اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج وظلام الليل له سرج حتى يغشاه أبو السرج وسحاب الخير له مطر فإذا جاء الإبان تجي 1) يؤسفنا أشد الأسف ونحن نمر بأخطر مرحلة عرفتها البشرية في وجودها واستقرارها وصحتها واضطراب أرزاقها أن نخوض في مواضيع لا مفر من الخوض فيها مهما تسامينا أو تناسينا أو تحاشينا.خاصة وأن الخطْب قائم بين أشقاء قد كانوا بالأمس في خندق واحد يقاومون ويناضلون ويجاهدون عدوا مشتركا لا يمت إليهم بصلة دين ولا قرابة ولا عروبة ولا وطنية .وعلى حين غرة انقلب هؤلاء إلى إخوة أعداء بل أشد عداوة من العدو الخارجي الطبيعي بحسب قانون تدافع الأمم وتنافسها بل تصارعها. إن ما يحصل بين المغرب أو المملكة المغربية العلوية وبين الجزائر أو الجمهورية الديموقراطية الشعبية الجزائرية لمما يستدعي منا وقفة تأمل متحسرة قد يعجز المحللون الكبار عن إيجاد حلول ناجعة أو مخففة لهذا التوتر المفتعل في المنطقة ،والذي قد كان منذ الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي البائد والرأسمالي المتغول، حيث قد عف الزمان عن مثل هذه التجاذبات السياسية الجيوستراتيجية والاقتصادية والعسكرية وما يليها من مسميات وشعارات. فمنذ بداية الأزمة الرئيسية في النزاع وهي" قضية الصحراء المغربية" ونحن نعيش على أعصابنا وعلى أمل أن تحل المشكلة في هذه السنة أو تلك ،حتى قد مرت بنا السنون وطال بنا الأمد وضاعت معه فرص النهوض والنمو والشغل والتطور .بل ضاعت معه فرص الزواج وتأسيس الأسر وتنويع الصهر التي كانت قائمة في أيام الاستعمار بين المغاربة والجزائريين من غير عقد ولا حقد ولا انتقام ولا توجس. وهكذا تحول الأشقاء إلى متنابزين وساخرين وطاعنين في بعضهم البعض، بسبب سياسات طائشة ومطامع إقليمية وعسكرية خارجة عن السياق التاريخي والاجتماعي واللغوي والجغرافي القائم. لكن الظالم في غالب الأحيان قد كان في هذا الصراع ،وأقولها بحق ومن غير تعصب،هم الحكام الجزائريون بسبب افتعالهم لجمهورية وهمية سموها بالصحراوية وأغدقوا عليها الأموال والعتاد الفتاك بزعم تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.فمن سيحرر من ممن؟.إذا الصحراء المتنازع عليها ،وبكل الأدلة والإثباتات السياسية والتاريخية والجغرافية والعرقية واللغوية، هي ذات ارتباط عضوي بالمملكة المغربية ولاء وانتماء وتسليما وإقليما.ولم يرد عبر التاريخ أنه كانت هناك دويلة وليست دولة اسمها الجمهورية الصحراوية أو باسم آخر محدد ومقيد ،وإنما السكان هم إما حضر مرتبط بالدولة المغربية العريقة أو رحل لا قرار ولا استقرار لهم سوى حيث يوجد الماء والكلأ. وأحسن ما في خالد وجهه فقس على الغائب بالشاهد! 2) ومرت الأيام والسنون بل العقود والحال على ما هو عليه نعيش على أعصابنا مع الجيران ،مرة نبدو كأننا قد اقتربنا نحو الحل وفض النزاع ، ومرة يشتد الأمر إلى غاية توقع النزال والحرب المباشرة التي لا هي في مصلحة الشعبين ولا مصلحة النظامين معا .