هل جربت يوما أن تقرأ ما يكتبه المتعلمون على الطاولات؟ هل أعطيت وقتا لتلك الكلمات والعبارات وحللت جزيئاتها وركبت منها نتائج معينة؟ إذا كان الجواب لا، فإن هذا المقال ينوب عن كل ذلك، وإن كان نعم فلا تكمل القراءة فهو ليس لك. تعتبر ظاهرة الكتابة على الطاولات من أكثر الظواهر انتشارا داخل المدارس المغربية، وهي ظاهرة لها سلبياتها وإيجابياتها، كما أن لها جذورا ضاربة في القدم، فالإنسان على مر التاريخ سعى للتعبير عن ذاته من خلال النقش على الحجر والجدران وغير ذلك. لكن هذه التصرفات الصادرة عن تلاميذ في عمر الزهور، وفي مكان يفترض فيه أن يكون للتعلم والتربية واكتساب الكفايات هو في الحقيقة مؤشر مهم، يمكن من خلاله فهم عقلية هذا الجيل والاقتراب من أفكاره وهواجسه ونظرته إلى الحياة. فالتلميذ إذ ينقش على الطاولة أو يكتب على الجدار هو في الحقيقة ينفث أفكارا وقضايا تؤرقه، ويعبر عن حيرته وأسئلته وإشكالاته التي لم يجد لها ربما في ما يقدم إليه من دروس جوابا شافيا، أو هو بهذا الصنيع يتطرق إلى مواضيع قد لا يستطيع التعبير عنها صراحة، إما لحساسيتها وإما لنظرته الخاطئة تجاهها، إنه بخلاصة يسعى لتمرير رسالة ما لشخص معين. ولأني مؤمن أن فهم التلميذ وكسب حبه هو الخطوة الأولى إلى تربيته وتعليمه، واللبنة الأساس في بناء شخصيته، فقد حاولت قراءة ما يكتبه تلامذتي على طاولاتهم، ثم صنفت تلك القراءات وحاولت تحليلها فوجدت أن المواضيع التي تشغل بالهم على ثلاثة مستويات: 1 القضايا العاطفية. 2 قضايا إثبات الذات. 3 قضايا مرتبطة بالتحولات الفيزيولوجية التي تشهدها أجسادهم في تلك المرحلة الحساسة. ومن ثم فإن %90 مما يفكرون فيه لا يتعدى هذه المستويات الثلاثة المذكورة آنفا، الشيء الذي يفرض على الأستاذ وضع خطة متكاملة الأركان لجعل هذه المستويات مدخلا بطريقة أو بأخرى لتصريف الدروس وشد انتباههم، أو على الأقل استحضار هذه القضايا أثناء تصريف المقررات، وفي المقابل الحرص على توجيه الأنشطة المدرسية إلى هذا الجانب، بحيث يجعل هذه المواضيع صلب مسرحيات أو لقاءات أو محاضرات قصد معالجتها واستثمار نتائجها وتقاسمها مع التلاميذ والتلميذات. وكما أنها مؤشرات تعكس الحالة النفسية المضطربة للتلميذ، فإنها أيضا تعكس مدى ارتباط المتعلم بهذه المادة أو تلك، ومدى تعلقها بها والاستفادة منها، بمعنى أنه إذا كان يجد الوقت لفعل هذه التصرفات أثناء الحصة فإن خللا ما قد اعترى الدرس، أو أن ما يقدم إليه لا يشد انتباهه ولا يحرك أفكاره ولا يحفزه للتعلم، فتكون تلك التصرفات أو ما يضارعها كالتشويش على الدرس أو عرقلته ردة فعل إزاء ما يحس به، كما أن ذلك قد يرجع إلى مشاكل أسرية أو نتيجة إهمال يشعر به المتعلم داخل الفصل. بناء على ما سبق يمكن تلخيص أسباب هذه الظاهرة ومشتقاتها في الآتي: • أسباب ترجع إلى شخصية التلميذ وحالته النفسية. • أسباب ترجع إلى الوسط الإجتماعي والأسري. • أسباب ترجع إلى المنظومة التربوية بشتى مكوناتها. إزاء هذه الظاهرة نتساءل في هدوء: هل الحل هو جزر التلاميذ ومعاقبتهم للحد من هذه الظاهرة؟ أم استثمار هذه التصرفات واستغلالها من الناحية الإيجابية؟ إن الواجب هو استغلال هذه الظاهرة من الناحية الإيجابية، أي استعمالها كوسيلة وأداة لفهم التلميذ والتقرب منه، خصوصا في وقت يشتكي فيه كثير من أهل التربية والتعليم من عدم فهم هذا الجيل، وبالتالي لا يستطيعون معالجة الداء وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهذا صحيح، فإن أهم مرحلة في العلاج هي التشخيص وإدراك حقيقة الداء، بعد ذلك يمكن وصف العلاج والدواء المناسبين، وكل محاولة قبل التشخيص ضرب من اللامعقول قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. فإذا فهم الأستاذ التلميذ واكتشف ما يسيطر على أفكاره سهل عليه آنئذ إصلاح ما يمكن إصلاحه، إما بشكل مباشر، وإما عن طريق إحالة المعنيين بالأمر على خلايا الإنصات، أو الاتصال بالأسرة أو الاستعانة بمختصين، أو التخطيط لأنشطة تجيب عن تساؤلاتهم وتلبي حاجياتهم وتبدد الغبش عن بعض القضايا التي تؤرقهم، وغير ذلك على كل حال من الأساليب والطرق المعتمدة في التربية والإصلاح، ومن ثم توجيههم وإنقاذهم من الانحراف والضياع. إن استغلال هذه الظاهرة من الناحية الإيجابية، وتطبيق هذه الطريقة البسيطة التي ألمعنا إليه آنفا، تمكننا من تفادي كثيرا من المعوقات والمثبطات التي تعتري العملية التعليمية التعلمية، وتجاوز العديد من المشاكل التي تحول دون تحقيق الكفايات والأهداف المسطرة، ومن ثم الارتقاء بالمنظومة التربوية بشكل عام، والإسهام في نهضة الوطن وتحقيق التقدم والإزدهار. في الختام نشير إلى أن كثيرا من الظواهر السلبية التي تعرفها المدارس العمومية يمكن تفاديها والقضاء عليها بمقاربة جديدة غير الزجر والعقاب، مقاربة قائمة على استغلالها من الناحية الإيجابية عن طريق التركيز على ما هو إيجابي وصحّي، لكن لا بد من تضافر الجهود والتنسيق مع مختلف الفاعلين التربويين من أجل نهضة تربوية وعلمية فريدة.
فهل ستجد هذه المقاربة الجديدة آذانا صاغية وقلوبا واعية؟