حين تنشغل جل تلميذات العالم بالواجبات المدرسية و العلمية أو ينغمسن في أنشطة ترفيهية أو هوايات موازية.. تظل التلميذة القروية استثناء من كل أطفال العالم فهي تفكر كيف ستصل الى المدرسة البعيدة ؟ وما هي أنواع الاخطار التي تتربص بها في تلك الطريق .. وهل سيفيض النهر فيقطع الطريق أم ستختفي وسط الضباب ؟ وهل ستستطيع العودة لمقاعد الدراسة السنة المقبلة أم ستصبح عاملة في أحد الحقول ؟! .. يولد كل أطفال العالم متشابهين لكن الطبيعة المحيطة و الوسط الأسري و الثقافي و الاقتصادي سيكون عاملا مهما في تكوين شخصية الطفل و رسم ملامح مستقبله الدراسي ثم الاجتماعي .. وحسب التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الصادر عن اليونسكو لسنة 2010: يبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية سنويا نحو 175 مليون طفل.. و عدد الاطفال غير ملتحقين بالمدارس 72 مليون طفل تشكل الفتيات النسبة الأكبر منهن .. لا يخفى على الجميع أن التعليم يشكل أداة مهمة في انتشال الافراد من شباك الفقر فكل سنة دراسية يضيفها المتعلم الى رصيده تؤدي الى زيادة دخله المستقبلي بنسبة 10% .. ويساعد التعليم في المناطق القروية على التحسين من مردودية الانتاج الفلاحي .. فكل عامل في القطاع سبق له الولوج الى المدرسة يستطيع مواكبة التقدم في استخدام الآليات الفلاحية و يستطيع أكثر من غيره الاستفادة من التقنيات و الوسائل التي ترفع من مردوده الفلاحي. أما على المستوى الاجتماعي فتعليم الفتاة القروية أو النساء عامة له تأثير كبير جدا على الأفراد و الأسر و حتى كامل المجتمع : فتعليم الفتاة أو الأم يساهم في انقاذ الآلاف من الأرواح فحين تتحسن شروط النظافة و استعمال الصحيح للأدوية و معرفة بوادر و الامراض و الكشف المبكر عنها و معالجتها .. تمدرس الفتاة القروية يجعلها في مأمن من الدخول في تجربة الزواج و الحمل المبكر .. فأكبر نسبة للوفيات في صفوف الامهات خلال الولادة تتواجد في صفوف الفتيات اللائي لم يلتحقن بالمدرسة أو انقطعن مبكرا عنها .. وكذلك فتعليم الفتاة يساهم في تحديد معدل الخصوبة أي متوسط عدد الأطفال الذين يولدون لكل امرأة خلال حياتها : فعلى سبيل المثال عدد الأولاد للأم الواحدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو 6,7 للنساء دون تعليم و 5,8 للنساء الحاصلات على تعليم ابتدائي و 3,9 للنساء الحاصلات على التعليم الثانوي حسب تقرير اليونيسكو السابق .. يُأكد الباحثون و المختصون في التربية و التعليم أن الفتيات يحققن نتائج مختلفة كما ونوعا عن الفتيان: الفتاة أكثر انضباطا بقوانين القسم و أكثر حرصا على القيام بالواجبات الدراسية .. و الفتيات يفقن الفتيان في مهارات القراءة و اللغات و الخط الكتابي, أمام تفوق طفيف وتاريخي للفتيان على الفتيات في الرياضيات و الحساب و مواد العلوم التحليلية.. الفتاة المتعلمة قادرة على النجاح و التفوق في مجالات الرعاية الاجتماعية و الصحية و مهن التربية و التعليم قبل الذكور. تعليم الفتيات و خاصة الفتاة القروية هو عامل أساسي في التنمية المستدامة و عنصر مهم في النهوض الاقتصاد الوطني ..لكن يجب أولا الوقوف على أهم المشاكل و العوائق المانعة لتمدرس الفتاة القروية . والتي يمكن تقسيمها الى ثلاثة أنواع: 1- عوائق اقتصادية: يشكل الفقر المنتشر في الوسط القروي عاملا مهما في اعاقة و منع التحاق الفتاة بالمدرسة : فالأسر القروية غالبا ما تكون ذات دخل محدود لا يكفي لسد الحاجيات الضرورية للأسرة كالطعام و السكن و الدواء في حين يبقى التعليم شيئا كماليا . طبيعة الطفل القروي كطفل منتج يساهم مبكرا في الدخل المادي للأسرة.. ففي الوقت الذي يُشكل فيه الطفل في الاسرة الحضرية عبئا ماديا على الأسرة فالطفل أو الفتاة القروية يبدأ مبكرا في المساهمة في الانشطة الفلاحية لأسرته