القرى النائية بازيلال بؤرة لتصدير الطفلات الصغيرات للخدمة في البيوت والمقاهي والوجهة هي الدارالبيضاء وباقي المدن الكبرى احتفل العالم أخيرا ومن ضمنه المغرب باليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال ، وهي مناسبة سنوية للوقوف على الانجازات التي حققتها الدول لمحاربة تلك الظاهرة والتحسيس بمخاطرها وهل بذلت مجهودات كافية للحد منها وكان شعار الاحتفال هذه السنة»أطفال في أشغال خطيرة» . في المغرب الظاهرة لا تحظى باهتمام كبير رغم الجهود المبذولة سواء من الدولة او المجتمع المدني، فإقليم ازيلال كنموذج يعتبر خزانا حقيقيا لعمالة الاطفال والطفلات الصغيرات سواء بالمدينة ذاتها او بالمدن الكبرى كالدارالبيضاء والرباط وطنجة و فاس .. فتيات في عمر الزهور تتحولن من تلميذات إلى خادمات في البيوت والحقول ونادلات بالمقاهي لإعالة أسرهن ، حيث يبقى الفقر و البطالة ،وكبر سن الوالدين من أهم أسباب دخول كل هؤلاء إلى سوق الشغل في سن مبكرة ، ولم تحل لا المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ولا شعارات الجمعيات المناهضة لتشغيل الفتيات القاصرات، او الحق في التعليم واجباريته دون تشغيلهن ونقلهن من حياتهن البئيسة في دواوير قروية نائية الى المجهول حيث يتم نقلهن الى بيوت لا يعرفن فيها احد من اجل الخدمة ساعات طويلة بعيدا عن الأهل والإخوة وحنان الأم، تاركات حلم إنهاء الدراسة وإيجاد عمل حقيقي وعيش طفولة من حق كل الأطفال ان لا يحرموا منها.. وحتى نقترب من اسباب وحجم الظاهرة ومدى انتشارها قمنا ببحث ميداني التقينا من خلاله مجموعة من الاسر فعند سؤالنا لبعض هؤلاء عن سبب اخراج بناتهم من المدرسة وبعضهن متفوقات يكون الرد هو غلاء المعيشة، فالفلاح البسيط لا يستطيع شراء حتى المواد الأساسية كالسكر والشاي والتوابل والخضر ، أما زيت الزيتون والدقيق فمن مدخرات المحصول السنوي للفلاح ، فالبدوي البسيط الذي يعيش وأسرته وسط الجبال بلا جهاز تلفاز ولا كهرباء يستعمل احيانا جهاز الراديو وقت الأخبار حتى لا ينقطع عن العالم ،يبدو له التعليم نوعا من الترف وحتى ان لم يحرمهم من هذا الحق فالشغل لا بد منه خلال العطل الاسبوعية والمدرسية وذلك في الحقول او الرعي، واغلبية يفضلون مجبرين البحث عن عمل قار في البيوت مقابل مبلغ 200 درهم شهريا وهو مبلغ كاف حسب قول احد الفلاحين لتلك المتطلبات الاساسية لأنه لا يذهب إلى السوق الأسبوعي إلا نادرا بسبب طول المسافة التي يبعد بها السوق عن الدوار.. تقول ( س.ر) التي تبلغ من العمر 13 سنة أغادر بلدتي للعمل كلما أتيحت لي الفرصة لذلك، واستغل تواجدي بالمدينة لشراء بعض الملابس، فزميلاتي اللواتي لا يشتغلن منهن من ترتدي لباسا واحدا طوال السنة تقوم بتنظيفه نهاية الاسبوع، وتقول أخرى مستوى السادس ابتدائي اذهب للعمل في الحقول كل نهاية أسبوع بمبلغ 25 درهما لإعالة أسرتي فأبي رجل مسن مدمن على التدخين ويحتاج إلى شرائه يوميا ويتسول أحيانا من اجله . وتقول سيدة تبلغ من العمر 55 سنة أم لثلاث بنات أنهن جميعا ساهمن في تأتيت المنزل وبنائه فالمسؤولية تصبح مشتركة ما إن تشعر الفتاة بثقل المسؤولية وأحيانا اضطر للذهاب إلى المدرسة وخلق أعذار للأستاذ حتى أتمكن من مصاحبة ابنتي للحقل للعمل أو الذهاب إلى منزل إحدى زبوناتي الموظفات بالمدينة لنقوم بالعمل داخل منزلها بعد قطع مسافات طوال على الأقدام.. ،فقد دفعت الظروف القاسية فتيات بالدراسة حسب شهادة بعض الاساتدة إلى العمل واستغلال أيام العطل لإعالة أسرهن وغالبا ما ينقطعن عن الدراسة باكرا ويتم العطف على مثل هؤلاء بتوزيع ملابس مستعملة وشراء بعض الأدوات الدراسية، فالفتيات بالبوادي النائية لا يعرفن معنى للراحة واللعب والاصطياف بالشواطئ كما يفعل أقرانهن، بالمدن فالفتاة تتحول إلى امرأة مجرد ما إن تظهر عليها علامات الأنوثة تقوم بإعداد الطعام والتنظيف، وفي بعض الأحيان تخرج باكرا من المنزل مع باقي الفتيات والنساء للبحث عن العمل فمنهن عاملات بالحقول ونادلات بالمقاهي الشعبية والخطير في الأمر انه يتم استغلالهن جنسيا وليس سهلا على الفتاة الجهر بذلك أو تبليغ لامن خوفا من الفضيحة . تشغيل الطفلات القاصرات في البيوت ليس اختيارا بل ضرورة للعيش: تقول ( م.