نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. في الموسم الثاني من هذه السلسلة التي فتحت من خلالها جريدة "العمق" منذ رمضان الماضي بابا للبوح لثلة من الزملاء الصحافيين، تستضيف الجريدة في الحلقة الرابعة لهذا الموسم الصحافي الرياضي هشام رمرام. ما الذي تتذكر عن طفولتك؟ ما أتذكره من طفولتي هو ما بقي عالقا في الذاكرة طبعا، وهو قليل من كثير. فيه المفرح والمحزن، والسيئ والجيد، حسب ما كانت تجود به الأيام في تعاقبها. أتذكر تضحية الوالدين في توفير لقمة العيش لنا داخل أسرة بسيطة تتكون من خمسة أولاد وأربع بنات. ولأنني كنت آخر عنقود هذه الأسرة فقد نلت نصيبا إضافيا من الحنان والاهتمام، ليس من الوالدين وحسب، وإنما من من سبقني من الإخوة والأخوات، كل من موقعه، وحسب ما يميز شخصيته. أتذكر أيضا معطى آخر، أعتبره صب في مصلحتي، ويتمثل في إصابتي بمرض الربو الحاد في سن مبكرة. هذا المرض بالذات أثر كثيرا في شخصيتي، لأنه جعل كل من هم حولي من الأسرة يهتم بي، خاصة لدى تعرضي لنوبات حادة كانت تفرض نقلي إلى المستشفى في مناسبات متفرقة خلال السنة، كما أن طبيعة هذا المرض فرضت علي في الكثير من الأحيان الخضوع للعلاج، خاصة في البيت، والاكتفاء بملاحظة ما يجري حولي بهدوء والنظر إلى الكثير من الأمور بزاوية مختلفة. يعني أن مرض الربو رغم صعوبته كانت في طيه نعمة، وعلمني الكثير من الأشياء، قبل أن يختفي بشكل غير منتظر بعد مرحلة طويلة من تجريب جميع أنواع الأدوية والأطباء والوصفات، كانت أكثرها نجاعة على يد طبيب كبير بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، بدأت معه تجربة علاج لأول مرة في العام 1984 إلى أن شفيت، والفضل كل الفضل لأخي مصطفى المقيم هناك، لأنه تحمل عبئا ماليا ونفسيا ليخفف عني معاناتي، وهو ما أعطى نتيجة مبهرة، وأعترف أن عقدتي حاليا هي أنني لم أستطع رد دين هذا الجميل لأخي إلى حدود اللحظة، لأنه جميل قيمته كبيرة جدا ولا أنسى وقعه علي ما حييت. لا يمكن أن أنسى أيضا أنني، من ناحية إدراك ما يجري من حولي، قطعت بعض المراحل بسرعة، فمنذ صغري تعودت أن تكون لي شبكة علاقات واسعة مع من هم في سني، ومع من هم أكبر مني سنا. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ بعد الحصول على الباكالوريا كنت على وشك الالتحاق بالمعهد الوطني العالي لفنون الفرجة ببروكسيل، تخصص إخراج، غير أن رفض القنصلية البلجيكية منحي التأشيرة فوت علي الفرصة، وكان هدفي حينها الجمع بين مهن التلفزيون والصحافة. هذا الطارئ جعلني أقتنع بالبقاء في المغرب، رغم أن عائلتي أصرت على أن أتشبث بحظوظي بالذهاب إلى بروكسيل، فالتحقت بمعهد للصحافة. هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟ التحاقي بالصحافة جاء عن سبق إصرار وترصد. على عكس العديد من أقراني حسمت اختياري مبكرا. كنت منجذبا للمجال الإعلامي بشكل عام، حتى أنني كنت لا أخلف موعدا مع الأفلام التي يجسد فيها دور الصحافي أو المصور أو المخرج. كما أنني في مرحلتي الإعدادي والثانوي، كنت أختار عروضا لها علاقة بالصحافة، كلما طلب منا إنجاز عروض. بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك الأخرى؟ الصحافي بشكل عام يهتم بكل ما يجري في محيطه البعيد والقريب، ويحاول التفاعل معه بقدر تأثره به. لن أبالغ إن قلت لك إنه خارج إطار عملي أناقش مع أصدقائي مواضيع سياسية وثقافية وذات طبيعة اجتماعية، أكثر من مناقشتي مواضيع رياضية، وفي المنزل أشاهد القنوات الإخبارية العامة أكثر من المتخصصة، حتى أضمن توازنا في التلقي، وأتخلص من سطوة الرياضة على اهتمامي أثناء أوقات العمل، وفي جميع الأحوال الرياضة فيها الكثير من السياسة. ما هي المدينة الأقرب الى قلبك؟ كل مدينة من المدن المغربية، التي زرتها، تترك أثرها بميزة ما في نفسي. لكل واحدة منها سحرها المختلف، ولا أنكر أن مراكش مفعول سحرها له وقع خاص. ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ من الصعب أن تشعر بالندم. إنها مهنة اخترناها بعشق، والعشق يحجب عن عينيك النظر إلى العيوب، وأول هذه العيوب أنها مهنة متعبة تلازمك في مكان، وفيها الكثير من المخاطر على المستوى الاجتماعي، وتظهر الصحافي بمظهر لا يعكس واقعه الحقيقي. ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو السياسي؟ دور كل واحد منهما يختلف عن الآخر، إلا من أراد أن يخلط بينهما، علما أن الصحافي يحتك بالسياسي، بل يحتاجه، والعكس صحيح أيضا. هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟ أنا صحافي، أستعمل الكتابة في ممارسة مهنتي كي أكون وسيطا بين مصدر الخبر والمتلقي، وفق قالب تتحكم فيه قواعد وأجناس متعارف عليها في العالم. أما الكاتب بمفهومه الأدبي فهو دوره مختلف شكلا ومضمونا عن الصحافي، رغم أن المشترك بينهما هي اللغة والكلمات، أو فعل الكتابة، إن صح القول. هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ طبيعة عمل الصحافي لا يمكنها إلا أن تجعلك منتظما في الكتابة، لكن دائما في إطار المهنة. ما رأيك في واقع الإعلام المغربي؟ مؤلم. هل أنت راض عن ما تقدمه الصحافة الرياضية المغربية؟ ينبغي أن نعترف أن الصحافة الرياضية تطورت كما وكيفا، وكأي إنسان طموح لا يمكن أن أكون راضيا مائة في المائة عما نقدمه جميعا. هل من طرفة وقعت لك في محراب صاحبة الجلالة؟ هي كثيرة، لكن من الصعب تذكر الكثير منها. سنة 2000 شهدت أول سفر مهني لي خارج المغرب. وكانت الوجهة هي العاصمة الاقتصادية لنيجيريا مدينة لاغوس، والمناسبة تغطية كأس أمم إفريقيا. السفر كان على متن طائرة عسكرية "هرقل C130" كم كانت فرحتنا كبيرة بعد أن حطت الطائرة في مطار لاغوس لأن مدتها كانت طويلة جدا ومتعبة إلى حد لا يطاق، غير أننا اضطررنا إلى المكوث داخل الطائرة لوقت أكبر دون مغادرتها والسبب أن عناصر من الأمن النيجيري لم يسمحوا لنا بالنزول إلا بعد أن يؤدي مسؤولو الطائرة واجب الهبوط في المطار. في سنة 2002 حضرت بالعاصمة الليبية طرابلس لدوري الصقر الوحيد بمشاركة فريقي الوداد والرجاء والاتحاد الليبي ووأفريكا سبور. الفريق الليبي كان يضم في صفوفه آنذاك الساعدي القذافي، ابن الزعيم معمر القذافي. قبل انطلاق المباراة بين الاتحاد الليبي وأفريكا سبور كان الساعدي في فترة إحماء رفقة زملائه أمام مستودع الملابس، فقلت مع نفسي إنها فرصتي لأستقي تصريحا منه أنفرد به وسط باقي زملائي الصحافيين. مبادرتي بالاقتراب من الساعدي لاقتناص تصريح كادت تكون عواقبها وخيمة بعد أن اعترضني بعنف حراسه الشخصيين لمنعي من الاقتراب منه. هناك العديد من الطرائف التي تستحق أن تحكى لكن الحيز لا يسمح بذلك. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية: أوكسجين الحياة الحب: دون احترام يفقد سموه الوطن: أصل الانتماء ما رأيك في هؤلاء؟ بادو الزاكي: ضحية شعبيته العربي بن امبارك: مفخرة مغربية سعيد اعويطة: تجسيد لمعنى الأسطورة نوال المتوكل: سفيرة فوق العادة