أكدت التجارب العديدة المتعلقة بحل النزاعات, أن العدالة التي تنبني على أساس الاتفاق تكون أكثر إيجابية ولها آثار فاعلة من العدالة التي يطبقها القاضي الذي يعتمد على نصوص قانونية مجردة. وتعتبر الوساطة كحل بديل في تسوية النزاعات نموذجا رائدا في هذا المجال باعتبارها قضاء مريحا للطرفين وعدالة فاعلة خارج قاعات الجلسات في المحاكم تتم من خلالها تسوية النزاعات بالسرعة المطلوبة وبأقل تكلفة،عن طريق السداد والتراضي وإصلاح ذات البين بين المتقاضين بالتوافق الودي لا يكون فيه غالب ولا مغلوب ، ودون أن يترتب عن ذلك أية قطيعة بين المتنازعين مما يولد تجديدا للسلم الاجتماعي والتواصل، ويساهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي ويقلص من عدد القضايا التي تعرفها المحاكم.في اطار التعديل الذي عرفته المسطرة المدنية بمقتضى القانون رقم 05-08 والذي بمقتضاه تم نسخ الباب الثامن بالقسم الخامس (الفصول 306 الى 327) من قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 من رمضان 1394 (28 سبتمبر 1974) وحلت بمقتضاه المادة الأولى من القانون رقم 05-08 الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 169-07-1 بتاريخ 19 من ذي الحجة 1428 (30 نوفمبر 2007) حيث جاء هذا التعديل بمقتضيات جديدة تهم التحكيم والوساطة الاتفاقية . ونظرا لكون القانون المذكور صدر خلال سنة 2007، ورغم أهميته وما يمكن أن يساهم به في التقليص من عدد القضايا التي تحال على القضاء النظامي، وما تميز به من خصوصيات ايجابية تعمل على استقرار العلاقة بين الأطراف المتنازعة، باعتبارها هي التي تقوم بإيجاد الحل المناسب لنزاعاتها وعلى المقاس الذي ترغب فيه بقيادة الوسيط . فإنه لا زال مجهولا لدى الكثير من الناس. ومن اجل التعريف بهذه الآلية الجديدة، التي جاء بها قانون المسطرة المدنية ,فقد اجرينا لقاء مع الاستاذ امحمد برادة غزيول, المدير العام لديوان RB2 الخبير الدولي في مجال الوساطة في تسوية النزاعات والمتخصص وطنيا ودوليا في تقديم الاستشارة القانونية وحل النزاعات عن طريق الحلول البديلة لتسوية النزاعات (التحكيم الوطني والدولي ، الوساطة في تسوية النزاعات، التوفيق والمصالحة) وتحصيل واسترجاع الديون الخصوصية، وطلبنا منه ان يطلعنا على هذه التجربة التي اقدم عليها من خلال فتحه مكتبا مستقلا في هذه المجالات السالفة الذكر،والتي تعتبر رائدة على المستوى الوطني موازية لما قامت به بعض الغرف التجارية من إحداث مراكز أطلقت عليها المركز الدولي للوساطة والتوفيق بكل من الدارالبيضاء والرباط وطنجة ووجدة. { هل لكم ان تعرفوا القراء الكرام بديوانكم : قمنا بإحداث هذا الديوان المستقل والمتخصص فيما أشرتم إليه من حيث الاختصاص وذلك كمبادرة اولى، نقدم من خلالها للمتعاملين معنا خدمة ذات جودة عالية، موظفين بذلك تجربتنا: - في العمل القضائي : لمدة تزيد عن 38 سنة، والتي تدرجنا خلالها في مختلف درجات القضاء، والإدارة القضائية، كمفتش متخصص في تفتيش المحاكم التجارية، وكمسؤول عن رئاسة محكمة الاستئناف بفاس، ورئيس غرفة بمحكمة النقض . - وفي مجال البحث العلمي : كمدرس لمادة التجارة الدولية بالمعهد العالي للقضاء،وإصدارنا خلال هذا المسار القضائي 13 مؤلفا في مجالات قانونية متعددة، ونشرنا العديد من البحوث والدراسات ووجهات نظرنا في بعض القوانين البعض