وقع بشأن تفسير بعض مقتضياته تبادل مذكرات بين الدولتين في كل من 23 دجنبر 1968 (المغرب) و5 أبريل 1969 (فرنسا) حيث كان الفرنسيون يسعون إلى انتزاع قانون يُمكّنهم من ممارسة مهنة المحاماة في المغرب دون الحاجة إلى حصولهم على شهادة الأهلية ودون الحاجة إلى قضاء فترة التمرين، مع ما يترتب عن هذا الأمر من استخفاف بالقضاء المغربي.
وهناك اتفاقيات قضائية بين المغرب ودول أخرى كإسابنيا، والتي ترجع إلى فبراير من سنة 1957، وبين المغرب والجزائر، وفق اتفاقية 15 مارس 1963، وأيضا الاتفاق الملحق بها المؤرخ في 15 يناير 1969 والمصادق عليه بمقتضى ظهير 14 أبريل 1969. وبين المغرب وتونس، هناك اتفاقية يعود تاريخها إلى 9 دجنبر 1964، المُصادَق عليها بمقتضى مرسوم ملكي مؤرخ في 3 يونيو 1966. ويمكن لمجلس هيئة المحامين أن يضم محامين أجانب ترتبط بلدانُهم باتفاقيات قضائية مع المغرب. ويرتبط المغرب باتفاقية التعاون القضائي العربي أو ما يعرف باتفاقية الرياض لسنة 1983، وباتفاقيات دولية، بل إن محاكم المغرب طالما شهد حضور محامين أجانب للدفاع عن قضايا تتعلق بحقوق الإنسان والإرهاب، كما هو الحال في محاكمة عادل العثماني، المتهم بتفجير مقهى «أركانة»، إذ قد حضر محاميان من فرنسا لمؤازرة ضحايا أجانب، أو في قضية الصحافي رشيد نيني وغيره من معتقلي الرأي.
محامٍ أجنبي ومرافعة بلغة البلد
إن الترافع أمام المحاكم المغربية لا يمكن أن يتم إلا باللغة العربية، وهو ما يجعل المرافعات مقتصرة على المغاربة والعرب، بينما لا يمكن للفرنسيين والإسبان وغيرهم من المحامين المرتبطة بلدانهم باتفاقيات قضائية مع المغرب الترافع في محاكم المملكة، إذ لا يسمح للمحامي الأجنبي الذي له إلمام باللغة العربية الترافع أمام المحاكم إلا بقرار من وزير العدل، غير أن المحامين المغاربة والمسلمين هم المؤهلون للترافع أمام الغرفة المختصة في الأحوال الشخصية والميراث وفق الشريعة الإسلامية. كما أن المحامين المغاربة اليهود، بدورهم، مؤهلون للترافع أمام الغرفة المختصة في الأحوال الشخصية والميراث وفق القانون العبري.
وقال مصطفى جداد، المحامي في هيئة الدار البيضاء، إن المرافعات تتم باللغة العربية استنادا إلى تعريب القضاء، وأضاف أنه حين يرافع أماكم محكمة فرنسية أو إسبانية فإنه ينتدب محاميا من ذلك البلد لقراءة نص المرافعة باللغة المُعتمَدة. ويتم نفس الأمر في المغرب منذ صدور قانون توحيد المحاكم ومغربتها وتعريبها، «عندما أرافع في بلد آخر، فإنني أحرر المرافعة، لكنْ غالبا ما يتم الاتفاق مع محامٍ من نفس البلد نكون على اتصال مسبق لترتيب إجراءات الدفاع، وحين تتم الاستعانة بمحامٍ أجنبي في المغرب فللغاية ذاتِها، أي أن لغة البلد الذي تتم فيه المرافعة شرط أساسي في منظومة الدفاع، لكنْ قبل أن أتوجّه إلى المحكمة في البلد الذي أقصده أتوجه إلى مكتب النقابة وأكشف عن مهمتي».
هل هي طبقية مهنية؟..
