نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. نستضيف في الحلقة 23 ضمن هذه السلسلة الصحفي بقناة "الرياضية" أحمد هبان ابن مدينة العيون. – ما الذي تتذكره من طفولتك؟ أيام الصبا شاءت الأقدار أن تكون تحت سماء مدينة عزيزة على قلوب كل المغاربة إحتوتني دروبها وأهلها بوافر الحب ودفء ترابطها الإجتماعي بين كل ساكنة كبرى حواضر الصحراء عيون الساقية الحمراء. لازلت أذكر خطواتي الأولى نحو فصل الدرس ودهشة البداية وشغبنا الجميل الموشوم بالحياء حيث كان كل من يكبرنا سنا جدير بالاحترام بل وحتى الرهبة.. شعور مرده بالأساس خلفية اجتماعية محافظة يطبعها الإعتدال في كل شيء فأنا أخر عنقود المواليد الذكور بعائلتي الصغيرة يكبرني أربعة أخوة وتصغرني أخت واحدة. ترتيب وشم سنوات الطفولة بدلع ودلال من نوع خاص حيث كان والداي أطال الله في عمرهما ومتعني برضاهما أشد الحرص على توفير الظروف الملائمة لتنشئتنا وتعليمنا ولطالما أعتبر والدي الإستثمار في تكويننا استثمارا رابحا في المستقبل جزاهم الله عنا كل خير. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ ماكنت لأختار سواها. كفيٌّ أن تعلموا أنني جازفت بمشوار دراسي بعيد كليا عن أجناس وأساسيات مهنة المتاعب فبعد حصولي على شهادة البكالوريا تخصص علوم وضدا على تصور الأسرة وخاصة والداي اللذان كان أشد الحرص على دراسة الطب بحكم تخصصهما الوظيفي. وهنا أذكر كيف كانت البدايات مشوبة بأرق الهزيمة والعودة بخفي حنين فكانت الوجهة المعهد العالي للصحافة والإعلام الذي قضيت في رحابه ثلاث سنوات من مرحلة أحسبها بصدق فارقة في تجربتي المتواضعة بزاد معرفي ومهني على يد خيرة الأساتذة الأكاديميين والمهنيين في علوم الإعلام ومهن التلفزيون. بعد تخرجي عدت للعيون ضمن فريق عمل أول مجلة أسبوعية وطنية مستقلة وشاملة تصدر من العيون كانت تحمل إسم "الصحراء اليوم" إلى جانب كفاءات صحراوية فذة راكمت ولاتزال خبرات طويلة في المجال وبعد موسمها الأول ساقني القدر لأول إطلالة تلفزيونية على المشاهدين معدا ومقدما للبرنامج الأسبوعي "الفضاء الرياضي" وعمري حينها لم يتجاوز الواحد والعشرين ربيعا لتتواصل الحكاية لخمس سنوات بعدها قبل أن ألتحق بقناة الرياضية صحفيا بقسم الأخبار ومعلقا على مختلف الرياضات في مارس 2016. – هل كنت يوما تتوقع أن تصير صحافيا؟ حتما كان إختياري واضحا. فلا هوس يلامس لواعج الروح عدى شجن السؤال وحرقة الممارسة الصحفية. – بعيدا عن الصحافة، ما هي اهتماماتهم في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟ في الحقيقة كل اهتماماتي تتصل أساسا بمجال عملي في الصحافة الرياضية. ضغط العمل لا يكاد يترك متنفسا للمرء لكنني أجد نفسي منغمسا في إحدى روايات غابرييل غارسيا ماركيز وعلى نغمات جاك بلير وقت ما سنحت لي الظروف بذلك. – ألم تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ بالعكس كل الرضى تماما ولله الحمد قد أسائل نفسي دوما وأحثها على البحث في آفاق أكثر رحابة ولما لا نحو ترك الممارسة الميدانية والتفرغ للأبحاث والدراسات العليا في علوم الإعلام والصحافة لما لا. – ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور الكاتب؟ لدى العامة يحدث خلط بين وظائف الصحفي والكاتب، أعتقد هنا أنه بإمكان الأول أن يرتدي جلباب الكاتب متى توافرت الشروط الموضوعية والأدبية للمادة لكن يصعب على الكاتب أن يمتهن الصحافة بأصولها وقواعدها المهنية دون تكوين مسبق. – هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟ بالتأكيد لا أدعي أني كاتب وذلك شرف لا أرومه. هذا العبد المذنب صحافي ناسك في محراب صاحبة الجلالة، صحافي بالتأكيد. – هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ الكتابة من زاوية عملي مرتبطة أساسا بوثيرة التغطيات والمهام الإخبارية، وغالبا لا أكتب متى شئت بقدر ما يحكمني ضغط العمل مع طاقم من مصور وموضب تقني في غرفة المونتاج وتتوسط مادتي المكتوبة سيرورة إنتاج الأخبار. عدى ذلك أحاول بين الفينة والأخرى توقيع مقالات تحليلية إخبارية تتصل بشكل وثيق ومجال اشتغالي في الصحافة الرياضية. – ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟ هي مدينة العيون حيث الأهل والأقارب وذكريات الصبا ورفاق الشباب. هي الأقرب للقلب دوما ولا ينقطع الشوق إليها أبدا. – كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟ سؤالك أوقد شجنا صديقي. مازال يراودني السؤال دوما أين إختفت تلك اللمسات الروحانية ولهفتنا ونحن صغار لدفء أجواء شهر الصيام، حيث البساطة والتراحم ولمة العائلة.. للأسف صارت ذكرى فقط لست أدري حقيقة متى نستفيق لما ضاع من كينونتنا البشرية وتماسكنا الإجتماعي كخاصية مائزة للمغرب والمغاربة وسط زحام الحياة وأعباء انشغالاتنا اليومية. – ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية: ضالة النبلاء ولا يحسن استثمار حدودها دون التطاول على الغير سوى العقلاء. الوطن: أومن باختلافنا حوله وعليه وداخله لكنني أمقت من يقف دون مصالحه العليا وقضاياه العادلة. الحب: مفردة حمالة أوجه حسب السياق والمقام لكن إجمالا بحاجة لتعلمه دوما أجده حرفة وصنعة تصقل وتكبر فينا بقدر الصفاء والنقاء بذواتنا.