إذ الخاسر أكثر في النهاية ،لا قدَّر الله تعالى، قد يكون من أشعلها وأيقظها والبادئ أظلم. ولقد كان على حكام الجزائر لو أنهم كانوا جادين وصادقين في خدمة مصلحة وطنهم وشعبهم أن يعطوا الأولوية لما فيه تنمية اقتصاد وصناعة وفلاحة بلدهم ،وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالتعاون مع جيرانهم ،وخاصة المغرب، الذي له سبق في هذا المجال وباع طويل وتجربة رائدة في الاستثمار بكل مجالاته وأوجهه المالية والتقنية والهندسية والحضرية ... وأؤكد عن علم وثقة أن لو سلكوا هذا المسلك مع ترك موضوع الصحراء المغربية جانبا لأهل الحل والعقد والملتزمين بالقوانين والقواعد العلمية والدولية الموضوعية لربحوا أضعاف أضعاف ما كانوا سيجنونه من هذه المشكلة المفتعلة والتي هي قائمة على باطل وما بني على باطل فهو باطل !. أما أن يؤدي الأمر والجنون إلى قطع العلاقات بصورة كاملة وسد الباب أمام كل محاولة للتقريب والتخفيف والتعاون فهذا حمق وتهور ما بعده تهور ،بل يعبر عن ضعف سياسي وقزمية في الرؤية والوعي بالأبعاد. فلقد كان الملك محمد السادس موضوعيا وأمينا وصادقا في خطاب العرش لما مد يد المصالحة إلى جيرانه الجزائريين وبعبارات أخلاقية وسياسية راقية من نموذج "شعرة معاوية" التي لا تنقطع أو تنفلت عند الشد الشديد والتجاذب الجاذب ،وكنا نتوقع أن يكون الرد بحسب الأعراف الدبلوماسية من نفس المنطلق والمستوى واللياقة، ولكن العكس هو الذي حصل ازداد التعنت تعنتا والهروب نحو الأمام هروبا ،كما أن عرض المساعدة عند نشوب الحرائق الغابوية قد كان من باب الإنسانية وواجب الجوار وليس من جهة الشماتة والمناورة ،إذ المغرب معروف عبر إفريقيا والعالم العربي وغيره بهذه المبادرات الطوعية التلقائية كيفما كانت الخلافات السياسية بينه وبين الدولة المحتاجة إلى مساعدة ،فيوم لنا ويوم لكم ،هذه هي الإنسانية والسياسة الحكيمة والأخوة الصادقة.وحاشا أن يكون للمغرب يد فيما نشب من حرائق ! إذ سياسته مع جيرانه أسمى من أن تصل أو تنزل إلى مثل هذه الدناءة والصغار. أما عن ركوب حصان طروادة والتذرع بقميص عثمان على زعم أن المغرب في علاقته بإسرائيل كدولة مفروضة في الواقع يشكل تهديدا للجزائر أو تطبيعا ضد مصلحة الفلسطينيين والعرب فذلك يدخل في باب المزايدات والتدخل في الشؤون وحريات الدول، كما أن تاريخ المغرب في التضامن العربي والريادة لا يمكنه جحده أو نسخه ،خاصة وأن الجامعة العربية جلها قد دخلت في هذا المطب وجرّت أو انجرت إلى هذا المربع إكراها وضرورة،فهناك من يتعامل بوضوح على ظهر الطاولة وهناك من يندس تحتها، وهذا هو الأسوأ والأخطر،.وكما يقول فريد الأطرش في إحدى أغنياته" ما تْقُلش لحَدْ ما فيش حد أحسن من حد". وفيما يخص مسألة استقلال القبائل وإثارتها كمسألة عابرة من طرف المغرب فذلك لأن حكام الجزائر قد تجاوزوا كل الحدود وكل الاعتبارات السياسية في التحريض ضدا على الوحدة الترابية للمغرب وقطعوا شعرة معاوية من رأسها إلى ذنبها ،فكان إثارة هذا الموضوع ليس إلا تنيبها وتحذيرا لا غير ،وإلا فالمغرب بسياسته الحكيمة وبالقيادة الحكيمة لملكه محمد السادس أبعد ما يكون عن سلوك هذا المنهج في دعم الانفصاليين أينما كانوا عبر العالم.وذلك لأنه قد ذاق الأمرين بما فرض عليه من طرف الجيران والمتحالفين معهم عبثا بافتعال جمهورية وهمية سموها بالصحراوية،وهل الصحراء قد تنتج حضارة ودولة بنفسها من دون رعاية ودعم الوطن والدولة الأم.
فالصحراء المغربية لا وجود لها ككيان مستقل إلا تحث دولة قوية ثابتة عبر التاريخ والولاء المتوارث وليست تلك إلا المملكة المغربية العلوية العريقة.في حين أقول للجانب الآخر الممثل للدولة الجزائرية :"ما هكذا تورد يا سعد الإبل" ،و"على نفسها جنت براقش" .ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.