في ظل هذا الوضع، ظهر ما يشبه التصنيف الخاص بالمحامين: محامون درجة أولى، أو ما يصطلح عليه في قاموس الكرة ب«الدوليين»، الذين يرافعون خارج الحدود، وآخرون محليون. ويرى جهاد أكرم أن هذا الواقع غير محمود العواقب، وقد ينتج نوعا من «الطبقية» بين هيئة المحامين، حيث «ستظهر طبقة من المحامين المتخصصين والمحتكرين لقانون الأعمال، وهؤلاء هم محامو الدول الأجنبية، في حين لن يبقى لغيرهم من المغاربة، أو على الأقل بالنسبة إلى أغلبيتهم الساحقة، إلا قضايا الأسرة والقضايا الزجرية والمنازعات المدنية البسيطة.. وسيؤثر ذلك، لا محالة، على الوضعية الاجتماعية لمحامي الطبقة الثانية، نظرا إلى ضعف المردود المادي لهذا النوع من القضايا مقارنة مع سابقتها». لكن هناك مغاربة يرافعون، منذ القدم، في محاكم أجنبية دون أي اعتراض من «أصحاب الأرض»، بل إن تاريخ المحاماة يحكي عن «غزوات» محامين مغاربة لمحاكم أجنبية، أبرزهم حميد الأندلسي وحميد التبر ومحمد الناصري، وزير العدل السابق، والمرحوم حميد لحبابي، الذي كان محاميا للاتحاد الدولي لكرة القدم، وكثيرا ما رافع باسم أهل الكرة في ردهات محكمة النزاعات الرياضية أو ما يعرف ب«طاس»، واللائحة طويلة، يصعب حصرها هنا.
مبدأ المعاملة بالمثل
يطرح هذا الإشكال قضية المعاملة بالمثل، حيث يرى كثير من أصحاب البذلة السوداء أن المحامين الأجانب في المغرب ينالون امتيازات تُحرَّم على نظرائهم المغاربة، ذلك أن المشرع الفرنسي يشترط اجتياز اختبار للمعلومات في القانون الفرنسي قبل قبول طلب تسجيل الأجنبي في إحدى الهيآت الفرنسية، أي أن مبدأ المعاملة بالمثل غير محترَم في العلاقات المغربية الفرنسية، ليس على المستوى العملي فقط بل على المستوى النظري أيضا، ما دام التشريع الفرنسي يضع شرطا لا يعرفه القانون المغربي في ما يخص التحاق محامي كل من الدولتين بالممارسة في الدولة الأخرى، ناهيك عن إشكالية إعفاء «المحامين الذين سبق تقييدهم مدة 5 سنوات على الأقل بدون انقطاع في جدول هيئة أو عدة هيآت للمحاميين في إحدى الدول التي أبرمت مع المغرب الاتفاقية القضائية المشار إليها، وهؤلاء معفون من شهادة الأهلية ومن التمرين». من هذا المنطلق، يناضل المحامي عبد الكبير طبيح، من هيئة الدار البيضاء، من أجل تحقيق مبدأ المعاملة بالمثل، بل ويبشر بانتهاء زمن المحامي الأجنبي، خاصة أن مهنة المحاماة هي أكثر المهن فرضا للتقاليد ونيلا لاحترام الحكام والمحكومين.




محنة محامية مغربية في الجزائر
ليست الطريق مفرروشة بالورود، خاصة طريق القضاء، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام الجزائرية والمغربية محنة المحامية المغربية زكية بن ميمون، المقيمة والمُزاوِلة لمهنة المحاماة في مجلس قضاء ندرومة في مدينة تلمسان، غرب الجزائر، وهي متزوجة من جزائري، فهي تعاني، منذ 10 سنوات، تبعات ما اعتبرته تمييزا عنصريا في بلد عربي، حيث اتّهمت زملاء لها في نفس الهيئة ب«التآمر» ضدها لقطع رزقها وإغلاق مكتبها والزج بها في السجن «في قضية مُلفَّقة ومفبركة» كانت أحكام قضائية صادرة عن أعلى مؤسسة قضائية في الجزائر قد برأت ذمة زكية بن ميمون منها قبل سنوات..
يعود أصل الحكاية إلى بداية الأفية الثالثة، حين تم تقديم شكاية بالمحامية المغربية تتعلق بالتزوير في عقد مدني، «لكنْ صدر حكم في هذا الشأن يقضي بتبرئة المحامية واعتبارها طرفا خارج القضية وتم تأييد الحكم استئنافيا وصدر، أيضا، قرار نهائي من المحكمة العليا الجزائرية يُبرّىء المحامية من التّهم المنسوبة إليها، غير أن أطرافا في القضاء والعدالة الجزائريين، بمن فيهم زملاء لها متنفذون في نقابة المحامين في تلمسان لم يرقهم رد أعلى سلطة قضائية في الجزائر الاعتبار للمحامية المغربية ومضوا في «حبك» سيناريوهات «مؤامرات» جديدة بلبوس قديمة، بغية الزج بها، من جديد، في السجن في ملف حسم قضائيا قبل سنوات».
