في بداية عام 1945 تبادل سكان هيروشيما اليابانية التهاني، متمنين لبعضهم سنة سعيدة، فكانت سنة القنبلة النووية، التي عصفت بهم عن بكرة أبيهم. ومع ذلك ظل سكان الأرض يتبادلون تهاني رأس العام متمنين لبعضهم سنة سعيدة. لم يبق الأمر حكرا على الصومال وتشاد ومثلهما من البلاد التي يتناوب عليها الجفاف والجراد، ولكن حتى الماريكان، وهم يملكون ناصية القوة العالمية، يتمنون لبعضهم سنة سعيدة، فتطلع لهم سنة أعاصير لا تبقي ولا تدر. وهاهم اليونان والإسبان، من محمية الأورو، يتمنونها سنة سعيدة، فتطلع لهم أزمة خانقة وركودا مزلزلا، وهم لا يملكون قدرتنا على التحمل، ولم يتعودوا مثلنا على شد الحزام. الطالبة، التي تقابلني في قطار الخامسة مساء، تتكلم في الهاتف المحمول مع شخص مجهول، يفهم كل الركاب أنه الحبيب، أو من يقوم مقامه، والموضوع هو موعد «ليلة بوناني». هي لا تملك في مصطلحها عبارة رأس السنة. هذه المناسبة تعرفها الطالبة الجامعية باسم «بوناني»، ترجمة سنة سعيدة. نتمنى ألا تقنبلها عاطفة نووية. المولعون بالتنجيم يستعجلون معرفة ما ينتظرهم في العام الجديد، في مجالات الصحة والعاطفة والمال. ثم يكتشفون أن الأيام واحدة، «كي التنين كي الثلاث كي لاربعا كي الخميس كي الجمعة كي السبت كي الحد». من يلمس حقيقة العام الجديد.. من يعرف الفرق بين أمس 2012 ويوم 2013؟ في مطلع العام المنقضي قال لي أحبائي كل عام وأنت بألف خير، وها هو العام ينتهي ولم أر ولا نصف خير!! سنوات كثيرة مرت من عمري، دون أن أرى السنة السعيدة، أو السنة المباركة، أو حتى المبروكة، لهذا وجدتني أتمناها أن تكون سنة لطيفة، تلطف بالصحة ولو بلا عافية، لأن رجال المطافئ منشغلون بتبادل التهاني. وحبذا لو تكون سنة لطيفة وغزالة، فمن عام الفيل إلى عام الخنازير، تكالبت علينا أعوام الغراب والذئاب والسباع والضباع، ونأمل عاما أحن من الخوالي. عام يزقزق طيره، ويعم خيره، ويستقيم سيره أو، بتعبير ولد الجيران: نتمنى أن يكون «عام وااااعر». لكن، الأسلم أن أقول لقارئي الكريم: كل عام وأنت كما تشتهي. كريمو مول سكيمو يتمناها سنة رزق يصرف به على أولاده التسعة، والحاج كروم يحلم بولد يورثه المصنع والضيعة، أهل أنفكو يتمنون طريقا ولو غير معبدة، مع كسرة خبز وجرعة شاي ولفحة دفء. العاشق يتمنى لقاء، وأبو المشاكل يرجو هناء، والمريض يريد شفاء، والعطشان ماء، والعريان كساء، والحافي يود نعلا، والعانس تريد بعلا، والعاطل يبغي شغلا، و.. كل عام وأنتم كما تشتهون. والمثير أن الأدب العربي، من أبي العتاهية إلى شوقي، لم يعترف بأن للسنة رأسا، حتى من عاش منهم في أعوام لها رؤوس وأمخاخ. وكان على هذا الأدب أن ينتظر وصول نزار قباني في قصيدته: لو كنت في مدريد في رأس السنة كنا ملأنا المدخنة عرائسا ملونة كما لم نجد أثرا لرأس العام في تراثنا الشعبي، غير قصيدة «بوناني»، التي يستهلها صاحبها بالقول: سمعو يا حضرا... آش طرا وجرا... ليلة بوناني. الرجل صوّط المرا... وتكاطعو الهضرا... من البوناني حيث ما كالت لو بوناني البرهوشة تسلات... معروضة باش تبات... بوها هايج لهات... وحالف بالثلاث... تا يدك بوناني ناري اقفارت على بوك يا بوناني