بمغادرته لهذه الحياة بكل ما منعت ومنحت، يفقد المغرب في ميلود الشعبي واحدا من أهم وأميز رجال الأعمال، من ذوي الحس الوطني العالي . الثري الوطني يعرفه الجميع بعصاميته واستقلاليته واستقامته، كما يعرف الجميع أنه ابتدأ رحلة نجاحه المتفردة من ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها كانت غير مشجعة على الإطلاق. قبل تسليط الأضواء الإعلامية عليه مؤخرا، كان المغاربة يعرفون منتوجات شركاته فقط، أو التمظهر الخارجي لاستثماراته ونادرا ما كان يشكل موضوع الشعبي جزءا من أحاديث المغاربة. تغير الحال قبل سنوات، وصار الشعبي، إلى جانب رجال أعمال مغاربة آخرين، موضوع الصغير والكبير، من خلال الاستثمارات داخل المغرب وخارجه . شعبيا، صار من البديهي في سياقات الكلام أن تصبح ‘‘ أسواق السلام ‘‘ و ‘‘ رياض موغادور ‘‘ و ‘‘ يينا ‘‘ و ‘‘ سوبير سيرام ‘‘ و ‘‘ ديما تيت ‘‘… مرادفات لاسم ميلود الشعبي . قصة صعوده ابتدأها ميلود الشعبي كراع للغنم في ضواحي الصويرة البسيطة والهادئة في مطلع أربعينيات القرن الماضي. وفي ربيعه الخامس عشر انطلق فعلا من الصفر ليمتد النجاح على مسيرة دامت أكثر من 65 عاما، واليوم تضعه فوربس في قائمة الأثرياء، وتصنفه كأول ملياردير مغربي ناهزت ثروته ال3 مليارات دولار. ولد ميلود الشعبي عام 1930 بمنطقة الشعبة قرب مدينة الصويرة، وتلقى تعليما بسيطا في مسجد بلدته ثم عمل راعيا للغنم. وفي سن ال15 ترك المدينة متجهاً إلى مراكش التي استقر فيها لأسبوعين يبحث عن عمل لم يجده، فغادر مراكش إلى القنيطرة حيث عمل في البناء بأجر يومي زهيد، وتدرج خلال مسيرة امتدت لأكثر من 65 عاما في قطاعات حيوية عدة أهمها الأشغال العمومية. بعد تلقيه تعليما بسيطا في طفولته بمسجد بلدته خرج لميدان العمل، تارة كراع للماعز، وتارة أخرى كعامل زراعي. لم يكن ميلود يتجاوز عمره ال 15 ، بعد أن وفر بعض المدخرات من تلك الأعمال البسيطة، بدأ من مراكش وانتقل إلى مدينة القنيطرة حيث أنشأ هناك سنة 1948 أولى شركاته، وهي عبارة عن شركة صغيرة متخصصة في أشغال البناء والإنعاش العقاري. كانت هذه التجربة أولى صفقاته العقارية ، ومن ثم تم تعيينه رئيسا لغرفة التجارة والصناعة للمدينة عام 1969، مبتدئا قصة نجاح مغربية لم تكن طرقها معبدة لشاب لم تسند ظهره عراقة الأسرة أو رنة الاسم، فمجال المال والأعمال آنذاك كان محتكرا من قبل الفرنسيين، وبعض التجار اليهود، وبعض الأسر المغربية العريقة. في ستينات القرن الماضي ، وتزامنا مع استقلال المغرب سعى الشعبي للاستفادة من برنامج "المغربة" فتقدم للاستحواذ على ‘‘ ديماتيت‘‘ الفرنسية لكن عرضه قوبل بالرفض. فكرر المحاولة بعدها بنحو 20 عاما. وكانت آنذاك الشركة على وشك الإفلاس لكن نجحت المحاولة وتمت الصفقة . ورغم الظروف القاسية التي عاشها ميلود إبان إتمام تلك الصفقة، إلا أن الصعوبات لم تقف أمام طموحاته، فكانت المنعطف الأهم في بناء ثروته. سنة 1969 إذن كانت سنة الانطلاق الفعلي نحو النجاح لميلود الشعبي، ففي هذه السنة تم انتخابه رئيسا لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمدينة القنيطرة، وهو ما سمح له أيضا