كل الأخبار والمعلومات والمعطيات المتوفرة الآن تؤكد التحاق أسامة مساوي، أستاذ الفلسفة المنحدر من مدينة وازان، بتنظيم "الدولة الإسلامية" المعروفة ب"داعش". تواصلت مع بعض معارف أسامة وزملائه، الكل لازال لم يستفق من هول الصدمة بعد، يؤكدون أنه سافر الصيف الماضي إلى إسبانيا، من أجل تكوين في تخصصه، ومنذ ذلك الوقت لم يسمع عنه أحد أي خبر. يؤكد بعض زملائه وتلامذته أن أسامة كان بعيدا عن هذا الفكر، بل كان يساريا أقرب للإلحاد، لم تكن هذه الشهادات مقنعة بالنسبة لي، وبدت لي سطحية إلى حد ما، وحكم على ظاهر الشخص، فكان المدخل لاكتشاف شخصية أسامة ومواقفه وقناعاته، هو تصفح حسابه الفيسبوكي وتتبع تدويناته. يمكن تصنيف تلك التدوينات الممتدة إلى سنة 2015، إلى أربعة محاور: الأول ذلك الذي تندرج تحته كل التدوينات المعارضة للنظام والملكية والمخزن، وهذا المحور هو مايجعل أسامة في نظر متابعيه الذين يعدون بالمئات، مناضلا ضد الفساد والاستبداد والرجعية. المحور الثاني هو الذي تندرج تحته كل التدوينات المؤيدة للمظاهرات ولكل حراك مغربي بدءا بعشرين فبراير وانتهاء بحراك الريف مرورا بانتمائه لحركة أصدقاء وزان، وانخراطه في كل الفعاليات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وهو ماقد يصنفه لدى البعض في خانة دعاة العدالة والحرية والديمقراطية والملكية البرلمانية وغيرها من المطالب المعروفة لأي حراك، لكن يصعب تحديدا لأي جهة ينتمي، إسلامية أم يسارية، لأن جماعة العدل والإحسان تتقاسم مع بعض اليساريين هذه المطالب. المحور الثالث تندرج تحته التدوينات التي يهاجم فيها الإسلام الحركي والسياسي، وكل تجاربه، بدءا من أردوغان مرورا بإخوان مصر ونهضة تونس وإخوان بنكيران في المغرب، هذا المحور يحسم في انتماء أسامة حسب من يقرؤون تدويناته ومواقفه، تلك القراءة السطحية، وقد يصنفونه تقدميا حداثيا، فقط لأنه هاجم الإسلام السياسي، مع العلم أن فئات من السلفيين تهاجم الإسلام السياسي والحركي، بينهم السلفية الجهادية، والدواعش وأشباههم. المحور الرابع تندرج تحته التدوينات التي تعنى بمتابعة أحوال العالم العربي والإسلامي، وعلى رأسها العراق وسوريا، فقد كان لهذين البلدين نصيب من تدوينات أسامة، بلغة عامة فضفاضة يصعب تمييزها وتصنيفها، قد تدغدغ الجهادي دون أن تلفت نظر الحداثي والعلماني، وتكسب تعاطف العلماني دون أن يشم فيها رائحة الخطاب الإسلامي، لكن بحكم تتبعي لكتابات وتفاعلات واهتمامات أنصار "داعش"، عبر مواقع التواصل، فإن ماكان يكتبه أسامة لم يكن يخرج عن ذلك التوجه، كما في مقال شهر يونيو 2015، بعنوان: "آخر ما في السوق"، عن الحرب على ما سماها: "الدولة الإسلامية". ومن استنكار لسقوط الموصل بيد الشيعة والأمريكيين، كما في مقال طويل بتاريخ 6 يوليوز 2017، بعنوان: "هل نصفق لتحرير الموصل؟". ومن تهجم على أردوغان بسبب مواقفه وتحالفاته في