أو لقريته حسب اختلاف المناطق .. أغلب أطفال القرى مثلا يزاولون نشاط رعي الحيوانات التي تربيها الاسرة : قطيع الأغنام , الماعز , الأبقار , الجمال .. و هذا النشاط يشكل مورد رزق أساسي للأسر القروية و عادة ما يقوم به الاطفال ابتداءا من سن الخامسة حيث يأخد منهم حيز زمني كبير في اليوم من شروق الشمس الى الزوال أو حتى المغيب مع ما يستدعيه من انتباه ذهني أثناء مراقبة القطيع و الحرص على سلامته و مجهود بدني . ضعف التجهيز و البنيات الاساسية في العالم القروي و خاصة التزود بالمياه الصالحة للشرب , فالعديد من المناطق القروية في العالم يتحمل الاطفال في سن التمدرس عناء احضار المياه الصالحة للشرب الى منازلهم من مصادرها التي قد تبعد لمسافات عن مساكنهم حملا بالأيدي في أواني بلاستيكية أو في صهاريج على ظهور الدواب. 2- عوائق ثقافية : يغلب على المناطق القروية الثقافة و العادات المحافظة التي لا ترى في تمدرس الفتاة فائدة أو ضرورة بل قد تعتبره شيء محضورا يساهم في تفسخ المجتمع و انحلال القيم .. وقد ترجع هذه المواقف إلى الافكار المسبقة عن المدرسة أو الى طبيعة المهام المسندة للفتاة القروية و التي قد لا تستطيع ان تقوم بها إن التحقت بمقاعد المدرسة : فعادة الفتاة القروية تقوم برعاية اخوتها الصغار و الحرص على حمايتهم حين تخرج الأم لمزاولة أعمالها الفلاحية في الحقول بعيدا عن منزل الاسرة. حرص الاسر على سلامة الفتاة القروية فهذه الاخيرة تُعتبر عُرضة للأخطار خلال طريقها إلى المدرسة : اعتداءات الغرباء .. انقطاع الطريق بفعل العوامل المناخية كالمطر و فيضان الاودية او انهيارات التربة وحتى هجوم الحيوانات الضارية كالكلاب و العقارب و الافاعي . عدم المساواة داخل الاسر بين الذكور و الاناث فيتجه كل الاهتمام و الحرص للاخوة الذكور في حين يتم اقصاء الاناث : فمثلا عند اكمال الابن و البنت للمرحلة الابتدائية تضطر الاسرة ترشيدا للنفقات ارسال الابن وحده الى المدرسة الاعدادية و انهاء تدريس الفتاة القروية عند نهاية المرحلة الابتدائية و توجيه الفتاة المنقطعة عن المدرسة الى مزاولة الاشغال داخل المنزل و في الحقول الفلاحية .. الزواج المبكر يحرم الفتاة من اكمال دراستها : فتزويج الفتاة أو حرمانها مبكرا من الذهاب الى المدرسة كمرحلة اعدادية نحو تحويلها الى زوجة و أُم . 3- عوائق تربوية دراسية : افتقار المدارس في العالم القروي الى التجهيزات الضرورية كالسور حول المدرسة و المرافق الصحية كالمراحيض فالتلميذة القروية هي أول ضحايا عدم وجود المراحيض في مدارس العالم القروي مما يشكل حرج كبير للفتيات يكبر كلما كبرت الفتاة و غالبا ما تنقطع الفتاة القروية لهذا السبب الذي قد يظنه الكثيرون سببا بسيطا .. عدم اندماج المدرسة القروية في محيطها الثقافي و خاصة اوقات الدراسة مع احتياجات و انشطة الساكنة القروية .. كالذهاب إلى السوق الاسبوعي و المواسم و أيام الحرث و الزرع و الجني و الحصاد , حيث تكون الاسر القروية في امس الحاجة الى تجنيد كل افرادها في هذه الانشطة الضرورية بينما المدرسة القروية تعمل باستعمالات زمن صارمة و مصممة للأوساط الحضرية و مسقطة على العالم القروي دون الاخد بعين الاعتبار خصوصياته و اختلافاته . عدم وجود أقسام داخلية كافية و مساكن للتلميذات اللاتي أكملن المرحلة الابتدائية و يردن الالتحاق بالمرحلة الاعدادية .. حين نضع أيدينا على المشاكل الحقيقية التي تقف أمام تمدرس الفتاة القروية و تشكل همًا حقيقيا لها .. نكون قد قطعنا شوطا مهما أمام حلها.. مما سيمكن أعدادا كبيرة من فتيات و تلميذات العالم القروي من الالتحاق بالمدرسة و التعلم مثل أقرانهم الذكور و أيضا مثل أقرانهم في العالم الحضري و العالم المتقدم. تعليم الفتاة القروية يشكل أساس حقيقي و لازم لكل تنمية بشرية و اقتصادية. ذ عبد الحميد أبوزرة