لن يتوانى المغرب دولة وشعبا، أحزابا ومنظمات عن فتح كل الجروح والملفات القديمة العالقة مع نظام الكابرانات بدء بموضوع الصحراء الشرقية مرورا بتسليح عصابة البوليساريو وصولا إلى ملف المغاربة المطرودين من الجزائر ظلما وعدوانا في سبعينيات القرن الماضي. واليوم عاد المغرب إلى فتح هذا الملف الذي يمثل مأساة إنسانية حقيقية من مآسي القرن العشرين لا تختلف عن كثير من المآسي التي عرفها العالم بسبب حروب عالمية أو إقليمية طاحنة. هذا الملف عاد إلى الواجهة في أروقة مجلس حقوق الإنسان بجنيف ليؤكد بالملموس أن المغرب وعلى الرغم من مساحات التسامح الواسعة التي كان دائما يفتحها أمام الجيران متشبث بكامل حقوقه سواء الترابية أو الإنسانية. وقد شكلت مأساة آلاف المواطنين المغاربة الذين طردوا من الجزائر سنة 1975 إحدى القضايا التي طرحتها خبيرة دولية في إطار لجنة العمال المهاجرين خلال الحوار التفاعلي الذي جرى الثلاثاء بجنيف، بمناسبة فحص التقرير الدوري الثاني للمغرب المتعلق بإعمال الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. خلال هذا اللقاء تم استحضار واقعة الطرد القسري والجماعي الذي طال 45 ألف عائلة مغربية، أي ما يصل إلى قرابة 400 ألف مواطن مغربي ومغربية، ممن كانت لهم إقامة قانونية بالأراضي الجزائرية، لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم كانوا ضحايا لنظام هواري بومدين الحاقد على المغرب والمغاربة. هل يعتقد الكابرانات أن هذه المأساة قد انمحت من الذاكرة الجمعية للمغاربة؟ هيهات، فأبناء العائلات المتضررة لا يزالون يحملون في قلوبهم هذا الجرح الغائر القادم من ذكريات الماضي الأسود لهذا النظام، الذي كان دائما يتحين الفرص من أجل الإساءة للمغرب والإمعان في إلحاق الأذى بأبنائه وبناته. هذه الذاكرة الجمعية لا تزال تتذكر ذلك الكيد ذات عيد أضحى مقدس، عندما سوّل شياطين الكابرانات لأنفسهم أن يرتكبوا هذه الجريمة النكراء، ويطردوا شعبا كاملا من المغاربة الذين أقاموا على التراب الجزائري لعقود طويلة، بل كان غالبيتهم ممن ازدادوا فوق هذه الأرض وعمّروها وسكنوها وأثروها بمساهماتهم الاقتصادية والثقافية. بين ليلة وضحاها يجد هؤلاء الأبرياء أنفسهم يغادرون ديارهم وأموالهم ومحلاتهم ومشاريعهم تاركين قسرا كل شيء وراءهم ليوضعوا في حافلات الترحيل، والتي تذكر بعمليات الترحيل النازي أو السوفياتي، ويلقى بهم على الحدود البرية، ثم يطلب منهم أن يكملوا طريقهم مشيا على الأقدام نحو وطنهم الأم. قرابة نصف مليون مغربي خسروا ملايين الدولارات من الممتلكات التي راكموها على مدى سنوات من الجهد والعرق هناك في الأراضي الجزائرية، يضطرون لتركها ومغادرتها، والأكثر إيلاما هو اضطرارهم لترك عائلاتهم وأصهارهم من الجزائريين الذين لم يستطيعوا أن يغادروا معهم إلى المغرب. إنها عملية اجتثات من الجذور والوسط الاجتماعي والتاريخي الذي عاش فيه هؤلاء لعقود طويلة. هذا الاجتثات هو الذي سيحاسب عليه الكابرانات حسابا أمام التاريخ والمجتمع الدولي، في مختلف الهيئات الأممية، الحقوقية منها على الخصوص، على غرار ما جرى اليوم بمجلس حقوق الإنسان بجنيف. لن يتوقف المغرب بمختلف هيئات الرسمية والشعبية عن المطالبة بحقوق هؤلاء المغاربة الذين كانوا ضحية التعنت والعجرفة الجزائرية في زمن لم يستطع فيه نظام بومدين أن يرد على الضربات الدبلوماسية والعسكرية التي تلقاها أمام المغرب بضربات مماثلة وشجاعة، بدلا من أن يستغل ضعف المدنيين ويستخدمهم كورقة ضغط جبانة على المغرب والمغاربة. لم يبادر المغرب حينها في ظلمات الحرب الباردة إلى المعاملة بالمثل أبدا. لقد كانت هناك دائما جالية جزائرية مهمة تعيش على الأرض المغربية في وئام تام مع المواطنين المغاربة، ولم تلجأ السلطات المغربية أبدا إلى التضييق عليها أو المساومة بها أو ابتزاز النظام الجزائري من خلال التهديد بتشريد أبنائها وطردهم إلى بلدهم الأصلي. المعاملة بالمثل لم تكن أبدا يوما سلوكا دبلوماسيا مغربيا، بل إنها إلى اليوم لا ترد على قائمة ردود الأفعال المغربية بتاتا. ولأن الحقوق لا تضيع ما دام وراءها مطالب، فعلى الكابرانات أن يستعدوا للمحاسبة ولمحطات الفضح القادمة، التي ستشمل كل المناسبات واللقاءات والمؤتمرات الدولية الحقوقية، التي تهتم بأوضاع المآسي الإنسانية ومنها قضايا المشردين والنازحين رغما عنهم.