منها في مجالات قانونية متخصصة والآخر في جرائد وطنية وفي موقعنا الشخصي, اضافة الى مشاركتنا في العديد من المحاضرات والندوات والموائد المستديرة بداخل الوطن وبخارجه . - وتجربتنا كخبير دولي: استشاري تابع لهيئة الأممالمتحدة للتنمية،( L?UNDP ) وعضويتنا بالشبكة الدولية للتعاون القضائي الدولي(RMCJ I)، والتجربة التي حصلنا عليها كخبير دولي في تنمية الأنظمة القانونية للحلول البديلة ISDLS) ( من ولاية كاليفورنيا بالولاياتالمتحدةالامريكية، وكخبير دولي في البحث عن ارضية مشتركة لفض النزاعات من المملكة المتحدة البريطانية بلندن CEDR)، وبالمركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط CIMAR) ). كل ذلك شجعنا على إحداث هذا الديوان، متوخين من وراء ذلك البحث مع زبنائنا عن أرضية مشتركة، لدفعهم وتشجيعهم على التفاهم ، وحسن التفاوض ، والوصول معهم لتسوية نزاعاتهم، سواء كانت هذه الاخيرة وطنية اودولية، وفي نفس الوقت نشر ثقافة الحوار، والتفاهم ، والتوعية بأهمية الحلول البديلة كعدالة لينة، معززين ذلك بطاقم كبير من الخبراء الاستشاريين المتخصصين في تقديم الرأي القانوني، والاستشارة الجيدة، ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة، والنزاهة ، والحياد . و فيما يخص الاستشارة القانونية, فإن ديواننا يقدم للأشخاص الذاتيين والشركات والجمعيات والوداديات خدمة عالية ، ومتخصصة في تقديم الاستشارة والرأي القانوني ، في جميع المجالات المرتبطة بالقانون وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها وطنيا او دوليا حسب طبيعة النزاع. { ماذا تقصدون بالحلول البديلة لتسوية النزاعات ؟ يقصد بالطرق أو الوسائل أو الحلول البديلة لتسوية النزاعات" ADR«الطرق المناسبة لفض المنازعات التي تنشب بين الأشخاص أو الشركات فيما بينهما دون رفع الدعوى أمام المحاكم. ومن خلال هذا التعريف يخرج التقاضي عن إطار هذا التعريف لأنه لا يعتبر وسيلة بديلة لحل الخلافات, بل يعتبر وسيلة أصلية لأن المعتاد هو أن المتنازعين يلجأون إلى المحاكم لفض نزاعاتهم. وهناك عدة طرق بديلة لتسوية النزاعات نذكر من بينها : * الوساطة Médiation * التحكيم Arbitration * المفاوضات Négociations * التوفيق conciliation * التقييم الحيادي المبكر ونظرا لأهمية هذه الحلول البديلة, فإن جل المتقاضين في الدول المتقدمة وبعض الدول العربية أصبحوا يفضلون اللجوء إليها وتسوية نزاعاتهم عن طريقها مما قلص من عدد القضايا التي كانت تسجل امام المحاكم النظامية لما تتوفر عليه هذه الحلول البديلة من مزايا متعددة ولدرجة أن بعض الباحثين أصبحوا يطلقون عليها، الحلول الأصلية وليست الحلول البديلة. { ما هو السياق العام الذي ظهرت فيه الحلول البديلة؟ مما لاشك فيه ان جهازنا القضائي وعلى غرار جل الدول يعاني من مجموعة من المعوقات والاكراهات تتجلى في: * النقص الملحوظ في الموارد البشرية لتغطية وتتبع القضايا الرائجة أمام المحاكم النظامية. * الارتفاع الملحوظ في عدد القضايا التي تسجل بالمحاكم،والتي تتطلب وجود العدد الكافي من القضاة للبت فيها تدخل الجهاز القضائي. * بطء الإجراءات المتعلقة بالتبليغ وتجهيز القضايا، والذي يساهم فيه بشكل مباشر او غير مباشر اطراف القضية وعائلاتهم، والاجراءات الشكلية التي ينبغي احترامها حفاظا على حقوق الدفاع. * التقاضي بسوء