حوار مرايا بريس مع الصحفي مصطفى حيران-الجزء الأول - في أحد حواراتك صنفت نفسك في زمرة "مساخيط" الكتاب والصحفيين وأغدقت بالثناء على "بيل غيتس"، أو من يحلو لك تسميته ب "الحاج بلغيث"، مخترع الانترنت، لأنه منحك فرصة رفع أصبعك الأوسط في وجه الصحافة الممخزنة، صحافة "الفورماطاج".. فهل لا تزال وسطاك مشهرة؟ خصوصا بعد توقفك عن الكتابة في "هسبريس"؟ وهل يمكن القول أن مصطفى حيران في استراحة محارب؟ لا أحب تصنيف نفسي في أية زُمرة، فإذا عُدتِ إلى نص الحوار الذي أجراه معي الزميل "عبد الله ساورة" ونُشِر في موقع "هسبريس" منذ نحو ثلاث سنوات تقريبا، فإن جوابي على أحد الأسئلة التي اعتمدتِ عليها فيما يبدو، لا يتضمن تصنيفا لنفسي، بل كان جوابا مُقتضبا، عن سؤال حول سبب عدم نشري لمقالاتي في الصحف المكتوبة حينها، وقُلتُ أن السبب يرجع إلى أن مقالاتي يلزمها "فورماطاج" وهو ما أرفضه، وما أزال، وإذا بدا لك من جوابي ذاك، أنني من الصحافيين "المساخيط" فهذه قراءة مشروعة، المُشكلة ليست في عينة من الكتاب والصحافيين "المساخيط" بل في الذين "يُحلقون" كتاباتهم لدى أكثر من "حجام" ويعتقدون أن لا كتابة ممكنة غير تلك "الحليقة" التي يكتبون. وإذا أردتِ رأيي، فإنني مع أن يكتب كل شخص كما يَعِنُّ له، بعيدا عن كل التصنيفات القدحية أو العنترية، وليكن البقاء للأصلح. شخصيا أراني صحافيا مغربيا، يُحاول أن يكون في مستوى ما تتطلبه هذه المهنة "المُترِبة" وليس المُتعبة فحسب ببلادنا، وذلك، من خلال الحِرص، قدر ما أستطيع على مُمارستها، بشكل ومضمون يُقنِعاني بجدوى الاستمرار فيها. نعم ما زِلتُ مُمتنا للحاج "بلغيث" أي "بيل غيتس" لأنه اخترع تقنية التواصل عبر الإنترنيت، ففك الحِصار عن ملايين الناس عبر العالم، وضمنهم الصحافيون، حيث غدا مُمكنا لهم أن يكونوا رؤساء تحرير أنفسهم (يعني لا رقابة ولا هُم يحزنون، اللهم ضمير المرء، سواء كان صحافيا أو غيره، ودرجة الوعي بمسؤولية الكتابة) من خلال المواقع والبلوغات.. إلخ الإلكترونية. نعم.. نعم، ما زِلتُ أرفع الأصبع الوُسطى في وجوه رؤساء التحرير ومُدراء الجرائد، الذين كانوا يُبررون "مواقعهم" و "أجورهم" من خلال أداء دور الرقيب، أو المقص، وقد تحول ذلك الدور، مع التطور الإتصالاتي، وترعرع جيل جديد من الصحافيين والمدونين الإلكترونيين، إلى مسخرة جديرة بمتحف تاريخ الصحافة، لذا أعتقد أنني لستُ وحدي الذي يرفع الأصبع المذكورة، أمام وجه الرقيب أو المقص، بل كل مَن يستطيع اليوم مُزاولة الصحافة أو التدوين، بشكل ومضمون جادَّين، بلا رقابة اللهم تلك المتصلة بالضمير وأخلاقيات الصحافة. توقفتُ في الآونة الأخيرة عن كتابة عمود "دبوس" في موقع "هسبريس" لأنني أعتبر فترات التوقف ضرورية، مرة بعد مرة، حتى يتسنى ليالانفكاك، مرحليا، من الانغمار في الجزئيات والسياقات المَعنية بالكتابة، والبحث عن "معائن" (جمع معين) جديدة للتزود بنَفَس آخر، وفي ذات الوقت، فرصة للنظر إلى الأمور من مسافة مُريحة، تُمكنني من استيعاب أكبر وأعمق.. هل هي استراحة مُحارب؟ أَوْه لا، لا أعتبر نفسي مُحاربا بل صحافيا مغربيا، يُمارس مِهنته في شروط البلد الخاصة، لذا يلزمه بعض الصمت، مرة بعد مرة، للأسباب التي ذكرتها آنفا. - في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها بعض الصحافة المستقلة، نسائلك: من يخشى الصحافة المستقلة بالمغرب؟ يبدو فعلا، من خلال المُعطيات المُتوفرة، في الموضوع، أن هناك حملة على جزء من الصحافة، وبالتحديد تلك التي لا تُعجب المُتنفذين الجُدد (أصبحوا قديمين نسبيا الآن).. سأحاول أن أكون دقيقا في الإجابة دفعة واحدة، على أسئلتك الثلاثة التي طويتها في سؤال واحد. مَن يخشى الصحافة في المغرب؟ ليس سرا أن الملك محمد السادس والمُتنفذين من حوله، من أصدقاء وكبار المسؤولين الأمنيين، ووزراء.. إلخ، مِن مَن يتوفرون على مسؤولية فعلية، كبيرة أو صغيرة، عبّروا غير ما مرة، عن ضيقهم بصحافة وصحافيين لا يروقونهم، وأذكر أن أحد مصادري المُطلعة، قال لي منذ نحو سنتين، أن الملك يعتبر أن نوعا من الصحافة في البلاد "يمس بهيبة الملكية".. ويبدو من خلال الهجوم الذي مورس، وما يزال على هذه الصحافة وصحافييها، أن العمل قائم على أكثر من قدم وساق، ل "تأديب" أولئك الصحافيين، وقطع دابر تلك الصحافة، حيث لا يُمكن أن نفسر ما يقع سوى، بوجود رغبة أكيدة في دحر الصحافة التي لا "تُعجب"، أما باقي المسؤولين الذين ذكرتُهم من قبل، فدورهم لا يتجاوز أدوار "عبيد العافية" أي الذين يسعون بنميم، ويُحرضون على التنكيل بفلان وعلان من الصحافيين، والقيام بالتتبع أي من مراحل استدعاء الصحافيين، واستنطاقهم، وإجراءات توقيف جرائدهم، وترتيبات مُقاضاتهم، و "ظروف" سجنهم، أو "تمتيعهم" بالسراح المُؤقت من خلال أحكام موقوفة التنفيذ إلخ إلخ. هل ترى ما يقع حملة مبيتة للقضاء على الإعلام المستقل؟ أم هو مجرد "سوء فهم كبير" بين السلطة وبعض الأقلام المستقلة؟ نعم، إنها كذلك، ولم نر لحد الآن منها سوى جزءا، على فداحته، أي توقيف جرائد والحكم بالسجن على صحافيين.. إلخ، ثم "توريط" البعض منهم في مُتابعات ذات طابع جنائي، أسوة بما تفتقت عنه قريحة الجنرال "بنعلي" حاكم تونس المُطلق، تمهيدا لِما هو آتِ. "المنطق" الذي يسري في هذه الحملة، تُلخصه هذه الجملة في نظري: تُريدون أن تمسوا بهيبة الملكية؟ سأريكم كيف يكون ردي. وهذا فيه تبسيط للقضية، إن لم نقل جهل بتعقيداتها، واستسهال ل "الحل" لأنه مُشتق من أدبيات أنظمة الحكم الديكتاتورية الصريحة. هذا "منطق" مفتوح على مصراعيه، ليس له حد يُمكن أن يتوقف عنده، شخصيا لا أستبعد أن يقع الأسوأ، وقد يصل إلى حد لا يُمكن توقعه. إن الأمر في نظري يتعلق بسوء فهم بليد، وليس كبير، ومن طبيعة هذا الوضع المُعقد أن نتائجه تكون وخيمة، فهو أشبه بإلقائك التحية، على صيني باللغة العربية، فيفهم منها أنك تشتمه أو تسخر منه، فيكون رده عنيفا. كيف تفسر تبني بعض هذه الصحافة المستقلة لوجهة نظر السلطة؟ أولا لدي رأي عبرتُ عنه أكثر من مرة، مفاده أننا لا نتوفر على صحافة مُستقلة في المغرب، وإذا كُنت أستعملُ هذا المُصطلح أحيانا، فليس سوى على سبيل التجاوز، لا أكثر، حتى لا ندخل في نقاشات جانبية غير مُجدية، إن لدينا بالأحرى صحافة خاصة، سهر على إنشائها، والاشتغال فيها، بعض الصحافيين المُستقلين، ولقي المنتوج اهتماما لفرادته غير المسبوقة في بلادنا، وذلك منذ نحو ثلاثة عشر سنة خلت تقريبا، فأمكن بالتالي استعمال ذلك المُصطلح "الفضفاض" أي الصحافة المُستقلة، أي أنها مُستقلة عن الوصاية المُباشرة للدولة والأحزاب، في حين أن الشروط التي تعمل فيها هذه الصحافة، وضعتها الدولة، بدءا من الحصول على الترخيص بالنشر، وقانون الصحافة، وضوابط سوق الإشهار ونواهيه، وأمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها. يتبنى جزء من هذه الصحافة، مواقف الدولة، لأن المسألة مُريحة، بمعنى: قُل لهم ما يُريدونه، واسلم واغنم. ويبدو الآن أن الدائرة استكملت دورتها، ولم يعد هناك منذ توقيف "لوجورنال" و "الجريدة الأولى" من صحافة لا تتبنى موقف الدولة. - يبدو جليا من خلال بعض كتاباتك عداءك الشديد لصاحب إمبراطورية المساء، والذي هو الآخر يبادلك الشعور ذاته، فما سر هذه البغضاء المتبادلة؟ ألم تكونا أصدقاء يوما ما؟ ليس لي عدو باسم الشخص الذي ذكرتيه في سؤالك، "القضية وما فيها" أنني كُنتُ قد حصلتُ على مُعطيات مُهمة جدا، بصدد رسالة استعطاف وجهها الثلاثي (نيني، بوعشرين وشوقي) الذي كان يُشرف على إدارة وتحرير جريدة المساء، منذ نحو سنة، بعثها الثلاثي المذكور إلى الديوان الملكي، في شأن غرامة 600 ملايين التي حكمت بها المحكمة لصالح أربعة وكلاء الملك في مدينة القصر الكبير، فشرعتُ أركِّبُ وأفحص مُعطيات تلك الرسالة، لدى مصادر قريبة جدا من المعنيين بها، وهو العمل الذي دام شهرا كاملا، وحين وصلتُ إلى تراكم مُقنع، قُمتُ بنشرها، فكان لذلك وقع مهم، في أوساط المتلقين، كما أن المعنيين بالرسالة، أي الثلاثي الذي كان يُشرف على المساء، لم يُكذِِّب المُعطيات التي نشرتها بصدد رسالة الاستعطاف، وأذكِّرك أن الأمر يتعلق بصحافيين كان بإمكانهم كتابة ما يُفيد نفي أو تكذيب أو أي رد فعل آخر، مهما كان، وبما أنهم لم يفعلوا فقد تبين بالنسبة لمن كان على شك من المُتلقين، أن الأمر جد (يمكن الإطلاع على نص رسالة الاستعطاف عبر الرابط التالي:http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=13207 . وحسب مُعطيات استقيتها، من مصادر قريبة من الشخص الذي ذكرتيه في سؤالك، فقد اغتاظ جدا لافتضاح أمر الرسالة، وهدد وتوعد وأرغد وأزبد، لكنني لم أهتم لأن أمورا مثل هذه لا تهز ورقة شجرة فأحراك بالتأثير في البشر. غير أنني، بحكم معرفتي بطبيعة الشخص، لأنه تردد علي حينا من الدهر، إلى مقر عملي حين كُنتُ أشتغل بجريدة "العلم" منتصف سنوات عقد التسعينيات، من القرن الماضي، فقد كُنتُ أتوقع رد فعل منه، يتسق وشخصيته. وجاء ذلك تحديدا، حينما كُنتُفي لحظات استنطاقي رمضان العام الماضي، في ولاية الأمن بالعاصمة، حيث كتب المعني مقالا يقطر سما وحقدا، واتهمني بأمور لا تصدر عن شخص له ضمير "حفار القبور" فأحراك بصحافي، حيث قال بلا حياء، أنني كُنتُ أبتزه وأتقاضى منه رشاوى بقيمة ألف درهم حتى أنشر له في جريدة "العلم" وأشياء أخرى صبيانية، لم يُقدم دليلا أو اسم شاهد