لا يختلف اثنان حول واقع الاختلالات التي تعيشها المنظومة التربوية في الوقت الراهن، ان على المستوى البيداغوجي او على مستوى جودة التعلمات، رغم ما اقدم عليه القائمون من اصلاحات متواترة لكنها لم تجد نفعا لحد الساعة. ومن اهم تجليات هذ الواقع عدم قدرة المتعلمين على قراءة و فهم النصوص القرائية، مما يؤثر سلبا على تحصيلهم الدراسي من جهة و اندماجهم الاجتماعي من جهة اخرى فالذي لا يقرأ لا يستطيع الولوج الى المعرفة ولا التصرف باستقلالية في اموره اليومية، مما يحيل على أزمة الفعل القرائي. هذا الموضوع القديم الجديد الدي اصبح يلقي بظلاله بقوة في النقاشات التربوية، و التقويمات الوطنية و الدولية والتي مع الاسف تصدر تقارير سلبية بهذا الشأن. ليطرح السؤال حول واقع الفعل القرائي في المدرسة المغربية، اختلالاته و ملامح الحل لتنمية مهارات الفهم القرائي كما اشار الى ذلك الاساتذة الاجلاء: د محمد بوعناني ، د بنعيسى زغبوش د إسماعيل علوي و الاستاذ شاكري في الفصل الرابع من كتابهم الرصين: التربية المعرفية و الاستراتيجيات التعلمية. و استكمالا للدورة العلمية ، ونظرا للنتائج الحسنة التي لامستها كمدرس للغة الفرنسية عند تجريب مقترحاتهم الواردة في الموضوع اخترت ان يكون ملمح الحل في هذه المقالة مرتكزا على نتائج هذه التجربة .و اتمنى ان اكون عند حسن ظن القراء المهتمين و المتخصصين. اولا: واقع ممارسة الفعل القرائي في المدرسة المغربية لمقاربة الفعل القرائي لابد من الانطلاق من تشريح واقع القرائية في المدرسة المغربية في ضوء التقارير الواردة ،وكدا على مستوى واقع الممارسة الصفية. الفعل القرائي على مستوى الممارسة البيداغوجية من خلال تجربتي كمدرس ممارس ومتفاعل ايجابيا مع واقع المنظومة التربوية ومن خلال الخلاصات التي توصلت اليها من خلال بحث تربوي ميداني هم « تدني التحصيل التربوي من زاوية الاسرة و التمكن البيداغوجي للمدرس» يمكن الاقرار ان الفعل القرائي مثله مثل باقي التعلمات يعاني من اختلالات عديدة ادت الى مانحن عليه اليوم. ومن اهم هذه الاختلالات: العملية التعليمية التعلمية مازالت تتم -رغم تبني المقاربة بالكفايات التي هي معرفية بالأساس- بالشكل التقليدي حيث يستأثر الاستاذ بدور مالك المعرفة: يقرر، يبلغ، ويكتفي التلميذ بالتلقي والاستقبال السلبيين لما يلقيه الأستاذ: اد غالبا ما يقوم المدرس بقراءة النص، شرح بعض الكلمات الصعبة، وطرح بعض الاسئلة في أحسن الاحوال لينهي الدرس بتفسير او شرح لمضامين النص، هذه الطريقة رغم انها تؤمن الحد الادنى ولا تتطلب الشيء الكثير من الاستاذ فإنها بعيدة كل البعد عن مقومات التعلم المعرفي الذي يرتكز على النشاط الفكري الارادي و الحر للتلميذ في بناء معرفته وتحقيق تعلمه و الاستراتيجيات الخاصة به. النزوع الى تعلم قراءة النصوص عوض تنمية مهارات الفهم القرائي مما يعطينا تلاميذ يقرؤون ولا يفهمون ما يقرأون. النصوص القرائية المقترحة هي في الغالب غير مثيرة للتلاميذ، بعيدة عن معيشهم اليومي، يغلب