خلق طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، الحدث في المهرجان الوطني للفيلم المنعقد حاليا بمدينة طنجة، بعد أدائه دوره بطريقة عفوية في فيلم "عرق الشتا" لمخرجه حكيم بلعباس، وهو أطول فيلم في المدة الزمنية يتنافس في مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان. الطفل أيوب الخلفاوي، مصاب بمتلازمة الداون (مرض ذهني)، جسد دورا رئيسيا في فيلم يحكي قصة فلاح صغير يعمل على أرضه في قرية صغيرة وسط المغرب، يقضي وقته في حفر بئر أملا في الوصول إلى الماء ليستمر في العيش رفقة زوجته عايدة ووالده العجوز المنهك وابنه أيوب، قبل أن يتلقى رسالة تهديد بالاستيلاء على حقله، وهو ما اضطره إلى بيع كليته لتديد ديونه دون علم أهله. أيوب الخلفاوي، وهو اسمه الحقيقي في الواقع وفي الفيلم، استطاع أن يؤدي دوره بشكل أثار تفاعل الجمهور والنقاد السينيمائيين، وذلك رغم إصابته بالمرض الذهني وصعوبة نطقه للكلمات، واستطاع أن يسرق أضواء طاقم فيلم "عرق الشتا"، سواء في التمثيل أو من خلال مداخلاته أثناء مناقشة الفيلم، أمس الأربعاء بطنجة. مخرج الفيلم حكيم بلعباس، أوضح خلال مناقشة فيلمه من طرف النقاد، أن الطفل المذكور جسد دوره بشكل حقيقي، بل واستطاع أن يفرض مشاهد جديدة لم تكن مبرمجة ضمن السيناريو، خاصة في نهاية الفيلم حين تفاعل الطفل أيوب مع لحظات التصوير بشكل عفوي، جعل المخرج يغير جزءا من السيناريو ويدمج التفاعل العفوي للطفل الممثل في مشاهد الفيلم. وأضاف بلعباس بالقول: "ماكراهتش لو كنت أنا فحال أيوب، لأن الإنسان البسيط يعطي إنتاجا نقيا بدون أي خلفيات"، مشيرا إلى أن مصدر الأفكار التي يعتمدها في أفلامه يستقيها من القصص البسيطة في حياة الناس، خاصة البسطاء منهم، وليست مواضيع البيع والشراء في الأفلام والسينما، حسب قوله. المخرج قال إن قصة فيلمه ظلت تطارده لمدة طويله، حين التقى بفلاح كبير في السن في إحدى القرى المغربية قبل 17 عاما، واستمع لقصة معاناته مع الأرض وظروف الحياة، ليقرر تصوير فيلم في الموضوع تحت عنوان استقاه من كلام الفلاح المذكور. نقاد سينيمائيون، وصفوا الفيلم بأنه "من أفضل الأفلام وعبَّر عن قوة السينما"، معتبرين أن المخرج أعطى للصورة وقتها الكافي لتتحدث عن القصة، خاصة في مشاهد الطفل أيوب وهو يتحدث مع حيواناته بشكل عفوي (كلبه وقطيع الأغنام)، ومع أخيه الجنين في بطن أمه، وأثناء أدائه صلاة العشاء، واستظهار القرآن داخل قسمه بالمدرسة، حسب قولهم. المخرج بلعباس، قال في تصريح مقتضب لجريدة "العمق"، إن فيلمه لم يتضمن أي رسالة للجمهور، مشيرا إلى أن أسلوبه في الإخراج يعتمد على إبراز ما يراه المخرج من مواضيع تسكن وجدانه وليس ما ينتظره الجمهور. وتابع قوله: "أن أحكي عن شيء ساكن في ذاتي ومهووس به، وأخرجه للناس ليستمتعوا به، وأتمنى أن يتفاعل الجمهور مع ذلك". يُشار إلى أن الفيلم مدته 126 دقيقة، وشارك في تشخيص أدواره كل من أمين الناجي وفاطمة الزهراء بناصر وحميد نجاح وحميد بلعباس، إضافة إلى الطفل أيوب الخلفاوي، هذا الأخير استطاع الوصول إلى الماء في قعر البئر بعد وفاة والده، لتنتهي قصة الفيلم بإظهار الطفل وهو يتحدث مع نفسه قائلا: "أنا كبرت، أنا دابا راجل". وتستمر فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، إلى غاية 11 مارس الجاري، حيث يتنافس 15 فيلما على مسابقة الأفلام الطويلة، و15 فيلما في مسابقة الأفلام القصيرة.