وكعادته النظام الجزائري حينما يضيق به الحال، يحاول عبثا أن يخلق حدثا ليتستر عن اخفاقاته وتناقضاته. ولعل الحرب الدائرة بين حركة حماس ذات التوجه الإخواني وبين الجيش الإسرائيلي وما خلفته وتخلفه من ضحايا أبرياء من كلا الجانبين، قد كشفت عن الوجه الحقيقي للنظام الجزائري وأن ما كان يدعيه من مناصرة للقضية الفلسطينية ثبت بالملموس أنها افتراءات وبهتان وقد أشرنا إليها في وقتها من منطلق علمنا المسبق بالنوايا والمخططات الخبيثة لذلك النظام. وقد بدا هذا النظام أنه لا يخدم إلا أجندته ويسخر القضية الفلسطينية لخدمة تلك الأجندة القائمة أساسا على معاداة وضرب المصالح الاستراتيجية للمغرب. فقبل عام وما يزيد أي قبيل استضافته للقمة العربية بالجزائر، بنى هذا النظام دبلوماسيته على ما كان يدعيه بلم الشمل العربي وقفز على ظهر الحصان الفلسطيني المتهالك بأنه سيعمل على توحيد الفصائل الفلسطينية وجيء بهم لتوزيع الحقائب وأخذ الصور للإيهام بأن اللحمة الفلسطينية قد توحدت تحت ما سمي "بإعلان الجزائر". وزج في حينها بكل من إسماعيل هنية والرئيس محمود عباس لالتقاط صورة لهما مع قيادة الانفصاليين في شخص المدعو إبراهيم غالي. وقد تأكد اليوم أن "إعلان الجزائر" ولد ميتا وأن لم الصف الفلسطيني لم يكن إلا أكذوبة والدليل هو ما نعاينه اليوم من انقسام حاد بين الفلسطينيين. خالد مشعل يقول نحن لسنا ملزمين أن ننسق مع السلطة الفلسطينية أو نخبرها يوم 7 أكتوبر بما سمي "بطوفان القدس"، بينما رئيس السلطة محمود عباس يؤكد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فيما وزير الأوقاف الفلسطيني قال عن حركة حماس بأنها تتواطأ مع إسرائيل من أجل تقتيل الفلسطينيين الأبرياء. هل هذه هي اللحمة التي طالما رددها النظام الجزائري إلى أن أحدثت تقبا في غشاءنا الطبلي. بل أكثر من ذلك، تعرى النظام الجزائري كليا وأزاح عن عورته حتى ملابسه الداخلية بعد أن منع الشعب الجزائري بكل أطيافه من الخروج إلى الشوارع لمناصرة ما يتعرض له الأبرياء الفلسطينيون من تقتيل وتهجير أو التنديد بما فعله السفهاء منهم. وعلى النقيض من ذلك كليا سمحت السلطات المغربية، وكعادتها، بخروج المغاربة لمناصرة القضية الفلسطينية والتضامن مع أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة لهم سوى أنهم يؤدون الثمن عن أفعال لم يرتكبوها وليس لهم أي ذنب فيما حدث وقد يحدث. وإذ الموؤودة بأي ذنب قتلت، وهذا هو حال الفلسطيني البسيط . السماح بتلك المظاهرات في العديد من مدن المملكة الشريفة لهو دليل قاطع بأن المغرب يثق في نفسه وفي قدراته وفي نظامه الديمقراطي القائم على حرية التعبير والتظاهر المسؤول. وإذ المغرب يومن أشد الإيمان بمدرسة هذه المبادئ النبيلة، فهو لا يلقي باللائمة على من يخرج عن دائرة الإجماع الوطني ولا يلاحق حتى لمن سمحت له نفسه أن يطعن في وطنه وهم على قلتهم. بل أكثر من ذلك أن المغرب، وبعناية من جلالة الملك، سارع كما هو متعارف عليه إلى نجدة الفلسطينيين وإغاثتهم من خلال المساعدات الإنسانية التي بدأت تتقاطر على الشعب الفلسطيني. أما التظام الجزائري فهو الآن في ورطة وفاقد للثقة في النفس ولأنه كذلك فاقد للشرعية فهو يتوجس خيفة من خروج الجزائريين إلى الشارع كي لا تتحول تلك المظاهرات إلى حراك شعبي ضد النظام. دولة الثكنات وهي تعلم جيدا هذا الموقف الذي لا يحسد عليه، ارادت الالتفاف والتحايل على ما هي عليه من ورطة، ولأن عقيدتها هي العداء للمغرب، لم تجد بدا لذلك مرة أخرى إلا باجترار سيناريو الطرد الذي مارسته ضد المغاربة عام 1975 لتمنع اليوم ما يزيد عن مائتي مغربي وحاصرتهم في مطار قرطاج لكي لا يعودوا إلى ديارهم وممتلكاتهم وذويهم وأقاربهم في الجزائر. وليس كل ذلك غريبا عن هذا النظام الجزائري ومن العبث أن نقول أنه يفتقد للحس الإنساني. فتفسير الواضحات من المفضحات. فهو اعتاد على أن يطرد الأفارقة ويلقي بهم في أتون صحراء حارقة بذي مرخ لا ماء ولاشجر. ومن لا تتملكه الرأفة بذويه في تيزي وزو وما تم إحراقه من البشر والشجر في مجموع القبايل فكيف تجد فيه قلبا رحيما بأولئك الذين ينزع منهم آدميتهم. لكن لا يجب أن نرفع القلم عن هذا النظام أو لا نلاحقه على جرائمه ضد الإنسانية. أستغرب من هيئة المحامين في المغرب التي أصدرت بيانا لها مع بداية الحرب التي تستهدف الأبرياء في قطاع غزة ودعت فيه إلى انخراطها في ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية. وإذا أقدمت على ذلك، ونتمنى ألا تكون صرخة في واد أو قول بدون فعل، فإننا أيضا من حقنا أن نتساءل لماذا هذه الهيئة لم يخطر ببالها أن تقاضي النظام الجزائري أمام المحاكم الدولية بعد أن طردت مئات الآلاف من المعاربة عام 1975. فهل المطرودون من الجزائر ليسوا مغاربة ولا يستحقون نفس العناية التي تولونها لغيرهم. ولتدارك هذا الإهمال ها هو النظام الجزائري يعيد الكرة ويمنحكم الفرصة مجددا أيها المحامون الغيورون لتبرزوا وطنيتكم. إننا نريد رؤيتها ونتوسل إليكم بأن تشدوا الرحال. فهل أنتم مستعدون وقادرون على أن تقرنوا الفول بالفعل في هذا وذاك؟ فلا تكونوا غوغائيين في نصرة القضايا العادلة والإنسانية.