بينما ينشغل جل تلاميذ العالم القروي بالواجبات المدرسية و العلمية أو في أنشطة ترفيهية أو هوايات موازية.. يظل تلاميذ أبناء القرى استثناء مقارنة بباقي أطفال العالم تجدهم يفكرون فقط في كيف سيصلون إلى المدرسة البعيدة ؟ وما هي أنواع الأخطار التي يمكن ان تتربص بهم في تلك الطريق .. وهل سيفيض النهر فيقطع الطريق أم سيختفون وسط الضباب في بعض الأحيان ؟ وهل يستطيعون العودة لمقاعد الدراسة السنة المقبلة أم ستصبحون عمال في إحدى الحقول؟ يولد كل أطفال العالم متساوين و متشابهين لكن الطبيعة المحيطة و الوسط الأسري و الثقافي و الاقتصادي يكون عاملا مهما في تكوين شخصية الطفل و رسم ملامح مستقبله الدراسي ثم الاجتماعي ... لا يخفى على الجميع أن التعليم يشكل أداة مهمة في انتشال الأفراد من شباك الفقر فكل سنة دراسية يضيفها المتعلم إلى رصيده تؤدي إلى زيادة دخله المستقبلي بنسبة 10% .. ويساعد التعليم في المناطق القروية على التحسين من مردودية الإنتاج الفلاحي .. فكل عامل في القطاع سبق له الولوج إلى المدرسة يستطيع مواكبة التقدم في استخدام الآليات الفلاحية و يستطيع أكثر من غيره الاستفادة من التقنيات و الوسائل التي ترفع من مردوده الفلاحي أما على المستوى الاجتماعي فتعليم تلاميذ القرى أو السكان القرى عامة له تأثير كبير جدا على الأفراد و الأسر و حتى كامل المجتمع ،وبالخصوص تعليم الفتاة أو الأم يساهم في إنقاذ الآلاف من الأرواح فحين تتحسن شروط النظافة و الاستعمال الصحيح للأدوية و معرفة بوادر الإمراض و الكشف المبكر عنها و معالجتها. وهنا لابد من الوقوف عند هذه النقطة لحكم أهميتها فتمدرس الفتاة القروية يجعلها في مأمن من الدخول في تجربة الزواج و الحمل المبكر .. فأكبر نسبة للوفيات في صفوف الأمهات خلال الولادة تتواجد في صفوف الفتيات اللائي لم يلتحقن بالمدرسة أو انقطعن مبكرا عنها ، وكذلك فتعليم الفتاة يساهم في تحديد معدل الخصوبة أي متوسط عدد الأطفال الذين يولدون لكل امرأة خلال حياتها . فعلى سبيل المثال عدد الأولاد للأم الواحدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو 6,7 للنساء دون تعليم و 5,8 للنساء الحاصلات على تعليم ابتدائي و 3,9 للنساء الحاصلات على التعليم الثانوي حسب تقرير اليونسكو السابق. يُؤكد الباحثون و المختصون في التربية و التعليم أن الفتيات يحققن نتائج مختلفة كما ونوعا عن الفتيان وهذا ما يلمسه جل العاملين بقطاع التعليم .كما يعرف بأن الفتاة أكثر انضباطا بقوانين القسم و أكثر حرصا على القيام بالواجبات الدراسية ، و الفتيات يتفوقن على الفتيان في مهارات القراءة و اللغات و الخط الكتابي، أمام تفوق طفيف وتاريخي للفتيان على الفتيات في الرياضيات و الحساب و مواد العلوم التحليلية. الفتاة المتعلمة قادرة على النجاح و التفوق في مجالات الرعاية الاجتماعية و الصحية و مهن التربية و التعليم قبل الذكور. تعليم الفتيات و خاصة الفتاة القروية هو عامل أساسي في التنمية المستدامة و عنصر مهم في نهوض الاقتصاد الوطني . لكن يجب أولا الوقوف على أهم المشاكل و العوائق المانعة لتمدرس أبناء القرى والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع. 1 عوائق اقتصادية يشكل الفقر المنتشر في الوسط القروي عاملا مهما في إعاقة و منع التحاق الأبناء بالمدرسة ، فالأسر القروية غالبا ما تكون ذات دخل محدود لا يكفي لسد الحاجيات الضرورية للأسرة كالطعام و السكن و الدواء في حين يبقى التعليم شيئا كماليا. طبيعة الطفل القروي كطفل منتج يساهم مبكرا في الدخل المادي للأسرة، ففي الوقت الذي يُشكل فيه الطفل في الأسرة الحضرية عبئا ماديا على الأسرة فالطفل أو التلميذ في القرية يبدأ مبكرا في المساهمة في الأنشطة الفلاحية لأسرته أو لقريته حسب اختلاف المناطق ، أغلب أطفال