عليها التعقيد من حيث المفردات، والجمل ودرجة صعوبة البناء اللغوي، وعرض الافكار والصور و الرسوم، و الالوان، والطباعة، والتنظيم، و العوامل المرتبطة بالقارئ، منها مستواه التعليمي والثقافي وتمثلاته حول المدرسة. غياب مشاريع تربوية سواء على مستوى الفصول الدراسية أو على مستوى المؤسسة ككل، تروم الرقي بالكفايات القرائية لدى التلاميذ غياب وسائل إضافية للقراءة في غالبية الاقسام، مما يحد من تنمية الفعل القرائي، وجعله مسألة اعتيادية ومحبوبة لدى التلاميذ. خلل على مستوى تفعيل الاستراتيجيات البيداغوجية الخاصة بالفعل القرائي سواء تلك الخاصة بفك الرموز من حروف وكلمات وتحويلها إلى منطوق او تلك المتعلقة بالفهم القرائي. ثانيا :ملامح تنمية مهارات الفهم القرائي إن اي مقاربة ترنو الخروج بالفعل القرائي من ازمة الضعف القرائي الى تنمية المهارات القرائية لابد ان تمر اولا عبر ارساء حقيقي للتعلم الفعال، المرتكز اساسا على الطرائق النشطة في بناء المعرفة، من خلال اعادة النظر في دور كل من الاستاذ و التلميذ. وثانيا من خلال الفهم الحقيقي لماهية القرائية، وأخيرا تبني استراتيجيات تمكن المتعلم من تنمية مهارات الفهم القرائي عوض تعليمه القراءة فقط. دور كل من الاستاذ و المتعلم في تدريس اللغة من المستلزمات الضرورية لتطبيق كل المنهجيات المعتمدة في تدريس اللغات تحديد دور كل من الاستاذ و المتعلم في إعداد العمل و إنجازه وفي متابعته واحترام تسلسله وضبط مواقيته وحصصه وفي تقويمه بالمراقبة المستمرة و بالتصحيح و التوجيه من طرف الاستاذ و بالحضور الدائم للمتعلم وتحمله مسؤولية إعادة النظر فيما ينجز من أعمال. دور الاستاذ تنظيم مجال الانشطة تنظيما يشمل المستويات التالية: ضبط بيئة التعلم: تسخير جميع ما فيها من إمكانيات طبيعية وثقافية، واستغلالها في الأنشطة المقترحة. ويتم هدا الضبط في مرحلتين: مرحلة الضبط العام، التي يسأل فيها الأستاذ نفسه عن كيفية تسخير معطيات الوسط لتكون مساعدة له على تطبيق البرنامج اللغوي. وإلى اي حد ينسجم ما يطرح البرنامج مع البيئة المحلية التي يعيش فيها المتعلم مرحلة الضبط الخاص، وتستدعي من الاستاذ التفكير المتواصل في كيفية إنجاز كل وحدةمن وحدات البرنامج إنجازا يضمن استغلال مقدرات البيئة المحلية. ضبط الحصة الزمانية: ويقتضيه نوع التنظيم الداخلي للبرنامج، فبرنامج اللغة محكم الحلقات تدعم كل حلقة ما قبلها وليس معنى هدا ان ضبط الحصة الزمانية هو ضبط ميكانيكي، تؤدى فيه العمليات بنوع من الآلية و الرتابة، وإنما هو ضبط عضوي في بنائه، تترافد فيه العمليات ويكمل بعضها البعض الأخر.