النية لدى بعض المتقاضين وكثرة القضايا التي يطبعها الجانب الكيدي والتعسفي مما يثقل كاهل الجهاز القضائي بقضايا كان من المفروض ان لا ترفع أمامه . * الصعوبات الواقعية والقانونية التي تساهم فيها الأطراف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. رغم صدور الأحكام والقرارات والأوامر التي تصبح قابلة للتنفيذ وتؤدي إلى تمديد فترة التنفيذ. * ما تعرفه بعض الأحكام والقرارات من نقص في جودتها نتيجة للسرعة المطلوبة وكثرة القضايا التي يبت فيها السادة القضاة. اضافة الى طرق الطعن المتاحة للأطراف والمساطر الفرعية التي قد تتولد عن طبيعة كل نزاع . * ما يؤدي إليه التقاضي أمام المحاكم من أحقاد وضغائن بين المتنازعين وانحلال وتفكك في العلاقات والروابط لاجتماعية . هذه بعض من المشاكل التي تتقاسمها جل دول المعمور والتي فرضت على هذه الدول إيجاد وسائل ناجعة لتبسيط إجراءات التقاضي وتقريب القضاء من المتقاضى وإيجاد وسائل بديلة عن القضاء النظامي الذي عجز عن التغلب على الاكراهات السالفة الذكر. وهكذا ظهر إلى جانب القضاء التحكيم كآلية لفض النزاعات ومواكبة التطورات التي يعرفها عالم الاقتصاد والتبادل التجاري وحظي باهتمام خاص وأحاطت المعاهدات الدولية احكامه بنوع من الحماية لدرجة أنه أصبح الوسيلة البديلة لتسوية النزاعات التجارية والقضايا المدنية وأخذت تنص عليه جل العقود النموذجية كوسيلة أساسية لحل نزاعات التجارة الدولية. إلا أنه نظرا للشكليات التي يفرضها التحكيم في حل النزاع والتي تقترب إلى حد كبير من الإجراءات والمساطر القضائية فقد بدأت الانظار تتوجه نحو الوساطة والتوفيق، ورغم أن هذين الأخيرين قديمين وعرفا قبل ظهور عدالة الدولة، إلا أن الملاحظ آنذاك أن الوساطة كانت تقوم على إصلاح ذات البين وترتكز على التقاليد والأعراف السائدة آنذاك في المجتمع القديم إلا أن ظهورها ومن جديد وبشكل مقنن جاء من الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال السنوات ما بين 1965-1970 وتلتها العديد من الدول حيث أدخلت الوساطة كحل بديل في أنظمتها القانونية والقضائية. ونصت اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار على ضرورة اللجوء إلى الوساطة والتوفيق كبديل لحسم النزاع قبل اللجوء إلى التحكيم. كما أن اتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى نصت على اللجوء إلى التوفيق قبل التحكيم كما نصت على اجراءات أخرى من وسائل حسم المنازعات بطريقة ودية ولم يقف الأمر عند ذلك بل نجد أن غرفة التجارة الدولية نصت على نظام المصالحة الاختيارية ووضعت له إجراءات. كما أن لجنة الأممالمتحدة لقانون التجارة الدولية "اليونسترال" وضعت قواعد للتوفيق قبل اللجوء إلى التحكيم. وعلى مستوى التشريع المغربي فقد صدر القانون رقم 05-08 في اطار التعديل الذي ادخل على قانون المسطرة المدنية حيث خصص المشرع المغربي للوساطة الاتفاقية الفصول 327-55 الى327-70 { ما هي الوساطة كحل بديل لتسوية النزاعات: يمكن تعريف الوساطة بأنها الحل البديل لتسوية النزاعات والخلافات، التي قد تنشا بين الأطراف بشكل متميز عما تقتضيه المساطر القضائية التقليدية الأصلية،حيث يلتجأ الأطراف بموجب اتفاق مسبق بينهم، أو بناء على طلب من احدهم، وموافقة الطرف الأخر، أو بناء على نص قانوني، إلى طرف ثالث محايد ومؤهل، ليقوم بدور الوسيط،بدل