م) البالغة من العمر 40 سنة ام لطفلتين ، تعيش حسب قولها ظروفا مزرية أولها ان بناتها لم يسجلن في الحالة المدنية، وبالتالي لا يمكنهن بعد بلوغ سن الرشد الحصول على بطاقة التعريف الوطنية مثل حالها لتتفاقم المعاناة التي حرمتهن من التعليم ، ولمساعدتها ماديا أرسلتهن إلى الدارالبيضاء للعمل،كخدمات في البيوت ، أما الأب فهو معاق وغير قادر على العمل، مضيفة العمل في البيوت بالنسبة لبناتنا ليس اختيارا بل ضرورة للعيش، والا اين لبديل في مثل الظروف التي تعيش فيها بلا أي مورد مالي . ولمناقشة هذا الموضوع اجرينا حوارا مع مصطفى زهري خريج المعهد العالي للصحافة وعامل في الحقل الاجتماعي ؟ س-أمام تنامي ظاهرة تشغيل الأطفال وخاصة الفتيات دون السن القانوني والزج بهن في عالم الشغل وتشغيلهن في أعمال مضرة بنموهن وصحتهن في غياب أي حماية أو مراقبة قانونية. كيف تفسرون ذلك كفاعل إعلامي وعامل في الحقل الاجتماعي؟ ج: اسمحوا لي بداية ان أقول ، ان سؤالكم هذا يطرح مفارقة او بالأحرى وضعا مأزقيا تعاني منه مختلف دول العالم الثالث ،يمكن إيجاز هذا الوضع المازقي في الصياغة التالية : تفاقم ظاهرة تشغيل الأطفال وبالخصوص الفتيات مادون السن القانوني المعترف به في مختلف العهود والمواثيق الدولية مابين الرهانات القانونية والتشريعية الوطنية والدولية وتحديات متطلبات العيش اليومي للأسر والعائلات . ذلك ان الأوضاع الاقتصادية والمادية للأسر الفقيرة والمعوزة هي الدافع الأساسي إلى حرق المراحل العمرية للأطفال والفتيات مادون السن القانوني وجعلهم يتحملون او بالأحرى يتجرعون ضخامة المسؤوليات الأسرية في وقت مبكر . أما تفسيرنا لذلك ، فنحن نعتبر من وجهة نظرنا ان هذا يعتبر في حد ذاته بمثابة إجرام المجتمع في حق هذه الطفولة وبالتالي فهو اغتصاب جماعي للزمن البيولوجي للطفولة والذي يفترض ان يكون الأطفال في هذا السن المبكر في فصول المدارس او ساحات اللعب والترفيه كمدرسة أولى بعد أحضان الأمهات. ينتج عن هذا الاغتصاب للزمن البيولوجي ،إقحاما تعسفيا للأطفال في مايصطلح عليه بالزمن السيوسولوجي بدون مؤهلات ولا مقومات المناعة ،بما ينم عنه من إدخال للطفل وبقوة الأمر الواقع في زمن ليس له بعد ، بما يعج به هذا الواقع من مظاهر العنف النفسي والجسدي والاغتصاب الجنسي والذل والمهانة مما يترتب عنه بطبيعة الحال نتائج سلبية لا تؤثر فقط على الأطفال ولكن على جسم المجتمع ككل. . ورغم ان مختلف الدول قد انخرطت في مسلسل المصادقة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل و منع تشغيل الأطفال ما دون السن القانونية فان الآليات والضوابط التشريعية الوضعية ،تبقى مع ذالك عاجزة عن توفير الحماية لهذه الشرائح الاجتماعية وبالتالي الحد من التزايد المفرط لهذه الظاهرة والتي بقدرها اقتربنا من التقليص منها على مستوى المؤسسات والشركات والمقاولات بقدر ما تزداد في التفاقم داخل البيوت والعائلات لعدة اعتبارات واكراهات تتعلق باحترام حرمات البيوت الى غير ذالك ... مما يجعل هذه المراقبة القانونية تتخذ أشكالا علاجية أكثر منا وقائية ..وبالتالي تأخذ مناحي زجرية في كثير من الأحيان وهذا ما تطالعنا به مختلف وسائل الإعلام هنا وهناك عن الخادمات القاصرات في البيوت وما يتعرضن له من تعنيف وتعذيب من طرف ربات هاته البيوت . 2 ? أمام هذا الوضع المأساوي وتزايد تشغيل الصغيرات ماهي السياسة الحكومية المتبعة لوضع إجراءات ملموسة للحد من هذه الظاهرة؟ حري بنا ان نتحدث عن السياسة العامة المتبعة للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال والفتيات ما دون السن القانوني ، على اعتبار أن العمل الحكومي لايعدو أن يكون سوى أداة تنفيذية لتطبيق السياسة العامة في هذا الميدان، الذي يتطلب أكثر من مقاربة ،نظرا لتشعب تمظهراته وتجلياته ة التي تأخذ عدة أشكال متباينة نذكر منها : استغلال الأطفال في المجالات الحرفية واستغلالهم لاحتراف مهن التسول ، الخدمة او السخرة في البيوت ولعل افضع صور هذا الاستغلال هو السقوط في براثيين الدعارة مما يجعلهم فريسة سهلة لمحترفي البيدوفيليا و السياحة الجنسية . إذن وكما سبقت الإشارة سابقا ،فمواجهة هذه الآفة يتطلب التدخل على عدة أصعدة: أولا تشريعية ،عبر المصادقة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل و سن مجموعة من القوانين والضوابط التشريعية لتجريم ظاهرة تشغيل القاصرات ؛ ثانيا تنفيذية عبر وضع آليات تطبيقية للحد من الآفة وفي هذا الإطار يدخل العمل الحكومي كما قلت . ولابد أن نسجل هنا أن مختلف القطاعات الحكومية أصبحت تولي اهتماما بالغا للموضوع من خلال وضع مشروع قانون خاص بالخادمات في البيوت الذي أعدته وزارة التشغيل والتكوين المهني وكذلك مشروع قانون أعدته وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ضد تشغيل الأطفال ما دون سن 15 سنة ؛ ثالثا قضائية قصد إنصاف هذه الفئات والشرائح البريئة و ضمان حقوقها وصيانة كرامتها. وحتى لا أعيد ماسبق ذكره فالسياسة العامة ومن ضمنها العمل الحكومي تبقى لوحدها غير كافية بل يتطلب الأمر انخراط الهيئات المنتخبة بما فيها الجماعات المحلية وكذا مكونات المجتمع المدني في مسلسل تفعيل الترسانة القانونية والحقوقية لحماية براءة الأطفال والفتيات القاصرات ضحايا الاستغلال والاستنزاف الممنهج لقدراتهم البدنية والفكرية والنفسية على اعتبار ان هذه المكونات هي اقرب ماتكون من هذه الفئات وتملك وسائل الإقناع الكافية لتحسيس وتوعية الأسر والعائلات بمخاطر هذه الآفة التي تنخر كيان المجتمع المغربي من الداخل . 3- في غياب برامج هادفة لمواجهة هذه الظاهرة وفي غياب جمعيات ومؤسسات اجتماعية تهتم بالخادمات القاصرات وإعادة تأهيلهن.كيف يمكن إدماجهن في محيطهن الاجتماعي والاقتصادي؟ في الواقع هناك برامج ومؤسسات وجمعيات تستهدف هذه الفئات، وتعمل جديا على إنجاز دراسات ميدانية في الموضوع بفضلها استطعنا الوصول إلى تشخيص هذه الظاهرة والتعرف على ما كان بالسابق محفوفا باللبس والغموض.فالبحوث التي أنجزتها بعض الجمعيات المدنية مكنتنا من معرفة عدد الخادمات بالبيوت والذي ناهز 66000 خادمة بالمغرب. أما بخصوص البرامج فلنا في برامج التربية غير النظامية الذي تنجزه مختلف القطاعات الحكومية وكذا الجمعيات المدنية خير دليل. ومن خلال تجربتي الخاصة كمسؤول سابق عن الإعلام والاتصال بالإدارة المركزية للتعاون الوطني وقفت خلال إنجازي لبعض البرامج التلفزية بتعاون مع الإذاعة والتلفزة المغربية على عدة حالات لخادمات في بيوت بعض الأسر في كل من أسفي والجديدة ومراكش وكذلك ازيلال يتابعن تكوينهن الحرفي في بعض المهارات اليدوية في أوقات الفراغ بموازاة مع عملهن اليومي داخل البيوت مما مكنهن من الانخراط في بعض التعاونيات وبالتالي التخلص من عبودية ربات البيوت وانخراطهن في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. ومجمل القول أن المستوى الثقافي للأسر والفقر وقلة المدارس والنقص بمعرفة الحقوق والواجبات ، بالإضافة إلى ضعف التواصل والنقص في الحملات التحسيسية بالموضوع كلها عوامل تتداخل لتجعل هذه الفئات المستهدفة بعيدة عن البرامج الموضوعة لفائدتها وكذا المراكز والمؤسسات التي تعنى بها .لدا يجب التفكير في إيجاد آليات للتفكير في طرق التنسيق والتواصل مع مختلف المتدخلين حتى تتمكن الخادمات القاصرات من إسماع صوتها عبر مراكز الاستماع والتوجيه المتواجدة في مختلف المدن و الاستفادة من خدمات مراكز الاستقبال ومراكز التربية والتكوين المعدة أصلا لتأهيلهن وتمكينهن من المهن والمهارات القادرة على تحقيق ولوجهن سوق الشغل.