لم يكن رجل الأعمال الراحل، ميلود الشعبي يدرك يوما أن ذئبا سيحول حياته رأسا على عقب، ويكون سببا في جعله ثريا من أثرياء المغرب الذين راكموا ثرواتهم بعصامية غير معهودة بين رجال المال والأعمال بالمملكة، رغم الإكراهات الكثيرة والعراقيل المتنوعة التي واجهته، قبل أن يرحل عن الدنيا مخلفا وراءه أزيد من 70 شركة تشكل مصدر رزق لآلاف العائلات في مختلف ربوع الوطن. قصة درامية قصة ميلود الشعبي ابن مدينة الصويرة، مؤسس مجموعة "يينا القابضة" التي تعني "الأم" بالأمازيغية، هي قصة درامية مثالية في أفلام بوليود، لكنها قصة واقعية بالمغرب، فقد كان الشعبي إنسانا عاديا وشابا يرعى الغنم في ضواحي مدينة الصويرة التي رأى فيها النور، وكاد يهلك من الجوع والعطش أكثر من مرة، بل إن شقيقا له توفي من شدة الجوع. حكاية صعوده إلى القمة، اختلط فيها تدبير القدر والعزم والمثابرة، فقد تسبب ذئب أكل نعجة له وهو يرعى الغنم في مغادرته لبلدتِه الأصلية خوفا من التوبيخ من أبيه، حيث شد الرحال إلى مدينة مراكش التي كانت أقرب مدينة إلى الصويرة، استقر فيها لأسبُوعين يبحث عن عمل لم يجده، فغادر مراكش إلى القنيطرة وعمل في البناء بأجر يومي زهيد. الشعبي قال في حوار سابق مع قناة "العربية" إن أقصى أحلامه كانت أن يحصل على عمل يقيه وجع الفاقة والعوز، ويبقيه على قيد الحياة، عندما قرر ترك بلدته الأم "الشياظمة"، قبل أن يتدرج خلال مسيرة امتدت لأكثر من 65 عاما في قطاعات حيوية عدة أهمها الأشغال العمومية، ليصبح أغنى أغنياء المغرب بثروة تفوق 3 مليار دولار. مُنحنى الصعود سجل الشعبي أولى نجاحاته الشخصية بعد أن تغلب على اليأس الذي يكون سببا في إحباط عزيمة الآخرين، حيث استطاع بفضل كفاحه ونضاله أن يبني إمبراطوريته المالية بعصامية قل نظيرها، إذ انتقل من عامل مياوم إلى "طاشرون" صغير يعمل معه شخصان، قبل أن يوسع أنشطة بفضل طموحه غير المحدود، إلى أن تمكن بعد 60 عاما من العمل المتواصل أن يشيد مجموعة اقتصادية مهمة فاقت شهرتها الحدود. وصلت شهرة مجموعة "يينا القابضة" التي أسسها إلى العالم العربي والإفريقي والأوروبي، حيث تمتلك المجموعة العديد من المؤسسات الصناعية والتجارية داخل المغرب وخارجه والتي يصل عددها إلى أكثر من 70 مقاولة وشركة، موفرة ملاذا آمنا لأكثر من 20 ألف أجير بما فيها الأطر المتوسطة والعليا، وهو ما مكنه من أن يتربع على عرش قائمة أثرياء المغرب أكثر من مرة وفقا لتصنيف مجلة "فوربس" المتخصصة في مجال المال والأعمال. كانت سنة 1964 موعدا مفصليا في حياة الراحل، حيث دخل الشعبي ميدان التحدي والمنافسة ونوع نشاطه من البناء والعقار، إلى الاستثمار في صناعة السيراميك عبر إطلاق شركة متخصصة سنة 1964، واستمر في توسيع أنشطته بتصنيع مواد التشييد والبناء، بعدها تخطت أعماله حدود المغرب إلى دول عربية، حيث اشترى سنة 1985 شركتي دولبو وديماتيت المتخصصتين في صناعة وتوزيع تجهيزات الري ومواد البناء من عائلة دولبو الفرنسية. شكل شراء هذه الشركة، طفرة كبيرة في مسار الشعبي المهني، وهو ما مكنه سنة 1993 من الفوز بصفقة شراء الشركة الوطنية للبتروكيماويات