برئاسة جامعة الغرف التجارية والصناعية بالمغرب، حيث نسج العديد من العلاقات التجارية مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب، وهو ما أهله لفهم السوق وحاجياتها، مما ساعده على تنمية ثروته التي تضاعفت ليؤسس سنة 1986 "يينا هوليدينغ أو القابضة " التي تفرعّت عنها العديد من الشركات خاصة في المجال الصناعي عبر المتخصصة في صناعة الكارتون وشركة "سنيب" المتخصصة في البيتروكيماويات و"ديماتيت" و"إلكترتا" المتخصصة في بطاريات السيارات، كما يملك الشعبي سلسلة فنادق "رياض موكادور" و"سواق السلام" و "الشعبي للإسكان" فرع ‘‘ يينا القابضة ‘‘ المتخصصة في السكن الاقتصادي. وفي سنة 1987 قلدّه المرحوم الحسن الثاني ميلود الشعبي وساما من درجة فارس لما يقدمه للاقتصاد الوطني من خدمات. مكافأة الحسن الثاني للشعبي كانت بمثابة القوة الدافعة له بعد المضايقات التي وجدها من الوزير القوي حينها في الداخلية إدريس البصري. في عز سنوات الرصاص كان الراحل ميلود الشعبي متعاطفا مع قوى المعارضة، إلىى درجة التمويل المادي وتقديم المساعدة لأسماء معارضة، كما يحكي الاتحادي السابق آيت قدور، الذي أكد أن ميلود الشعبي قدم له مساعدة عينية مباشرة ( 30 ألف درهم )، كما فتح بيته للقادة الاتحاديين بقيادة عبد الرحيم بوعبيد بعدد المنع الرسمي للاتحاد من استغلال أية قاعات لتنظيم نشاطه. رجل الأعمال الراحل عرف أيضا بدفاعه المستميت عن المؤسسات وصرف أمواله في ملف الصحراء، كما عرف أيضا بأعماله الخيرية لفائدة الطلبة وحزب العدالة والتنمية في وقت كان رجال الأعمال يخافون فيه من الاقتراب أو التعامل مع هذا الحزب . بعد تأسيس ‘‘ يينا القابضة ‘‘ أصبحت مجموعته من أقوى الكيانات الاقتصادية في المغرب وتمتلك 17 علامة تجارية وتوظف أكثر من 20 ألف موظف . وفي الوقت ذاته أنشأ ميلود بعد ذلك شركات جديدة في قطاع تصنيع الورق الكابلات، والبتروكيماويات، البطاريات، التجزئة والضيافة، وفي عام 2000، وحد ميلود نشاطات الشركة تحت مظلة "يينا القابضة ‘‘ . باتت مراكش تحتل مكانة مهمة في محفظة استثماراته، فهي قبلة سياحية عالمية، و تشهد الآن على أهم مشاريعه خصوصا في قطاع الفندقة والسكن وذلك عبر سلسلة ‘‘ موكادور‘‘ الضخمة ومجمعات الشعبي للإسكان. استثمارات الشعبي توفر الآن آلاف فرص العمل في مراكش، المدينة التي لم يستطع أن يجد عملا فيها عندما هرب إليها صغيرا فغادرها إلى القنيطرة. قصة النجاح أعطت الراحل كاريزما خاصة كان من نتائجها استحقاقات مختلفة وطنيا ودوليا. فقد وشحه الملك محمد السادس بوسام من درجة ضابط ووسام المكافأة الوطنية من درجة قائد. وفي سنة 2004 اختارته مجلة "ماروك إيبدو" رجل السنة. وفي سنة 2011 حلّ الشعبي في المركز 49 ضمن قائمة أغنى 50 عربيا، لما حققته شركاته من أرباح في جميع الدول التي يستثمر فيها الشعبي من قبيل ليبيا وتونس ومصر والإمارات العربية والعديد من دول الساحل الإفريقي. خسارة المغرب في ميلود الشعبي جسيمة إذ يصعب تعويض الرجل، ليس لثروته الطائلة ونجاح استثماراته، لكن لكاريزمته الرهيبة التي وفقت بين النجاح المادي والثبات على القيم. رحم الله ميلود الشعبي.