قبل الانتخابات بأيام حظي حزب العدالة والتنمية بتعاطف كبير من لدن الشعب المغربي, ولمس ذلك من خلال الكم الهائل الذي عرفته المهرجانات الخطابية للأستاذ عبد الإله بنكيران, وحدث ذلك بعد أن وقع المغاربة في جريمة حب قاتلة مع رئيس لم يسبق له أن فكر في أن يقع في غرامه الكثيرين, فقدموا له أصواتهم قربانا أمام حبهم له. ليست الحصيلة الحكومية أو الإنجازات الضخمة التي عرفتها هذه الولاية التشريعية هي الدافع لذلك, وإنما وفقط صدقه في الحوار ومخاطبته لعقول الناس وضمائرهم أحيانا, والجدية في العمل والتعامل. سيقولون عنه بأنه أكثر الناس نفاقا لكن أليس المغرب يحض بشعب ذكي يستطيع التمييز بين الصالح ودون ذلك, يحلل الخطاب ويفهم أبعاده ؟ نعم لقد وقعنا في الحب جميعا ونعترف بذلك. تميزت الولاية السابقة التي امتدت من سنة 2011 إلى 2016 بعدة أحداث بينت مدى قدرة الحزب الخروج من الأزمات ليس بأعجوبة وإنما فقط بذكاء. لا أريد أن أستعرض إنجازات الحكومة لأنها غير كافية وإنما سأحاول أن أخبركم لما وقعنا في الحب. كلنا تتبعنا الأحداث من ألفها إلى يائها, وهناك من انقلب حبه إلى كره بعد أن اختلطت عليهم الأمور ولم يستطع على المسايرة, وهناك من اشتد تعلقا فيه, وزاد تعاطفا. سنكون صادقين أحيانا, هذه الحكومة في شخصها بنكيران استطاع أن يدخل لنا السياسة إلى بيوتنا, ويعلمها للأمي منا, بعد أن كنا نحسبها مجرد مسرحية سخيفة, استطاع بحكمته أن يجعل منا السياسي والمحلل وكاتب الرأي, فصل لنا ما معنى صندوق المقاصة, أخبرنا عن وجود صندوق يدعى صندوق التقاعد, وصار أخيرا يتحدث عن امرأة تدعى الأرملة في قبة البرلمان, وخاطبنا بأسلوبنا كمخاطبة بعضنا البعض في علاقتنا العادية. لم نحس به يوما بأنه شخص غريب, وهو يتحدث كأنما يخاطبك أنت, ويخاطب ضميرك ونفسك. هناك الكثير من الأحزاب أرادت أن تذهب على نفس المنهاج وهو الشعبية في الحديث والأفعال لكن سقطت في أول اختبار لها يدعى الانتخابات. وهكذا وقعنا فجأة في الحب دون أن ندري. بدأت تظهر معالم الحب يوم تم الإعلان عن نتائج الانتخابات, فتصدرها بجدارة واستحقاق. آنذاك الكثير استبشر خيرا بنزاهة الانتخابات إلى أقصى درجة, وأنه أخيرا سيكمل خمس سنوات أخرى مع من اختاره بنفسه دون أن يفرض عليه, مع من تعلق به أشد تعلقا دون أن يرغمه بذلك, لا بمال ولا كسكس أو لحم, فناموا العشاق ليلتها مطمئنين لأنهم أخيرا وجدوا حبيبا من أنفسهم لهم. ليست مبالغة مني عندما أقول أنه حبيبا لكن استفسروا أنفسكم وذويكم. فبدأت بعدها رحلة مريرة عاشها المغاربة بساعاتها , صعبة بعض الشيء, وكانت تدعى برحلة المشاورات, الكل ينتظر إلى ما ستؤول إليه الأوضاع, ومع من سيشاركون حبهم, أمع حمامة تحلق بهم في الأعالي ويتركه هناك, أم على ظهر حصان ويسقطها فوق سنبل من السنابل أم يدعها تنتظر رسالة مشرفة من أعلى وردة حب حمراء. لم تكن هناك مفاجأة تحضر, لأن دعاة محاربة الحب بدأت تبرز عند أول لقاء, والثاني ولعله كذلك الثالث, لم تسر الأمور كما أردنا طبعا, فمن غير العادة الحمامة تريد أن تتجه صوب الوردة الحمراء وتحملها بدل عرش زيتون, مصطحبة السنبلة رفقتها, لأنهم نبتة واحدة, والحصان يشد الرحال كي يشاركهم الرحلة, في حين أن العشاق يراقبون ذلك في صمت, غير ضجيج الكتابة, لا يريدون ورودا حمراء ولا بنية, فالحب ليس ورودا تقدم ولكن إنما أفعال ومواقف وحنين ولهفة. لم تنتهي الرحلة في ظرف أسبوع أو أسبوعين, بل استمرت لمدة خمسة أشهر بالتمام والكمال, والحب يزداد تعمقا يوما بعد يوما, لدرجة صرت تسمع الحديث عن الأوضاع الحكومية عند البقال والنجار والخياط . شكرا بنكيران لقد أصبحنا محللين. لم يصب أحد منا يوما بالملل وهو يتصفح أخبار المشاورات, لا لشيء فقط لأنها تخص وطنه ومستقبله, والجميع يعد الدقائق والساعات كي تتوقف هذه الرحلة الشاقة لأن التعب صار يخيم على البعض, في حين أن الأستاذ بنكيران الربان, يخرج بخطاباته ويطمئن العشاق, لا تقلقوا ستكون الأمور كلها بخير, في حين أن هناك من يدون كي يشفي غليلا بداخله, والبعض ينسج قصصا خيالية عنه, والآخر يراجع خطاباته السابقة ليفهم ما بين الكلام, وهو يتساءل بداخله, أيمكن أن ينجو بنا ؟