في حالة تشبه "ولائم" اليونان القديمة، افتتح حزب العدالة والتنمية ما سماه "الحوار الوطني الشامل". كانت اليونان القديمة/الإغريق طبقات منفصلة، جعلتها "مجتمعات" في قلب كيان سياسي واحد، كانت مساحات التلاقي بين الطبقات شبه منعدمة، وفي بعض الحالات تتم بشكل مستفز للسواء الإنساني والطبيعة البشرية. يقول التاريخ إن مجتمع اليونان القديمة تكون من خمس "طبقات" (مجتمعات مصغرة)، هي: 1- طبقة الحكام والحكماء؛ 2- طبقة النبلاء؛ 3- طبقة المحاربين؛ 4- طبقة الفلاحين وأصحاب المهن، ثم أخيرا طبقة العبيد. هذه الطبقات الخمس شكلت ثلاث مستويات من "المواطنية"، 1- الحكام والحكماء والنبلاء؛ 2 – المواطنون وتضم (المحاربين+ الحرفيين والفلاحين)؛ 3 – العبيد في آخر السلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. كانت "ولائم" مجتمع الحكام والحكماء والنبلاء، فرصة اقتصادية تستفيد منها الطبقات الأدنى، بالطرق التي تتناسب مع مئات السنوات قبل ميلاد المسيح، تسميها الطبقات العليا "عدالة". وخلقت الطبقات العليا في اليونان "قنوات" حقيقية وليست "افتراضية"، لتوصيل ما فضل إلى طبقة العبيد. حيث جرت العادة في ولائم قدماء اليونان، أن الحكام والنبلاء والمواطنين، يأكلون كثيرا ثم يقومون بعملية "استفراغ/قيء" صناعي (شرف الله قدر الجميع)، في "القنوات" التي تكون مائلة، وسبق تلينها بالخمر، فينعم العبيد بكرم الطبقة الأولى النازل من فوق، ليصل طبقة الفقراء والمعدمين. بعد هذه العملية، يرتاح "ضمير" النبلاء والحكماء، لتحقيق ما تعتبره "عدالة"، والتزاما "أخلاقيا" تجاه من هم تحت. ففي حالة تشبه "ولائم" اليونان القديمة، افتتح حزب العدالة والتنمية ما سماه "الحوار الوطني"، حيث سيتوصل عموم الأعضاء في الجهات ب"خلاصات" الحوار عبر "قناة" واسطة "الجموع العامة". أقرت الطبقة العليا في حزب العدالة والتنمية، عموم الأعضاء في المحليات والإقليميات والجهويات، ب"الشراكة" في الحوار الوطني الداخلي الشامل، عبر استلام "الخلاصات" من خلال "قناة" واسطة "الجموع العامة" إذا رغبوا هم في ذلك. وافقت طبقات الحكام والحكماء والنبلاء في الحزب الإسلامي، على صيغة "الاستفراغ/الجموع العامة" كطريقة لإشراك عموم الأعضاء في هذا الحوار/الوليمة. القيادة قررت أن الحوار الناجح هو الذي يكون صادرا منها إلى من تحتها، لا قيمة لبرلمان الحزب المنتخب من قبل المؤتمر، بل إن "التعيين" مدعاة فخر قيادة الحزب، ف"لجنة" الحوار المعينة تستدعى من قبل "لجينة" الحوار المعينة، لإجراء حوار حول أزمة الحزب، في استبعاد كلي لكل ما هو منتخب. كمراقب يعتقد أن أزمة العدالة والتنمية "واردة" إليه من الدولة، وهي تتعلق بالعلاقة بين "المنتخب" و"المعين"، بين الصاعد اختيارا من "تحت"، وبين النازل جبرا من "فوق". أزمة حزب المصباح، تنطلق من كون بعض قادته متورطون لأنهم سهلوا عملية "استيراد" الأزمة لا أقل ولا أكثر، لكنهم عبر تبنيهم فلسفة "التعيين" عوض "الانتخاب" في الحوار الوطني الداخلي الشامل، قد اختاروا أن يجددوا ارتباكهم عوض التقدم إلى الحل. أن يقول نائب الأمين العام، سليمان العمراني، في تصريح لموقع الحزب، إن "لجنة الحوار الداخلي عَيَّنَتْها الأمانة العامة للحزب بعد أن أقرت منهجية الحوار، وتتكون من 24 عضوا، يشكلون نخبة من قيادات وأطر الحزب" دونما حرج فهذا مشكل كبير جدا. ليست مجرد سقطة عابرة، بل هي عمق أزمة القيادة الحالية، أو حتى الصف الأول في الحزب إجمالا، لم يستوعبوا بعد معنى "الشرعية الصاعدة من تحت"، التي هي روح الديموقراطية التمثيلية. إن انتقاء "المدعوين" إلى الحوار الوطني الشامل، يجعله أشبه ب"وليمة"، يختار لها الضيوف وفق شروط الداعي، ويتم حرمان عموم الأعضاء من "انتخاب" ممثليهم في الحوار يعلي الشك في معنى "سواسية" الأعضاء وديمقراطية قيادة الحزب. في اليونان القديمة انتهى زمن الطبقات وبالتبع ظاهرة الولائم، ويبقى الأمل أن يستفيد أعضاء وقادة العدالة والتنمية من الأمم والحضارات والأحزاب السابقة، حتى لا يضطروا إلى نسخ تجاربها المكلفة