ضبط عمل المتعلم من حيث الإعداد: تقدير ما يمكن استغلاله من معطيات الوسط، وتقدير ما يمكن انجازه وفق الحصة الزمنية المخصصة، وحصر العمليات التي ستنجز تبعا لذلك، وإعداد لمختلف الوسائل المعينة على إنجازها، وتصور كيفية استعمالها، وتحديد كيفية الحفز وما يستغرقه من وقت ونوع التقديم وما يقدم فيه ومدته وعمل المتعلم ومدته ونوعه وما يتدرب على إنجازه شفهيا وكتابيا. ولذلك فإن إعداد الاستاذ لعمله: تخطيط هادف لكل العمليات وليس استنساخا لصفحات لمحتوى صفحات مطبوعة. من حيث تقديم الدرس: ان دور الأستاذ، خلال الدرس ينحصر في الحفز و التقدير، وفي فتح المسالك المتعددة للإنجاز فهو لا يصطنع مغريات التشويق، وإنما يترك الحوافز للموضوع تنبثق من المتعلمين ولا يستأثر بالشرح و التقدير و التفصيل، وإنما يقدم الإطار الطبيعي للدرس لمجال الدرس لقراءته وملاحظة نماذجه واكتشاف خصائص الظاهرة التي تضبط ناحية من نواحيه، وهنا ينتهي دوره في الكلام ليضطلع بدور انجح وأخطر وهو التعاون مع المتعلم في ارتياد مسالك التعبير محاكاة في البداية للنماذج المقدمة وفي النهاية الى مشارف التعبير و الابداع الذي يخلقه لنفسه وقد اندمج في المناخ اللغوي، الذي عملت كل الاثارات على اندماجه فيه. من حيث المراقبة و التتبع: من المهم ان يتعود المتعلم مراقبة عمله بنفسه وان يقدر هذا العمل تقديرا يقوي ما هو ايجابي فيه ويقدر قيمته، ويعرف سلبياته ويقومها، ومن المهم كذلك ان تكون مراقبة الأستاذ وتتبعه لعمل المتعلم، تصحيحا دائما للنموذج الخاطئ بنموذج صحيح. دور المتعلم: إن من أسس المنهجيات المعتمدة، الإشراك الفعلي للمتعلم في تنفيذ كل خطوة من خطوات الدروس، من حيث الإعداد و التقويم و الإنجاز و التقويم. من حيث الإعداد: على المتعلم بمجرد تقديم موضوع الدرس ، أن يعاين ويشاهد و يلاحظ وينمي هذه المعاينة و المشاهدة و الملاحظة باكتشاف ما في بيئته ومحيطه وما يقرب له بالوسائل الاصطناعية وأن يجرب قدرته في التعبير عن كل ذلك. وعندما يكلف بفتح ملف خاص بالموضوع، فإن القصد من ذلك لا يكون مجرد تجميع للصور والنماذج بقصد التسلية والمباهاة وتزيين دفتره ومتحف القسم بما جمع وإنما يفتحه ليكون وثيقة عمل يتنامى محتواها بالمطالعة و الاقتباس، وتسجيل الملاحظات وانشاء فقرات ونصوص والتعاون مع الزملاء في كتابة تحقيقات وقصص وتمثيليات من إبداعهم الخاص. فالدرس بين المتعلم و الأستاذ شراكة متعددة الأطراف يساهم الكل في إعدادها من حيث التقديم تظهر نجاعة هذه الشراكة، بين المتعلم والأستاذ في عملية تقديم حصص الدروس اللغوية فإذا كان الأستاذ مطالبا برسم مجال العمل وضبط خطته، وتقديم المعطيات بكيفية متسلسلة ومتدرجة، فإن المطلوب من المتعلم أن يشارك فعلا فيستخدم فكره في تتبع المشاهد وملاحظتها والتساؤل عن كل ما يعاين ويلاحظ، والتعبير الشفهي عن المواقف المشخصة واستخدام الرصيد المتاح له، والبحث عن تنميته باستمرار من حيث التقويم قد روعي ان تتاح الفرصة للمتعلم ليراقب عمله بنفسه فالأستاذ لم يعد قادرا على تتبع أعمال المتعلم، يتابع أخطاءه ويؤشر عليها بالأحمر، وكأن تلك الأخطاء نوع من المخالفات التي تستحق العقاب أو الزجر ،فالمتعلم يصيب بقدر ما تتيح له فرصة الاصابة، وقد يخطئ، ويجب ان تتاح له فرصة تجاوز الخطأ، وعلى هذا فإن المتعلم هو المسؤول الأول عن عمله، يصححه بنفسه ويعود إلى الأستاذ ليكون مرجعا يلجأ إليه ليلتمس