أدى تعثر مسلسل تشاورات تشكيل الحكومة إلى توتر وضبابية المشهد السياسي المغربي، الأمر الذي حجب متابعة مجموعة من المواضيع والملفات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتغييب نقاشات مجتمعية حولها. وفي هذا المقال، سنتطرق لتعطيل تشكيل الحكومية وأثرها على أحد هذا الملفات الحساسة، وهو قانون مالية 2017، ومآل هذا الأخير. بداية، ومن خلال تتبع الاحداث الأخيرة، يتضح أن هناك إرادة خفية لتوجيه الرأي العام نحو تبخيس عمل المؤسسات المنتخبة، والنيل من مصداقيتها على حساب بعض المؤسسات الأخرى، حتى وصل الامر بالبعض إلى الاعتقاد بأن المغرب قادر أن يُسَير بدون برلمان ولا حكومة، وبالتالي لا حاجة للبلاد بهما. وبشيء من التحليل، يتضح أن الهدف من هذا التبخيس المُمَنهج هو إهانة إرادة الناخبين ومحاولة بئيسة (بعدما فشلت كل محاولات الضبط القانوني والسياسي والانتخابي لنتائج 7 أكتوبر) لإقناعهم بأنه لا فائدة ترجى من تصويتهم، مادام رئيس الحكومة الذي منحتموه الصدارة لم يتمكن بعد في تشكيل الحكومة، وما دام المنتخبين الذين اخترتموهم في عطالة مؤدى عنها. وعليه، وبالرجوع لأهم الملفات التي حجبها ضباب المشهد السياسي، والتي لا محالة سيكون لها كبير الأثر على التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا، قانون مالية 2017. فدستور 2011 يُقر أن قانون المالية لا يُصدر إلا بالتصويت عليه من طرف مجلس النواب، وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون التنظيمي للمالية 130.13. وبحكم تعثر المشاورات الحكومية وتأخر تنصيب رئيس مجلس النواب إلى حدود منتصف شهر ديسمبر، فالأكيد أن قانون مالية 2017 لن يتم التصويت عليه في نهاية هذه السنة المالية، وعليه وحسب الفصل 75 من الدستور والمادة 50 من القانون التنظيمي للمالية، فيمكن للحكومة أن تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة على الموافقة. وهدا ما اتجه إليه رئيس الحكومة الاستاذ عبد الاله بن كيران، مع إمكانية المصادقة على مشروع القانون ولو بدخول سنة 2017 مع قانون مالي تعديلي خلال نفس السنة مع أخذ الوقت الكافي لإعداده. المحللون السياسيون، والمتتبعون للمشهد المغربي، ومعهم المغاربة مُطلعون على المسلسل السري والعلني لتعطيل تشكيل الحكومة، ومُلمون بالهدف والغاية من هذا التعطيل المقصود، وهم يعرفون حق المعرفة من رواء هذا البلوكاج المُتعمد، وما هي وسيلته. والغالبية متيقنة أنه لا يد للأستاذ بن كيران في هذه العصيدة، بل على العكس، موقفه "الثابت" هذا والهادف إلى حماية إرادة الناخبين والمُلتصق بهم، والرافض لمنطق "تفاوض المنهزم في الانتخابات بنفسية الفائز فيها" والمُتمسك بالحلفاء الحقيقين، هو سلاح المرحلة والحل الأمثل الصالح للمدى القريب والمتوسط والبعيد ضد آليات الضبط السياسية والحزبية والحكومية إن صح التعبير، وإلا فعند كل اختلاف في ولايته القادمة، سيتم اللجوء إلى البلوكاج كوسيلة ناجعة لتطويعه وإرغامه وضبطه. علاوة على ذلك، ساهم موقفه هذا في فضح الخصوم الحقيقين للإرادة الشعبية، وللخيار الديمقراطي الذي أجمع عليه المغاربة في دستور 2011. من وراء بلوكاج تشكيل الحكومة لا يُعيق ولا يُوقف ولا يُعَطل حزب العدالة والتنمية، بل يُعَطل مصالح البلاد بكل مؤسساتها، يُعَطل مصالح وحقوق المواطنين والمقاولات، يُعَطل المشاريع الاقتصادية الهيكلية، يُعَطل الاستثمارات العمومية الضخمة، يُعَطل السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، يُعَطل المسار الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا، يُعَطل النموذج المغربي بتاريخه الاستثنائي وبخصوصيته المتفردة. فالقليل القليل من المسؤولية من أجل هذا الوطن.