القرى مثلا يزاولون نشاط رعي الحيوانات التي تربيها الأسرة ( قطيع الأغنام ، الماعز ، الأبقار ، الجمال .. ) و هذا النشاط يشكل مصدر رزق أساسي للأسر القروية و عادة ما يقوم به الأطفال ابتداء من سن الخامسة حيث يأخذ منهم حيز زمني كبير في اليوم من شروق الشمس إلى الزوال أو حتى المغيب مع ما يستدعيه من انتباه ذهني أثناء مراقبة القطيع و الحرص على سلامته و مجهود بدني. ضعف التجهيز و البنيات الأساسية في العالم القروي و خاصة التزود بالمياه الصالحة للشرب ، فالعديد من المناطق القروية في العالم يتحمل الأطفال في سن التمدرس عناء إحضار المياه الصالحة للشرب إلى منازلهم من مصادرها التي قد تبعد لمسافات عن مساكنهم حملا بالأيدي في أواني بلاستيكية أو في صهاريج على ظهور الدواب. 2 عوائق ثقافية يغلب على المناطق القروية الثقافة و العادات المحافظة التي لا ترى في تمدرس أبنائهم وبالخصوص الفتاة فائدة أو ضرورة بل قد تعتبره الأسرة تمدرس الفتاة شيء محضورا يساهم في تفسخ المجتمع و انحلال القيم . وقد ترجع هذه المواقف إلى الأفكار المسبقة عن المدرسة أو إلى طبيعة المهام المسندة للفتاة القروية و التي قد لا تستطيع إن تقوم بها إن التحقت بمقاعد المدرسة ، فعادة الفتاة القروية تقوم برعاية إخوتها الصغار و الحرص على حمايتهم حين تخرج الأم لمزاولة أعمالها الفلاحية في الحقول بعيدا عن منزل الأسرة. حرص الأسر على سلامة الفتاة القروية فهذه الأخيرة تُعتبر عُرضة للأخطار خلال طريقها إلى المدرسة ، اعتداءات الغرباء وما إلى ذالك. انقطاع الطريق بفعل العوامل المناخية كالمطر و فيضان الأودية أو انهيارات التربة وحتى هجوم الحيوانات الضارية كالكلاب و العقارب و الأفاعي. عدم المساواة داخل الأسر بين الذكور و الإناث فيتجه كل الاهتمام و الحرص للإخوة الذكور في حين يتم إقصاء الإناث (عند إكمال الابن و البنت للمرحلة الابتدائية تضطر الأسرة ترشيدا للنفقات إرسال الابن وحده إلى المدرسة الإعدادية و إنهاء تدريس الفتاة القروية عند نهاية المرحلة الابتدائية) و توجيه الفتاة المنقطعة عن المدرسة إلى مزاولة الإشغال داخل المنزل و في الحقول الفلاحية. الزواج المبكر يحرم الفتاة من إكمال دراستها، فتزويج الفتاة أو حرمانها مبكرا من الذهاب إلى المدرسة كمرحلة إعدادية نحو تحويلها إلى زوجة و أُم. 3 عوائق تربوية دراسية افتقار المدارس في العالم القروي إلى التجهيزات الضرورية كالسور حول المدرسة و المرافق الصحية كالمراحيض فالتلاميذ القرية ضحايا عدم وجود المراحيض في مدارس العالم القروي مما يشكل حرج كبير لهم وخاصة الفتيات يكبرن وكلما كبرت الفتاة يزيد الأمر أكثر تعقيدا و غالبا ما تنقطع الفتاة القروية لهذا السبب الذي قد يظنه الكثيرون سببا بسيطا. عدم اندماج المدرسة القروية في محيطها الثقافي و خاصة أوقات الدراسة مع احتياجات و أنشطة الساكنة القروية ، كالذهاب إلى السوق الأسبوعي و المواسم و أيام الحرث و الزرع و الجني و الحصاد ، حيث تكون الأسر القروية في أمس الحاجة إلى تجنيد كل أفرادها في هذه الأنشطة الضرورية بينما المدرسة القروية تعمل باستعمالات زمن صارمة و مصممة للأوساط الحضرية و مسقطة على العالم القروي دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصياته و اختلافاته. عدم وجود أقسام داخلية كافية و مساكن للتلاميذ اللذين أكملوا المرحلة الابتدائية و يردون الالتحاق بالمرحلة الإعدادية. حين نضع أيدينا على المشاكل الحقيقية التي تقف أمام تمدرس أبناء العالم القروي و تشكل همًا حقيقيا لهم ، نكون قد قطعنا شوطا مهما أمام حلها، مما سيمكن أعدادا كبيرة من هذه الفئة من الالتحاق بالمدرسة و التعلم مثل أقرانهم في العالم الحضري و العالم المتقدم. تعليم أبناء القرى يشكل أساس حقيقي و لازم لكل تنمية بشرية و اقتصادية.