انتخاب البكوري نائبا أولا لرئيس مجموعة الجماعات الترابية طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع    نقابة: مشروع قانون الإضراب تضييق خطير على الحريات وتقييد للحقوق النقابية    قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية يطالب الوزارة الوصية بالإسراع في أجرأة الاتفاقات    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    الأمن الإقليمي بسلا… توقيف شخصين للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    بوريطة يتعهد بالتصدي لسماسرة مواعيد تأشيرات "شينغن"    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    المحكمة تقرر تأخير محاكمة حامي الدين في قضية آيت الجيد وتأمر باستدعاء الشاهد خمار الحديوي (صور)    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين        تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    كيوسك الإثنين | الخارجية تكشف عن الإجراءات المتخذة لمكافحة "سماسرة" الفيزا    جمعية تنتقد استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي اتجاه مختلف قضايا المرأة بالمغرب    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    مخاض ‬في ‬قطاع ‬الصحة..‬    شمس الحقيقة ستسطع مهما طال ليل التعتيم    "الكونفدرالية" تتهم الحكومة ب"التملص" من التزاماتها بعد تأخر جولة شتنبر للحوار الاجتماعي    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي        بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    محام صنصال: الجزائر تنتهك الحريات    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلماتك ترسم شخصيتك
نشر في أخبارنا يوم 29 - 04 - 2020

الكلمة شأنها جليل وقدرها عظيم، فبالكلمة تتواصل مع الآخرين، وبطريقة حوارك ترتسم معالم شخصيتك، وتتضح مكنونات نفسك وملامح ثقافتك وطريقة تفكيرك، وللكلام فطنة تنبثق من فطنة العقل ونور البصيرة، وهي فطنة قادرة على استيعاب الجميع استيعابا قد تعجز عنه الأموال، ولذلك لا تجد عظيما إلا وكلامه كالدرر ومنطقه ينضح بالحكم.

يقول الشيخ على الطنطاوي: "ورب كلمة تدخل الجنة، وكلمة تدخل النار، وكلمة أنجت من القتل، وكلمة دفعت صاحبها إلى القتل، ورب صاحب حاجة عند وزير أو كبير، عرف كيف يطلبها فقضيت له، وآخر طلبها فلم يصل إليها. وكثيراً ما كان يقصدني أرباب الحاجات يسألونني أن أكلم لهم من أعرف من الوزراء والكبراء وأنا أكره أن أسأل في حاجة لي أو لغيري، فكنت أعتذر إليهم ولكني أفيدهم فائدة أكبر من وساطتي، هي أن ألقنهم الكلام الذي يقولونه للوزير أو للكبير".

ومن فطنة الكلام تنزيل الناس منازلهم، وانتقاء كلام يناسب الأحوال والمقامات.. كان (النضر بن شميل) من أساطين النحو واللغة والأدب، أخذ عن الخليل بن أحمد، وأقام بالبادية زمناً طويلاً فأخذ عن فصحاء العرب، ولما ضاقت عليه الأسباب في البصرة عزم على الخروج إلى خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدثين والفقهاء واللغويين والنحاة والأدباء، فجلس لوداعهم بالمربد وقال: يا أهل البصرة، يعز علي والله فراقكم، ولو وجدت عندكم كل يوم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم، فلم يكن يهم واحد يتكلف له ذلك، فسار إلى مرو.

قال الزبير بن بكار: حدثني النضر بن شميل قال: دخلت على أمير المؤمنين (المأمون) بمرو وعلي أطمار فقال: يا نضر، تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: إن حر مرو شديد لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق.
قال: بل أنت رجل متقشف، ثم تجارينا الحديث فأجرى ذكر النساء وقال: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سَداد من عوز)، ففتح السين من سداد، فقلت صدقوك يا أمير المؤمنين، وحدثني عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سِداد من عوز)، وكسرت السين قال: وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: السَداد لحن عندك يا نضر؟ قلت نعم ههنا يا أمير المؤمنين. قال: أوتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحاناً فتبع أمير المؤمنين لفظه، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السَداد: القصد في الدين والطريقة والأمر، والسِداد: أبلغه وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد، وقد قال العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسِداد ثغر

