نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. ضيف هذه الحلقة الجديدة مع الإعلامي بقناة ميدي 1 نوفل العوالمة. ما الذي تتذكره من طفولتك؟ مرحلة الطفولة بالنسبة لي بدأت في سن الرابعة لأنني عشت قصة خاصة تجسدت بمغادرتي للمغرب رفقة والدي وإخوتي، وبالتالي مع مرور الوقت في الأردن أصبحت كل الذكريات التي عشتها في المغرب في عداد النسيان، لأن البيئة تغيرت وكذلك الناس وفي سن الطفولة من الصعب أن تحافظ على الذكرى إذا لم يكن هناك تكرار للمشاهد، وهذه طامة كبرى بالنسبة لي أن تلغى من ذاكرتك مرحلة عمرية هامة ولم يتبقى منها في ذهنك سوى بعض الصور. ما بعد سن الرابعة أي المرحلة التي عشتها في الأردن كانت ذكريات تمزج بين السعادة والألم تارة تطغى الأولى وتارة أخرى الثانية، إلا أنني أتذكر طفلا يعشق المقاومة في كل شيء، يكره الاستسلام ويحب الحياة، يلعب مع الأطفال ويفكر بعقل الرجال، مارست كرة القدم، دخلت عالم المطالعة، بحثت عن ذاتي بإستمرار في كل ما تتيحه البيئة التي أعيش فيها. والحمد لله رغم غياب أمي والجرح الذي تركه هذا الغياب حاولت أن أبحث عن التفوق فكنت مجتهدا في الدراسة متفوقا في الأدب وتجويد القرآن. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ الصحافة بالنسبة لي قصة حب بدأت في الأول إبتدائي حين منحتني أستاذتي في المدرسة فرصة تقديم الفقرة الصباحية. منذ ذلك الحين أصبحت عاشقا للإذاعة المدرسية وبقيت كذلك حتى الصف العاشر. وبعد مجيئي للمغرب وحصولي على شهادة البكالوريا قررت إكمال دراستي في فرنسا ولكن لم أوفق في ذلك بسبب تأخري في إرسال بعض الأوراق، حينها ولجت المعهد العالي للإعلام والإتصال وحصلت على الشهادة الجامعية لتبدأ رحلتي في رحاب صاحبة الجلالة. بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟ أعتقد بأن الصحافة أم المعارف كما هو حال الفلسفة التي كانت ذات يوم أما للعلوم لذا لا يمكن أن أفصل مهنتي عن حياتي اليومية وربما هذا خطأ في بعض الأحيان، إلا أنني أجد نفسي مهتما بمواكبة الأحداث والإضطلاع على متغيرات العالم القريب والبعيد، كما أجد نفسي قريبا للسياسة أكثر من الرياضة على الرغم من أنني لا أمارسهما في الواقع. فالرياضة هي تخصصي في القناة لا أكثر والسياسة لا أنتمي لتياراتها على الأقل عضويا عبر إنخراط يترجم لمشاركة في المشهد السياسي، ولكن رغم ذلك أجد نفسي متابعا وفيا للحقل السياسي المحلي والدولي خاصة مع المتغيرات التي يعرفها العالم حيث لا مكان للرياضة كوسيلة ترفيه أمام صور الدمار التي طالت البشر والشجر والحجر. ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟ أعشق الرباط لأسباب كثيرة ففيها خطت ذكريات لا يمحوها النسيان كما تسكن قلبي مدينة الصخيرات أرض أمي الحبيبة ولطنجة نصيب كبير من الوفاء والحب ففيها أعيش وأعمل حاليا. ألم تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ أعتقد بأن الصحافة كمهنة تتعدى حدود الأجر في آخر الشهر وتتجاوز الشهرة والتأثير في المجتمع بتوجيه الرأي العام وصناعته، الصحافة بالنسبة لي رؤيا خاصة للحياة عبر تفرد وإبداع شخصي ينعكس على الجماعة من خلالي كفرد وهنا تتحول المهنة إلى حياة تعاش بحلوها ومرها بمنغصاتها ومسراتها. لذا لم ولن أندم يوما على اختيار هذه المهنة التي تسكن الفؤاد وتسري في الشرايين ككريات الدم البيضاء والحمراء. ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو السياسي؟ ليست تهمة أن تكون صحفيا مسيسا فالساسة والأحزاب لهم منابرهم الإعلامية ويتبنون فكرا يريدون نشره أو تطبيقه ولكن أن يتحول الصحفي إلى بوق لهذه الجهة على حساب إغتيال جهات سياسية أخرى بالقلم والحنجرة فهذا يجرد صاحبه من الموضوعية ويرمي بمصداقيته في سلة المهملات =. هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟ في مهنة الصحافة الألقاب مهمة جدا خاصة مع كثرة المتطفلين وأنا وعلى الرغم من انني لم أفني عمري بعد في رحاب السلطة الرابعة إلا أنني أحبذ لقب الإعلامي ليس من باب الغرور ولكن أرى أنه لقب مستحق بعد ما قدمت من منتوج نال رضى المتلقي =. هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ بصراحة ولأول مرة سأتحدث لكم عن مشروع لم يكتمل بعد وهو عبارة عن رواية ستخرج للعلن في غضون سنتين على أبعد تقدير، أما الكتابة فهي جزء لا يتجزأ من مهنتنا. فنحن وقبل كل شيء كتاب ٌ للخبر وللتقارير الخبرية، إلا أنني أحب أن أداعب قلمي كثيرا لتأريخ بعض الأحداث عبر كلام منظوم قد لا يرقى لمرحلة كتابة الشعر. ما رأيك في واقع الإعلام المغربي؟ سألني أحد الزملاء عن هذا السؤال في مقابلة صحفية وأجبته كما سأجيبك الآن: من الصعب تقييم واقع الإعلام المغربي في سطور ولكن أعتقد بأن المغرب يتوفر فيه مناخ صالح لإعلام أفضل مما عليه الآن، من حرية التعبير وصولا إلى الإمكانيات المتاحة والقدرات الشخصية للعاملين في هذا القطاع. وإذا أردت أن نفصل أكثر عليك أن تنظر لواقع الصحافة المكتوبة التي لم تعد قادرة على مقاومة الإعلام البديل (المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي). أما الإعلام المسموع يمكننا القول بأنه استفاد من تحرير القطاع وخلق قاعدة لا بأس بها. أما الإعلام المرئي فيحتاج وبكل صراحة إلى دفعة جديدة عبر جولة جديدة من تحرير المشهد بإعطاء تراخيص لقنوات متخصصة وعامة تتنافس فيما بينها على مضمون يرقى لتطلعات متلقي وجد ضالته في الإعلام الأجنبي ويواكب أيضا مملكة تتقدم وتتطور وتعقد شراكات إستراتيجية تحتاج لدعم إعلامي ووعي جماعي يساهم في مسيرة النماء. هل أنت راض عن ما تقدمه الصحافة الرياضية المغربية؟ الإعلام الرياضي في المغرب يجتهد حسب المستطاع، وهناك كفاءات وطنية منها من هاجر ومنها من فضل البقاء، وأعتقد بأن الانتقادات التي توجه للإعلام الرياضي تتناسى أحيانا واقع المنتوج الرياضي الوطني والذي تراجع في رياضات متنوعة ومع غياب الإنجاز قد يغيب الإبداع من لدن الصحفي الرياضي، كما أن الإعلام الرياضي يعامل في المؤسسات الإعلامية كفاكهة قد يستغنى عنها في بعض الأحيان فيتم وضعه في أسفل الهرم، إضافة لكل هذا يبقى غياب التكوين في الإعلام الرياضي سبب رئيسي في عدم تطور هذا المجال. كيف ترى حظوظ المنتخب المغربي في الاستحقاقات القارية؟ تابعت المنتخبات الوطنية منذ سنوات وأعتقد بأن الكرة المغربية ستعرف طريق منصة التتويج قريبا، وسبب هذا التفاؤل أنني أرى مادة خام قابلة للإستثمار وبقليل من الصبر سنتوفر على منتخبات قوية قادرة على التنافس قاريا وعالميا أما بالنسبة للمنتخب الأول فتأهله لنهائيات الكاميرون 2019 مسألة وقت لا أكثر لأننا وقعنا في مجموعة سهلة جدا. وإذا ما توفرت ظروف النجاح أعتقد جازما بأن الجيل الذي لمع في الغابون قادر على تشريف الكرة الوطنية في الكاميرون ولعب أدوار طلائعية بإذن الله. هل من طُرفة وقعت لك في محراب صاحبة الجلالة؟ قد لا توجد مهنة مليئة بالطرائف والنوادر أكثر من مهنة الإعلام التي تتطلب منك السفر في كثير من الأحيان وقد تتعرض لمواقف طريفة تماما كما وقع معي في أحد المباريات الهامة للمنتخب الوطني في تصفيات كأس أفريقيا حيث تساقط المطر على ذلك البلد بكثرة وأردت رفقة المدرب هشام الإدريسي الذي رافقني في التعليق على المباراة النزول لأرضية الميدان للتعرف على مستوى المياه فيه لإخبار أحد أعضاء الجهاز الفني للمنتخب الذي لا زال في مقر الإقامة وحين دخلنا للملعب قوبلنا بصافرات الإستهجان وزجاجات العصير حيث اعتقد الجمهور بأننا نحاول وضع السحر في الملعب. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية: هي ملعبي الذي أهواه وأستنشق هواه وأتمنى لغيري أن يراه ويسكن في رحابه لأن الحياة بلا حرية تتحول إلى عبودية تنتفي معها أسمى المبادئ التي مكنت البشرية من التميز عن باقي المخلوقات. الحب: سلاح قاتل علينا أن نحسن استخدامه مع من نحب، ومن دونه فلا معنى للحياة فهو المبتدأ والخبر وأكسجين الفؤاد. الوطن: جدي وجد جدي، عرضي وأرضي، هويتي التي أفخر بالانتماء لها وغايتي التي أفني عمري باحثا عن تحقيقها عبر بصمة أو رسالة تعيش من بعدي تاركة أثرا في تراب وطني، الذي منه خرجت وإليه عدت فهو ساكن ومقيم لا يفارقني في الحياة والموت. ما رأيك في هؤلاء؟ بادو الزاكي: رجل خلوق، حارس مرمى أسطوري، ومدرب فذ قل نظيره في المغرب. نوال المتوكل: عصامية عكست وجه المرأة المغربية القادرة على البذل والعطاء بإبداع وتفرد في المضمار وفي أجهزة أرفع مؤسسة رياضية وهي اللجنة الأولمبية الدولية. سعيد عويطة: نموذج للإنسان المغربي القادر على تذليل الصعاب من أجل تحقيق المعجزات، خط لنفسه مسارا رياضيا جعله يصنف بين أساطير أم الألعاب. العربي بن مبارك: وصفه بيليه بالجوهرة السوداء، أمر الفرنسيون ببيع برج إيفل على أن يباع للإسبان. هل بقي ما أضيف؟ بالطبع لا.