في إطار خوصصة مؤسسات الدولة، ليقوم سنة 1994 بإطلاق شركة "إليكترا" للمكونات الكهربائية والكابلات والبطاريات، وفي سنة 1998 أعطى انطلاقة سلسلة أسواق السلام العصرية، والتي وصل عددها اليوم إلى 12 سوقا تجاريا. بعدها أنشأ أولى وحدات سلسلة فنادق رياض موغادور سنة 1999 بمدينة الصويرة ثم بمدينة مراكش وأكادير سنة 2009، وفي سنة 2010 شيد وحدة لصناعة الحديد أطلق عليها اسم "يينا ستيل"، محققا خلال مسيرته هذه نجاحات مستمرة لم تفتر أمام "المؤامرات" التي حيكت ضده، في بيئة ترفض النجاح العصامي الخالي من "التخلويض" والبيع والشراء والابتزاز والسرقة والنهب والغش والرشاوي الضخمة وموالاة رجال السلطة، وغيرها من الأساليب التي كوّن بها العديدون ثرواتهم. للسياسة نصيب .. وللإنسان أيضا على عكس عدد من رجال الأعمال الذين يفضلون الانزواء بعيدا وتتبع أرصدة حساباتهم البنكية وحياتهم الخاصة، اختار الراحل ميلود الشعبي أن يمارس العمل السياسي مبكرا، تزامنا وبداية صعوده الاقتصادي، حيث انتخب رئيسا للغرفة التجارية والصناعية لمدينة القنيطرة ونواحيها من سنة 1963 إلى 1966، كما أعيد انتخابه مرة ثانية من سنة 1966 إلى 1969، وهي نفس السنة التي انتخب فيها رئيسا لجامعة الغرف التجارية والصناعية بالمغرب. وسنة 1984 انتخب ميلود الشعبي عضوا برلمانيا لإقليم الصويرة كما أعيد انتخابه في الولاية التشريعية لسنة 1993 و2002 و2007 و2011، قبل أن يقدم استقالته من البرلمان سنة 2014، بعدما كان يرأس مجموعة نيابية مكونة من خمسة نواب من الفائزين في انتخابات 25 نونبر 2011، مساندة لحكومة عبد الإله بنكيران، وسبق للراحل أن انتخب بالإجماع سنة 1992 رئيسا للمجلس البلدي لمدينة الصويرة، وكذا رئيسا لمجلسها الإقليمي. اختار الشعبي أن ينخرط في الساحة السياسية بشكل أقوى بعد الصورة الباهتة التي أظهرتها حكومة التناوب في مجال التنمية وتدني الوضعية البيئية في البلاد، حيث أقدم سنة 2002 على تأسيس حزب البيئة والتنمية، حيث اتخذ الحزب لنفسه فلسفة جديدة في العمل السياسي، وذلك بعد أن ركز على البعد البيئي وحماية البيئة باعتبارها عامل من عوامل التنمية المستدامة التي ترتكز على العنصر البشري وكرامته وحقه في العيش في بيئة سليمة؛ إضافة إلى الحق الذي يحتفظ به في العمل والصحة والسكن والتربية. الراحل الشعبي ليس رجل سياسة وأعمال فقط، بل هو أيضا رجل بر وإحسان، فهو رئيس لعدة جمعيات ثقافية وإنسانية، نذكر منها جمعية سيدي محمد بن عبد الله بالصويرة، وجمعية الوحدة لحوض سبو بالقنيطرة، وكذا مؤسسة ميلود الشعبي للأعمال الاجتماعية، هذه المؤسسة التي أصبحت تحمل صفة المنفعة العامة. حاز ميلود الشعبي على عدة أوسمة ملكية، كما حصلت مجموعته على عدة جوائز مهمة على الصعيدين الوطني والدولي يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال: "جائزة البيئة" و"جائزة التشغيل"، والجائزة الأولى لمجلس وزراء العرب للإسكان والتعمير سنة 1993، قبل أن يرحل يوم 16 أبريل من السنة الماضية إلى دار البقاء عن عمر يناهز 86 عاماً، بعد حياة مليئة بالمغامرات والإنجازات الكبيرة.