ومن فطنة الكلام أن يواكب نظمه طبيعة الحدث ويساير أجوائه.. كان أمير البحار (خضر بن يعقوب) الملقب بخير الدين بربروس [أي ذو اللحية الحمراء] من أبرع من ركب البحر وقاد السفن وخاض معارك الفتوحات الإسلامية البحرية إبان الخلافة العثمانية، ويحفظ لنا التاريخ رده على كارلوس الخامس (شارلكان) ملك أسبانيا عندما قال له الملك: "يجب ألا تنسى أن الأسبان لم يخذلوا في معركة، وأنهم قتلوا أخويك إلياس وعروج، وإن تماديت فيما أنت عليه وركبت رأسك فإن عاقبتك ستكون كعاقبة أخويك".
فأجاب (خير الدين): "سترى غدا، وإن غدا ليس ببعيد، أن جنودك ستتطاير أشلاؤهم، وأن مراكبك ستغرق، وأن قوادك سيرجعون إليك مكللين بعار الهزيمة".
فلما حاصر شارلكان الجزائر خرج له خير الدين بحزم وعزم، وتلا على جميع قواده وجنوده قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] وتقدم إلى الميدان ومعه رجاله، وقال لهم: "إن المسلمين في المشرق والمغرب يدعون لكم بالتوفيق، لأن انتصاركم انتصار لهم، وإن سحقكم لهؤلاء الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الإسلام".. فصاحوا كلهم: "الله أكبر" وهاجموا الأسبان فأبادوهم عن آخرهم.

والكلمات الحكيمة مردودها خير يعم المستمع والمتكلم، وقد تغير واقعا بائسا أو تعدل مسارا خاطئا أو تفجر طاقة كامنة، فينتفع ببركتها المجتمع بل ربما البشرية قاطبة .. عندما احترق معمل ومصنع (توماس أديسون) كان عمره حينئذ يناهز السبعة والستون عاماً، وقبل أن يهدأ الركام ويستقر في مكانه أرسل (هنري فورد) -عملاق الاختراعات الحديثة- لأديسون شيكاً بمبلغ 750.000 دولار، وأرفق بهذا الشيك عبارة تقول: «إن أديسون يمكنه الحصول على أي مبلغ يريده بالإضافة إلى هذا المبلغ».
كان هذا الموقف النبيل والكرم الحاتمي الفريد مثار إعجاب الكثيرين، ولكن أحد الأسباب التي دفعت (فورد) لذلك يرجع إلى موقف قديم عندما كان (أديسون) يعمل في تصميم سيارة كهربائية، وكان قد قام بالفعل بصنع البطاريات التي جعلت هذه الفكرة صالحة للتطبيق إلى حد ما، وحينئذ سمع (أديسون) أن هناك شاباً يُدعى (هنري فورد) يعمل على صنع محرك يعمل بالجازولين.
ذهب (أديسون) ليقابل هذا الشاب، وطرح عليه بعض الأسئلة، فأجاب (فورد) عن أسئلة (أديسون) بكل دقة وعناية، وفي نهاية المقابلة قال أديسون لهنري فورد: «عزيزي الشاب، أعتقد أنك ستحقق شيئاً، وأنا أشجعك على الاستمرار في محاولاتك».
قال هنري فورد: «إن كلمات التشجيع التي قالها أكبر المخترعين وأعلاهم مقاماً في الولايات المتحدة الأميركية كانت تعني الكثير بالنسبة لي» .. ونجحت بالفعل المحاولات وأثمرت سيارات تنتفع بها البشرية جمعاء.

كثرة الكلام عي وفهاهة:
وعلى الجانب الآخر نجد أن كثرة الكلام نقيض الفصاحة وآفة الشخصية ومذهبة للمروءة، وفي مكنون الحكم: "استمع أكثر مما تتكلم، وابتسم أكثر مما تتجهم، واضحك مع الآخرين ولا تضحك منهم".
وعن شعبه أنه قال: قلت للحكم بن عيينة: لِم لَم ترو عن زاذان؟ فقال: كان كثير الكلام.
وعن وديعة الأنصاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول وهو يعظ رجلا: "لا تتكلم فيما لا يعنيك".
ومن حكم العرب: "لو تأملت أحوال الناس لوجدت أكثرهم عيوبا أشدهم تعيبا".
وقال العلامة ابن الجوزي: "احذر جمود النقلة، وانبساط المتكلمين، وجمود المتزهدين، وشره أهل الهوى، ووقوف العلماء على صورة العلم من غير عمل، وعمل المتعبدين بغير علم".

ومن بديع الحكم:
- "من السكوت ما هو أبلغ من الجواب".
- "أفرح بما لم تنطق به من الخطأ مثل فرحك بما نطقت به من الصواب".
وقال ابن محيريز: صحبت فضالة بن عبيد الله -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: -أوصني رحمك الله-: قال: "أحفظ عني ثلاث خصال ينفعك الله بهن:
- إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرَف فافعل.
- وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل.
- وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل".

إن الكلام فن من الفنون، ومهارة من المهارات التي يجب أن نوليها اهتمامنا وعنايتنا؛ فعذوبة المنطق أحد أركان حسن الخلق التي أمرنا بها ديننا الحنيف، وهي مفتاح مغاليق النفوس ورسول المودة، ومن جوامع الخير أن تألف وتؤلف، فلا خير فيمن يعيش وحده، ويجافي مجتمعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.