أدمج المشرع المغربي الوساطة كآلية بديلة لحل النزاعات في النظام القانوني بموجب القانون رقم 05-08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 نوفمبر 2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، الذي اعتبر حدث مهم في مسار تدعيم الوسائل البديلة لحل النزاعات بالمغرب. حيث سعى المشرع المغربي من خلال هذا القانون تمكين الأطراف المتنازعة من آلية تخول لهم اختيار وسيط لحل منازعاتهم و اختيار مسطرة الوساطة بشكل تفاوضي لا يخرج عن قانون إرادتهم، وبذلك فضل القانون المغربي كخطوة أولى تبني الوساطة الاتفاقية دون الوساطة الإجبارية أو القضائية. و في هذا الإطار يمكن القول أن هذا القانون أتى بعدة مقتضيات تأسس للوساطة كآلية بديلة لحل النزاعات بالمغرب، مما يطرح معه تساؤل جوهري يتجلى في البحث عن الحدود التي استطاع المشرع المغربي من خلالها التأسيس لآلية الوساطة الاتفاقية بمقتضيات تشجع على اللجوء إليها عوض القضاء في أفق تنظيم الوساطة القضائية و الوساطة الخاصة بالمغرب؟ و للإجابة عن هذا السؤال ينبغي التطرق للضوابط و المبادئ التي تخضع لها الوساطة الاتفاقية بموجب قانون 05-08 و ذلك من خلال المحاور التالية : أولا- تعريف الوساطة الاتفاقية عرف المشرع المغربي الوساطة الاتفاقية في الفصل 327-56 على النحو التالي: " العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام الصلح الإنهاء النزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد" ثانيا- تجليات الوساطة الاتفاقية حيث نظم المشرع المغربي الوساطة الاتفاقية تقريبا بنفس الكيفية التي نظم بها التحكيم فيما يخص صور الوساطة التي يمكن أن تكون شرط الوساطة التي عرفها شرط الوساطة في الفصل 61- 327 "شرط الوساطة هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على الوساطة النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور " كما يمكن أن تكون الوساطة الاتفاقية عقد الوساطة الذي عرفه المشرع المغربي في الفصل 59-327 "عقد الوساطة هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع ناشئ بعرض هدا النزاع على وسيط " ثالثا- الشروط الشكلية للوساطة الاتفاقية عمل المشرع المغربي في قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية وضع مجموعة من الشروط الشكلية التي تأسس لعملية الوساطة و تتجلي في أن يبرم اتفاق الوساطة كتابة و أن يتقيد الوسيط بأحكام السر المهني أثناء سير مسطرة الوساطة و أن يحترم كذلك آجال الوساطة و سنركز على شرط الكتابة لأهميته فطبقا لنص الفصل 58-327 : " يجب أن يبرم دوما اتفاق الوساطة كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي و إما بمحضر يحرر أمام المحكمة..." و يلاحظ من هذا الفصل أن المشرع المغربي وسع من مفهوم الكتابة حيث اعتبرها قائمة سواء إذا ورد اتفاق الوساطة في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال حيث أن هذا التوسع في مفهوم الكتابة يتوافق مع ما جاء به القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية رابعا- الشروط الموضوعية للوساطة الاتفاقية استلزم قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية للإعتداد بعملية الوساطة ضرورة توفر شروط مرتبطة بالأساس بمشتملات اتفاق الوساطة، فبخصوص البيانات الواجب توفرها في عقد الوساطة نجد الفصل 60-327 يضع قاعدة متوافقة مع خصوصية اتفاق الوساطة الذي يبرم بعد نشوء النزاع بين طرفيه حيث ألزم المشرع الأطراف أن يحددوا في العقد موضوع النزاع و تعيين الوسيط أو التنصيص على طريقة تعيينه تحت طائلة البطلان أما بخصوص البيانات الواجب توفرها في شرط الوساطة فبالإضافة إلى ضرورة توفر شرط الكتابة و تضمين شرط الوساطة في العقد الأصلي أو في وثيقة تحيل عليه بشكل لا لبس فيه يجب أن يتضمن تعيين الوسيط أو التنصيص على طريقة تعيينه خامسا - نطاق تطبيق الوساطة الاتفاقية نظرا لأهمية الوساطة الاتفاقية كتقنية بديلة لحل النزاعات يعد من الضروري معرفة المنازعات القابلة للحل عن طريق الوساطة الاتفاقية وفق ما أقره المشرع المغربي في قانون 05-08 حيث أنه تأسيسا على المبدأ الذي تقوم عليه الوساطة الاتفاقية في القانون 05-08 و المتمثب في أنها تجوز في كل ما يجوز فيه الصلح و لا تجوز فيما لا يجوز فيه الصلح و بالتالي فإن القضايا التي جوز فيها المشرع الصلح متعددة و مختلفة باختلاف الاهتمامات الاجتماعية و الاقتصادية ومنها قضايا الأسرة و القضايا الاجتماعية و قضايا التجارية ..الخ سادسا- تقييد الوساطة الاتفاقية للقضاء طبقا للفصل 64-327 يمنع على المحاكم النظر في نزاع موضوع اتفاق وساطة إلى حين استنفاد مسطرة الوساطة أو بطلان اتفاق الوساطة و ذلك في حالة إثارة الدفع بعدم القبول من طرف أحد الأطراف. ثم طبقا للفصل 66-327 فإنه لا يجوز إثارة ملاحظات الوسيط و التنازلات التي تمن بين الأطراف و استعمالها أمام القاضي المعروض عيه النزاع إلا باتفاق الأطراف. سابعا- مهمة الوسيط طبقا للفصل 66-327 يلزم الوسيط بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي كما يجب عليه فور قبول المهمة المسندة إليه أن يخبر بذلك الأطراف في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي طبقا للفصل 67-327 كما لا يجوز للوسيط أن يتخلى عن مهمته إلا باتفاق الأطراف أو إذا انصرم الآجال المنصوص عليه في الفصل 65-327 دون أن يستطيع الأطراف إبرام صلح أو بأمر القاضي في الحالات المنصوص عليها في الفصل 64-327 ثامنا- مدة الوساطة الاتفاقية طبقا للفصل 65-327 يجب أن لا تتجاوز المدة المحددة للوسيط في العقد لإنجاز مهمته 3 أشهر ابتداء من تاريخ قبوله للمهمة و يمكن للأطراف تمديد المدة لنفس الأجل تاسعا – نتائج الوساطة الاتفاقية حالة نجاح الوساطة الاتفاقية تنص الفقرة 5 من الفصل 68-327 أنه تحرر وثيقة الصلح تتضمن وقائع النزاع و كيفية حله و ما توصل إليه و اتفق عليه الأطراف على الشكل الذي يضع حدا للنزاع القائم بينهم يوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي توصل إليه فحسب الفصل 69-327 يكتسي الصلح بين الأطراف قوة الشيء المقضي به و يمكن أن يديل بالصيغة التنفيذية. حالة فشل الوساطة الاتفاقية طبقا للفقرة 7 من الفصل 68-327 فإنه في حالة عدم وقوع الصلح لأي سبب من الأسباب فإن الوسيط يسلم وثيقة عدم وقوع الصلح التي تحمل توقيعه للأطراف. * باحث قانوني ووسيط في حل النزاعات