النموذج الصحيح. الفهم القرائي ومستوياته ومعيقاته الفهم القرائي القراءة حيث عرفها Schmit 1987))بانها ملاحظة مجموعة من الاشارات مهما كانت طبيعتها لمعرفة المعنى، وبصفة أدق، هي نشاط فك الترميز لنص مكتوب، وهي أيضا نشاط إنتاج للمعاني، في حين يرى البعض من الباحثين ان القراءة عملية تحليلية بنائية تفاعلية، لا يقصد بها مجرد معرفة الكلمات المكتوبة ونطقها بطريقة صحيحة، بل تتعدى ذلك الى فهم ما يقرأ ، واستحضار معناه، والتفكير النقدي؛ مما يتطلب من القارئ ان يربط بين ما يقرأ وبين معارفه وخبراته السابقة، وأن يفسر المادة المقروءة ويقومها مستعينا في ذلك بقدرته على التخيل والتفكير، وتتضمن القراءة، حسب دراسة تقويم مهارات القراءة الاساسية(2014) العملية الأولى: عملية(ميكانيكية) ويقصد بها رؤية القارئ للتراكيب والكلمات والحروف المكتوبة عن طريق الجهاز البصري، والنطق بها بواسطة جهاز النطق العملية الثانية:(عملية عقلية) يتم خلالها تفسير المعنى، وتشمل الفهم الصريح(المباشر) والفهم الضمني(غير مباشر أو فهما بين السطور) والاستنتاج والتذوق والاستمتاع والتحليل ونقد المقروء وابداء الرأي بها. فإذا كانت الغاية من القراءة هي تحقيق الفهم، فإن ذلك يمر بالضرورة عبر تملك مهارات فك الرموز والربط بينها بطلاقة. وبالتالي وكما اكد على ذلك تقرير المجلس الوطني للقراءة(2000NRP) أن القراءة الجيدة تتطلب التمكن من خمس مهارات أساس هي الوعي بالفونيم: التركيز على الاصوات شفهيا، واستعمالها، وتقسيمها، وتجميعها الصوتيات( أو الابجدية): ربط الحروف المكتوبة بأصواتها، وتكوين نماذج يمكن تهجئتها. القراءة بطلاقة: الوصول الى مستوى السرعة، والدقة، والتعبير في القراءة. واقع القرائية في ضوء التقارير الواردة وطنيا و دوليا تشير جميع التقارير الواردة في موضوع جودة التعليم الى ان المغرب يحتل مراتب غير مشرفة على الاطلاق، فقد كشف التقرير الصادر عن منظمة الاممالمتحدة للتربية و العلوم و الثقافة ترتيب المغرب في مؤخرة الدول التي توفرت بياناتها، وأوضح علاوة على ذلك ان نصف عدد التلاميذ المغاربة لا يتعلمون ما يلزمهم من مهارات أساسية في القراءة و الرياضيات. كما أظهرت نتائج الدراسة الدولية لتطور الكفايات القرائية بيرلز 2011 (pirls) أن المغرب يرتب أخر بلد عربي. و بالنسبة لاختبار تقييم مهارات القراءة الأساس(EGRA,2014)، الذي أجري بجهة دكالة عبدة، فقد اكد النتائج ذاتها وفي مستويات أخرى؛ حيث توصل الى ان%25 من متعلمي هذه الجهة لم يستطيعوا قراءة ولو حرف واحدمن نص قصة باللغة العربية، يناسب مستواهم الدراسي، كما عجز أكثر من نصف المتعلمين عن الإجابة عن أي سؤال من أسئلة الفهم المرتبطة بنص القصة.فماهي ادن الأسباب الكامنة وراء هذا الواقع الموسوم بالهوان التربوي؟ سؤال مهم يطرح نفسه وينتظر الجواب من خلال الاطلاع على واقع ممارسة الفعل القرائي في الصفوف المدرسية. ذ/ عبد الحق أتار* *مهتم بالشؤون التربوية الكاتب العام للفرع الاقليمي للتضامن الجامعي- فرع طاطا –