وحسب إفادتها لإحدى الصحف الوطنية، فإن بن ميمون سبق أن وجهت شكاية لرئيس هيآت المحامين في المغرب، الأستاذ عبد السلام البقيوي، وللنقيب السابق لهيئة المحامين في الرباط، الأستاذ محمد أقديم، تتّهم فيها زملاء لها على مستوى نقابة تلمسان ب«التواطؤ المكشوف والتحريض على تقديم شكاوي بها بغية تكريس قرار يقضي باغلاق مكتبها وحرمانها من الترافع في القضايا والملفات التي تنوب فيها».. وتفضح شكاية المحامية المغربية واقع التمييز العنصري التي تتعرض له باعتبارها ذات أصول مغربية، وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان بصفة عامة ومع حقوق المحامي بشكل خاص، ومع مضمون الاتفاقية المبرمة بين حكومتي المغرب والجزائر بتاريخ 15 مارس 1963، المصادق عليها في البلد الجار بمقتضى القرار 69/68 في شتنبر من سنة 1969، والتي تكفل، في مادتها السادسة لمحامي البلدين «حق ممارسة مهنتهم في دولة الاقامة بكامل الحرية وطبقا للتشريع الوطني في دائرة احترام تقاليد المهنة دون أن يتخذ في حقهم أي تدبير مميز».



بنلطيفة : «لدي زبناء مغاربة وتونسيون ولا صعوبات في الاندماج»
- ما هي الصعوبات التي واجهتك قبل وأثناء اشتغالك كمحام في هيئة الدار البيضاء؟
ربما الوضع مختلف بالنسبة إلي عن كثير من المحامين الأجانب الذين يمارسون المهنة في المغرب، فقد تابعت دراستي الجامعية في المغرب ومن جامعاتها نلت الشواهد التي خوّلت لي دخول عالم المحاماة، لم أجد صعوبات كثيرة، باستثناء الصعوبات التي تصادف المحامين المغاربة في بداية مشوارهم انطلاقا من مبلغ الاشتراك، المحدد في 70 ألف درهم وهو مبلغ مرتفع، وصعوبات الحث عن مكتب إلى غير ذلك من النفقات التي يصعب على محامٍ في بداية مشواره تدبير أمرها، ما عدا ذلك الأمور عادية ولا أشعر بأي فرق إطلاقا، هناك علاقة زمالة تربطني بإخواني في هيئة الدار البيضاء وخارجها وينطبق علي ما ينطبق على المغاربة».
- هل لديك زبناء تونسيون؟.. أقصد هل أغلب الملفات التي ترافع بخصوصها هي لرعايا تونسيين؟
يفوق عمري المهني 21 سنة، وهي مدة كافية جدا لترسيخ الأقدام في المهنة وفهمها بشكل عميق جدا.. شخصيا، لا أشعر بأي تمييز، يتم التعامل معي كمحامٍ مغربي ولي علاقات إنسانية مع مكونات المنظومة القضائية في المغرب، فحين فتحت مكتبي في الدار البيضاء لا أحد قرأ اللوحة المتبثة في الباب وصعد إلى المكتب، بل إن أغلب الزبناء الذين وضعوا ثقتهم وجاؤوا إلى مكتبي فعلوا بعلاقات شخصية.. لدي زبناء مغاربة وتونسيون ومن جنسيات أخرى، هذه أشياء عادية معمول بها في جميع الدول، حتى في تونس هناك محامون مغاربة يعملون في إطار عادي وطبيعي ولا يعانون من أي شكل من أشكال التمييز.
- كم تطلب منك الاندماج في هيئة المحامين المغاربة؟
العقلية المغربية متقاربة جدا مع العقلية التونسية، هناك قواسم مشتركة بيننا: الدين، اللغة والثقافة، كما أن «المعيشةط في المغرب لا تختلف كثيرا عن تونس، إذن، هذه عوامل تساعد على الاندماج السريع في المجتمع المغربي.. كما أنني أرافع في تونس، أيضا، ولا ألمس أي اختلاف في عمل هيآت الدفاع، كما أنني أشارك زملائي في فريق «منتخب المحامين»، أي أنني ألعب الكرة تحت راية المغرب، وهذا أعلى درجات الاندماج.
شكري بنلطيفة محام تونسي




حسن البصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.