يعدون الساعات القلائل ليقارعوا كؤوس الجعة، وليشربوا نخب سقوط السنة التي كانت استثنائية بكل المقاييس. والبعض الآخر يفضل تقطيع كعك نهاية آخر السنة، يتحرقون لترديد " بوناني " جديدة، وكل تلك المتشابهات ذات النزوع الحداثي المصطنع! صنف آخر يفضل قطع الشوارع ذهابا وجيئة، وصنف سيملأ الحافلات ويقصد الأماكن التي بإمكانها أن تعج بالحياة. وصنف سيغتنم الفرص، ليأكل من أفواه ما، من جيوب ما، من سياقات ما. منهم من سيتبضع سجائر ليلية سمينة، ذات دخان متفاوت الطول والنوع، دخان مبعثر ومنهم من سيكتفي بأعقاب السجائر، سيتلكأ وينفث بما تبقى له من نفس، المهم هو توديع الفقيدة! البوليس منتشر في كل مكان، والمارة مشدوهي الوجوه، يتطلعون إلى كل الآلات التي تعجن الطريق.البنادق محشوة وتتعقب أعقاب حالات ما، وجوها غير وجوه السنة الآخذة في الاحتضار. البعض الآخر سيفضل قضاء ساعات مع " دكة" أو " نصف نصف " صغيرة في جنبات مقهى غائر! و منهم من سيقضي ليله في صمت، يرتشف بهجة المكان ويعد الخيبات والسنون التي تمضي وتمضي. قد يصادف طفلة ما حاملة لبالونات و " بسكويهات" سيهنئها ويرسم لها ابتسامة ما، ستمضي وسيلاحقها وسيرى كم هي سعيدة...! سيلعبون وسيمرحون، أعلم. سيرسمون 20177 في السماء، وسيحتفون بها وسيحصون أمجادهم وإنجازاتهم، وسيغضون الطرف عن كل هؤلاء المشردين ومعطوبي الأحلام، لن يسألوا عن مبيت هذا المتسكع، وعن رجفات البرد التي تلفح هذه العجوز الماكثة هنا قرب محلات تجارية فخمة! سيقولون بأن السنة الوافدة ستكون بألف خير، وسنعم بالعيش الكريم و العدالة الإجتماعية وكل ضروب العيش الممكنة باعتبارنا أنواعا بشرية. سيشربون نخب هذه التخمينات، سيتشجأون وسننتظر خطابات أخرى وبلغة حماسية لا عمر لها.. سيلبس البعض منهم ربطات عنق لامعة، والأخريات سيلبسن " قفاطين مفتولة"! سييثرثرون كثيرا وسيتحدثون قليلا، ستحدثهم. جهات ما عن مخرجات السنة الماضية وستطلب منهم أن يستشرفوا السنة الجديدة. سيضعون رجلا فوق رجل، سبمزجون بين البلاغة و مراعاة المقام،. قد يذرفون دموعا ما، لأسباب ما، قد. نجهلها لكن سيظلون أوفياء لبيت القصيد.. الدهاء والمكر..