اعتماد الدعوى القضائية حيث يعقد هذا الأخير لهذا الغرض، اجتماعا خاصا وسريا، بين الأطراف المتنازعة، ووكلائهم من المحامين أو غيرهم ومن خلال التعريف السالف الذكر يتضح انه من الثوابت لانعقاد الوساطة ان يكون الطرفان موافقان على اللجوء الى حل نزاعهم عن طريق الوساطة وبإرادتهما الحرة ولا يمكن انعقادها اذا رفض احد اطراف النزاع المشاركة فيها وهو ما يعني انها ارادية. وهي بذلك تتيح للأطراف المتنازعة الفرصة للمشاركة في محاولة إذابة الخلاف وتقريب وجهات النظر، وإيجاد الحل لنزاعاتهم وخلق جو من التفاهم، والمساهمة في إشاعة ثقافة الحوار والسلم، .وتوفر إطار قانوني على القياس لكل حالة يكون مقبولا من الطرفين المتنازعين ومن صنعهم بشكل ودي لحل النزاع، يضمن لهم الحصول على عدالة في ظروف يمكن الاطمئنان إليها، تكون فيها الأطراف هي المشرعة لنفسها، لحسم النزاع بشكل أفضل وابتكار حلول توفيقية . وبذلك يلاحظ ان الوساطة تعد طريقا سهلا وسلسا وأقل مشقة من الطرق التي اعتاد الأطراف اللجوء إليها لتسوية نزاعاتهم، وتوفير الوقت والجهد على المتخاصمين مقارنة بالوسائل الأخرى، فهي وسيلة تدرأ التصادم وتمنع التفتت في العلاقات، ولها فاعلية قصوى لإحلال العدالة والتصالح. وتعتبر من بين الممارسات التي كانت متبعة في جل المجتمعات بما في ذلك المغرب, إلا أنها تطورت وتم تقنينها بأساليب جديدة حيث أصبحت تتم بعيدا عن ساحات وفضاء المحاكم وتساهم في تجنب الخلافات العميقة والمشاحنة والبغضاء التي تظهر عند إقامة الدعوى أمام القضاء . والوساطة بهذا المفهوم ليست غريبة عن المجتمع المغربي والمجتمعات العربية بصفة عامة، حيث كان الاشخاص الذين لهم مكانة معينة في المجتمع، من قبيل امام المسجد او الرجل المسن او اعيان القبيلة يقومون التوفيق والمصالحة بين أراء أطراف النزاع للوصول إلى حل يقبله الطرفان. كما أن للوساطة جذورا دينية أيضا، ولكن الوساطة بهذا المفهوم، لم ترتق إلى التنظيم القانوني المطلوب في هذه الدول لتصبح وسيلة من وسائل أو طرق حل المنازعات بين الأفراد، تستند إلى أسس وقواعد ثابتة ومعروفة سلفا لإفراد المجتمع إلا في السنين الأخيرة. وتحظى الوساطة الآن باهتمام كبير من طرف الباحثين، والممارسين في المجال القضائي والقانوني والسياسي وفي أغلب دول العالم التي أخذت بهذا المبدأ, حيث أصبحت تخصص لها حلقات دراسية وندوات من أجل تحليل ووصف هذا التطور في مجال الحلول البديلة، كما أصبحت محل موضوع إعداد الرسائل الجامعية لنيل الدكتورة في العديد من جامعات الدول الأوربية والعربية.في الوقت الذي أخذت بها بعض الأنظمة القانونية العالمية منذ بداية الثمانينيات وحققت نجاحا كبيرا. فيها ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا، تشترط بعض الولايات قبل تسجيل الدعوى أمام ألمحكمة ضرورة اللجوء إلى الوساطة وغيرها من الحلول البديلة لتسوية النزاعات. لقد قطعت شوطا كبيرا في مجموعة من الدول،ولم تعد مقتصرة على حل القضايا البسيطة هناك، بل امتدت إلى جل القضايا المعقدة مثل القضايا التي تهم التلوث والملكية الفكرية والصناعية.