العراق وسوريا، وفي هذا السياق يمكن فهم موقفه من الإسلام السياسي، فهو موقف محكوم بالخلفية الداعشية، من جماعات الإسلام السياسي، التي تعتبرها داعش، خائنة للمشروع الإسلامي، فهي حين تنتقد الإسلام السياسي أو الإخواني، تهاجمه لأنه لم يتحالف مع الإسلام الجهادي، ولم ينضم للتيارات الجهادية ويناصرها ويواليها. وفي تدوينة له عن تنازلات ابن كيران مثلا نقرأ له تدوينة تقول: "لذلك إن أكثر شيء على المعتقلين وقعا من الهَراوات والإعتقالات وترويع البيوت الآمنة، والأحكام القاسية التي نزلت بالباطل عليهم. هو تصديق دعاوى هؤلاء المنافقين الذين بفضل تخاذلهم، وفِقْه تنازلهم، دخلنا في هذه الردة الحقوقية والسياسية التي نحن عليها اليوم. فرجاء افضحوهم". فعبارات المنافقين وفقه التنازل، تفضح مايحاول أسامة إخفاءه، عبارات وكلمات تبدو نشازا وسط التدوينة، وتبدو أكثر نشازا إذا نسبت لشخص يصفه البعض بالحداثي وآخرون بالملحد، إنها مصطلحات تمتح من القاموس الإسلامي، وكذلك تدوينات كثيرة له، لن ينتبه لها إلا المهتم والمتابع والدارس لخطاب الجماعات الإسلامية عموما والجهادية خصوصا وداعش بشكل أخص. في تعليقات كثيرة على حساب أسامة الفيسبوكي، يصفه البعض بأنه حداثي متنور لايؤمن بالإسلام الحركي والسياسي، ينتقد التراث أقرب إلى الإلحاد، صراحة لم أجد في تدويناته التي تتبعتها إلى سنة 2015، مايشير إلى ذلك، ويبدو أن أسامة كان يمارس نوعا من التقية مع محيطه. وكل ماوجدته يشير لعكس وصمه بالإلحاد واتهامه به، ففي تدوينة بمناسبة رمضان الفارط قال أسامة: "سيادنا عواشركم مبروكة، ورمضان مبارك سعيد. الله يدخلو علينا وعلى الجميع – لي كانعرفو ولي مكانعرفوشي – بالصحة والعافية والنجاح، والحرية والكَرامة للأصِحَّاء الشُّرفاء الأنقياء، وبالشفاء للمرضى يقومونا بصَحَّة وسْلاَمة، وبالرحمة والمغفرة للأموات نشالله". انقطعت تدوينات أسامة منذ 3 غشت، آخر تدوينة له، إلى يوم البارحة، حيث نشر تدوينة بعنوان: "هذا بيان للناس"، يعلن فيها انضمامه لداعش، ثم حذفت بعد ذلك، ما أثار مجموعة من التساؤلات والاستفسارات والشكوك عند أصدقائه ومتابعيه، من خلال تعليقات ومنشورات على حسابه. بعد حملة الاستفسارات تلك، أعاد أسامة نشر بيانه المكون من أزيد من 450 كلمة، مؤكدا في بدايته أن حسابه لم يخترق، وخاتما بأنه هو من حجب البيان لأسباب شخصية، وملأ مابينهما بالتأكيد والتوضيح والتحريض، بلغة مستقاة من الخطاب الداعشي وكلمات الزرقاوي والعدناني. لتبقى الأسئلة المطروحة: ما الذي يجعل أستاذا للفلسفة يتجه هذا التوجه؟ ومتى طرأت عليه تلك التغيرات، وما أسبابها؟ وهل لانسداد الأفق السياسي والمطالب الاجتماعية دور في دفع الشباب لمثل هذه الخيارات؟ ولماذا اختار داعش بالضبط دون غيرها؟ ولماذا في هذا الوقت الذي ينحسر فيه التنظيم ويتقهقر وينكمش ويتداعى؟ للتواصل مع الكاتب اضغط: مصطفى الحسناوي