, لدرجة أن هناك من أعد إحصاء يخبر فيه بأن نسبة مشاهدة خطابات بنكيران هي المرتفعة. جميل هذا الأمر حقا, أي حب هذا يكنه هذا الشعب لهذا الرجل العظيم يا ترى ؟ ليلة الإعلان عن أن بنكيران تم إعفاءه من مهمة القيادة, علمنا مدى حب الشعب المغربي لهذا الرجل, إنه لتطبيق لما جاء في الدستور, لكن حب الشعب لا يعرف حدودا, وهناك رأينا في عيون الأقارب معالم البؤس والحزن والضجر, وفهمنا حينها معنى أن الحب الأعمى, فحتى ممن كرهوه يوما صفقوا له بحرارة لصموده ولذهابه وهو رافع رأسه, وشهما. لم تتقبل بصعوبة وهناك علمنا أننا تورطنا في جريمة حب ليس قاتلة, وإنما ستكون نهايتها مؤلمة, بعد أن يخلفه أحد آخر, غيره هو, أسيكون شبيها له ؟ أسيصادقنا هو كذلك ؟. لا ندري لكن نستبشر خيرا. جاء الخبر كالصاعقة على قلوبنا, رغم أن السياسة بعيدة عن العاطفة, لكننا نحبه, وهناك انكشف المستور واتضح بالملموس بأننا نكن حبا عظيما لهذا الرجل الاستثنائي في حياة المغاربة يدعى بنكيران. بشخصيته اللطيفة المهذبة, وكلامه الخشن أحيانا والمضحك أحيانا أخرى تعلقنا به وأحببناه, وهناك ممن شبيبته ممن جعله قدوة له. نعم حقيقة نحن نهتم بالمبادئ والقيم لكننا بصدق هذه المرة أخطأنا والخطأ كان جميلا وممتعا. لقد جمعنا رفقة هذا الشخص أحداث ومواقف عديدة, كأننا نشاهد فلما مدبلجا, تعلقنا بأشخاصه كثيرا, لأن هم من علمونا الكثير في السياسة, لدرجة أننا صرنا نناقشها في بيوتنا بكل أريحية تامة, وكم من الوالدات تفرح يوم ترى الأستاذ بنكيران في قبة البرلمان, فتجلس لتشاهده وهو يتحدث ويناقش ويمازح, فمتى كنا من المتتبعين لما يمر في البرلمان من قوانين ومخططات ؟ حب عظيم هذا حقيقة. إبعاده جعلنا نفهم الكثير في الحب لا في السياسة, خرجوا من جحرهم الكارهون له يومها وأبدوا تعلقهم به وبشجاعته وصموده كما سموها, فانقلبت الأحداث بعدها, وصار حديث الساعة لأيام, ولعله لازال لحد اليوم, وتوافدت إلى بيته الكثير ممن عشقوه من مثقفين وأساتذة, إلا الشعب لأن حبه في قلوبهم, لن يمحوا لهنيهة, كما يتذكر السابقون اليوسفي ونحن هذا الجيل سنذكر بنكيران, وسيسجل التاريخ تعلق شعب برئيس, وإنها لقصة حب حقيقة بين شعب بسيط ورئيس حكومة منتهية ولايته من نفس طينتهم. خرجنا للشارع نرى أحواله, فوجدنا العشاق مصطفين يناقشون رحيله عن عالم السياسة, وعدنا لبيوتنا لنفتقر وجوده في إعلامنا, أفحقا رحل ولن يعود ؟, مستحيل لأنه وعد شعبا ولن يخلف عهده, سيبقى دوما لنصرة الحق والدفع بهذا الوطن نحو مستقبل هنيء جميل, كما يريده المغاربة. السياسة لم تجعل منه كاذبا أو سارقا بل العكس جعلت من وراءه شعبا يدافع عنه في المجالس والمدارس والكليات, هنيئا له ولحزب العدالة والتنمية أجمع. وللشباب الذي يرغبون في السير على نهجهم, أخبرهم بأن يستفيدوا من حكاية حب بطلها بنكيران وشعب يريد حرية ومساواة وعدالة اجتماعية, خذوا العبر واستفيدوا, فليس القارئ كالرائي. استفيدوا لأن الحاضر يذهب وما مضى لن تكون هناك فرصة ليعود من جديد. بنكيران تشبث بقيم الحزب ومبادئ, تحرى الصدق في قوله وعمله, إنه مدرسة أمامكم تعلموا بالمجان الآن, قبل فوات الأوان. حكاية حب أحملها من الشعب إلى بنكيران.