استجابة للوضعية المعقدة التي توجد عليها الأجهزة القضائية الوطنية للدول وذلك من اجل مواجهة التعقيدات التقنية والإجرائية، كما استعملت الوساطة على المستوى السياسي في حل النزاعات بين الدول المماثلة للدول التي أخذت بهذا الاتجاه لمواكبة معطيات العصرنة والتقدم السريع. لآنها ترسخ ثقافة التسامح والرحمة وسمو المعاني الإنسانية وتتحول معها العدالة إلى سبب للتقارب والعلاقات الحميمية وتنمي الشجاعة الفائقة للاعتراف بالخطأ ومحاولة إصلاحه. ومما لاشك فيه ان حل المنازعات عن طريق الحوار الهادف البناء الذي توفره الحلول البديلة للأطراف يدل على حضارية فكرة هذه الحلة وحضارية الأطراف بقبول الحوار وجعله مفيدا وبناء . والملاحظ أن الحلول البديلة آخذت بعدا جديدا في الدول المتقدمة وأصبح المواطنون بهذه الدول يفضلون اللجوء إلى الوساطة أكثر من لجوئهم إلى المحاكم النظامية لما لمسوه من مزايا في الحلول البديلة بصفة عامة وفي الوساطة بصفة خاصة. وتطبق الوساطة في المنازعات التجارية والاجتماعية والعقارية والمدنية بصفة عامة سواء تعلقت المنازعات بأشخاص القانون العام أو القانون الخاص وسواء كانت طبيعة العلاقة القانونية محل النزاع عقدية أو غير عقدية. { ما هو دور الوسيط؟ تنحصر مهمته في تسهيل وصول الفرقاء إلى حل مرض لنزاعهم، ومساعدة كل طرف منهم، على تقييم دعواه تقييما واقعيا، وبيان المكاسب التي يمكن أن يحققها كل طرف، بالوصول إلى حل بالاتفاق، بدلا من فرض حل عن طريق القضاء. وبذلك فإن الوسيط لا يملك سلطة إلزام الأطراف المتنازعة بأي حل. كما انه لا يبحث مع الأطراف المتنازعة بالتفصيل في الأدلة الموجودة لديهم، وفي قانونية هذه الأدلة، مما يجعله في مركز مختلف عن القاضي والمحاكم، اللذان يستمعان إلى البيانات المقدمة من الأطراف، ويحددان قانونيتها، ونتائجها، ويصدران في النهاية قرارهما الذي يكون له صفة الإلزام في الغالب. { ما هي أنواع الوساطة؟ هناك نوعان من الوساطة - وساطة تشريعية: وهي تلك التي نصت عليها بعض التشريعات في قوانينها والزمت المتنازعين بضرورة عرض نزاع ما محدد، أو نزاعات محددة على الوساطة قبل اللجوء إلى المحكمة. وهناك تشريعات تنص على أن للمحكمة التي عرض عليها النزاع أن تأمر بإحالة الفرقاء المتنازعين على الوساطة في الدعوى المعروضة عليها حيث تبقى الدعوى بيد المحكمة، وأن هذه الأخيرة تحيل الأطراف المتنازعين على وسيط تختاره المحكمة من قائمة لديها إذا لم يتفق الفرقاء أنفسهم على وسيط معين كما أن نفس المحكمة تحدد مدة زمنية للأطراف لحسم النزاع عن طريق الوساطة يمكن تمديدها بموافقة المحكمة. وإذا لم يتوصل الطرفان إلى حل, فإن الوسيط يقدم تقريرا بذلك دون أن يتعرض لمواقف الأطراف والتنازلات التي قدمت منهم أو من بعضهم والتي لا يجوز الاحتجاج بها امام المحكمة في حالة فشل الوساطة .أما إذا توصلا إلى اتفاق فإنه يسجل في المحكمة القضية موضوع النزاع ويعطى لها صفة الحكم القضائي غير القابل للطعن بقرار من المحكمة المختصة التي تصادق على صك المصالحة الذي تم التوصل إليه،وهذا النوع من الوساطة غير معمول به في بلادنا لأن القانون لا ينص إلا على الوساطة الاتفاقية. - وساطة اتفاقية: يتم اللجوء إلى الوساطة هنا إما باتفاق الأطراف بعد حصول النزاع (الفصل 57-327) أو بموجب نص في اتفاق تعاقدي سابق(الفصل61-327) وفي هذه الحالة, فإن الأساس أن الأطراف يتفقون أنفسهم على الوسيط دون اللجوء إلى المحكمة. وإذا لم يتفقوا على وسيط معين، فإنه يجوز لأحدهم أن يتقدم بطلب للمحكمة من أجل تحديد وسيط معين إذا كان ذلك من شروط الاتفاق بينهم، أو كان هناك اتفاق على الوساطة بشكل عام دون اتفاق على أن المحكمة تتولى تحديد الوسيط إذا لم يتم الاتفاق عليه من الأطراف . ويتم إثبات الاتفاق خطيا ( الفصل 58-327) ويوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي توصل إليه (الفصل68-327 الفقرة 6 منه)كما يمكن أن تكون الوساطة خاصة عن طريق مكاتب متخصصة. { ما هي مميزات الوساطة في تسوية النزاعات؟ هناك أسباب عديدة تدعو الأطراف إلى اللجوء إلى الوساطة كحل بديل لتسوية نزاعاتهم لما توفره هذه الأخيرة من مزايا مقارنة مع القضاء النظامي والتحكيم. وتتجلى هذه المزايا فيما يلي : 1 - إدارة النزاع واتخاذ قرار التسوية: تعطي الوساطة للأطراف المتنازعة دورا هاما في إدارة النزاع ومراقبة سير النزاع واتخاذ قرار التسوية في أي وقت مع منح الأطراف إمكانية الانسحاب من الوساطة في أي وقت اتضح لها أن حضورها غير مجدي . كما يمكن للأطراف الإدلاء بما تريد في أي وقت على خلاف المحاكمة أمام القضاء النظامي والذي قد يفرض بمقتضى القانون المسطرة الكتابية ولا يتيح للأطراف اللقاء إلا من خلال دفاعهما ولا تتاح لهما فرصة اللقاء بينهما إلا إذا تعلق الأمر بإجراءات تكميلية مما يوسع عادة من الفجوة بينهما ويصبح كل طرف عدوا للأخر ينتظر تسجيل النصر عليه بصدور قرار من المحكمة لصالحه. أما في الوساطة فانه تتاح للأطراف فرصة اللقاء بينهم، مع دفاعهم في جلسات المفاوضات، ويستمع كل منهم لرأي الطرف الأخر وحججه، مما قد يساعدهم على التفاهم والوصول إلى حل وسط، ويساعدهم في ذلك الوسيط، الذي يكون متوفرا على كفاءة ومقدرة في إدارة الوساطة، وحصر نقط الاتفاق ونقط الاختلاف ودفعهم وتشجعيهم على الوصول إلى صياغة اتفاق يرضي الجميع. خلافا لما هو معمول به بالنسبة للأحكام القضائية والمقررات التحكيمية , حيث أن القاضي المعروض عليه النزاع أو المحكم هما اللذان يتكلفان بالقضية ويقرران في مآل النازلة المعروضة عليهما وفي النتيجة التي ينتهيان إليه . 2 - سرعة: تسوية النزاع : معلوم أن الوقت الذي يستغرقه الأطراف في تسوية النزاع عن طريق الوساطة، هو اقل بكثير من الوقت الذي تستغرقه المحاكمة أو التحكيم، لان الوسيط لا يرتكز في بحثه عن الحل على وسائل الإثبات، وقانونيتها، والوضع القانوني، وإنما يركز على محاولة إيجاد النقطة الوسط التي يلتقي عندها الأطراف، بغض النظر عن قوة أو ضعف مركزهم القانوني، وبالطبع فانه لا يغفل هذا المركز عند محاولته إيجاد الحل. 3 -التزام الاطراف بالمحافظة على السرية: خلافا للمحاكمات القضائية، التي تعتمد مبدأ علنية الجلسات، إلا في قضايا خاصة تكون سرية، وبالتالي فإن ذلك يشكل إحراجا للطرفين المتنازعين، سواء من الناحية الشخصية، أو المالية، ومن اجل تلافي هذه الوضعية المحرجة، يمكن للأطراف اللجوء إلى وسيط لحل النزاع بدلا من اللجوء إلى علنية المحاكمات التي هي الأساس. ولا يقف الأمر عند ذلك, بل ان ما يقال في جلسات الوساطة من اعترافات وتصريحات لا يمكن لغير الأطراف الاطلاع عليها، كما أن ما وقع التنازل عنه أمام الوسيط، لا يمكن اعتماده، آو الاحتجاج به في حالة فشل الوساطة، واللجوء إلى المحكمة لاحقا، لان ما قيل أو ما وقع التنازل عنه، كان في إطار الصلح والوساطة، ولذلك يتعين إبرام اتفاقية سرية بين الطرفين، يشار فيها إلى مجموعة من الالتزامات المتبادلة بينهما من بينها التقيد بمبدأ السرية .