أدى فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب على منافسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون برئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية، إلى انتشار حالة من الذهول السياسي والحيرة الاقتصادية التي سادت في الأوساط العالمية وخصوصا الأسواق المالية، والتي شهدت تراجعات مهمة، حيث انخفض سعر الدولار والبيسو المكسيكي، وهوت أسواق المال الأميركية بأكثر من 5%، مع تراجع مؤشر "إس آند بي" الأوسع نطاقا ب1.5% فيما تهاوى مؤشر نازداك بنسبة 8.5 %. ومن التداعيات العالمية لهذا الهلع الاقتصادي، تراجع مؤشر نيكاي في بورصة طوكيو بأكثر من 6%، وانخفاض مؤشر بورصة هونغ كونغ ب 3%، وسيدني ب 2% وشنغهاي ب1.3% وبومباي ب 6 %، بالإضافة إلى تراجع بورصة لندن بحوالي 5%. ونفس التراجع شهدته غالبية البورصات العربية. ترجع هذه الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية، إلى أمرين إثنين، الأول مرتبط بدونالد ترامب الذي اتخذ جملة "جعل أمريكا دولة عظمى مرة أخرى" ومالها من معاني وإيحاءات، أكدها هو بنفسه في جل تصريحاته، كاعتبار مصلحة أمريكا هي الأولى، وتأتي ثانيا مصلحة بقية العالم، واعتباره أن غالبية المشاكل التي تعاني منها أمريكا سببها بقية العالم، ولهذا يرى أن الحل هو الانكفاء على الذات والحمائية الداخلية، وتوعد بشكل صريح بإنهاء ومراجعة عدد كبير من الاتفاقيات التجارية، والتبادل الحر وسن عقوبات على بعض الدول كالصين والمكسيك، وفرض شروط ورسوم قاسية على الشركات والمستثمرين الأجانب، وخروج الولاياتالمتحدة من منظمة التجارة العالمية، وتهديده بإعادة النظر والتفاوض في مشاركة واشنطن بحلف شمال الأطلسي (ناتو) واتفاق إيران النووي... كل هذا أحدث نوع من الخوف واللاثقة في الاستراتيجية الامريكيةالجديدة وخصوصا السياسة الاقتصادية. الأمر الثاني، مرتبط بالأسواق المالية وخصوصيتها وحساسيتها، لا سيما أن فوز ترامب جاء مخالفًا لكل التوقعات التي كانت تتنبأ بفوز كلينتون، الأمر الذي دفع القطاع البنكي والشركات العالمية وكبار المستثمرين لاتخاذ بعض التحوطات المؤقتة، كالبيع والخروج من أسواق المال والتوجه لشراء الذهب، وهو ما اتضح جليا في ارتفاع أسعار الذهب، الذي ارتفع ب 3% حيث وصل لأعلى مستوى له منذ 6 أسابيع، وبالتالي انخفض البترول وتراجع الدولار أمام العملات الاجنبية اليورو والين. وهنا ينبغي التأكيد على أن هذا الاضطراب في الأوضاع الاقتصادية سيستقر عندما يعلن الرئيس الجديد عن برنامجه الرئاسي ويبدأ في تنفيذه، خاصة وأن الحزب الجمهوري يدعم بشدة القطاع الخاص ورأس المال، أضف إلى دالك أن أغلب الذي تحدث عنه ترامب يدخل في السياسات الثابتة لأمريكا باعتبار مكانتها ودورها الإقليمي والدولي، وهذا ما تأكد جليا في خطابه الاول الذي استخدام فيه لغة مختلفة تماما عن تلك التي كان يستخدمها في حملاته الانتخابية، فحديث النصر كان كله سلام وتفاءل وتعاون، مذكرا أنه رئيس لكل الأمريكيين باختلاف توجهاتهم وأعراقهم وأديانهم، وداعيا الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين إلى أن يصبحوا "شعبا موحدا". ولرفع اللبس والخوف من سياسته الخارجية، أكد الرئيس الجديد على أنه "سيتفاهم مع كل الدول الأخرى التي لديها الرغبة في التفاهم مع أمريكا". وبهذا بعث الرئيس الأمريكي الجديد رسائل الطمأنة للداخل والخارج، غير أن السنوات المقبلة هي الكفيلة بتوضيح هذه الازدواجية في الخطاب والمواقف وإظهار حقيقة سياساته الداخلية والخارجية. لنتابع جميعا التغيرات المقبلة...