نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. في الحلقة 13 ضمن هذه السلسلة، نستضيف الصحافي الرياضي جمال اسطيفي إبن مدينة أزمورι، وهو حاصل على الإجازة في اللغة العربية. وسبق له أن عمل بيومية الصباح وأسبوعية "الأيام" والأحداث المغربية وأخبار اليوم والمساء، حيث يشغل الآن مهمة رئيس قسمها الرياضي. ما الذي تتذكره عن طفولتك؟ عشت طفولة عادية، لكنني لا أعرف لماذا كلما عادت بي الذاكرة إلى مرحلة الطفولة، إلا وتذكرت اليوم الأول الذي ولجت فيه المدرسة، وكيف أخذتني الوالدة أطال الله في عمرها حتى باب القسم، ثم كيف جلست في الطاولة وأنا أرمقها بنظراتي إلى أن غادرت باب المؤسسة. كنت أصغر أفراد عائلتي، لن أقول إنني كنت مدللا، أو أحظى بمعاملة خاصة، لكن طفولتي كان فيها كل شيء.. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ التحاقي بالصحافة لم يأت بمحض الصدفة، فمنذ الصغر، وحتى قبل أن ألج المدرسة كان حلمي أن أصبح صحافيا.. كنت مولعا بمجلات الأطفال وما توفره من معلومات عامة، كنت أحفظها عن ظهر قلب، كنت أقرأ الصحف والمجلات، والمذياع لا يكاد يفارقني، أما يوم الأحد فقد كان موعدا مقدسا أتابع فيه مستجدات الرياضة وأكتب ملخصات للمباريات، وأدون كل شيء.. أما أكشاك بيع الجرائد فقد كانت تمارس علي سحرا خاصا، بل إنني كنت أمني النفس أن يكون لدي كشك لبيع الصحف والمجلات.. تشكل وعيي في وسط أسري، كان فيه شبه إدمان على الصحف..كل حسب اهتماماته، لذلك، كانت صحيفتا الاتحاد الاشتراكي والعلم ضيفا دائما على البيت، تماما كما هو الحال مع أسبوعية الطريق لسان حال النهج الديمقراطي، أو الميثاق الوطني التي كانت متميزة في المجال الرياضي أو مجلة العربي.. كنت أغرف من كل هذه المشارب باختلاف توجهاتها وأولوياتها.. هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟ كما قلت لك ولوجي للصحافة كان مخططا له.. ولعل هذا ما ما يفسر اشتغالي وأنا لم أكمل دراستي الجامعية بعد، حيث أكملت تعليمي الجامعي بموازاة عملي الصحفي. لا أجد نفسي إلا في مجال الصحافة، إنها مهنة رائعة بكل المقاييس، بل إنني لا أتخيل نفسي أمارس عملا آخر غير الصحافة.. يمكن أن أخوض تجارب جديدة هنا أو هناك، لكن كل هذه التجارب ستظل داخل مجال الصحافة لا خارجها.. بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟ أحاول بلا شك أن أتابع كل الأحداث، وأن أجد الوقت لممارسة هواياتي.. أتابع الشأن السياسي في المغرب، لكنه للأسف الشديد مثير للقرف، هناك أدوار موزعة بإتقان بين من يتصدرون المشهد.. الشأن الثقافي نسخة طبق للأصل لما يقع في السياسة، فالنخبة المثقفة نفضت يديها من كل شيء. ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟ إنها مدينة أزمور، فهي المدينة التي رأيت فيها النور وترعرعت فيها، لكن واقعها يدمي القلب، فهي خارج مخططات التنمية، وبرغم ما حباه الله بها من مؤهلات سياحية، فإن لا أحد للأسف الشديد يريد الالتفات إليها ونفض الغبار عنها.. ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ لست نادما على اختياري للصحافة، فهي المهنة التي أمارسها بحب وبمتعة، لذلك، لو عاد بي الزمن إلى الوراء لاخترت نفس الطريق.. أما إذا كان لابد من تغيير شيء، فهو اندفاعي المبالغ فيه أحيانا والذي كاد في أكثر من مرة أن يكلفني غاليا.. ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو السياسي؟ في المجتمعات الديمقراطية، السياسي يتفاعل مع الملفات التي تميط الصحافة اللثام عنها، وكثيرا ما أطاحت الصحافة بوزراء أو مسؤولين كبار، لدينا نحن تبدو الصورة مختلفة تماما، ففي ظل وجود أحزاب بلا معنى، مهمتها التطبيل والتهليل وافتعال قضايا هامشية، أصبح هناك في المشهد الصحافي من يلعب دور السياسي، لكن في نهاية الأمر فالصحافة مهمتها الإخبار وتشكيل رأي عام فاعل ومتفاعل، وهو ما لن يتم إلا بصحافة جريئة ومسؤولة ومهنية. للأسف هناك من يسعى لقتل الوسائط في المجتمع المغربي، وبينها الصحافة. لقد تم إفراغ الأحزاب من معناها وتحولت معظمها إلى رجع صدى، كما أن هناك قتلا رمزيا للزعامات، وإذا أضفنا إلى ذلك تمييع المشهد الصحفي، ومحاولة الذبح الرمزي للأصوات والمنابر الجادة، فإن المستقبل يبدو مظلما.. هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟ أنا صحفي، صحيح أنني أكتب الرأي بشكل يومي، لكن في نهاية الأمر أنا صحفي لا أقل ولا أكثر.. هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ أكتب بانتظام بطبيعة الحال. ما رأيك في واقع الإعلام المغربي؟ لقد أصبح واقعا بئيسا للأسف الشديد، هناك تجارب جيدة، وهناك أقلام مميزة لا يمكن للمرء إلا أن يتابع بإعجاب ما تكتبه، وهناك شباب يسعون إلى إثبات الذات، لكن في الوقت نفسه لقد أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له، وهناك من تحولوا إلى أبواق، مهمتهم سلخ وتشويه الأصوات الجادة التي يضيق صدر السلطة لها، تماما كما يحدث في المشهد الإعلامي المصري. الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة في ما يجري، لأن هناك أطرافا سعت إلى تمييع المشهد الإعلامي، كما أن المسؤولية تتحملها أيضا التنظيمات التي تقدم نفسها مدافعة على المهنة.. هل أنت راض عن ما تقدمه الصحافة الرياضية المغربية؟ ما قلته عن الإعلام المغربي بشكل عام ينطبق أيضا على الإعلام الرياضي.. كيف ترى حظوظ المنتخب المغربي في الاستحقاقات القارية؟ في تصفيات كأس إفريقيا تبدو الطريق سالكة، لأن المجموعة في المتناول، أما في كأس العالم فالمهمة باتت صعبة، لأن الفرنسي هيرفي رونار عقد الوضعية، رغم أن المجموعة ليست صعبة، فمنتخب الكوت ديفوار المنافس المباشر يعيش أسوأ حالاته، للأسف الشديد رونار أصبح يعتبر نفسه أكبر من الجامعة، بل إنه منذ أن تم تجديد عقده إلى سنة 2022 وهو يبحث عن الاصطدام ليتسنى له فسخ العقد والحصول على تعويضات دسمة. لذلك، مستقبل المنتخب الوطني في ظل هذا الوضع يبدو صعبا.. كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟ سواء في مرحلة الطفولة أو اليوم، فإن رمضان هو رمضان بطقوسه التي تجمع العائلة على طاولة واحدة.. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ (الحرية / الحب / الوطن) الحرية: لا ثمن لها، بدون حرية ليست هناك كرامة ولا مواطنة.. الحب: أوكسيجين الحياة.. الوطن: البيت الكبير الذي يحضننا جميعا، لكن لا قيمة لوطن بدون استقرار وأمن وكرامة وحرية. رأيك في هؤلاء؟ (محمد الفيزازي / توفيق بوعشرين / سعيد عويطة / بادو الزاكي) محمد الفيزازي: مهرج بعباءة رجل دين توفيق بوعشرين: نقطة ضوء في نفق مظلم سعيد عويطة: أسطورة حية، خفة لسانه جلبت له الكثير من المشاكل.. بادو الزاكي: رمز كروي خالد بكاريزما