واحد عليها، وهو ما فندته في مقال لي بعنوان "بين كوميسارية كَول كَول وكوميسارية شوف تشوف" نشرته في موقع "هسبريس" (يُمكن الإطلاع عليه أيضا عبر الرابط التالي:http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=15460) بالدلائل الملموسة والشهود الأحياء، وبطبيعة الحال بُهِتَ الذي كذب، وابتلع لسانه، وزمَّ ذيله خلفه، وولى مُدبرا، وهذا دَيْدَنُ ضعيفي الحجة، المشائين بالأكاذيب، مُفتقدي العزم. - ألا ترى أن ميدان الصحافة أصبح يعج بالمتطفلين والانتهازيين؟ وما السبيل إلى الغربلة؟ هذا واقع، دعيني أتساءل بالمقابل: هل يشذ واقع الصحافة المُتردي عن باقي مناحي حياتنا؟ بمعنى هل نتوفر على مشهد سياسي لا يعج بالمتطفلين والانتهازيين؟ ونفس الشيء في مجالات التعليم والصحة والقضاء والمُحاماة والرياضة..؟ برأيي إن لدينا مجالات شأن عام تعكس مستوانا الثقافي والفكري والتربوي والاجتماعي، لن أنسى ما قاله صديق إسباني مُثقف يوما بهذا الصدد: "لو قُمنا بنقل مُناقشات البرلمان المغربي إلى اللغات الأجنبية لمات الناس ضحكا".. لماذا؟ لأن ما يبدو لنا "طبيعيا" تجاوزته أمم كثيرة، ولم تعد تذكره إلا على سبيل ذِكر طفولة ومُراهقة الحياة السياسية لديهم، نفس الشيء ينسحب على الصحافة، فلو ترجمنا أغلب ما ننشره في صحافتنا لأمم أخرى قطعت أشواطا في دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية.. حيث تتوفر تجارب إعلامية مِهنية حقيقية، لمات الناس من الضحك. كيف لا وهم سيقرؤون عمودا لأحدهم "يُغَرِّقُ" زملاء له في نفس المهنة، ويُطالب قبل عرضهم على المُحاكمة، بإدانتهم وإنزال أقسى العقوبات بهم، مرورا بشتى باقي أنواع التطفل والانتهازية والحقارة والتجهيل والكذب.. التي تُنشر على الناس و "يزدردونها" لأنهم ليسوا في بلد يُنتج سياسة وصحافة وتعليم ونظام صحي وقطاع رياضي... إلخ جديرين بالاحترام. الغربلة؟ مَن سيقوم بها؟ لا يُمكن لأي طرف أن يدعي ذلك، لأن الجميع خائض في الوضع المُتردي لصحافتنا: الدولة المخزنية لأنها لا تُريد أن تتوفر للمغرب صحافة مِهنية حقيقية، وكلما لاحت مؤشرات مهما ضؤلت في هذا الاتجاه، سَخَّرَت لها طُرُق المحق، كما حدث ويحدث في الآونة الأخيرة، والمجتمع لأنه لا يستطيع احتضان تجربة إعلامية مُهنية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وللصحافيين أنفسهم لأن نسبة 99 بالمائة منهم ليسوا في مستوى ما تتطلبه صحافة مِهنية حقيقية، ذلك لأنهم في المُحصلة نِتاج الوضع المُتردي الذي يُقيم في مناحي الحياة الأساسية: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. - ماهي الطريقة المثلى التي يعتمدها الصحفي المهني للتأكد من صدقية الخبر؟ لحسن الحظ، ثمة وسائل عمل دقيقة إلى حد كبير في مجال الصحافة، لفحص وتركيب الخبر، بما يجعل مجال تحديد الخطأ مُمكنا، تقنيا فأمر التأكد من الخبر يتطلب التوفر على مصادر أخبار جيدة، بمعنى أن تكون هذه الأخيرة معنية بالخبر المُراد التحقق منه، بشكل مُباشر، فمثلا إذا حصل صحافي على خبر يُفيد أن تعديلا حُكوميا وشيك الحدوث، فإن عليه التوفر على مصدر خبر في الديوان الملكي، حيث تُطبخ مثل هذه الأمور، ثم في درجة ثانية، أن يكون له مصدر معلومات في ديوان الوزير الأول، وحينما يفحص الخبر ويُطابقه، يتصل بالوزير الأول لأخذ تصريح نفي أو تأكيد، وهذا عمل شاق وصعب، يحتاج إلى مؤهلات مهنية مُناسبة، لا تتأتى سوى للصحافيين الجديين والمُجتهدين، وهو ما لا يتوفر للأسف بنسبة كافية في بلادنا، نظرا للظروف المُحيطة التي تكتنف حياتنا في مجالاتها الأساسية، فأمر الحصول على أخبار صحيحة وذات مصداقية، ليس بالأمر الهين في وسط سياسي واجتماعي وثقافي، ما زال ينظر إلى العمل الصحافي الحقيقي كشر لا وجوب لوجوده، وبالتالي هذا يُصَعِّبُ من مهمة الصحافي الباحث ليس فقط عن الخبر الصحيح، بل ذاك الذي لا يخضع لمصالح أو توازنات وغيرها من الاعتبارات التي تضر بالصحافة والصحافيين، وتحتقر القراء. - ماذا عن علاقة الصحفي بمصادره وهل عليه الكشف عنها في حالة اعتقاله أو محاكمته؟ علاقة الصحافي بمصادر معلوماته مسألة دقيقة وفي غاية الحساسية، فهي تُبنى أساسا على عنصر الثقة، فحين يتأكد الصحافي من صحة الأخبار التي يتوصل بها من أحد مصادره، عبر عملية التركيب (أو المُطابقة) والفحص، فإنه يكون واجبا عليه أخلاقيا حفظ السر المهني، أي التكتم على مصدره، مهما كلفه ذلك من أمر، ذلك لأنه بدون ثقة بين الصحافي ومصدره لا مكان لأخبار جيدة، وبالتالي على مَن لا يضع هذه المسألة في مكانتها الحقيقية، أن يبحث له عن مهنة أخرى، غير الصحافة، ولِم لا في مجال المُخابرات. كلمت يوما أحد النقابيين وهو بالمناسبة مؤسس جمعية حقوقية جديدة، فقال لي جازماأن 90 بالمئة من الصحافيين يتلقون رشاوى لنشر أو عدم نشر بعض الأخبار، ما رأيك؟ اسألي هذا النقابي بالمُقابل: كم من النقابيين والحقوقيين لا يتلقون رشاوى، ولا يبيعون "ملفاتهم الحقوقية" بأبخس الأثمان؟ إن لدى بعض الصحافيين، الشجاعة للاعتراف بأمراض خطيرة في جسدنا الصحافي، فهل يملك بالمُقابل هذا النقابي وغيره من مُختلف المجالات، نفس الشجاعة، للاعتراف بأسقام أجسادهم النقابية وغيرها؟ "مَن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر". لماذا تلقى الصحافة الشعبوية رواجا لدى القراء؟ ذلك لأن هناك حاجة لتلقيها، أغلب قاعدة القراء في المغرب، شعبوية في تفكيرها وسلوكها، وهو أمر لا يحتاج إلى كثير تفكير للانتباه إليه، لذا فقد "قفز" الكثيرون على هذه الخاصية واستثمروها بغاية جني الربح، واستسهال مصاعب المهنة التي تتطلب الكثير من الجهد والتضحية، لتوفير منتوج صحافي جدير بالاحترام. ليست بعيدة تلك السنوات التي كانت تَطبع فيها جريدة مثل "المواطن السياسي" 160 ألف نسخة تنفذ بسرعة، لأن في صدر صفحتها الأولى مانشيط بالبنط العريض على ثمانية أعمدة هذا "الخبر": "بغلة تلد في دكالة".. إن زمن هذه "الصحافة" التي ازدهرت كثيرا لا يتجاوز بضع سنوات، فكيف بربك يُمكن أن نبرح هذا الواقع الصحافي المُتردي بين عشية وضحاها؟ "إننا لم نخرج بعد من النُّزُل" بتعبير المثل الفرنسي، يلزمنا الكثير من الجهد كمجتمع لتجاوز هذه الوضعية المُتردية، وتلك مُهمة أجيال وليس أفراد. يتبع.....