اشترطت القوانين و أنظمة التحكيم من بينها القانون المغربي ضرورة أن يكون قبول المحكم لمهمة التحكيم كتابة لكن اختلفت الآراء بين اعتبار هذه الشكلية إما شكلية إثبات أو شكلية انعقاد مهمة المحكم في النزاع المعروض عليه. حيث يعتبر قبول المحكم للمهمة المسندة إليه الخطوة الأخيرة في تشكيلالهيئة التحكيمية، فهذه الأخيرة لا توجد قانونا قبل هذا الإجراء، فإذا تعدد المحكمون فيجب أن يتم القبول من كل واحد منهم حيث لا يكفي قبول بعضهم ولو كانوا أغلبية . لكن يلاحظ أن المشرع المغربي اشترط أن يتم هذا القبول في شكل إما إبرام عقد الشروع في القيامبالمهمة أو بالتوقيع على اتفاق التحكيم، و ذلك بموجب الفقرة الثالثة من الفصل6-327 من قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية الذي جاء فيها : " يثبت قبول المهمة كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروع في القيام بالمهمة ". فطبقا لهذا الفصل يجب أن يثبتالقبولبالموافقة الخطية و ذلك بتوقيع المحكم على محرر يسمى اصطلاحا (محرر أو مستند المهمة) أو (وثيقة مستند التفويض) و لا يكفي تضمين اتفاق التحكيم اسم المحكم أو المحكمين الذين وافقوا على المهمة لأن الموافقة المكتوبة ترتب التزاما خطيا على المحكم يصعب الرجوع عنه دون عدر مقبول تحث طائلة المسؤولية . لكن و إن اشترط المشرع الكتابة فيثور تساؤل جوهري يتجلي في ما مدى اعتبار الكتابة المذكورة شكلية انعقاد مهمة المحكم أم شكلية إثباث فقط، حيث تضاربت الآراء في هذا الإطار و يمكن تحليل و تناول هذا الأمر وفق المستويات التالية : أولا :التنظيم القانونيلإثبات قبول المحكم للمهمة المسندة إليه استعمل المشرع المغربي في الفصل 6-327 أعلاه كلمة "يثبت" قبول المهمة، بما يحيل على اعتبارها شكلية إثبات، حيث يبدو واضحا أن القبول إما أن يكون صريحا أو ضمنيا، و عمليا غالبا ما يثبث القبول الصريح في شكل محرر بين المحكم و الأطراف، أما إذا تعلق الأمر باتفاق التحكيم فيكفي إمضائه من المحكم لإثبات قبوله للمهمة. بينما يتبث القبول الضمني بقيام المحكم بأي عمل يدل على قبوله للمهمة كالاجتماع بالأطراف وكذا ضبط الإجراءات مثلا لكن ما يلاحظ أن المشرع المغربي في الفصل 6-327 أعلاه أنهلم ينص على القبول الضمني بشكل صريح، عكس المشرع التونسي الذي أكده في الفصل 11 من مجلة التحكيم في فقرته الأولى الذي جاء فيه : " يثبت قبول المحكم لمهمته كتابة أو بتوقيعه على الاتفاق على التحكيم أو بقيامه بعمل يدل على شروعه في المهمة". و هو ما يجعل من البحث ما مدى إعتبار إثبات المحكم لقبوله للمهمة من خلال القبول الضمني و الغير الكتابي أهمية كبرى خصوصا و أن ابتداء احتساب مدة التحكيم تبتدأ من تاريخ قبول آخر محكم لمهمة التحكيم حسب الفصل 10-327 في فقرته الأخيرة التي جاء فيها : ".. تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يكتمل فيه تشكيل هيئة التحكيم مالم تتفق الأطراف على غير ذلك". كما أن صدور الحكم التحكيمي خارج آجال التحكيم يترتب عليه بطلانه طبقا للفصل 36-327،و نظرا لأهمية تاريخ قبول المحكم للمهمة المسندة إليه و إثباته في مسار العملية التحكيمية قد تثور عدة إشكالات في تحديده خصوصا إذا كان قبول المحكم للمهمة بشكل ضمني أو صريح و بدون إفراغ هذا القبول في شكل عقد مكتوب، مما يثور معه التساؤل حول مدى اعتبار الكتابة المتطلبة في قبول المحكم للمهمة الواردة في الفصل 6-327 هي فعلا شكلية انعقاد و إثبات؟ أم هي شكلية إثبات فقط ؟ و هو ما سنحاول التطرق له في المحور الثاني. ثانيا : صور إثبات قبول المحكم للمهمة المسندة إليه بداية ينبغي الإشارة إلى كون قبول المحكم لمهمة التحكيم )طبقا للفصل 6-327(سواء ثبت بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروع في القيام بالمهمة قد يحيل على الإعتقاد بكونها شكلية انعقاد مهمة المحكم، لكن بملاحظة الفقرة الثانية من نفس الفصل التي جاء فيها : "يثبت قبول المهمة كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروع في القيام بالمهمة .. ". نستخلص من هذه الفقرة أن استعمال المشرع المغربي لمصطلح "يثبت" يفيد بشكل لا لبس فيه أن الكتابة المتطلبة في هذا المقام هي شكلية إثبات قبول المحكم للمهمة و ليس شكلية انعقاد مهمته، و بالتالي جعل المشرع المغربي الكتابة وسيلة لإثبات قبول المحكم و ليس شرطا لصحة التحكيم أو صحة إجراءاته و القصد منها مجرد تفادي كل نزاع قد ينشأ في المستقبل بصدد تحديد تاريخ القبول المحكم للمهمة نظرا لأهميته في احتساب بدأ إجراءات التحكيم و مدته نظرا لالتزام الملقى على عاتق المحكم بعد قبوله للمهمة في إصدار الحكم التحكيمي داخل الأجل القانوني أو الاتفاقي. و قد سار القضاء المقارن في اعتبار أن الكتابة شكلية إثبات قبول المحكم لمهمة التحكيم و هذا تبنته محكمة النقض المصرية و قضت في حكم لها بتاريخ 24/2/1973 بأن : "الكتابة شرط لإثبات قبول المحكم مهمة التحكيم و ليست شرط لانعقاد مشارطة التحكيم و أن القضاء ببطلان المشارطة استنادا إلى عدم توقيع أحد المحكمين عليها خطأ " . و على هذا النحو فلا توجد صيغة معينة لقبول المحكم للمهمة سواء كان بشكل صريح أو بشكل ضمني، و هذا ما دفع محكمة بيروت تستعرض هذا الأمر في قرار لها صدر بتاريخ 19/12/1985 جاء فيه : "و تعتبر هيئة التحكيم واضعة يدها على النزاع من يوم قبول المحكم أو المحكمين لمهمتهم و لا يوجد صيغة معينة لقبول المحكم لمهمته بحيث يثبت ذلك بكافة الطرق إما بتوجيه رسائل إلى الأطراف يعلن فيها قبوله للمهمة أو بوضع يده على النزاع باتخاذه إجراءات قانونية مفيدة بشأنه كما يتبين من محاضر المحكمة و أوراق الدعوى أو بتوقيع المحكم على أي قرار تمهيدي أو فاصل في نقطة من نقاط النزاع المعروض على المحكم". و في الأخير تجدر الإشارة إلى أهمية إثبات قبول المحكم للمهمة المسندة إليه كتابة نظرا لما لتاريخ بداية إجراءات التحكيم و المرتبط بتاريخ تشكيل الهيئة التحكيمية طبقا لفقرة الأخيرة من الفصل 10-327 من أهمية بالغة في بداية احتساب أجل التحكيم و الذي بتجاوزه يعرض الحكم التحكيمي للبطلان و عدم التنفيد.